Skip to main content

Full text of "عالم. 2016.نقد النقد"

See other formats





مجلة دوريسة محكمة تصدر عن المخلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب ٠‏ الكل بسحت 





النقد الناريخي 

التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 
سوسيولوجيا الشك .. المهري الشاعر ناقدا 

نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 

فى خطات الهو ١‏ باشتاليانه المصطلحيه 


السرقة الشعرية 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


كويت ودول الخليج العربي دينار كويتي 
.ول العربية ما يعادل دولارا أمريكيا 
رج الوطن العربي أربعة دولارات أمريكية 
دولة الكويت 
للأفراد 6 د.ك 
للمؤسسات 2 د.ك 
دول الخليج 
للأفراد 8 د.ك 
للمؤسسات 6 د.ك 
الدول العربية 
للأفراد 0 دولارات أمريكية 
للمؤسسات 0 دولارا أمريكيا 
خارج الوطن العربي 
للأفراد 0 دولارا أمريكيا 
للمؤسسات 0 دولارا أمريكيا 


تسدد الاشتراكات مقدما بحوالة مصرفية باسم المجلس 
الوطني للثقافة والفنون والآداب مع مراعاة سداد عمولة 
البنك المحول عليه المبلغ في الكويت وترسل على العنوان 
التالي: 
ص.ب: 23996 - الصفاة - الرمز البريدي 13100 
دولة الكويت 


عالم الفْك 






عالم الفْك 


العدد: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


العدد 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


المشرف الهام 
م. علي حسين اليوحة 
مستشار التحرير 
د. عبدالمالك خلف التميمي 
هينة التحرير 
د. مصطفى عباس معرفي 


د. بدر رحيم الديحاني 
د. سام عباس خدادة 


د. عباس علي المجرن 
د. محمد حسين الفيلي 
مديرة التخرير 
موضي باني المطيري 
سكرنئيرة التحرير 
أقدار علي الخضر 
بتكل لامع. لدععم © علقاء_سمقلقة 


تم التنضيد والتصحيح اللغوي والتنفيذ 


بوحدة الإنتاج في ا مجلس الوطني 
للثقافة والفنون والآداب 


دولة الكويت 


1518311:1021-3 


عالم الفك 


العدد: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


19 


د. عياد بومرزاق 
القدد ل لخر حسني 


د. جبران صالح علي حرمل 








قواعد النشر في مجلة «عالهم الفكر» 


ترحب المجلة بمشاركة الكُتّاب المتخصصينء وتقبل للنشر الدراسات والبحوث المتعمقة وفقا للقواعد التالية: 

1 - أن يكون البحث مبتكرا أصيلا وم يسبق نشره, أو قُدّم للنشر في وسيلة نشر أخرىء ويجوز للباحث أن ينشر 
بحثه في مكان آخر بعد نشره في مجلة «عام الفكر». مع الإشارة إلى ذلك. 

2 - ألا يكون مأخوذا من رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه. 

3 - أن يتبع البحث الأصول العلمية المتعارف عليها في مجلة «عالم الفكر», خصوصا فيما يتعلق بالتوثيق» بحيث 
توضع الهوامش في آخر البحثء ويشار إلى المصادر والمراجع في متن البحث بأرقام متسلسلة توضع بين قوسين, 
وثُبِيّن بالتفصيل في قائمة في آخر البحث» وفق تسلسلهاء تليها قائمة بالمصادر وا مراجع مرتبة هجائيا. 

4 - أن تكون الصور والجداول - إن وجدت في البحث - واضحة وموثقة. 

5 - أن يتراوح عدد كلمات البحث أو الدراسة ما بين 8 آلاف و16 ألف كلمة. 

6 - تُقبّل المواد المُقدّمة للنشر - مطبوعة ومصححة - على أقراص مدمجة أو بالبريد الإلكترونيء ولا ترد الأصول إلى 
أصحابها سواء نُشرت أو م تُنشّر. 

7 - تخضع المواد المُقدّمة للتحكيم العلمي على نحو سري. 

8 - البحوث والدراسات التي يقترح المحكمون إجراء تعديلات أو إضافات عليها تعاد إلى أصحابها لإجراء 
التعديلات المطلوبة قبل نشرها. 

9 - تقدم المجلة مكافأة مالية عن البحوث والدراسات المنشورة» وذلك وفقا لقواعد المكافآت الخاصة بالمجلة. 


ترسل البحوث والدراسات باسم الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآذاب 
ص . ب: 23996 - الصفاة - الرمز البريدي: 13100 - دولة الكويت 
البريد الالكتروني: «طادمع.امععمهعلقكء_سدلهه 


عالم الفكٌ 


العدث: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 





النقد التاريخي .. خطواته المنهجية والقضايا التاريخية المهيكلة له مل ل 3 1 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية .ب 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 121111111110000 


أ. عبدالكريم يحيى الزيباري م 


نقد النقد .. جدلية النظرية والمهارسة ..ب... 


د. محمد بوعزة .... 


د. عياد بومرزاق ود الوا ا لمعم مد عبط عق الوطم وار امد امل مدال ب البفطالب مون سكسا اس اسم موسا سس 1 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإتسان .-بتب.... 


د. جبران صالح علي حرفل .............. 


عالم الفك 


العدت: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


د دحا 7 :لجعو سزجاع وبود جيل 





يتناول البحث الأول في هذا العدد موضوع النقد التاريخيء» يثير فيه الكاتب إشكالية 
الكتابة التاريخية ومنهجيتهاء ويتوقف أساسا عند الوثيقة, والظروف التي تحيط 
بطريقة التعامل معهاء ومدى صدقيتهاء ويضع أمام الباحثين منهجية في التعامل مع 
الحدث التاريخي ووثائقه. وينتقد الكتابة التاريخية التي لا تدقق وتتحرى حقيقة 
مصادر الأحداث التاريخية. ويطرح البحث الثالث مسألة الشك لدى الشعراء. ويحدد 
المعرّي نموذجا لتلك المسألة... ويعتقد الباحث هنا أن الشك هو الطريق إلى حقيقة 
ومصداقية النص الشعريء وأن شعر المعرّي يثير الشكوك في القضايا التي تطرق إليها. 
أما موضوع نقد النقد بين النظرية والممارسة فإن القضية الأساسية التي يثيرها هذا 
البحث هي عدم أخذ النقد على أنه الصحيح والصادقء بل إن ذلك النقد في حاجة 
إلى نقد. وذكر الباحث كتاب محمد مندور حول النقد نموذجا ما يطرحه حول هذه 
المسألة بأنه لا بد من نقد النقد. 

ويأتي بعد ذلك بحث إشكالية مصطلح الهويةء ونعلم أن هناك في ثقافتنا مشكلة حول 
المصطلحات ومفهومهاء وهنا يركز الباحث عليهاء ويدعو إلى الاهتمام بهاء مح تركيزه 
على الجانب اللغوي وما أوردته المعاجم بشأنهاء وهو ما لا يعني اللغويين فقط. 
وينقلنا البحث التالي إلى مسألة أخرى تتعلق بالنقد. وهي السرقة الشعريةء وهي جزء 
من ظاهرة السرقات الأدبية التي تنتشر عادة في المجتمعات النامية والمتخلفة التي 


تغيب فيها ظاهرة النقد, والنقد هو الرئة التي يتنفس منها الفكر. 


عالم الفكم 


العدد: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 





١ 1121211 لك‎ 


أما البحث الأخير فهو حول إشكالية التدخل الدولي والإنساني لحماية حقوق الإنسان 
أينما كان ويتخطى ذلك التدخل حدود الدولء وتعترضه اعتبارات قانونية وسيادية, 
لا بل يوصف أحيانا بالمؤامرة السياسية تحت مظلة الجانب الإنساني... 

هذه هي أبحاث ومحتويات عدد صيف 2016, وهي ساخنة كسخونة هذا الصيف 
في منطقتنا. 

ختاماء نود أن نوجه عناية القارئ الكريم إلى أنه اعتبارا من هذا العدد. سيتم تغيير 
ترقيم مجلة «عام الفكر», من مجلدات إلى أعدادء وأننا بصدد إعداد كشاف نعرض 
فيه العناوين التي نشرتها المجلة منذ بداية صدورها إلى وقتنا الحاليء لنسهّل عليه 
متابعة أسماء الموضوعات والأبحاث التي سبق نشرهاء وسيكون شهر أكتوبر من كل 
عام موعدا لعرض هذا الكشاف... نسأل الله أن نوفق دائما لتقديم كل ما يفيد القارئ 


العربيء ويعينه على البحث والمتابعة, وكل عام والجميع بخير! 


هيئة التحربر 


عالم الفْك 


النقد التاء مد 
لنقد التاريخي العدد: 169 (يوليو - سبتمبر2016) 





النقد التاريخى 


خطواته المنهجية والقضايا التاريخية المهيكة له 
د.أبجي محمد* 
ارتبط منهج النقد التاريخي في الكتابة التاريخية بالعلوم الدينية, 
واستّخدم منهج المحدثين في توثيق الحديث بالارتكاز على الإسناد 
القائم على الجرح والتعديل. وكان الهدف هو التمييز بين الأخبار 
الصحيحة والزائفة, خاصة الأخبار الصادرة عن الرسول؛ لكونها أساس 
إصدار حكم ديني/ شرعي. 
وساهمت الصراعات السياسية والمذهبية التي عرفتها الدولة 
الإسلامية, خلال القرن الثاني الهجريء في وصول هذا المنهج إلى مستوى 
من النضجء. حيث كان كل طرف يستند على شواهد لإثبات ادعاءاته, 
فشكلت تلك الشواهد مادة خام للمؤرخين لتطوير هذا المنهج. 
وقد طرأت طفرة نوعية في منهج النقد التاريخي في الكتابة 
التاريخية العربية الإسلامية على يد ابن خلدون (ت 808 ه) الذي 
رفض الإسناد وربط منهج الكتابة التاريخية بطبائع العمران والعلم 
بقواعد السياسة والطبائع وعوائد البشر وأنشطتهم. وأفكارهم 
ومذاهبهمء وبالتالي جعل العمران البشري مقياسا لتمحيص 
الأخبار والروايات. 





* جامعة محمد الخامسء كلية علوم التربية. الرباط - المملكة المغربية. 


النقد التاريخي 





17117 


أما في الفكر التاريخي الأوروبي فقد عرف منهج النقد التاريخي طفرات نوعية ضمن الفكر التاريخي 
الأوروبيء ويمكن إجمال هذه الطفرات النوعية في ثلاث محطات؛ أولاها بدأت مع عصر النهضة. والثانية مع 
المدرسة الوضعانية. والأخيرة مع مدرسة الحوليات والتاريخ الجديد. 

بالنسبة إلى الأولى؛ فقد أرسى مؤرخو النهضة علم نقد الوثائق الذي يبين الصحيح من تلك الوثائق 
والمدلس منهاء ودراسة الحبر واللغة والكرونولوجيا والعبارات المستعملة في تلك الوثائق!!). وكان ذلك أولى 
الخطوات المهمة التي خطها علم التاريخ علما بالمعنى الحديثء والتي جاءت أساسا من تلك الفئة من 
الرهبان البندكتيين المعروفين باسم رجال القديس سانت مور. وهم الذين نشطوا في الدور الأول من مراحل 
النقد التاريخي في تجميع مصادر التاريخ الفرنسيء وجاء سبقهم في المدرسة الناقدة لأنهم امتازوا بعدم تمجيد 
مدينة معينة أو إقليم أو أسرة... وكان رائد هؤلاء العلماء المؤرخين حنا مابيلون (1707 - 1632) 11102طة/1 
صاحب كتاب 10108668م1ل ع 106 الذي وضع مع لإتعطءة' 2 عتانآ أسس علم الوثائق السياسية. أو الطريقة 
الناقدة للتحقق من صحة الوثائق. وقد اقتصر معظم جهد الرهبان البندكتيين على النقد الخارجيء أي فحص 
مدى صحة الوثيقة وأصالتها وعدم تزويرهاء وكانوا يعتبرون أن المادة التي يحتويها أي مصدر أصلي كأنها 
حقيقة مسلم بها غير قابلة للطعن. كما أن المؤرخ الإنسي لا يتعامل إلا مع الآثار التي خلفها الإنسان 
الواعي العاقلء أما الآثار التي لا تحمل كتابة. وليس فيها أي تعبير عن مقاصد الإنسانء فلم يكن يعيرها 
أهمية وينظر إليهاء كما أن انخراطه في الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت جعله يسقط في مهاوي الجدل 
الديني العقيم, وأصبح همه منصبا على البحث في الماضي عن الحجج للقارعة الخصوه©. 

أما بالنسبة إلى المدرسة الوضعانية فقد كانت من الدارس التاريخية التي وضعت أهم أسس النقد 
التاريخيء وقد عُرضت أهم مبادئها من طرف 6.3408204 و2ءنموة6.8 وغيرهما... وقد اكتملت هذه 
المبادئ في كتاب «وعندو1ومائئط 5علناة عتلة سمتاءعدلم اهل ل كأموصمآ؟؟ - 011 ووهطمموكء5 .011 
وانصب اهتمام هذه المدرسة على الارتقاء بالتاريخ إلى مصاف العلوم الدقيقة, والوصول إلى الموضوعية 
المطلقة في علم التاريخ2). ووضعوا ضوابط صارمة لتحقيق ذلك وتتمثل أهم أفكار هذه المدرسة في: 

- إعطاء المؤرخ الوضعاني أهمية بالغة للوثيقة المكتوبة. 

- التاريخ في نظر المؤرخ الوضعاني هو علم؛ لذا يعتمد في كتابته لغة سليمة لا غيرء واعتماد المحسنات 
البديعية في نظره بمنزلة الانحراف والضلالة. 

- يسعى المؤرخ الوضعاني إلى أن تكون روايته للأحداث رواية «موضوعية» لا نجد فيها بصمات المؤرخ 
بما في ذلك بصمته اللغوية. 

- الحدث التاريخي بالنسبة إلى المؤرخ الوضعاني كالتجربة التي بمارسها عام الطبيعيات في مخبره. لذلك 
يحرص اللمْؤرخ الوضعاني على استخدام الأرشيفء. ويحرص أكثر على إثبات صحة الأحداث بالوسائل النقدية 
التي أرساها علماء مثل مؤرخي جمعية سان مور في فرنساء ووضعوا أربع مراحل لإنجاز العمل النقدي: 
تجميع الوثائق» ونقدهاء وضبط الأحداثء. وتنظيم الأحداث ضمن سياق سردي كرنولوجي. 


8 


النقد التاريخى 


١ل‏ لوطو 





- بما أن الدراسة التاريخية ليست أدبا وإنما علمء فعلى المؤرخ أن يدرج في دراسته قائمة المصادر التي 
استعملهاء ويضع في أسفل كل صفحة الملاحظات والهوامش التي تمكن القارئ من التثبت من حسن استعمال 
المؤرخ للأرشيف. 

- اعتماد نوعين من النقد في نقد الوثائق: نقد خارجي لإثبات صحة الوثائق وتاريخها الدقيق وصاحبها 
وأصلهاء ونقد داخلي لإثبات مصداقية مضمون الوثيقة. 

- على المؤرخ أن يتجرد عند انكبابه على كتابة التاريخ من انتماءاته السياسية والثقافية والدينية والقومية, 
وعليه أن يترك جانبا مشاعره وعواطفه. ويحاول أن يفهم ويفسرء وألا يطلق أي حكم قيمي كأن بمدح أو 
ينوه أو يندد أو يتأسف. 

- ألا يهمل المؤرخ أي وثيقة عن قصد؛ لأن محتواها لا يتماشى ونتائج حددها مسبقا. 

- المؤرخ الوضعاني يرفض أشد الرفض أي تنظير أو نحث للمفاهيم المجردة. 

- استنكار المؤرخ الوضعاني لجوء المؤرخ للحدس. 

وفي بداية العشرينيات ظهرت مدرسة الحوليات التي يعتبر التاريخ الجديد امتدادا لها. فرفضت العديد 
من المبادئ التي جاءت بها الوضعانية» فأهملت الحدث وركزت على اللمدة الطويلة, واهتمت بالأنشطة 
الاقتصادية. والتنظيمات الاجتماعية, وعلم النفس الاجتماعيء والدفع بتقريب التاريخ من العلوم الإنسانية 
الأخرى0©, وساد فهم جديد للبحث التاريخي شكل شبه قطيعة مع المدارس التاريخية الأخرىء» خصوصا 
مع المدرسة المنهجية. واختفى معها التاريخ التقليدي الذي يهتم بصورة خاصة بالأفراد وبالفئات العليا من 
المجتمع. وبنخبه (الملوك ورجال الدولة» وقادة الثورات). وبالوقائع (الحروب والثورات). وبالمؤسسات التي 
تهيمن عليها النخب السياسية والاقتصادية والدينية. فعلى عكس ذلك برز التاريخ الاجتماعي الذي يهتم 
بالكتل التي ظلت على هامش السلطة. ونقلت الحوليات الاهتمام بدراسة الأحداث السياسية إلى دراسة 
النواحي الاقتصادية والاجتماعية©. وتتمثل الأفكار التي جاءت بها هذه المدرسة في ما يخص منهج النقد 
التاريخي في ما يلي: 

- تاريخ إشكالي من دون أن يكون آليا؛ حيث أصبحت رغبة الحوليات في الايضاح قوية أكثر من أي وقت 
مضى في طرح المشكلات التاريخية بكتابة تاريخ إشكالي لا تاريخ آلي©. 

- مهمة المؤرخ ليست البحث عن الموضوعية فقطء بل الأهم هو شخصية المؤرخ: لأن ما يميز مؤرخا 
عن آخر ليس اكتشاف المصادر التاريخية الجديدة. وإنما ما يطرحه المؤرخ من أسئلة وجيهة على تلك 
المصادر (عدغاطامءط2 - ععزه11115). 

- التاريخ مدعوا حتما إلى أن يشمل ما هو غير مكتوبء مثل علم الآثار وعلم الأيقونات. 

- مرافقة التصور الجديد للوثيقة بمنهج جديد لنقدهاء وفي هذا يشير جاك لوغوف: «إن النقد التقليدي 
للنصوص الموضوعة يبقى غير مجد... يجب تفكيك بنية الوثيقة للتعرف على ظروف إنتاجها»(. 

- الشراكة الدائمة والتعاون الوثيق بين مختلف العلوم. 


النقد التاريخي 





هذا التطور التاريخي الذي قطعه منهج النقد التاريخي يفسر مدى أهميته في علم التاريخ, وكذلك دوره 
في الدراسات التاريخية التي تبحث لنفسها عن المصداقية والعلمية, لذا فمساهمتنا هذه تكتسي أهميتها في 
استعراض أهم الخطوات المنهجية النقدية التي يستند اليها المؤرخ - اليوم - في دراسة الشواهد التاريخية, 
بهدف الوصول إلى أقواها صدقية, مع توضيح علاقتها بأبعاد التاريخ (الزمنء والمجالء والمجتمع)» وبمنهج 
المؤرخ (التعريف بالأحداث, وتفسيرها وتركيبها). ثم بالقضايا التاريخية المرتبطة بمنهج النقد التاريخي» 
والمتمثلة في الحدث التاريخي والوثيقة التاريخية والحقيقة التاريخية, والعلوم المساعدة للتاريخ: وتتمثل 
مباحث هذه الدراسة في: 

المبحث الأول: منهج النقد التاريخي. 

المبحث الثاني: النقد التاريخي وأبعاد التاريخ ومنهج المؤرخ. 

المبحث الثالث: قضايا تاريخية مرتبطة بالنقد التاريخي. 


المبحث الأول: منهج النقد التاريخي 
يتناول هذا المبحث مكونات منهج النقد التاريخي لدى المؤرخ, والإجراءات والخطوات الفكرية والمنهجية 
التي يتبعها في ذلك. 


1 - النقد الخارجي 

يوجه النقد الخارجي أو النقد الظاهري مجموعة من التساؤلات إلى الوثيقة: هل الوثيقة بين أيدينا 
أصلية؟: أم نسخة منهاء وإذا كانت عبارة عن نسخة. فهل هذه النسخة مطابقة للأصل؟, وهل ظلت على 
ما كانت عليه في أثناء تأليفها ولم تتدهور حالتها؟, أم تغيرت وم يجتزئ جزء منها؟, أم تعرضت لتشويه غير 
مقصود؟7 . ويمكن إجمال خطوات النقد الخارجي في ما يلي: 

1 -1 - نقد الأصالة 

الأصالة في اللغة مرادف «الصدق». وقد وظف المؤرخون مفهوم «صك أصلي» أو «وثيقة أصلية» بمعناه 
التقني. الذي استّقي من المجال القضائيء وميزوا فيه بين نقد المصادر الأرشيفية والمصادر الأدبية!10). 

أسس نقد المصادر على دراسة دقيقة للخصائص الداخلية والخارجية للوثيقة. وتجرى هذه الدراسات 
بالاستعانة بالعلوم المساعدة للتاريخ. وبمقارنة مع الوثائق المشابهة التي ثبت أصالتهال!!, فعلى مستوى 
الخصائص الخارجية يتم فحص المادة (الحامل لمحتوى الوثيقة) والحير. وشكل الكتابة. وعلامات المصادقة 
(التوقيعات, والأختام. وقائمة الشهود)2!'. ونتساءل حول ما إذا كانت هذه الخصائص الخارجية مطابقة لمعايير 
ونماذج وعادات المرحلة التاريخية. وفي حال عدم المطابقة لها ينبغي على المؤرخ أن يتخذ احتياطات خاصة. 

أما الخصائص الداخلية فتركز على الدراسة الدقيقة للشكل (202غطه؟) والصيغة (عأنادمعم؛), خاصة في ما 
يتعلق بالوثائق الرسمية, بمراقبة وتمحيص الاستهلال والصيغ المستعملة. والتأكد من مدى استجابتها للمعايير 
المعتادة في الوثائق الصادرة عن السلطة نفسهاء أو الجهة نفسها خلال الحقبة ذاتها2!, كما نحلل اللغة من 
)" 


النقد التاريخي 





جميع جوانبهاء ونتأكد من أن المحتوى لا يَعْرض أي خطأ, أو مفارقات تاريخية «2©5كنهمدعطةصة» (موقعة 
الأحداث. وضبط الأفكارء وذكر المؤسسات وتسمية الشخصيات في الوثائق) واستخراج الاقتباسات التي تمت 
من وثائق أخرى14). 

وفي الأخير نفحص الوسط الذي حُفظت فيه الوثيقة. والذي دونت فيه للتأكد من أن هذه الأوساط لا 
تميل إلى التزويرء ثم العمل على معرفة الغرض أو الهدف من تحرير الوثيقة والجهات التي أرسلت إليها - إن 
وجدت - للتأكد من مدى وجود فرضيات للتزوير أو الاحتيال19). 

هذا الفحص المزدوج للخصائص الخارجية والداخلية للوثيقة يمكن أن يضعنا أمام ثلاث نتائج ©1): 

- أولا: إذا كان النقد إيجابيا في جميع النواحي لهذه الوثيقة فإنها صحيحة. أي «أصيلة»» وبتعبير آخر 
الوثيقة دقيقة. وم تتعرض للتزويرء وجرى تحريرها من كاتبها أو بأمر منه. 

- ثانيا: إذا كانت الوثيقة غير صحيحة. في جانب من الجوانبء فيمكن أيضا الوثوق بهاء وهي أصلية. 
شريطة أن يُفسّر الوضع الشاذ (الأخطاء الواردة في الوئيقة) بجهل الناسخ أو إهماله, أو عدم موضعة أحداث 
في زمن وقوعها. أو حين تكون الوثيقة عبارة عن نسخة من الوثيقة الأصلية؛ حيث يؤدي فحص خصائصها 
الخارجية إلى نتائج سلبية. 

- ثالثا: إذا كانت الوثيقة تتضمن أخطاء فادحة (82©5غ:ووممع 065نا2) فهي خاطنة. أي أنه لا يمكن 
الوثوق بهاء إذ يمكن أن تكون خاطئة على مستوى المادة (الحامل). أو الصيغة, أو هما معا؛ ففي الحالة التي 
تكون المادة. أي الحامل, خاطئة فعادة ما يجري تأليف الوثيقة لتحل محل وثيقة تم إحراقهاء وهنا فهي 
خاطئة على مستوى الخصائص الخارجية لكن مضمونها قد يكون صحيحا بنسبة من النسب. وفي الحالة التي 
تكون الصيغة خاطئة فإن الوثيقة تسعى إلى الخداعء وقد تكون معه المادة خاطئة, وقد تكون صحيحة. 
وأحيانا نجد حالات تكون المادة صحيحة والمضمون غير صحيح, عندما يجري تحرير وثيقة من طرف موظف 
رسمي خلال فترة تاريخية يسعى من خلالها إلى أهداف معينة, في هذه الحالة فإن هذا التزوير يحتوي على 


بعض من الحقيقة. 
1 -2 - نقد المصدر 


- نقد مصدر الوثيقة يعني التساؤل من أين أتت؟. ومَنْ مؤلفهاء وما تاريخها؟ فالوثيقة التي لا يُعرف 
شيء عن مؤلفها وتاريخها ومكان كتابتها ومصدرها هي وثيقة لا تفيد شيئاء فإذا كانت الوثائق الحديثة تحمل 
إشارات عن مصدرها فإن الوثائق القديمة لا يعرف مكان صدورها بالدقة. ومع ذلك ينبغي الحذر؛ فالإشارات 
التي توضح مصدر الوثيقةء حتى أشدها صراحة. لا تكفي بنفسها أبداء إنها مجرد دعاوى, فمنها ما يوضع على 
مؤلفات تافهة لرفع قيمتهاء أو على مؤلفات عظيمة لتمجيد شخص ماء أو من أجل خداع الأجيال المقبلة07). 

ويبحث نقد المصدر عن جواب للأسئلة التالية(9!). 

- مَنْ مؤلف الوثيقة؟ أي التعريف بالمؤلف. 

- متى؟ أي تاريخ تأليف الوثيقة. 


11 


النقد التاريخي 





- أين؟ مكان تأليف الوثيقة. 


- كيف؟ الشكل الذي كانت عليه الوثيقة. 

- ما المسار الذي سلكته الوثيقة للوصول إلينا؟ من خلال دراسة الآثار ا محتملة التي خلفتها لنا الوثيقة. 

© مؤلف الوثيقة: فبالنسبة إلى معرفة مؤلف الوثيقة التاريخية (الأصل التاريخي) وشخصيته مسألة 
مهمة؛ لأن قيمة المعلومات التي توردها الوثيقة ترتبط كل الارتباط بشخصية الكاتب. ومدى فهمه الحوادث 
وكل الظروف التي تحيط به على العموم. فالمعلومات التي يدونها الأمير أو الحاكم أو الوزير أو الجندي أو 
الأستاذ أو الفلاح... تختلف وتتفاوت قيمتها وفق حالة كل منهم. ومؤلف الوثيقة. سواء كان شاهد عيان أو 
اعتمد على غيره من شهود العيان أو الرواة. يعد الواسطة التي يصل المؤرخ عن طريقها إلى الوقائع التاريخية, 
فإذا كان الكاتب ثقة وعدلا بعيدا عن الأهواء بقدر المستطاع, كانت معلوماته أقرب إلى الصحة بصفة عامة 
والعكس صحيح. وعلى ذلك تتضح أهمية البحث للعرفة أكبر قسط ممكن من المعلومات عن كاتب الأصل 
التاريخي أو الوثيقة التاريخية 19). 

إن معرفة الكاتب الحقيقي للوثيقة التاريخية ليست أمرا ميسراء إذ تحتاج إلى بحث دقيق نظرا إلى 
عدة عوائق قد تعترض ذلك؟ أبرزها أن عددا من الوثائق لا تحمل اسم صاحبهاء خاصة الوثائق الرسمية, 
أو جرى تأليفها من طرف أكثر من مؤلفء أو تحمل أسماء مستعارة لدواعي الحذر, أو الخوف من 
السجنء أو يستخدمها بعض الكُثّاب رغبة في الشهرة؛ لأن استعمال أسمائهم الحقيقية قد يحمل مخاطر. 
فيه بعدم إمكان معرفتهمء كما قد تعترض الباحث في التاريخ, خلال البحث عن معرفة صاحب الوثيقة 
تعدد الشخصيات التي تحمل اسم الكاتب نفسه. وفي الفترة الزمنية ذاتهاء أو كاتبا يستخدم فقط نسبه. مما 
يسهل إقحام أعضاء من عائلته. أو أن بعض الشخصيات يغيرون أسماءهم قيد حياتهم» أو يوقعون كتبهم 
باستخدام أحرف اسمه نفسهاء لكن بتغيير ترتيبها «©ع2مةمعهسة»: وهناك بعض كبار الشخصيات التي تعهد 
إلى سكرتاريتها بالتوقيع والتدوين مكانهه2!0 . 

ومهما يكن فإنه كثيرا ما يجد الؤرخ نفسه مضطرا إلى استخدام وثائق كتبها أشخاص لا يعرف عنهم شيئاء 
أو تكون المعلومات المتوافرة عنهم قليلة نسبيا. وإن مئات قواميس الإعلام ودوائر المعارف الموجودة أمامه لا 
تفيد. نظرا إلى أن اسم المؤلف غير معروف, وحتى لو كان معروفاء فإنه غير مدون في تلك الكتب. وعلى هذا 
فعلى المؤرخ أن يعتمد على الوثيقة نفسها ليتعلم شيئا عن شخصية كاتبها. ولا شك في أن وثيقة واحدة موجزة 
قد تعلمه كثيرا مما لم يعلم عن مؤلفها إذا سأل الأسئلة الصحيحة. غير أنه من الجائزء بالطبع: أن تحتوي هذه 
الوثيقة على تفاصيل واضحة عن حياة المؤلف. وحتى حين تكون الوثيقة خالية من استعمال ضمير المتكلم» 
فإننا يمكن أن نتعلم منها كثيرا عن أساليب المؤلف الفكرية في البحث» وعن سلوكه الشخصي 22 , 

© زمن تدوين الوثيقة: إن معرفة الزمن الذي دونت فيه الوثيقة التاريخية مهمة من ناحية النقد. فقد 
يكون الأصل صحيحا غير مزيف. وقد يكون صاحبه من الأشخاص الذين يتحرون الصدق والبعد عن الهوىء 
ومع ذلك فقد ينقص من قيمته التاريخية بعد الزمن بين وقوع الحادث ورؤيته» وبين تدوين أخباره فالذاكرة 


12 


النقد التاريخي 





تخون الإنسانء وكلما بعد عهد الكاتب عن زمن وقوع الحادث تعرض لأن يفوته قليل أو كثير من التفاصيل 
الخاصة. مهما كانت رغبة الصدق قوية» ومهما حاول استرجاع وقائع الماضي. فإذا لم يحدد الكاتب التاريخ 
الذي دون فيه ما كتبه فكيف يستطيع الباحث أن يحدد ذلكء ولو على وجه التقريب؟030. 

وتعتبر الأبحاث الكرنولوجية ضرورية لتحديد أو تحقيق تواريخ الوثائق القديمة, فاختلاف الأنظمة 
الكرنولوجية (لتقويم الميلاديء والتقويم الهجريء والسنة الطوارقية. والتقويم بواسطة عصور حكم 
الملوك). واختلاف نماذج الزمن (نموذج النويل 1ء210 ع4 56716 الذي تبدأ فيه السنة في 25 ديسمير. 
ونموذج عيد البشارة «هغةعمهصدف ع0 ع1بة الذي تبدأ فيه السنة في 25 مارسء ونموذج عيد 
الفصح د5عناوة2 عل عابزة الذي يبدأ في تواريخ مختلفة ما بين 22 مارس كتاريخ أدن و25 أبريل 
كتاريخ أقصى). يضعنا أمام مشكلة اختلاف في طول زمن السنوات؛ مما يفرض تحويل التواريخ المعبر 
عنها بنماذج وأنظمة مختلفة إلى التاريخ الروماني الذي يبدأ بفاتح يناير 22. إن دراسة علم «حساب 
التواريخ» يُبّسط للمؤرخ مسألة قياس الزمن وضبطه. فعالم حساب التواريخ يشرح التقاويم العديدة 
التي كانت مستعملة في أماكن مختلفة. وفي أزمان مختلفة. ويجعل بمقدورنا أن نحول التواريخ من 
تقويم إلى آخر (259. 

كما ينبغي على المؤرخ أن يسعى إلى نقد العناصر الكرنولوجية المذكورة في الوثيقة بفحص 
انسجامهاء وتعيين المحددات فيما بينهاء وإذا كان ضروريا إتمام تحليل النص المدروس وإقامة العلاقات 
مع الوثائق الأخرى©6©. 

وبالنسبة إلى الوثائق المؤرخة فينبغي فحص التاريخ الذي قدم أنه كتبت فيها.ء من خلال فحص 
الخطء وفي حال الخطأ في التاريخ فعلى المؤرخ الاستعانة ببعض المعطيات الخارجية. كنوع الورق والرموز 
والحبرء وكذا المعطيات الداخلية, مثل إشارة المؤلف إلى بعض الشخصيات المعروفة أو الأحداث المؤرخة, 
وخصائص اللغة.. 27 

وإذا كانت الوثيقة أصلية ولها معايير قيمة على مستوى الكتابة ومكونات الحبر والألوان ا مستعملة 
في التزيين وجودة الورق أو الرق وطبيعة وأصل الورق؛ لتحديد علاماته المائية وأبعاد ومكونات المخطوطء 
وعدد الأسطر وفراغاتهاء وعرض الهامش والأعمدة. وتنفيذ الديكور وتزيين الروابطء وتصنيف وتراصف 
الحفريات بالنسبة إلى ورق البرديء فإن ذلك جمَكّن المؤرخ من موقعة الوثائق بواسطة هامش من الشك في 
نصف قرن تقريبا 0 

© تعبين مكان تدوين الوثيقة: ثم يواجه الباحث في التاريخ مسألة تعيين المكان الذي دون فيه الأصل 
التاريخي. وينبغي عليه أن يبذل وسعه لكي يعرف مكان تدوينه, فهل دون شاهد العيان أخبار الحوادث في 
مكان حدوثها أم في مكان بعيد عنها؟ وهل أخذ معلوماته عن أشخاص شهدوا الحوادث بأنفسهم؟ وأين كان 
ذلك؟ وهل كان التدوين في مكان يجعل كاتب الأصل التاريخي قادرا على تصوير الوقائع تصويرا صحيحاء أم 
أن التدوين حدث في مكان بعيد. واعتمد على الذاكرة والخيال في سرد الوقائع؟(9©, 


213 


النقد التاريخي 





ا 


كما يجب على المؤرخ موقعة الأحداثء وتحديد أسماء الأماكن المذكورة في النص, ويحدد تلك الأماكن 
في الوقت الحاضرء ويرى مدى تطابقها مع المواقع الجغرافية القديمة؛ ذلك أن الأسماء القديمة تختفي أو 
تبدل من قبل السلطات, بتوظيف القواميس القديمة التاريخية والجغرافية والفهارس والخرائط الطبوغرافية 
لتحديد المكان بالضبطء وربط الاتصال بالإطار الجغرافيء وبعث المناظر الطبيعية للزمن الماضي من أجل 
فهم أفضل للأحداث التي وقعت في ذلك المكان. فبعض الجوانب السياسية والعسكرية والدينية والثقافية 
والاجتماعية والاقتصادية تصبح أكثر وضوحا بفضل هذه المواجهة للتاريخ بالمناظر الطبيعية (00, 

ويعتبر لهطء1ة84 .2 أن: «تحديد المكان الأصلي أكثر أهمية بالنسبة إلى النصوص السردية (الروائية)» 
مقارنة بالنصوص التاريخية المقرونة داتما بإطار الحياة السياسية والاجتماعية؛ نطاق معلومات الكاتب 
هو في حد ذاته معطيات إيجابية عن علاقات الوسط الذي ينتمي إليه. وعن الصورة التي تحدد وضعه 
مد بحيظة 31 

1 - 3 - نقد التصحيح صمنانطناوعءء عل عنوناضسى 

يكون الشروع في نقد التصحيح عندما لا نمتلك الأصل 2©, وعند أي وثيقة مكتوبة لا نعرفها إلا عن 
طريق نسخة أو عدة نسخ مكتوبة بخط اليد أو مطبوعة, هذه النسخ تقوم بالضرورة مقام الوثيقة الأصلية, 
وهذه الوضعية تتكرر أكثر مع النصوص السردية والأدبيةء وبطريقة تقريبا عامة بالنسبة إلى الوثائق. في 
هذه الحالة ة يمكن للنسخة أن تكون مستوعبة للوثيقة الأصلية إذا استطعنا أن نثبت أن النص المعاد إنتاجه 

سْتَنْسَحَ ونَقَلَ النص الأصلي بأمانة» وهذا على المستوى النظري أمر جد سهل, لكن على المستوى التطبيقي 
فمن غير 595 أن نسخة تتوافق في جميع النقط بالنموذج المعاد إنتاجه7”؛ فقبل استخدام الوثيقة 
يجب أولا أن نعرف هل نص هذه الوثيقة «صحيح». أي يتفق قدر الإمكان مع نسخة المؤلف التي كتبها 
بخطه؟ فإن كان النص سقيما فيجب تصحيحه 77, وتحسينه بإزالة تشوهاته, وحتى لو توافر للمؤرخ طبعة 
سبق أن عرضت على النقد فإنه يجب أن يفحص النصوص المهمة التي لها علاقة بأطروحته. وهي مناسبة 
ليكتشف جديدا 03 

فَتَقُدٌ التصحيح «806503040» يسعى إلى استرجاع واستعادة أفضل نسخة ممكنة للنص الأصليء وعادة 
ما نصادف في أثناء هذه العملية الحالتين التاليتين: 

أ - حالة الأصل المفقود وتوافرنا على نسخة واحدة فقطء وفي هذه الحالة لا بد من أخذ الحيطة. لأنه 
من المحتمل مبدئيا أن تكون النسخة تحتوي على أغلاط وتحريفات. إما أنها عرضية ناجمة عن سوء السماع 
والإملاء من النساخ, وإما عن سوء الفهم. حيث يتخيل للتُساخ أن هناك أخطاء فيعمدون إلى تصحيحهاء 
والأخطاء الناجمة عن سوء الإدراك غالبا ما يكون من الصعب تصحيحها بلء وحتى اكتشافهاء لكن أغلب 
الأغلاط العرضية يمكن حرزه إذا ما عرف المرء الأشكال المعتادة للأخطاء التي نصادفها في مثل هذه الحالة(66. 

وقد صنف أستاذ التاريخ في جامعة لييج (©عغذ1.آ) بول هارسين (1983-1902) مزوعدآ؟ ادسوط الأخطاء 
والتغييرات والتشويهات التي تلحق بنسخة ما عن طريق الناسخ إلى ثلاثة أصناف: 

14 


النقد التاريخي 

- الأخطاء العرضية »1أ1هء4 ع2 وعاقاة؛ 1.65: يرتكب الناسخ هذا النوع من الأخطاء من دون وعي» 
وأسبابها عديدة مثل غياب الانتباه, والتعب, والعجلة والتسرع؛ وصعوبة القراءة. وسوء شكل الكتابة...07. 
ويتمظهر هذا النوع من الأخطاء في القفزات (530665), والحذف والخلط بين الحروف والكلمات. وأخطاء 
الطبع (مثلا بدل من 1845 يكتب 1854). وتكرار الحروف والكلمات. وسوء الفصل بين الكلمات. وحذف 
علامات الترقيم, وهذه الأخطاء كانت كثيرة أو قليلة يسهل اكتشافها وتصحيحهاء لكن بعضها الآخر يصعب 
إصلاحه؛ مثل القفزات التي تتم من طرف الناسخ على عدد من الأسطر التي لا يمكن أن تظهر في النص 
المصحح. لكن ينبغي تسجيل غيابها في أثناء النقدة©, 

- الأخطاء الاختيارية أو ا مقصودة: في هذه الحالة الناسخ لم يفهم النص الذي يقوم بنسخه. فقررء من 
دون قصد. تزويرا أو احتيالاء تصحيحه أو إيضاحه”©. أو يعتقد أن النص مشوه ويقوم بإصلاحه. وذلك 
بإقحام تعليقات في هوامش النص الذي يقوم بنسخه!40. 

- الأخطاء الإرادية, الممنهجة والاحتيالية: هذا النوع من الأخطاء يكون الهدف منه الغش والتزوير 
والاحتيالء ويسعى فيه الناسخ إلى التصحيح للمؤلف بالحذف أو التغيير أو الإضافة(!“”. فالناسخ يضع 
أحيانا نفسه مكان المؤلف. ويغير طوعا بعض الفقرات التي استاء منهاء أو لا تتوافق وآراءه الشخصية. 
بالزيادات 0130025م62ه1 165 حيث يدرج الناسخ كلمات وفقرات هي في الأصل أجنبية عن النص الأصلي. 
وبالحذف 5655:025مم50 165 والتي غالبا ما يتم من طرف من له صلة بالوثيقة لتحقيق غرض أخلاقي 
بعد وفاة المؤلف. وبالمتابعات 200025ناهأ26رمء 15 وغالبا ما يحدث حينما يقوم ناسخ لحوليات العصور 
الوسطى متابعة رواية الأحداث انطلاقا من التاريخ الذي توقف فيه صاحب هذه الحوليات2©, 

بناءً على ما سبق فإن هذه الأخطاء يمكن اكتشافها من استخلاص الشذوذ الذي يمس الشكلء مثل أخطاء 
النحو. وفجوات البناء. واختلافات الأسلوب. واستخدام كلمات في غير محلها الزمني وامكاني. والشذوذ الذي 
يلحق بالمضمونء مثل الكشف عن الفقرات غير المفهومة, والأمور الغريبة. 

وتصحيح هذه الأخطاء يكون بإزالة هذه التشوهات. ليس وفقا لتقدير الأهواء الشخصية, ولكن بالاستعانة 
بعلم الخطوط القديمة وفقه اللغة. والإطار التاريخي. وظروف النقل... فمعرفة نوع الخط المستخدم يسهل 
تصحيح الأخطاء غير الإرادية, والتي هي أخطاء في القراءة أو السماع؛ مما يمكن من استرجاع النص الأولي. 

ومعرفة لغة المرحلة التاريخية. ولغة مكان تحرير الوثيقة الأصلء ولغة الكاتب تمنع اقتراح التصحيحات 
غير القبولة(43), 

ب - حالة الأصل المفقود وتوافرنا على عدة نسخ منه: حين تتوافر لدينا عدة نسخ صادرة لوثيقة ما نقوم 
بجمع هذه النسخ. ونشرع في المقارنة بينهاء حيث نفترض أن هناك نسخة مرجعية لهذه النسخء ثم نحدد 
العلاقة المشتركة بين هذه النسخ7”. ووظيفة الناقد أن يقدر قيمة كل نسخة من النسخء ويفاضل بينها؛ 
متبعا في ذلك قواعد منها؛ أن النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة, والواضحة أحسن من غير الواضحة» 
والقديمة أفضل من الحديثة. والنسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابلء مع مراعاة أن لهذه القواعد 


13 


النقد التاريخي 


ركم - 





شواذ0”. والهدف كما في الحالة السابقة هو الوصول إلى أقرب ما يمكن إلى الأصل وللوصول إلى النسخة الأقرب 
إلى الأصل نعمد إلى«81801821510», أي انتقاء النسخة. من خلال اتباع عدة طرق يمكن إجمالها فيما يلي: 
- الطرق التقليدية 

هذه الطرق ترتكز في الأساس على عمل منهجي يقوم على الاحتفاظ بالمخطوطات الجيدة, أي التي 
تعرض أقل الأخطاء. لكن هذه الطرق التقليدية تفرض تقديم التنبيهات التالية: أولها أن النسخة الأقل 
أخطاء يمكن أن تكون هي التي جرى تصحيحها من طرف الناسخ. ولا يمكن اعتبار هذا التصحيح بالضرورة 
حكيما. وثانيها أن عددا من الأخطاء يفترضها (يظنون بوجودها فيصححونها) عادة الوسطاء/ النساخ؛ وبالتالي 
فا مخطوط/ النسخة الأقدم تتصل عادة بالأصل بأقل عدد من النساخ الوسطاء. إذن فهو عادة الأقل أخطاء. 
لكن هذا الأمر ليس مؤكدا. كما أن المخطوطات/ النسخ الأحدث يمكن أن تكون الأقرب إلى الأصلء إذا ما 
جرى نسخها من نموذج جيد. ثالثها أن النص الذي جرى فحصه أو نقده من طرف العديد من النساخ, وأخذه 
بعضهم عن الآخرء ليس أكثر قيمة من نص لنسخة مستقلة (46. 
- الطرق الحالية 

ترتبط هذه الطرق جميعهاء برسم شجرة نسب المخطوطات/ النسخ. عن طريق المقارنة بينها للوصول 
إلى الجد (النسخة التي نُسخت عنها بقية النسخ). وهناك نماذج عدة في هذا الباب. كما يلي: 

- نموذج الأخطاء المشتركة 5عصستصدصمم 5045 و46 ممء5286: يرتكز هذا النموذج على إنشاء لوائح 
لأخطاء مختلف المخطوطات, ونزيل الأخطاء غير الملائمة للكشف عن علاقة القرابة فيما بينهاء فالأخطاء 
المشتركة تكشف القرابة, والأخطاء الخاصة بمخطوطات متشابهة تكشف طبيعة قرابتها””. وإن النسخ التي 
تحتوي على الأغلاط نفسهاء في الموضع نفسه. هي منقولة بعضها عن بعضء أو تقلت عن النسخة نفسها التي 
كانت توجد فيها هذه الأغلاط. ذلك أن الاتفاق في الأغلاط شاهد على الاتفاق ف المصدر 02 

مثال: لدينا مؤلف 72 مفقود, ونسخ عنه النسخ: 1 ,8 ,(1 ,© ,8 ,لىلء وفي هذه النسخ صادفنا الأخطاء: 1» 
2 3 4» 5 » نقترح لوائح الأخطاء لمختلف النسخ للكشف عن علاقة القرابة فيما بينها على الشكل التالي(47, 




















أ 
د حت ليت 0 ِ 
| | وي د فمهه» 39 
5 5 
ل ل ِ 
4 6 6 6 
أ الأخطاء - 7 7 27 
8 8 8 
5 1 ! 
َ ف 20 1 عخطة ال 2 
10 
ْ أ لشات ل اك 4 - ا 
- 11 3 0 | 57 2577 ماد ضدة . 
| 12 12 





16 























النقد التاريخي 





دب 02 


نستنتج أن النسخ 4 .8 ©, من الأصل نفسه. وأن 8 0, هما نسختان من 4. و نسخة من 8. لكن 
هذه الطريقة تثير اعتراضات كثيرة؛ أنها تؤدي داتما إلى تعيين جدين أو ثلاثة أو أربعة للنسخ أو أكثر. وليس 
واحدا من مجموع نسخ المخطوط المحفوظة. مما يضعنا أمام مشكلة كثرة النسخ التي خلقها بالأساس 
النقل العمودي للنص النسخ (كل ناسخ لا يمتلك نموذجا معينا). والنقل الميكانيكي (لا أحد من النساخ تجرأ 
على التصحيح). 

- نموذج المتغيرات المشتركة لدوم كوينتين «نغهع08) دده12: للخروج من المأزق الذي قد يطرح النموذج 
القائم على الأخطاء المشتركة. وضع دوم كوينتين» سنة 1922., نموذجا يعتمد في الأساس على الاختلافات بين 
المخطوطات. وليس على الأخطاء(60 , 

هذا النموذج يرفض نموذج الأخطاء المشتركة, ويدفع نحو معرفة التوافق والتعارض بين ا مخطوطات. وبما 
أن جميع المتغيرات غير قابلة للتصنيف فإن الاشتغال يتم على المتغيرات المشتركة بين أغلب المخطوطات». 
والبحث عن المتوافق وغير المتوافق عليه بين المخطوطات. ليس فقط في طريقة الكتابة عدونطم دمع مط:0, 
بل حتى في أسماء الأشخاص والأماكنء وآراء الناسخ الواردة في المخطوط. 

كما يرتكز هذا النموذج على مجموعات صغيرة, ثم التقدم خطوة خطوة. بهدف العثور على النص الأصلي 
في المخطوطء وقد تركزت جهود صنام06) 1203 على البحث على الوسائط التي تريط بين المخطوطات 
بجمع قائمة المتغيرات التي تمكن من تأسيس «بطائق للمقارنة» للمخطوطات. وا مقارنة فيما بينها ثلاثة ثم 
ثلاثة بطريقة متتابعة, وتسجيل كم مرة تقدم المخطوطات 8 ,4 النص نفسه. وأن المخطوط © يقدم نصا 
مخالفا. وبالتالي فالمتوافق عليه في 8 ,4 يعارض النص الوارد في 61(0©. 

- نموذج الحوادث المشتركة ل كلارك عاهها©: هذا النموذج يرتكز على حضور آثار الحوادث بالنسبة إلى 
المواد أو النسخ في المخطوطات. فوجود عدد من المخطوطات تعتريها فجوات ضخمة: أو سلسلة فجوات 
صغيرة تؤشر على أنها منسوخة من النموذج المتاكل نفسه. وحضور التغيرات نفسها يثبت أن ا لمخطوطات 
التي لدينا تتحدر من النسخة السيئة الاتصال نفسها والربط بين مكوناتها. من جهة أخرى بعض أخطاء 
النسخ. خاصة الفجوات. تسمح باسترجاع الوضعية المادية للنموذج/ المخطوط. والمسافة بين الأسطر وعددها 
في الصفحة. وهذا الفحص يسمح بمعرفة النموذج المستخدم من طرف مختلف النسّاخ 62 


2 - النقد الداخلي 
2 -1- نقد التأويل 

2 - 1 - 1 - مفهوم التأويل 

يعد لفظ «تأويل» في اللغة العربية اشتقاقا صرفيا من الأؤلء وهو الترجيح والرجوع. وقد اعتبر السيوطي 
(ت 1505م) أن التأويل يعني العاقبة والمآل. أما ابن منظور (صاحب لسان العرب) فقد أورد التفسير بمعنى 
التأويل2. مما يبرز أنه في الثقافة العربية هناك عدم اتفاق حول مفهوم التأويل. ونجد هذا الاختلاف - 


17 


النقد التاريخي 





د د 


بشكل واضح - بين الفقهاء والفرق الكلامية والصوفية واللغويين62©. وقد أوضح الجرجاني هذا الاختلاف. 
حيث قال:«التأويل في الأصل الترجيع. وفي الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا 
كان المحمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنة. مثل قوله تعالى: #يخرج الحي من الميت» (يونس31)» 
إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيراء وإن أراد إخراج المؤمن من الكفر أو العالم من الجاهل كان 
تأويلا»(”7 . كما نجد العروي يؤكد أنه في الفكر الإسلامي تحمل كلمة تأويل معنى خاصا ومحددا؛ ويعني 
فقط نوعا من التفسير وفق قواعد معلومة 66 

في الثقافة الغربية فقد تعددت معاني مصطلح الهرمنيوطيقا الذي اشتق من اللفظين 
اليونانيين هأعنتصعدم2ع11 وتامءدمع51 اللذين يعنيان التفسير والإعلام» أما في العصور الوسطى فقد تحول 
المصطلح من تفسير النص الأسطوري إلى تفسير النص الدينيء وفي بداية القرن ال 19 جعل الفيلسوف الأماني 
شلاير ماخر 65ط1622236»لطء5 التأويل عاما لكل النصوص. متجاوزا النص المقدس677©, 

أما في مجال التاريخ فيمكن القول إن التأويل التاريخي هو التعامل مع نص باعتباره موضوعا علميا 
يقرأ عالميا بتوظيف علوم مختلفة, كاللسانيات والأنثروبولوجيا... وبتحليل خطابه أو عناصره تحليلا 
يعتمد الإحصاء والتوزيع والتصنيف. وهو نص قابل للفهم. من خلال تجاوز ظاهره بتعدد المتلقين وتزايد 
المعارف (2700. وكذلك ذاك العلم المبني على قواعد وأسس تجعل من التأويل والتفسير. في مجال التاريخ» بناء 
علميا متناسقا ومتلازما مع الواقع التاريخي العيانيء يؤكده ويعضده. ولا يخرج عن سياقه المنطقي... عبر 
ضوابط ومحددات علمية69 

2 - 1 -2 - مراحل وخطوات نقد التأويل 

يكون نقد التأويل بالنسبة إلى المؤرخ وفق مرحلتين أساسيتين: أولاهما البحث عن إدراك المعنى الحرفي. 
والثانية بالبحث عن المعنى الحقيقي للوثيقة. وغرض المؤلف مما كتبه ©). وذلك بالتمييز بين المعاني 
الحرفية (التي قالها الكاتب)» وا معاني الحقيقية/ الواقعية (التي يريد الكاتب قولها)!!61): 

أ- تحديد المعنى الحرفي للوثيقة: تحديد المعنى الحرفي لوثيقة/ نص تاريخي معين عبارة عن عملية 
لغوية. ولا بد لفهم الوثيقة/ النص التاريخي من معرفة اللغة التي كتب بها. لا تكفي المعرفة العامة لهذه 
اللغة. بل من الضروري فهم دقائقها. فضلا عن الإطام بلغة العصر التاريخي الذي ترجع إليه الوثيقة. نظرا 
إلى تغيير اللغة الواحدة من عصر إلى آخرء. واختلاف الكلمات من مكان جغرافي إلى آخرء واختلاف أساليب 
الكتابة من كاتب إلى آخرء واختلاف معاني الكلمات من سياق إلى آخر20. لذا لفهم ما الذي قاله الكاتب 
يجب معرفة اللغة التي استخدمهاء ولغة العصر الذي تنتمي إليه الوثيقة» والمعاني الخاصة بكلماته وعباراته. 
ولغة المنطقة/ الدولة. ومعانيها الخاصة؛ والاستعمالات اللغوية التي مم تستخدم منذ زمن «عمهتهطءعه». 
ومعرفة لغة الوسط (الديرء ثكنة عسكرية. إدارة...). ومصطلحاتها التقنية/ الفنية. ومعرفة لغة الكاتب 
(طريقة العناية بالتحريرء الأسلوبء المعجم. المعاني التي يعطيها للكلمات. التركيب والبناء... )» كما تنبغي 
مراعاة المعنى العام للنص ( السياق). وألا نؤول بشكل منعزل, كل فقرة أو كلمة. لأنه غالبا ما يوجد خلف 


18 


النقد التاريخي 





كل كلمة واقع عاطفيء وواقع نفسي - اجتماعي (506121 - ودعر[29): حتى يتم استيعاب الذي تمثله كل 
كلمة بالنسبة إلى العصر الذي قدمت فيه». كما ينبغي تمييز معاني الكلمات نفسها بين اللغتين» العامية 
والأكاديمية: وكذلك في اللغتين اليومية والقانونية. وتوخي الحذر في نقل نص إلى لغتنا أنشئ في لغة أجنبية, إذ 
ا معاني المتناقضة دانئما ممكنة, وتتمظهر فيما نسميه «الأخطاء الصديقة» ونددى4 عسسه1. فضعف امتلاك اللغة 
التي نترجم منها يجعلنا نعطي الكلمات المعاني التي تملكها في اللغة المصدرء وبالتالي إعطاء هذه الكلمات 
معنى خاطنا في اللغة الهدف 62 

أما فيما يخص الوثائق الرسميةء خاصة الأوامر الإدارية. فقد يكتفي المؤرخ بقراءة ظاهر الوثيقة لإدراك 
غرض المؤلفء والتوصل إلى إدراك المعنى الحقيقي, وذلك لأن واضع النصء في مثل هذه الظروفء يتوخى 
استعمال الألفاظ التي توضح المعنى. من دون أي تردد في الأمر(”©). ولأن الشكل العام للوثيقة يؤذن بافتراض 
أنها مكتوبة بالمعنى الحرفي ©6) 

ب - إدراك المعنى الحقيقي للنص ومعرفة غرض المؤلف مما كتبه 

- دواعي البحث عن ال معنى الحقيقي للنص ومعرفة غرض المؤلف مما كتبه 

عندما ينتهي الباحث/ المؤرخ من تحديد المعنى الحرفي للألفاظ والتراكيب التي تحتمل الشك في معانيهاء 
عليه أن يصل إلى معرفة غرض الكاتبء وال معنى الحقيقي لا كتبه. فمن الجائز أنه كتب بعض الأساليب 
والتراكيب غير الواضحة: وفي هذه الحالة لا يؤدي ظاهر النص إلى المعنى المقصود, وتعترض المؤرخ حالات 
كثيرة من هذا النوع من الأساليب والتراكيب التي تحتوي على تشبيه أو استعارة أو كناية أو رمز أو هزل أو 
مداعبة أو تلميح أو تحريض67), 

وتأويل الوثيقة/ النص التاريخي تستدعيه مجموعة من الأسباب؛ أن ثمة نصوصا تاريخية ما يمكن أن 
نسميها «النصوص الصامتة» و«النصوص المبتورة» التي تخفي وراء السطور والمصطلحات. أو وراء البتر, 
مجموعة من الحقائق المستترة» مما يستدعي تدخل المؤرخ عبر التفسير والتأويل. وأن بعض النصوص 
التاريخية - كأي نصوص مكتوبة - تتكون من مجموعة من المصطلحات اللركبة» المتضمنة مجموعة من 
المعاني المحددة بلغة النص وظروف إنتاج الخطابء وكل أشكال ال معرفة المنتمية إلى حقل النص. وكل هذه 
المجموعة من المعطيات المحيطة بالنص التاريخضي لا تجعله يعبر عن نفسه. ما يستدعي تدخل 
«المؤرخ للوقوف على حقيقته وجوهره. وهو ما يفرض عليه الدخول في عملية التأويل». 

ثم إن المعنى الظاهريء أو الصريح: للنص التاريخي يخفي وراءه معنى مضمرا وجب البحث عنه عن طريق 
التأويل. كما أن التأويل في التاريخ يصبح مشروعا عندما يكون المعنى الحرفي للنص غير معقول. أو مضطربا أو 
منافيا للوقائع التاريخية المعروفة؛ ففي هذه الحالة لا يمكن للمؤرخ الحصيف أن يصمت أمام مشهد تاريخي 
غير عاديء لا تزكيه المعطيات ولا يقبله العقل. وفي غياب أي شاهد ملموسء يضطر إلى اللجوء إلى التأويل (68. 

أضف إلى ذلك انقطاع السند. وما يسببه ذلك من استفهام لدى المؤرخ. وفي هذا الصدد يقول عبدالله 
العروي: «كل استفهام مسبوق باستغلاقء بانقطاع السند. وهو أمر كثيرا ما يحدث بعد كارثة طبيعية... 


19 





أو بعد هزيمة عسكرية» وكلما انقطع السند تجمد الواقع التاريخي... ويقف المؤرخ أمامه. أمام مخلفاته, 
مستغربا مستعبراء... ما هو المفتاح لفك اللغز؟»7©, 

كما أن انفتاح علم التاريخ على سائر العلوم الأخرى أخذت تقتحم مجاله نصوص جديدة تنتمي إلى 
حقول معرفية متنوعة المشارب, كالأدب والفقه والأنثروبولوجيا وعلم النفس واللسانيات... وقد أدى هذا 
الانفتاح دورا أساسيا في التوجه نحو التأويل في التاريخ. ذلك أن نصوصا تندرج في مثل هذه الحقول اللعرفية 
تستلزم بطبيعتها عملية التأويل. كما أن بعضها يمثل وجهة نظر قوى المعارضة. لكن بخطاب يعتمد على 
الرمز والتمويه؛ كالتعبير بكلام ينسب إلى الموقء أو بالخوارق والكرامات الصوفية. أو التعبير بالأحلام أو 
بالمعنى المضمرء أو باستعمال صيغة المبني للمجهول في رواية الخبر. وبالمثل يرد الكلام في العديد من أمثال 
هذه النصوص «التاريخية» على لسان الحيوانات» وهو تعبير لا تفرضه الضرورة التعليمية التي يستهدفها 
صاحب النص فقطء بل أيضا لتفجير جملة من المكبوتات السياسية والاجتماعية لديه. وجل هذه الصيغ 
التعبيرية تعد أشكالا نصية تاريخية مجازية قابلة للتأويل. ثم التورية. حيث يوجد في التاريخ الصوفي بعض 
المتصوفة والأولياء الذين اعتمدوا على التأويل: أو الفعل الذي يستدعي التأويل الباطني أو الظاهري وسيلة 
للبحث عن جوهر الحقيقة أو التصريح بهاء أي التمويه والتستر عن ذكر المقاصد. الأمر الذي يستدعي تدخل 
المؤرخ لفك طلاسم هذه التوريات التي تحويها نصوصه. وتأويلها بما ينسجم مع الواقع التاريخي. 

كما يعد الإيحاء أيضا أحد الحوافز التي تجعل المؤرخ يلجأ إلى التأويل. فثمة أعمال فنية. كالصور 
واللوحات والتماثيل. توحي بالعديد من التأويلات للمؤرخ: وكذلك الحال بالنسبة إلى فن النحت والموسيقى 
والأشكال الفنية, كالرقص والموسيقى والأهازيج والحركات الفولكلورية؛ وأشكال الهندسة المعمارية والنقوش 
التي تزين جدران البيوت والزليجء والزخارف التي تتميز بها صناعة الخزف والأواني كل هذه الأعمال الفنية 
الإيحائية وغيرها تسمح بهامش واسع من التأويل. 

كذلك الرموز والألوان لها دلالات وشعارات الدول وألويتها وراياتهاء وعلامات الألقاب والكنى والشارات» 
مثل شارات الملك وشارات الجيوش والنقود. والمسكوكات, ودلالات الأنساب والقبائل كلها تفتح باباً 
للتأويل70, 

- شروط أو ضوابط نقد التأويل للوصول إلى المعنى الحقيقي 

ومن أجل تأويل مناسب للنص يجب على المؤرخ أن يضع نفسه محل الكاتب/ المؤلف واختراق فكره. 
وهذا الأمر ضروري لتفادي الأفكار المسبقة. وعدم التركيز على قراءة جزء من الوثيقة فقطء باستحضار جميع 
جوانب شخصية الكاتب (زمنه. ومنطقته الجغرافية, ومهنته. وهدفه من التأليف. وأسلوب النص)!!”. 

ولتجنب التأويلات الخاطتة ينبغي أبدا ألا نحاول تخمين ما يريد الكاتب قوله. بل يجب استخراج 
ما يتضمنه النصء ليس أكثر! وإذا كان النص ملتبسا فينبغي ألا تمُجَّد التفسيرات الأكثر إيجابية لأطروحة 
الكاتبء لكن ينبغي أن نفسر كذلك بأمانة إلى الاحتمال الذي يمكن أن يميل إليه النص2. هذا على الأقل ما 
تدعو إليه المدرسة الوضعانية التي لا تؤمن بتعدد التأويلات. وفي هذا يقول رائدا هذه المدرسة في فرنسا 


20 


النقد التاريخي 
د37 جا خرص بج عو عو وو ا 

كذماهممآ مك1١‏ دعاتقطبتووهطممعاء5 5ع[تمطن: «إن الوثيقة لا تحتوي إلا أفكار كاتبهاء وينبغي أن 
يتخذ المرء قاعدة له أن يبدأ بفهم النص في ذاته. قبل أن يتساءل عما يمكن استخلاصه منه من أجل التأريخ؛ 
وهكذا نصل إلى هذه القاعدة المنهجية العامة, وهي: دراسة كل وثيقة ينبغي أن تبدأ بتحليل مضمونها لغير 
غاية إلا تحديد فكرة المؤلف الحقيقية»73. 

وعموما يمكن إجمال ضوابط وشروط تأويل الوثيقة التاريخية عموماء والنص التاريخي خصوصا - وإن 
من الصعب حصرها أو الاتفاق حول مواصفاتها - في يلي 72 

- ينبغي أن يشكل النص موضوع التأويل وحدة تتسم بالتناسق والكمال والشمولية والانتظام؛ لأن 
ا مؤرخ إذا انطلق من نص يغلب عليه التفكك والاضطراب والابتسار والتقطع, فإن النص ذاته يصبح غير قابل 
للتأويل» وكل سعي وراء ذلك يكون مجرد لغط أو «كماليات» فكرية. ولا يكون التأويل - وفق العروي - 
ممكنا إلا «إذا كانت المادة المدروسة «وحدة منسقة» تتسم بصفات الكمال والشمولية»(75©, 

- يجدر بالمؤرخ قبل تأويل النصء تأمله اعتمادا على تصورات ذهنية ومعارف أولية تعطي للمؤول 
أبعاد النص المؤولء وفي هذا يقول العروي: «إذا أراد المؤرخ أن يدرك معنى قلا بد له أن يقوم بعملية ذهنية 
مزدوجة يشارك فيها العقل والحدس على السواءء. لا بد من أن يجري تعارف واستئناس بينه وبين المادة 
المدروسة, فيبني على أساسها مقياسا هو الأنموذج الذهني... مقياسا إجرائيا منسوبا إلى الكلة المدروسة» 76) 

- فهم النص التاريخي الذي يستدعي بانغلاقه التأويلء وهذا الفهم يتشكل من خلال ما يقوم به 
المؤرخ من عمليات المقايسة والمقابلة والمعارضة والترتيب» انطلاقا من مجموع المستندات/ الوثائق التي 
يجمعهاء أو ما يسميه البعض بمسند البحث, يحتك بها ويستأنس حتى يصبح لديه نوع من المعتاد 
والمألوف. فيصبح في عقله تصور يعكس النظام الضمني لتلك المستندات تقوده إلى حكم يستنبط منه 
مجموعة من الأقيسة أو المقاسات. بهدف إعادة تركيب تلك المجموعة في شكل «كلة» مغلقة. على حد 
تعبير العروي. وإذا نجح في هذا المسعى يكون بذلك قد فهم النصء وتعد هذه القاعدة مشتركة عند كل 
المؤولين برغم الاختلاف في النتائج. 

- حاجة المؤول إلى معرفة تاريخية تحيط بأهم التجارب التاريخية الكبرى للبشرية المادية منها والروحية, 
وذلك قصد استلهام المعنى الذي يحاول استخراجه من النص التاريخي المؤول. 

- تجاوز القراءة السطحية للنص التاريخي إلى قراءة شمولية تقوم على النظرية الكلية الفاحصة. مع 
مراعاة التقيد بمقصدية النصء وعدم التسرع والتعميم. وقد كان العلماء المسلمون على حق حين وقفوا من 
التأويل موقف من لا يرضى بمجرد الظن. 

- البحث عن المعنى المضمر في النصء أي المعنى غير المصرح به في الجملة اللغوية المنطوق بها. 

- احترام القراءة السياقية للنصء من خلال وضعه في سياقه المرجعيء أي سياق التاريخ؛ فال معنى المراد 
تأويله يحتاج إلى معنى آخر يثبته, وعلى المتلقي أن يرصد معنى للمعنى الذي أثبته في لحظة التأويل» ونعني 
بذلك ضرورة استحضار ظروف إنتاج الخطاب. وربط النص بثقافة المحيط الذي أنتجه. وفي إطار استحضار 


21 


النقد التار يخي 


ع وي نذلت ام 
0 





ظرفية إنتاج الخطابء ينبغي التمييز بين تاريخية المؤلف وتاريخية النصء فتاريخية المؤلف تتمثل في ظروفه 
ووضعه السوسيو - اقتصادي والنفسيء وكذا التيارات الثقافية والحزبية التي كان ينخرط فيها. أما تاريخية 
النص فهي الحقيقة التاريخية التي يفصح عنها النصء باعتبار أن ما يطرحه يكون موجها لأناس يعيشون في 
عصر له خصوصياته الثقافية والدينية والاجتماعية. 

- مراعاة انعدام وجود تناقض المعنى المؤول مع معطى الواقعء وإلا فقد التأويل مصداقيته. فالتأويل 
التاريخي يجب أن ينتهي إلى التعاضد مع الواقع لا التنافر معه. لأنه يكمل صورة الواقع أو الحقيقة التي 
يبحث عنها المؤرخ. 

- عدم إسقاط الحاضر على الماضي في عملية التأويل التاريخيء فالنص يؤول وفق اختلاف ظروف البحث 
وظروف الإنصاتء وإن كان البعض يرى صعوبة التحرر من المحيط الثقافي للمتلقي. 

- احترام منطق النص وبنيته الداخلية ومقارنته بنصوص خارجية؛ إذ لا يستقيم تأويل نص ديني كنص 
في السير والمغازي. 

تأويل النص يحتاج إلى التحليل اللغوي في مستوبيه الصوتي والدلالي. بتفحص الجانب الصوتي في 
المصطلحات الواردة في النص؛ لأن مراعاة هذه الاختلافات الصوتية ودلالاتها تعد أداة مهمة تسعى -بامتياز- 
إلى الحيلولة دون السقوط في جروف التأويل الخاطئ.ء لأن المعنى قد يتغير أحيانا وفق اختلاف مخارج 
الأصوات. وقد كان ابن خلدون من السباقين إلى ضرورة مراعاة مخارج الحروف للدلالة على المعنىء وفي 
هذا يقول: «اغلم أن الحروف في النطق كما يأتي شرحه بعد؛ هي كيفيات الأصوات الخارجة من الحنجرة 
تعرض من تقطيع الصوت بقرع اللهاة وأطراف اللسان مع الحنك والحلق والأضراسء أو بقرع الشفتين أيضاء 
فتتغاير كيفيات الأصوات بتغاير ذلك القرعء وتجيء الحروف متمايزة في السمع: وتتركب منها الكلمات 
الدالة على ما في الضمائرء وليست الأمم كلها متساوية في النطق بتلك الحروف. فقد يكون لأمة من الحروف 
ما ليس لأمة أخرى... ولما كان كتابنا مشتملا على أخبار البربر وبعض العجم, وكانت تعرض لنا في أسمائهم 
أو بعض كلماتهم حروف ليست من لغة كتابنا ولا اصطلاح أوضاعناء اضطررنا إلى بيانه وم نكتف برسم 
الحرف الذي يليه كما قلناه؛ لأنه عندنا غير واف بالدلالة عليه. فاصطلحت في كتابي هذا على أن أضع ذلك 
الحرف العجمي بما يدل على الحرفين اللذين يكتنفانه ليتوسط القارئ بالنطق به بين مخرجي ذَيْنِكَ الحرفين 
فتحصل تأديته»!77. 

- الابتعاد عن التأويل الموجه المنطلق من مقولات جاهزة أو تصورات قبلية, والتحرر من أي احتواء 
للذات المفسرة. ووهمها بالقدرة على التأويل انطلاقا من توجهات معينة. وفي هذا الصدد يقول فوستيل 
دي كولونج: «بعض العلماء المحصلين يبدأون بتكوين رأي... بعد هذا فقط يقرأون النصوصء وهم بهذا 
في خطر ألا يفهموهاء أو يفهموها فهما خاطثاء ذلك أنه بين النص والعقل المستبق برأي... يقوم نوع من 
النزاع الصريح. ويرفض العقل أن يدرك ما هو مضاد لرأيه» والنتيجة عادة لهذا النزاع ليست أن يسلم العقل 
ببينة النصء بل على العكس النص يؤول ويُكيف ويطوى ليتكيف مع فكرة العقل السابقة... وإقحام الأفكار 


22 


النقد التاريخضي 
2ح لجس ص جور 

الشخصية في دراسة النصوص... فيخيل إلى المرء أنه يبصر شيئاء وهو في الواقع لا يبصر شيئا. ويخيل إليه أنه 
يشاهد واقعة. وفورا تتخذ هذه الواقعة اللون وال معنى اللذين يريد العقل أن يجدهما فيها. ويخيل إليه أنه 
يقرأ نصاء ولكن عبارات هذا النص تتخذ معنى خاصا حسب الرأي السابق الذي كونه الإنسان عنه»78©, 

- تجاوز التأويل المؤدلج. حيث إن كل فعل تأويلي يفقد مصداقيته إذا اقترن بالإسقاط الأيديولوجي 
المقنع» والتقييم الشكلي الاعتباطي الذي يعمل على تجويف النص التاريخي من دلالته. وتحويله إلى هيكل 
فارغ لا قيمة له. 

- مراعاة معاني الدلالات الرمزية في النسيج الثقافي؛ فعند افتراض وجود دلالة رمزية في النص التاريخي» 
فإن تأويل المؤرخ يغدو ضرورياء لكن يتحتم عليه الأخذ بعين الاعتبار ما تعكسه الدلالة الرمزية في الفكر, 
ومدى تجذرها في الثقافة العربية إذا كان النص المؤول يهم التاريخ العربيء وبما تختزنه هذه الثقافة من 
مأثورات ومعتقدات شعبية ومتخيل اجتماعيء على أن يكون النص مكونا من جملة معان تربط بينها الدلالة 
المباشرة التي تحيل عليها الوحدات المكونة له. 

إن ما سبق ذكره يهم في مجمله الوثائق المكتوبةء أما بالنسبة إلى تأويل التمثال من رسومات ومنقوشات 
ومصبوغات وهندسيات منسوخة وأوان خزفية... فبعكس التحاف أو الفنان أو الشاعر أو الفيلسوف الذين 
يندفعون إلى مختلف طرق التأويل ينبغي على المؤرخ: إذا استعصى عليه تأويله» أن يلوذ إلى الصمت في 
انتظار شواهد أخرى. أي تزكية مكتوبة أو خبر مروي يستغله لتفكيك اللغز المصور 7 . 

2 - 1 - 3 - حدود التأويل 

تعترض المؤرخ. في أثناء عملية التأويل. عدة صعوبات تجعل من عملية التأويل مهمة شبه مستحيلة» 
وأول هذه الحدود, وفق العروي. هو إذا كانت المادة المدروسة لا تشكل «وحدة منسقة» تتسم بصفات 
الكمال والشمولية والانتظام بقيمة جوهرية» ويعتبر التأويل في غيابها غير ممكن. وإذا حدث التسرع في 
تعميم إشكالية الفهم تنشأ الشبهات والمغالطات!80, 

وهنا تطرح مسألة أساسية. وهي أيضا من حدود التأويل التي لا ينبغي للمؤرخ الوقوع فيهاء وهي مسألة 
التقويل؛ فعندما يفرض القارئ. أي قارئء على النْص معاني لا يحتملها ولا يطيقها. أو أنه يرفضها فإن 
المؤوّل قد تجاوزالحد والحدود. وانتقل من عملية التّأويل إلى عملية التّقويلء أي تقويل النّص ما لا يقول» 
وربما ما لا يريد أن يقول!51), 

أما فيما يخص الوثائق الأيقونية والتصويرية فتعترضها عدة صعوبات؛ لذا ينبغي أن نفهم ما تقدمه 
هذه البيانات والرسومات بدقة؛ ففي العصور الوسطىء وعلى سبيل المثال حيتما نكون أمام رسم يصور ملكا 
مستلقيا في سريره وتاجه فوق رأسه. فهذا الرسم لا يريد أن يقول بأن الملك احتفظ بالتاج فوق رأسه لينام, 
بل هو دلالة ورمز لقوة سلطانه620, 

الصعوبات نفسها تطرحها الصور والرسومات التي ترد في الجرائد والصحفء ووسائل الإعلام الحديثة؛ ففي 
كثير من الأحيان ما نجد الصحف والقنوات التلفزيونية توظف الصورة نفسها لشخصية معينة التقطت له في 


23 


النقد التاريخي 





مناسبة غير التي وردت بشأنها الصورة, وتستخدم الصور نفسها التي تتوافر لديها في الأرشيف؛ لأن صاحب الصورة 
لم يوافق على نشر صورته لأسباب تخصه. أو تقوم هيئة التحرير بربط صورة هذه الشخصية بعنوان أو موضوع لا 
يعبر بالضرورة عن حقيقتهاء أو أن تتكلف برسم صورة لتلك الشخصية قصد السخرية منها (كاريكاتير). 

لذا فكل تأويل خاطئ يؤدي إلى التضليل وتحريف الحقيقة؛ مما يتحتم معه ضرورة اتخاذ الحيطة 
والحذر تجاه هذه الوثائق؛ خاصة أن لا شيء أصبح صعبا من الناحية التقنية لإدخال تغييرات تحرف تلك 
الصور (المونتاج)(83) 


2 -2 - نقد الكفاءة 

يبحث نقد الكفاءة الإجابة عن الأسئلة التالية: هل الشاهد قام بالملاحظة بالعناية اللازمة؟. وهل هو 
قادر على الملاحظة على الوجه الصحيح؟. وهل هو قادر على الإدراك والفهم الجيدين؟80©, 

وبعبارة أخرى فهو يسعى إلى التحقق من الظروف التي تعرف فيها الكاتب على الحدث الذي قام 
بروايته. فالكاتب/ المؤلف يمكن أن يكون شاهد عيان ععندلنهه صنمدمغ): أي شاهدا مباشرا على الحدث 
الذي يرويه. وهنا نميل إلى إعطاء مزيد من الثقة إلى الكاتب الذي روى حدثا شاهده بنفسه. ومن المهم مع 
ذلك التحقق من جودة الشهادة المروية التي يمكن أن تكون مباشرة (من دون وساطة). وكاملة (تحمل لنا 
مجموع الحدث الذي جرت ملاحظته وليس جاتبا من جوانبه)» وخام (تنقية الوثائق الشخصية التي تكون 
في بعض الأحيان مغلقة)» فتكون بذلك النتيجة أنه إذا كانت الشهادة قد جاءت فورا بعد الحدث المروي 
فيمكنها ترجمة الإدراك (الانطباع والشعور) الذي أدلى به الشاهد. لكن إذا كان الشاهد متعبا أو غافلا فلا 
يمكن أن ننظر إلى الحدث إلا بطريقة ناقصة(85, 

كما أن كفاءة الشهود غير متساوية. حتى لو كانوا متساوين في قربهم من الحادث. فكفاءة الشاهد 
تعتمد على درجة الخبرة, والحالة العقلية والصحية والعمر والتعليم والذاكرة والمهارة القصصية... ©8)ٍ 

وإجمالا يمكن القول إن كفاءة الشاهد تفترض أن تتوافر الشروط التالية: 

- أن يكون الشاهد في وضع طبيعي لا يعيقه عائق في أثناء عملية الإدراك والمشاهدة. بألا يوجد في 
عزلة أو في وضع جسدي مرهقء أو وضع نفسي متأثر بمخاوف تمنع التركيز والانتباه أو عاطفة تثير الهذيان 
والأوهام””*. وأن يتمتع بحواس سليمة وعقل سليمء مما يمكنه من إعطاء معلومات صحيحة عما شاهده 
وسمعه بنفسه. ذلك أن الشخص ضعيف البصرء مثلاء لا يستطيع أن يصف الحوادث على حقيقتها مهما كان 
صادق الرغبة في قول الصدق وتصوير الوقائع التاريخية على حقيقتها(ة©©. 

- أن تكون للشاهد قدرات فكرية خاصة.ء أي التوافر على القدرات الذهنية والثقافية التي تمكنه من 
التعبير الصحيحء وأن تكون لديه الدقة في اللغة لوصف ظاهرة دينية أو سير عملية جراحيةء أو جلسة 
محكمة... أو ظواهر مركبة جماعية كانت أو تقنية غالبا ما تتطلب معارف تقنية7”*, والقدرة على تسجيل 
المعلومات التي شاهدهاء والسرعة إلى ذلك حتى لا تكون عرضة للنسيان!0©, 


24 


النقد التاريخي 
- تجنب الأحكام المسبقة التي تؤدي إلى تركيز الاهتمام فقط على بعض الملاحظات الأولية» وترتيبها 
تشكن معد 6817 


2 - 3 - نقد الصدق 

يرتبط نقد الصدقء في جزء كبير. بنقد الكفاءة. خاصة فيما يتعلق بالكفاءة البدنية (سلامة 
الحواس). ويبحث نقد الصدق في تمحيص ما إذا كان الكاتب/ الشاهد/ الراوي لا يحرف عمدا 
الوقائع التي عرض لهاء لكون الكاتب - في كثير من الأحيان - يمكن أن يصرح بغير الحقيقة. لكن 
بالتأكيد يصرح بالذي يريده أن يكون «حقيقة». كما يمكنه أيضا أن يصمت عن بعض الأحداث. 
وفي هذا الصدد يقول هذماعهمة عمك1!؟ وعامقطن ووهطممهاء5 دعامقطن: «هناء كما هو الشأن 
بالنسبة إلى جميع العلومء نقطة البدء يمكن أن تكون الشك المنهجيء وكل ما هو غير مؤكد يبقى 
مشكوكا (غير جدير بالثقة) مؤقتاء ولتأكيد موقف ما يجب تقديم أسباب هذا الشك بشكل دقيق. 
وتطبيقه على ادعاءات الوثيقة... وعندما تكون الشواهد غير كافية لإتشاء معرفة علمية حول حدث 
ماء فإن الطريقة الصحيحة الوحيدة هي «الأغنوسية» (اللاأدرية) عتدمك)وممهه بمعنى الاعتراف 
بعدم اطعر: فة»02, 

وقبل الحديث عن الأسئلة التي ينبغي أن يطرحها المؤرخ لإخراج الحقائق من الشك والريبء نستعرض 
بعض الحالات والوضعيات التي يشوه أو يغير فيها الكاتب/ الشاهد/ الراوي الحقائق التاريخية. والتي عادة 
ما تكون على الشكل التاليي 730 

- إذا كان يستفيد من الكذب؛ كأن يمجد شخصا نفسه في مذكراته. طلبا لمكانة, أو مناشدة لإبعاد تهمة. 
أو الرد على انتقادات صدرت حول تصرفاته أو سلوكاته. أو أن يجد شخص ما نفسه في وضعية المرؤوس؛ 
فيميل إلى وجهة نظر رئيسه للحفاظ على وضعيته أو تحسينها. 

- إذا كان» في أثناء تحرير وثيقة عمومية أو خاصةء يوجد في شروط تتعارض والقواعد المعتادة, والتي 
تجبره على الكذب بتغير بعض المعطيات ( المكانء واليوم, والساعة, وعدد وأسماء الشهود, والتصريح بمداخيل 
أو أرياح... ). 

- يغير الحقيقة لتعاطفه أو كراهيته لمجموعة من الناس (دولة. طائفة دينية/ فلسفية. قئة اجتماعية, 
حزبء نقابة, مدينةء عائلة... ). 

- يغير الحقيقة لغرور لنفسه أو للجماعة التي ينتمي إليها. 

- احترام القواعد الأخلاقية, أو طريقة معينة بهدف إرضاء العامة والجمهور وتفادي الوقوع في صدام معه. 

- استخدام المحسنات البديعة 5عانإ56 ع مععدهة لإرضاء فئة من الجمهور على حساب قول الحقيقة. 

ولتفادي الوقوع في شباك هذه الحيل الذي يضعها الكاتب/ الراوي/ الشاهد والتي تؤدي إلى تشويه 
وتغيير الحقائق, على المؤرخ أن يجيب عن الأسئلة التالية: 


25 





- هل الراوي/ الكاتب/ الشاهد له مصلحة فيما يروي؟ وهل هو يزين لنا الأمر ويحسنه فيعتمد الكذب 
ليسوقنا إلى استنتاج معين؟ فإذا ما خامرنا في كلامه شكء. وخالجنا فيه ظنء: تحرينا غرضه فيما يكتب 
أو قول0 6 

- هل وجد الراوي/ الكاتب/ الشاهد في مركز «وظيفة, مهمة» اضطره إلى الكذب ومخالفة الحقيقة؟ 
وهل هناك ظروف فوق طاقته اضطرته إلى الكذب؟(3©, 

- هل شايع وأيِّد الراوي/ الكاتب/ الشاهد فئة معينة من الناس حتى اضطر عن قصد.ء أو غير قصد. أن 
ينظر بعين الرضا إلى الفئة التي ينتمي إليها فيناصرها على الأخرى29”؛ لذا يتبغي على المؤرخ أن يكشف 
أي هذه الجماعات (أسرة. حزبء. طبقة اجتماعية» دولة. مذهب سياسي/ ديني/ فلسفي/ اقتصادي). تهم 
المؤلف ولأيهما كان يعمل ويكتب إذا كان قد فعل ذلك67, 

- هل اندفع الراوي/ الكاتب/ الشاهد بشيء من الغرور والكبرياء لينطق بالكذب ويحيد عن قول 
الحقيقة؟ وهل أقدم على ما يروي بداعي المفاخرةء أو المنافسة؟ لذا على المؤرخ فحص الرواية من هذه 
الناحية قبل اعتمادها(ة©, 

- هل الراوي/ الكاتب/ الشاهد أورد أخبارا وآراء تناسب ذوق الجمهور ورغبته؟ وهل قصد إرضاء 
الجمهور ومداراته. أو على الأقل تعمد عدم إزعاج الرأي العام؟ وعلى المؤرخ معرفة هذا الأمر والعوامل التي 
دفعته إلى هذا السبيل؟69 

- هل وظف الكاتب أسلوبا أدبيا لإرضاء ذوق الجمهورء فأدى به ذلك إلى العبث بالألفاظ؛ فيقدم أو 
يؤْخْرء أو يزيد أو ينقص, ذلك أنه كلما كان التعبير جميلا من الوجهة الفنية وجب على المؤرخ أن يأخذ 
الحذر ويتشكك في صحة المعلومات الواردة. وعليه أيضا أن يعرف الأسلوب المثاللي لكاتب الأصل التاريخي» 
أو لعصرهء حتى يكون على علم بالألفاظ والجمل والأساليب التي ترد لموافقة ذلك الأسلوب الأدبي المعين. 
على أن هذا لا يمنع من وجود بعض المؤرخين الموهوبين الذين يكتبون بأسلوب أدبي فني جميلء وفي الوقت 
نفسه لا يحيدون عن الحقائق التاريخية التي يتوصلون إليهاء كما أن هذا النوع من الكتابة التاريخية الأدبية 
لا تجد سبيلها في الغالب إلى دور الأرشيف !190 

يعد تطرقنا إلى الحالات التي تحرف فيها الحقائق التاريخية: وإلى التساؤلات التي ينبغي أن يتسلح 
بها المؤرخ لاكتشافهاء ينبغي أن نؤكد أن عدم الرغبة في قول الصدقء سواء أكان مقصودا أو نابعا من 
اللاوعيء يؤدي إلى خطأ التعبير عن الحقيقة أكثر من حذف الحقائقء ليكون المؤرخ أمام وثيقة فيها 
حذف لحقائق ماء أو انحيازء أو هما معاء ومع ذلك فإنه عليه داتما أن يتذكر أن أسوأ شاهد قد يقول 
أحيانا الصدقء وأن عمل المؤرخ هو استخلاصء أي ذرة من الصدق لها صلة بالموضوع إذا كان بإمكانه 
أن يفعل ذرك!(2001, 

وينبغي أيضا ألا ننسى أن هناك أحوالا قد تساعدنا على معرفة الشاهد الصادقء يمكن تحديدها في 
مانن 002 


26 


النقد التاريضي 





- عندما يكون مفاد العبارات مسألة لا يبالي بها الشاهد. فأغلب الظن أنه عندئذ يكون غير متحيز. 
ويذلك يسجل الحقيقة صادقة. 

- عندما يأتي بعبارات فيها تحامل على نفسه. أو على جماعة عزيزة عليه. أو ضد مصلحته الشخصية. 
ومع ذلك ينبغي على المؤرخ, في هذه الحالة, توخي الحذر. 

- عندما تكون الحقائق أمرا شائعا ومعروفا لدى الجميع بدرجة تجعل الشاهد لا يستطيع أن يخطئ فيها 
أو يكذب. ومع ذلك ينبغي التأكد من أن الحقائق التي أوردها الشاهد قد نظر إليها أناس آخرون عاصروها 
نظرة ممائلة, وأنه قد توافرت لديهم الفرصة ليعرفوا شيئا عنها. 

- عندما ترد عبارات حول الحقيقة موضوع السؤال غير معروفة معرفة جيدة. وتأق هذه العبارات عفوية 
تكون على درجة من الاحتمالية تجعل الخطأ أو الكذب فيها بعيد المدى. 

- عندما تكون النماذج الفكرية والمفاهيمية لشاهد ما معرفة. وتصدر عنه أقوال لا تتفق مع تلك 
النماذج, أي إذا جاءت العبارات مناقضة لآمال وترقبات الشاهد, فإنها تكون على قدر كبير من الصحة. 


2 -4- نقد الدقة 

إذا كان هدف نقد الصدق الكشف عن الأخطاء المقصودة من طرف الشاهد/ الراوي/ الكاتبء. فإن نقد 
الدقة يسعى جاهدا إلى الكشف عن الأخطاء غير المقصودة التي يمكن أن يقع فيها الشاهد. وهل الملاحظ 
للحدث م يقترف. عن غير قصد. خطأ عند كتابته الحدث التاريخي الذي يرويه؟1930). والغاية من وراء 
ذلك هو معرفة الأخطاء غير المقصودة وأسباب حضورها في الوثيقة2!99. فالتجربة علمتنا أنه يمكن أن 
نخطئ أو نشوه الحقيقة عن غير قصدء لذا فمن المهم أن نبحث عن الأسباب المعتادة للأخطاء والتشوهات 
غير المقصودة التي تؤثر في المراحل الثلاث المرتبطة بتدوين الشهادة: الإدراك «متامءء2عم 13 والتسجيل/ 
التخزين 2ه726:20152)0 12 والشهادة «منازومم06 ها. 

- على مستوى الإدراك «منامءع,عم 13: يمكن أن يضطرب إدراك الشاهد في أثناء ملاحظته أو تدوينه 
الوقائع التاريخية, بسب العاطفة والخوف والارتباك والأوهام والحماس والتعب والأفكار النمطية197), فمن 
البديهي أن الشخص ضعيف البصرء أو المصاب بعمى الألوان, أو الأصم. لا يستطيع أن يصف الحوادث على 
حقيقتهاء كذلك الراوي أو الكاتب قد يكون صاحب ذكاء وقوة عقلية تبيح له إدراك ما يحيط به من الظروف» 
من دون أن تخدعه الظواهر والمؤثرات السطحية. لكن مع ذلك فإن العين لا تستطيع أن تتجاوز في رؤية 
الأشياء أكثر من قوتها على الإيصار, والعقل لا يدرك أكثر مما تستطيع أن تنفذ إليه بصيرته خلال الأحداث(106, 
بالإضافة إلى عدم تمكن الكاتب/ الشاهد من تصحيح وثائقه التي قد تتضمن أخطاء بسبب ظروف إدارية أو 
مكانية97؟. مما قد يؤدي إلى التأويل الخاطئ للوقائع التي شاهدهاء وتكون النتيجة شهادة مجزأة غير مكتملة. 

- التسجيل/ التخزين هه365301584 13: يؤثر الزمن. سواء طال أو قصرء ليس فقط على تذكُر الوقائع 
نفسهاء ولكن أيضا على موقعها في الزمان والمكان. والذاكرة لا تحتفظ بالتسلسل المستمر للأحداث ولكن 


27 





بعناصر معينة. فالعقل قد يضطر إلى تغيير مسار الأحداث لربط مختلف العناصر التي احتفظ بها عن طريق 
الارتباط المنطقي الذي لا يتوافق بشكل ضروري مع التسلسل الحقيقي للوقائع. كما أن الخيال يتسرب إلى 
شهادة الشاهد حين يكون بصدد تدوينها كتابة, أو عندما يرويها عدة مرات قبل تدويئه(ة2!)؛ لذا يجب 
تسجيل الأحداث مباشرة بعد ملاحظتهاء لأن الذاكرة تحتفظء بوعي أو من دون وعيء ببعض الأحداث 
وتتجاهل أخرىء والأكثر شيوعا أن الانطباع يضعف ويبتعد عن التجربة الحقيقية, ويتغير إلى ذكريات مجزأة 
غير مكتملة تختلط مع ذكريات أخرى في ذاكراتناء لذا يجب عدم الثقة: ولاسيما بخصوص اللذكرات والتقارير 
التي كتبت بعد عدة سنوات من وقوع الأحداث. حيث لا تجمع إلا ركاما من الذكريات المتناثرة التي تزيف 
دائما السير الحقيقي للأحداث1090), 

- الشهادة هه3)ذوهم06 ها: يمكن أن تعاني الشهادة الشفوية أو الكتابية عدم الدقة: 

- إذا كانت تحت الإكراه البدني (التعذيب). أو النفسي (الخوف والتهديد). 

- إذا لم تعطّ الفرصة للشاهد للتفكير. خاصة في أثناء الاستجوابات التي تكون أسئلتها في الغالب مُوَجّْهة 
لإجابات معينة. 

- إذا أغفل الشاهد بعد التفاصيل أو الظروف المهمة. 

- إذا وظف الشاهد مصطلحات غير مناسية(110), 

- إذا كان الشاهد غير قادر على التعبيره ووجد صعوبة في تحديد معنى ونطاق الكلمات المجردة أو التي 
لها معنى واسع: والتي بواسطتها يتحتم على الشاهد ترجمة الوقائع, مما يترك شكوكا حول معاني العبارات 
التى يستخد م01 

- إذا وظف الشاهد الأسلوب الأدبي وأعطاه الأهمية على حساب الدقة2!؟). مما ينجم عنه تحريف 
وتشويه الشهادة, وأهم علل الأساليب الأدبية» وفق المتخصصين؛ تعدد الكلمات والمواقف النبيلة في الأدب 
الخطابيء وتراكم التفاصيل الدقيقة والشائقة في الأدب الملحميء والمشاعر المبالغ فيها في الأدب الغنائي وتركيز 
الحقائق على فرد واحد في الدرام)(13!). 

- إذا مَرّحَ الشاهد روايته» ومن دون قصد, بمشاعره وأحاسيسه 

وإجمالا هذه بعض الأسئلة التي ينبغي على الباحث أن يطرحها على الوثيقة للتثبتء ما أمكنء من دقتها 
على الشكل التالي(115):ٍ 

- هل تمتع الراوي/ الشاهد بحواس سليمة وبعقل سليمء فاستطاع أن يعطي معلومات صحيحة عما 
شهده وسمعه بنفسه؟ 

- هل تمتع الراوي أو كاتب الأصل التاريخي بجميع الشروط الواجب توافرها حتى تتحقق 
المشاهدة العلمية؟ 

- هل أورد الراوي أو كاتب الأصل التاريخي حوادث كان من الممكن ملاحظتها بنفسه ولكنه لم يفعل 
ذلك: وبسب الإهمال أو لظرف قهري يورد تفاصيل سمع بها أو تخيلهاء وهي غير صحيحة جزئيا أو كليا؟ 


)114( 


28 


النقد التاريخي 
ا 0000ل 7 ببس سس 
- هل الراوي أو كاتب الأصل التاريخي روى حادثا تاريخيا بطريقة توضح أنه لمم يدون وفقا للملاحظة 
الشخصية؛ لأن طبيعته لا تلائم ذلك؟ 
- هل الراوي أو كاتب الأصل التاريخي لم ينخدع بسبب التحيز والهوى, برغم رغبته في قول الحقيقة؟ 


3 - تمحيص الشواهد: المقارنة بين المصادر 

يصل الباحثء. عن طريق عمليات النقد السابقة, إلى عدة نتائج تثبت صحة الأصول التاريخية, أو يصل 
في أحوال كثيرة إلى التمييز بين الروايات الكاذبة والروايات المشكوك في صحتهاء والروايات المحتمل صدقهاء 
والروايات التي لا يمكن تحديد قيمتها©!!). 

وإذا كانت النتائج التي توصل إليها الباحث مرضية: فمن المعقول أن نقبل الوقائع وننتقل إلى مرحلة التركيب. 
لكن ليست هذه هي الحال دائما؛ ففي كثير من الأحوال نكون غير قادرين على الجواب عن الأسئلة التي سبق 
طرحها على الوثيقة, خاصة المتعلقة بكفاءة ودقة ونزاهة وصدق المؤلف/ الكاتبء وبالتالي لا يمكننا اعتبار الوقائع 
سوى أنها محتملة لا أقل ولا أكثر. ويجب قبل البدء في عملية التركيب تحويل هذه الاحتمالات إلى اليقين» عن 
طريق المواجهة بين الشهادات17). وللخروج من دائرة الاحتمال والشك إلى دائرة اليقين لا بد من عملية نهائية 
للوصول إلى نتيجة محدد. لذا لا بد للباحث أن يتابع الدرس والبحث للوصول إلى نتائج حاسمة قدر المستطاع!19!. 

وخلال عملية المواجهة بين الشهادات للوصول إلى نتيجة حاسمة. عادة ما يكون الباحث أمام وضعيتين: 

- حالة المصدر الوحيد: في بعض الحالات لا توجد إلا رواية واحدة عن حادث تاريخي معين؛ فعلى 
الباحث في التاريخ أن يَحذر الروايات أو الكتابات التي انفرد بها راو أو كاتب واحد. وقد فطن المحدثون 
ورواة الأخبار إلى خطورة الاعتماد على رواية الآحاد. واشترطوا فيها أن يبلغ عدد المخبرين مبلغا يمنع في العادة 
تواطؤهم على الكذب19!. 

ويجدر بالباحث في التاريخ, قبل إسقاط الرواية التي ينفرد بها راو واحدء أن يعيد البحث والتنقيبء لعله 
يجد بين الروايات المختلفة ما يزي به روايته المنفردة. وهو أمر عرفه المحدثون وعملوا به؛ فأفردوا له بابا 
خاصا سموه: باب الاعتبار والمتابعات والشواهد020, 

لكن إذا ما اضطر الباحث إلى اعتماد المصدر الوحيد فعليه أن يفكر مليا في طبيعة الحدث موضوع 
الشهادة. ويعتبر هذا الحدث في فحواه الخاص. والاستفسار حول إذا ما كان الحدث محتملا أم لا؟ أي 
بعبارة أخرى ما إذا كان الحدث لا يتعارض مع القوانين العامة التي تحكم العالم. ولا يتعارض مع القوانين 
العقلية (المنطق). والقوانين الميتافيزيقية (مبدأ السببية). والقوانين الفيزيائية التي تحكم الظواهر المادية, 
ولا يتعارض مع القوانين الأخلاقية التي تحكم نشاط الكائنات الحرة. وأن الشهادة لا تتضمن تناقضات 
داخلية, وإلا سوف يرفضها المؤرخ, أو سوف يستعملها باحتراز وحذر شديدين!!2!). 

- حالة تعدد المصادر: من أجل إثبات صدق ودقة المصدر, والتأكد من التأويل الصحيح. والطريقة 
النموذجية؛ تجب مقارنته مع مصادر أخرى لها علاقة مع الأحداث نفسها022 


29 


النقد التاريخي 
الغا 11[01[|111[1[|1| أذ يه 1 * 

لكن قبل البدء في هذه العملية أي المقارنة والمواجهة بين هذه المصادر التي لها علاقة بالحدث التاريخي 
نفسهء يجب التساؤل عما إذا كانت هذه الشهادات مستقلة, إذ من المحتمل أنها نسخ للشهادة نفسها؛ لأن 
الشهادات التي تكون موضوع المقارنة يجب أن تكون مستقلة بعضها عن بعض237!). والشهود مستقلين 
تماما غير مقلدين» وغير متأثرين بعضهم ببعض124). 

وبعد عملية المقارنة والمواجهة بين الشهادات والمصادر عادة ما يجد المؤرخ أو الباحث في التاريخ نفسه 
أمام عدة نتائج» كما يلي: 

- تطابق المصادر: تطابق المعلومات المتوافرة من مختلف المصادر المتزامنة والمتكاملة بصفة جيدةء خاصة 
إذا كانت المصادر مستقلة. يصبح الحدث شبه مؤكد. لكن نادرا ما يكون هناك تطابق بين عدة شهادات» 
إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع العوامل التي تؤثر في مختلف مراحل تكوين وتشكيل الشهادة(25!). والخلاف 
عادة حول بعض التفاصيل لا يدعو إلى القلق والتشويشء بل على العكسء فإن وجود تطابق وملاءمة كاملة 
يخلق نوعا من الشك بالنسبة إلى الشهود المستقلين126). 

ولا يجوز اعتبار توافق المصادر على مسألة بعينها أمرا نهائيا إلا بعد تحديد العلاقة بينهماء والاتفاق 
الصحيح بين مصدرين مستقلين لا يكون في الغالب بتشابههما ا مطلقء ولكن باتفاقهما وتشابههما في مواضع. 
واختلافهما في مواضع أخرى. ولا يكفي اتفاق الروايات المستقلة لبلوغ الحقيقة التاريخية. بل ينبغي على 
الباحث في التاريخ أن يلاحظ التوافق والتآلف والاتساق بين الحقائق بعضها وبعض 2127 

- تباين المصادر: يمكن للباحث أن يصادف تباينات في الشهادات؛ إذا كانت هذه التباينات تتعلق 
بالمظاهر العرضية للحدث وليس بجوهره. فالحالة عبارة عن خلاف جزئيء وهو أمر طبيعي تماماء وأنه أيضا 
ضمانة تاريخية, لأنه يمكن أن نرى فيه دليل الشهود الذين لم يتشاورا مسبق(ة*'). أما إذا كان التباين في 
جوهر الحدث فذاك تعارض بين الشهود. 

- تعارض المصادر: في حالة تعارض الأصول والمصادرء وتناقض الروايات» بشأن حادث تاريخي معين,» 
ينبغي على الباحث للوصول إلى الحقيقة التاريخية التأكد هل المصادر المتعارضة تتعلق بالحادث نفسه. 
أم بحادثين مختلفين لا ينطبقان على الزمن وال مكان أنفسهماء وعلى الأشخاص ذاتهم الذين تناولهم ذلك 
الحادث؟ وعدم اتخاذ موقف وسط بين الشهادات المتعارضةء بل السعي إلى معرفة أي المصدرين أصح. 
وألا يأخذ برأي الأكثرية في مقابل الرأي الواحدء فمن الجائز أن يكون الرأي الواحد هو الصحيح. والكثرة 
لا تحدد حتما صحة ما تورده7”*!). وتجب معرفة ثقة كل واحد منهم. والتمسك بالذي لديه حجية أكثر, 
وإذا كان أي منهم لا يستحق الثقة فيجب أن يُوضع حل مهما كلف الأمرء وأن نعترف بعدم القدرة على 
الإثيات1300). والامتناع عن إعطاء حكم نهائي. وإذا جرى اختيار رواية/ شهادة. وتفضيلها على الأخرى. فيجب 
على المؤرخ إعطاء أسباب اختياره!!213. 


30 


النقد التاريخي 


٠٠‏ :دسا سمط 11د 


خلاصة المبحث الأول 


- إن منهج النقد التاريخيء عند المؤرخ» يستند إلى ثلاث عمليات كبرى: هي النقد الخارجيء والنقد 
الداخليء والمقارنة بين الشواهد. 

فالنقد الخارجي يبحث في أصالة الوثيقة وعدم تزويرها. ويهتم نقد المصدر بتحديد صاحب الوثيقة 
وتاريخها ومكان تدوينها. أما نقد التصحيح فهو الذي يستهدف معرفة أصول النسخ غير الأصيلة. 

ويتكون النقد الخارجي من نقد التأويل الذي يبحث في معرفة معاني الوثيقة الظاهرة وغير الصريحة. 
ويبحث نقد الكفاءة في قدرة الكاتب/ الشاهد على نقل الأحداث بكفاءة. أما نقد الصدق فهو الذي يبحث 
في احتواء الشهادة على الكذب من عدمه. ثم نقد الدقة الذي يبحث مدى وقوع الكاتب في أخطاء غير 
متعمدة. بينما تأي المرحلة الاخيرة» وهي المقارنة بين الشواهد لتحديد مدى تطابقها أو تشابهها أو تناقضها 
كليا أو جزئياء حتى يتسنى للباحث اتخاذ قرار معين إزاء وثيقة معينة. 

- رغم التمييز بين النقد الخارجي والنقد الداخليء فإن ممارستهما من طرف المؤرخ لا تتم بشكل مجزأء 
بل تكمل كل خطوة من خطواته الأخرى وتخدمهاء ولا تقتضي بالضرورة الترتيب المتعارف عليه. والذي 
اتبعناه في هذا ا مبحث. 

- يستعين المؤرخ: في كثير من خطوات النقد. بتخصصات وعلوم لا يتقنها بالضرورة» وقد يضطرء بل 
ويجب عليه. إلى الإفادة من نتائج بحوث من سبقوه في تخصصه. وكذا التخصصات الأخرى التي لها علاقة 


بالموضوع الذي يبحث فيه. 
- النتائج التي يتوصل إليها المؤرخ تبقى دانما مؤقتة ونسبية» كما أن عملية النقد لا تنتهي إلا إذا قرر 
الباحث/ اللؤرخ ذلك. 


المبحث الثاني: النقد التاريخي وابعاد التاريخ ومنهج المؤرغ 
سنخصص هذا المبحث لتوضيح أهمية أبعاد التاريخ في عملية النقد التاريخيء ومكانته ضمن منهج 
المؤرخ: وعلاقته ببقية مكونات النهج التاريخي. 


1 - النقد التاريخي وأبعاد التاريخ 

1 - 1 - النقد التاريخي والزمن 

تاريخ حدث ماء في الاستعمال العادي. هو الجواب عن سؤال يتضمن كلمة «متى»؟ واستعمل العروي 
كلمة «تأرخة» 

للتعبير عن وقت الحدث مهما كان(172). وهو ما يحيل الباحث في حقل التاريخ على مفهوم الزمن, 
وتتعدد أنواع الزمنء من زمن فيزيائي» ونفسيء واجتماعيء لكن الذي يهمنا هو الزمن التاريخي الذي - 


31 


النقد التاريخضي 





1 


وفق [دع54 - تتم إعادة بنائه وتقديمه بواسطة النهج التاريخي بناء فكريا/ عقليا في الحاضرء وهو علاقة 
جدلية بين الحاضر والماضيء فالحاضر يمثل عالما موضوعا مكملا لعالم المعرفة, والماضي هو الآخر يمثل عاما 
موضوعا لتلك المعرفة. هذا الزمن هو زمن تاريخي موضوعي ليس بزمن الذاكرة أو الذكريات. 

وفي نظر 2054, بالنسبة إلى المؤرخء ليس بالضرورة أن يعيش زمن الماضي لكن لا بد أن يفهمه. هذا الفهم 
يمر عبر بناء موضوع علمي وتأريخه في اتجاه بناء وحدات زمنية. ليس فقط وفق ترتيب كرنولوجي أو بناء 
تحقيباتء ولكنه أيضا تراتبية للظواهر بتوظيف وتيرة تغبيرها!ة13). 

تكمن أهمية الزمن في منهج النقد التاريخيء في كونه يِمكّن المؤرخ. باعتماد وحدات قياس الزمن (اليوم. 
الشهر. السنة. الجيلء الكرونولوجياء الحقبة.... )» من وضع وقائع الماضي التي يشتغل عليها وفق تسلل 
منطقيء وفي سياق منسجم يبحث فيه المؤرخ من خلال الزمن عن المعنى. 

وباعتبار المؤرخ. خلال عملية النقد. يشتغل على حوامل الشواهد (النقد الخارجي)» وا معنى المضمّن 
في الوثيقة (النقد الداخلي)» فإنه في أثناء الاشتغال على حوامل الشواهد بصدد القيام بعملية «التوقيت» 
والاشتغال على مضمونهاء يعني «تأريخا». 

وترتيب الأحداث في نسق زمني قصد تأريخها يقتضي اختيار نقطة بدء وفقا لتقويم تاريخي معين. ووحدة 
قياسية, لكن اختيار نقطة بدء. أو اعتماد تقويم معينء أمر نسبي يؤثر في عملية التأريخ بصفة عامة. فكلما بدا 
للمؤرخ صعوبة في الموافقة بين تاريخين غيّر الوحدة الزمنية. وحاول التحقق بين تقويين أو أكثر. هذه التغييرات 
تغير من مدلول الحدث الذي نريد تأريخهء أما القفز تقويم من إلى آخر فينتج عنه بالضرورة تغيير «صدى الحدث» 
التأرخة (موقت الحدث مهما كان - وفق العروي) ليست عملية بريئة» ذلك أن كل تأويل محدود بتوقيت!134) 

وتكون الإفادة من الزمن التاريخي في النقد التاريخي كالتالي: 

- يمكن للمؤرخ تحديد زمن الوثيقة التي يشتغل عليهاء وبالتالي معرفة الفترة الفاصلة بين الحدث 


الوارد بها وتاريخ تدوينه. 

- معرفة زمن الوقائع التي يشتغل عليها المؤرخ ووضعها في سياقها التاريخيء وترتيبها وفقا 
لمنطق كرنولوجي. 

- ضبط تاريخ تدوين الشاهدة, والحدث الوارد بهاء ويمكن من خلال التقنيات الحديثة التحقق والوقوف 
على مدى صحة ودقة الشواهد المعتمدة. 

- تدقيق المدة الزمنية التي يشتغل عليها المؤرخ وفقا لمعايير معينة لقياس الزمنء ما يمكنه من تأويل 
أكثر موضوعية للشواهد. 


- معرفة زمن تدوين الوثيقة بتوظيف التقنيات الحديثة, ما يساعد الباحث على التأكد من كون مضمونها 
يهم أحداث الفترة الزمنية التي يشتغل عليها. وتيسر له عملية الانتقال من تقويم تاريخي إلى آخر. 

1 - 2 - النقد التاريخي والمجال 

تحديد مكان الحادث. الجواب عن السؤال: أين؟ ومع تطور الفكر التاريخي تمحورت علاقة الحدث 


32 


النقد التاريخي 





بالموقع حول تأثير البيئة» فالإنسان يتأثر في جسمه وذهنه بالوطن الذي يقطن فيهء ومشاريعه تتأثر حتما بما 
يحيط بهاء وتترك آثارا في الرقعة الأرضية التي أنجزت فيهاء العلاقة بين الإنسان والطبيعة مزدوجة: من جهة 
بين البيئة والإنسانء ومن جهة أخرى بين البيئة والحوادث. 

ويؤكد العروي أن قارئ الوثائق التاريخية ينبغي ألا يتعامل مع المفاهيم الجغرافية كمفاهيم قارة 
ومحددة. بل كمفاهيم تاريخية تتغير باستمراره وتجب ا تعريفها في كل وثيقة على حدة, وأن الاقتناع 
بأحادية تأثير العامل الجغرافي نتج أساسا عن خلط في ترتيب أولويات البحث التاريخي. أي فصل البعد 
المكاني عن البعد الزماني في الواقعة/ الشاهدة: واعتبار المكان قاعدة قارة تتوالى عليها أحوال وأعراض هي 
الحوادث؛ ففي عين المؤرخ الناقد الناظر في الآثار الباقية ينحل المكان الواحد إلى أمكنة, كما ينحل الزمان 
الواحد إلى أزمنة. 

كما أورد العروي أمثلة لبعض المؤرخينء وتوظيفهم العوامل الجغرافية في البحث التاريخيء منهم ابن 
خلدون الذي وظف الكان وسيلة للنقدء ومعيارا لتمحيص الأخبار, بمعنى أنه لم ينظر في علاقة البيئة 
بالإنسان أو بالكائن الحي عامة. مع إغفال دور واجتهاد المؤرخ الباحثء بل بحث في علاقة الأخبار بظرفها 
المكاني من منظور المؤرخ. وجان بودان الذي يطالب الناظر المتمعن في أخبار الماضي بأن يتحقق من عدالة 
المخبر. وأن يلتفت في الوقت نفسه إلى شواهد اللغة, وإلى وصف الأماكن. وأن ما يخبر به يوافق أوصاف 
المكان الذي يدعي أنه حدث ث فيه(0135, 

وتكمن أهمية امجال/ المكان في منهج النقد التاريخي في: 

- المكان وسيلة من وسائل التأويل. 

- يمكن تحديد مكان الأحداث من مقارنته مع مكان تدوينهاء وبالتالي التأكد من صدقها وصحتها. 

- معرفة خصائص مكان وقوع الأحداث تحدد مدى تأثيره في مسار الأحداث, ومقارنة ذلك بما هو وارد 
في الشواهد للتأكد من صدقها وكفاءة الشاهد في نقل الأحداث. 

1 - 3 - النقد التاريخي والمجتمع 

المجتمع هو تجمع بشري يؤطره زمن ومجال محددان. ويتميز بعلاقات اجتماعية تحددها ثقافة 
ومؤسسات. مفهوم المجتمع إذن مرتبط بمفهومي الزمن والمكان لأنه لا يممكن الحديث عن مجتمع ما إلا 
في مجال جغرافي وزمان تاريخيء وهذا كله يسهم في المعرفة الإجمالية للأحداث. وكل مجتمع هو تقاطع 
لمجال جغرافي وزمان تاريخي. ودور المؤرخ هنا هو شرح وتحليل كل مظاهر الحياة الاجتماعية: الأدوات» 
والذهنيات بشكل شمولي. لكن فهم كل المظاهر الاجتماعية يفرض ترتيبها وتقسيمها وفق الزمنء المجال 
وميدان الحقيقة الإنسانية. وهي ضرورية على الرغم من الصعوبة الفكرية في أثناء تحليل ا مجتمع ككل 
وتنوع الحقول والأنشطة التاريخية يفرض تنوع التقنيات والمناهج في أثناء الاهتمام بالحقب والمجالات 
المدروسة؛ ما يعطيها انطباعا هادفا إلى تحقيق الصرامة العلمية©136), 

ويمكن أن نفهم العلاقة بين البعد الزفلن ومنهج النقد التاريخي في: 


33 


النقد التاريخي 





- قدرة المؤرخ في فهم خصائص المجتمع الذي يشتغل عليه تمكنه من فك رموز وفهم أكثر للوثيقة التي 
يشتغل عليها والعكس صحيح. 

- توافر المؤرخ على معطيات كافية عن المجتمع موضوع الدراسة يمكنه. إلى حد ماء من معرفة شروط 
إنتاج بعض الوثائق» والآليات المتحكمة في إنتاجهاء ودرجة الثقة التي يمكن أن يمنحها لشهوده. 


2 - النقد التاريخي فى منهج المؤرخ 

2 - 1 - النقد التاريخي والإشكالية 

ارتبط مفهوم الإشكالية في البحث التاريخي بمدرسة الحوليات والتاريخ الجديد. والاتجاه التاريخانيء وهو 
ما أطلق عليه التاريخ الإشكالي» في مقابل التاريخ السردي الذي كان سائدا لعصور طويلة. ويرى جاك لوغوف» 
بكتابة تاريخ إشكالي وليس تاريخا آليا(”7", 

ويرى المؤرخ هنري إيريني مارو (1977-1904) تامدعة]/18 عنمع12 أممعتة أن الإشكالية أول مرحلة من 
المراحل الكبرى لسير التفكير التاريخي الذي يجري في ذهاب وإياب بين مستوى الذات الحاضرة (ذات 
المؤرخ). ومستوى الموضوع الذي م يتبق منه سوى آثاره(138), 

ويعتبر بول فاين 06إء7 1دنه2 طرح المشكل حافزا للبحث وضرورة منهجية, ومن خلاله ينخرط الباحث 
في مسلكية فكرية لإنتاج المعنى عبر مختلف التفسيرات التي يسعى إلى بنائها ارتباطا بالأسئلة المنبئقة من 
المشكل المطروح. بينما يرى أنطوان بروست 156مغصه 6وه:2 أن غنى الفكر التاريخي وخصوبته لا يترجمان 
بكثرة المفاهيم المستعملة من طرف المؤرخء بل الإشكاليات التي يطرحها حتى إن قَلَتَ الوثائق؛ لأن المؤرخ 
بثقافته ومؤهلاته الفكرية يستطيع خلق وثائقه132). 

أما لدى العرويء فإن الإشكالية تساعد المؤرخ على انتقاء أنواع الشواهد المطلوب الاشتغال عليها(140. 

ويجري وضع الإشكالية من خلال العمليات الفكرية التالية(41!): 

- طرح المشكل أو وضع سؤال مركزيء بالانطلاق من قضايا الحاضر التي يعيشها المجتمع؛ وانطلاقا مما 
تتيحه الوثائق ممراعاة الأبعاد الثلاثة: الزمنء» المجالء ا مجتمع. 

- تفريع المشكل إلى تساؤلات فرعية لتسهيل تحليله. 

- وضع فرضية لكل تساؤلء باقتراح جواب مؤقت انطلاقا من دراسة الوثائقء ويسمى هذا الجواب 
المؤقت فرضية. وتكون قابلة للتأكيد أو النفي أو التعديل؛ لينطلق المؤرخ إلى مرحلة موالية. وهي البحث 
عن الوثائق. 

2 - 2 - النقد التاريخي والبحث عن الوثيقة أو التقميش 

التاريخ يصنع من وثائق1*2. والبحث عن الوثائق وجمعها قسم من الأقسام الرئيسة المندرجة في مهمة 
المؤرخ: وقد أطلق عليه في أمانيا اسم «الهورسطيقا» عدونوزسسع42(13!). وقد اعتبرت المدرسة المنهجية الوثيقة 


34 


النقد التاريخي 





مركزية في عمل المؤرخ, فهي المادة الخام التي يسعى المؤرخ من خلالها إلى استعادة ما صدر عن الناس في 
الماضي من أقوال وأفعال» واسترجاع ما ول عبر اقتفاء ما خلفوه من آثارء لكن مفهوم الوثيقة عند الوضعانيين 
ظل محدودا عندهم في المصادر والأرشيفات المكتوبة2*!). وخلافا للمدرسة الوضعانية ترى الحوليات أن 
الوثيقة هي كل شيء. أو مصدر يمكن للمؤرخ الاعتماد عليه للإجابة عن إشكاليته. وتقتضي طبيعة الإشكالية 
التي اختارها المؤرخ نوعا معينا من الوثائق» وأن كل نوع من هذه الوثائق يفترض وجوده في مكان دون غيره. 
وتبقى مهمة المؤرخ أن يحصل على الوثيقة: إما في دور الأرشيفء وإما في المؤسسات الرسمية: والمنظماتء 
وعند مليكها إذا كانت خاصة. أو في الطبيعة.... ويسلك في عمله. للوصول إلى الوثيقة, استشارة المتخصصين 
والاطلاع على الموسوعات والببلوغرافيات» وتوظيف التكنولوجيا الحديثة من إنترنت وغيرها. 

2 - 3 - النقد التاريخي والتعريف 

هَمّ «المؤرخ» الأول والأخير هو الإجابة عن السؤال «ما»؟ (001ا01). والتعيين يكون بالكشف عن مختلف 
العلاقات التي تربط الأمر الذي يبحث فيه بكل ما سواه. هدف العملية التوضيحية أن نطلق عليها اسم 
«التعريف» (ممغم قنتصعل]) 01450 

يعتبر التعريف التاريخي من بين خطوات المنهج التاريخيء على أساسه يتم فحص الفرضيات لإثبات 
الوقائع بالاستناد إلى مخلفات الماضيء كما يزود المؤرخ بالحجج لتأسيس وجهة نظره؛ وإليه يستند التفسير, 
ويتكون من ثلاث عمليات فكرية ومنهجية تتجلى في المفهومية الملائمة والنقد(146). 

وبناء عليه فإن النقد التاريخي مكون من مكونات التعريف التاريخيء ويمارسه المؤرخ بشكل تداخلي 
مع بقية مكونات التعريف بشكل خاص. والمنهج التاريخي بشكل عام. 

2 - 3 - 1 - النقد التاريخي ومفهومية الأحداث 

تتم مفهومية الأحداث عبر مفهومية الوثائق؛ بالعمل على معرفة لغة الوثيقة ولغة الفترة التي أنتجت 
فيهاء والدلالة الخاصة لكلماتهاء مما يسمح للمؤرخ بأن يكتشف عدم الدقة المحتملة للتصورات التي تتضمنها 
بعض الوثائق» والاحتياط من إسقاط تمثلات الحاضر على الماضيء وبالكشف عن ال معنى الظاهر المقصود 
والمتعمد. والمعنى الخفي في الوثيقة, وكذلك من خلال وضع الوثائق في سياقها التاريخي!14/7. 

ويبدو جليا أن مفهومية الأحداث تتأق عبر مفهومية الوثائق. وأن اشتغال المؤرخ لفهم الوثيقة بالضرورة 
يستدعي عملية نقد ظاهري للوثيقة أولاء كما أن المؤرخ لا يمكنه الاستمرار في عملية النقد إلا عبر مفهومية 
الوثيقة» وبالتالي فإن عمليتي النقد والمفهومية عمليتان متداخلتان تكمل إحداهما الأخرى. 

2 - 3 - 2 - النقد التاريخي والملاءمة 

وفق «6«همعنا5 مدء[» يعتبر المجال الحدثي لا نهائيا على مستويين: 

- لا نهائي امتدادا (56عممء"زوه6:©)؛ لأن التاريخ مفتوح على جميع أنواع المستجدات والإبداعات, 
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... . فالإنسان يضيف دانما شيئا جديدا للمجال الحدثي. 

- لا نهائي كثافة (أمعصء؟أقصءامة)؛ لأن طريقة عيش الناس تختلف في كل مرحلة. وفي كل مجتمح. 


35 


النقد التاريخي 





3 :بن يد .2 


لهذه الاعتبارات المؤرخ في حاجة إلى القيام بعملية الانتقاء داخل هذا الحقل الحدي ليس بإعادة إنتاجه. 
ولكن على العكس. بإعادة تنظيمه وتقسيمه وترتيبه. والقيام بعملية انتقاء وسط زخم وكثرة الأحداث. هذا 
الانتقاء لا يستند إلى أي سلم محدد. أو موضوعيء ولكن وفقا لفرضيات تسمح للمؤرخ بالاشتغال على بعض 
العناصر من الوثائق التي تلائم إشكاليته2*!). من هنا يبدو أن عملية الملاءمة سابقة على عملية النقده 
وتساعد المؤرخ على عدم الانغماس في نقد وثائق لا علاقة لها بإشكالية بحثه. كما تمكن الملاءمة المؤرخ من 
انتقاء. ثم نقد. المعلومات التي تخدم تلك الإشكالية. 


2 - 4 - النقد التاريخي والتفسير 

يقول عبدالله العروي: «بعده (التعريف) يأقي دور الاستيعاب بشتى أشكاله (الاستحضارء التفسير, 
التعليل). ونطلق عليها بشيء من التجاوز اسم التعليل»1490). 

والتعليل عند العروي يتفرع إلى تفسير وتأويلء وتفسير حدث ما هو الجواب عن السؤال: لماذا؟ والتفسير 
في القديم والحديث نوعان: التفسير بالنسق, والتفسير بالقاعدة المطردة1*00). أما التأويل فيتجاوز التفسير 
إلى الفهم الذي دائما هو تقييم» بعكس التفسير الذي هو في الأساس وصفء ذلك أن المؤرخ يبدأ تصوره 
بالمقايسة والمقابلة والمعارضة والترتيب» ويكون مسند البحث ويستأنس به. حتى يحصل لديه ذلك الشعور 
الملتصق بالمعروف المعتادء حينذاك تتبلور في ذهنه فكرة تعكس النظام الضمني لتلك المجموعة؛ فنقول إنه 
توصل إلى حكه01510. 

ونجد هذه العمليات التي يقوم بها المؤرخ, من تفسير وتأويل لا يمكن فصلها عن عملية النقد. ذلك 
أن شكلي التفسير اللذين حددهما العروي عادة ما يلجأ إليهما المؤرخ لسد ثغرات عملية النقد. خاصة أمام 
صمت الوثائق أو تناقضها بشكل جليء أما التأويل فيشتغل عليه ا مؤرخ أولا خلال عملية النقد الداخلي 
للوثيقة» بهدف تحديد المعنى الحقيقي للوثيقة. 

ويعتبر التفسيرء من داخل الوثيقة, عملا نقديا يمكْن المؤرخ من صياغة أحداث ووقائع للإجابة عن 
الفرضيات التي وضعها في مرحلة الإشكالية. وبالتالي فجودة التفسير عند المؤرخ رهينة بجودة الوثائق التي 
توصل إليها عبر مرحلة الاستكشاف من جهة. وبجودة الأسئلة التي يطرحها على تلك الوثائق ارتباطا بالمشكل 
الذي يبحث فيه من جهة ثانية1520. 

2 - 5 - النقد التاريخي والتركيب 

وضع العروي التجميع والتأليف في مقابل النقد والتفكيك. ويقول في معرض حديثه عن التركيب/ التألفة 
«التحليل يقابله التركيبء التفكيك يقابله التأليفء التدقيق يقابله الإجمال... كل كلمة من هذه الكلمات 
تفي بالغرض فيما نقصد إليه... لذا نقترح كلمة تألفة للانتقال من الخاص إلى العام, من الجزئي إلى الكلي في 
(153) 


مسيرة الباحث ا مؤرخ» 


36 


النقد التاريخي 





ونميز في مرحلة التركيب بين التركيب كسيرورة للبناء والربط بتوظيف الزمن وامجال وال مجتمع: والتركيب 
كمنتوج نهائي لسيرورة الربط والبناء وفقا لنسقين. تعاقبي وتزامني. 

وخلال عملية التركيب هذه فإن المؤرخ - وفق ؛©ناو84 - يخضع عمله لعملية إثبات مزدوج داخل مسار 
مستبطن يتغذى بواسطة الشكء يخضع لنقد ذاتي داخلي طوال فترة البحث والتحرير, ثم يسند دراسته بنقد 
خارجي بالمقارنة مع الآخرين وذلك بفحص صحة نتائج البحث. 

ويعتبر التركيب عملية تأويل مقنعة انطلاقا من المعطيات المجزأة لشرح المشكلة المطروحة. ويكون 
التأويل معقولا لأنه أسس على براهين وحجج مقدمة انطلاقا من الوثائق والمنطق(154), 


خلاصة المبحث الثاني 
إن أي ممارسة لمنهج النقد التاريخي في إطار أي بحث تاريخي لا يمكنه أن يكون إلا في استحضار أبعاد 
التاريخ (الزمنء المجالء ال مجتمع) وباقي مكونات منهج الفكر التاريخي باعتبارها تكمل بعضها البعض. 


المبحث الثالث 
قضايا تاريخية مرتبطة بالنقد التاريخي 

يتناول هذا المبحث بعض القضايا التاريخية التي ينبني عليها عمل المؤرخ بشكل عامء وخلال عملية 
النقد بشكل خاص؛ والمتمثلة في مسألة الحدث التاريخي الذي يسعى المؤرخ إلى إعادة بنائه» والوثيقة 
التاريخية التي يعتمد عليها لإعادة بناء الحدث. والحقيقة التاريخية التي هي غاية المؤرخ, ثم العلوم 
المساعدة التي يستعين بها المؤرخ في عمله. 

1 - الحدث التاريخي 

يوضح مارك بلوك طء810 حمه34 أن الأحداث التاريخية هي في جوهرها وقائع نفسانية: أما 
أرون ههعة فيرى أن الواقعة الخاضعة تماما للقوانين المتواترة ليست حدثا تاريخياء ويتساءل لوسيان فيفر: 
«من أين يؤخذ الحدث في حد ذاته. هل هو نتيجة لعمل دؤوب قام به المؤرخ؟». ليجيب: «إنه نتاج خلق 
وتركيب يعتمد الفرضيات والحدسء وعمل دقيق وشغوف»(1753». وينطلق العروي من هذه التعريفات 
ويتساءل: وفق هذه التعريفات يتميز الحدث التاريخي بكونه خارجا عن القوانين الطبيعية وبصلته بالبشر. 
هل هذا التحديد كاف؟ ليخلص أن الحدث التاريخي هو الحدث في عين المؤرخ لا يحمل صفة خاصة دالة 
عليه. وهو هدف يأمل المؤرخ/ الباحث الكشف عنه من خلال الوثيقة» ينطلق منها ولا ينطلق من الواقعة 
( قولء عمل سلوك) لأنه يجهل بالتعريف حقيقة الواقعة بل يعرفها بالاسم والإشارة والأوصافء ولا يعرف 
وجههاء وعدم المعرفة يدفعه للبحث والتنقيب منطلقا من أثر الواقعة (الوثيقة) التي هي لغز قد يفك وقد 
لا يفك. والعملية الرابطة بين الواقعة والوثيقة هي النقد156), 

وقد مر الحدث التاريخي كموضوع تاريخي من ثلاثة أطوار: 


37 


النقد التاريخي 





- الحدث موضوع تاريخي بامتياز؛ وقد ارتبط هذا بالمدرسة الوضعانية التي أكدت أن الحدث السياسي 
هو الحدث بامتياز. وهو من صنع رجالات الدولة في مساراتهم الشخصية وقراراتهم وصراعاتهم الداخلية 
والخارجية. ويمكن وفق الاتجاه الوضعاني الوصول إلى إعادة بناء التاريخ: كما وقع بالفعل بتجنب الأحكام 
والتأويلات الفلسفية المجردة: ونقد الشواهد (الوثيقة التاريخية). عن طريق النقد الخارجي بتسليط الضوء 
على واضع الوثيقة وسياقات إنتاجها والنقد الداخلي بفهم مضمون الوثيقة ومدى مطايقتها للواقع,» هذه 
الوثيقة التي ينبغي نقدها تنحصر وفق هذا الاتجاه التاريخي في وثيقة الأرشيف خاصة أرشيف الدولة. 

- البنية بدل الحدث: تعرضت المدرسة الوضعانية لنقد لاذع من طرف الحوليات وأصبحت عبارة «التاريخ 
الحدقي» تحمل شحنة تحقيرية. ودعت الحوليات إلى تجاوز الحدث والارتقاء إلى تاريخ البنى؛ بالانتقال من 
التاريخ السياسي والعسكري إلى تاريخ الاقتصاد والمجتمع والثقافة والحياة اليومية» ومن الوصف إلى التحليل» 
ومن التغيير إلى التنظيم والهيكلة والتمفصلء ومن الوثيقة الأرشيفية والمكتوبة إلى تنويع الوثائق. 

- عودة الحدث: بدأت إعادة الاعتبار إلى الحدث في سبعينيات القرن العشرينء بعد الانتباه إلى تغير 
موقعه كخير داخل المجتمعات الحديثة. وإن هذه المجتمعات تتميز بصناعة مستمرة للحدث. وعودة 
موضوع التاريخ السياسي عبر الاهتمام بالتاريخ ال مباشر وتاريخ الزمن الراهن وعصر الشاهد. والمؤرخ بهذه 
العودة إلى الحدث لم يعد له التصور السابق نفسه. بل من خلال ثنائية الحدث والبنية» وفقا لثلاثة أوجه؛ 
الحدث يكشف البنية. الحدث يتحول إلى بنيةء الحدث يؤسس البنية157), 

2 - الوثيقة التاريخية 

الوثيقة في اللغة. وفق قاموس لسان العربء تعني الإحكام في الأمر. وهي مشتقة من الموائقة 
والمعاهدة0”2. أما في القاموس المحيط: وثيق به ثقةُ وموثقا: اثتمنه. والوثيق: المحكم. ووذّقه توثيقا: 
أحكمه. استوثق منه: أخذ منه الوثيقة””!). وفي اللغة الفرنسية كلمة «)معدمنه00» لها معنى قانونيء أي 
الحجة التي تقنع القاضي عند إصدار حكمه(16). 

ويرى العروي أن استعمال كلمة وثيقة, بالنظر إلى ما يقبلها في اللغتين الفرنسية والانجليزية. يعني 
أن المؤرخ العربي مازال يستعمل في الغالب الحجج المكتوبة المخطوطة: ولهذا فإذا أدخلنا في الاعتبار أنواع 
الحجج الأخرى فإن كلمة وثيقة تبقى ضيقة بالنسبة إلى المحتوى الموجود في الذهن. فيقترح العروي 
كلمة «الشاهدة»!0161. 

ومفهوم الوثيقة - أو الشاهدة على حد تعبير العروي - في مجال التاريخ مافتئ يتطور ليشمل كل 
مصدر إخبار أو إعلام كن المؤرخ من معرفة الماضي البشري والمجالء على أساس أنه لا يمكن الفصل 
بين الإنسان ومحيطه الطبيعي والبيولوجي022). كما أن مفهوم الوثيقة يختلف من مدرسة تاريخية إلى 
أخرى. فالوضعانيون يحصرونها فيما هو مكتوبء وهذا الحصر ترفضه الحوليات, وتجعل تحديد الوثيقة من 
اختصاص المؤرخ: ويوضح العروي هذا التطور الذي عرفه مفهوم الوثيقة في علاقتها بالمؤرخ بقوله: «لا وجود 
للمؤرخ المطلق, كما أنه لا وجود للوثيقة المجردة. كل ما يوجد هو وثيقة متميزة يستعملها باحث متخصصء» 


38 


النقد التاريخي 





ويبني على هذا الوضع نتائج تتعلق بالكيفية التي يفهم بها ا متخصص صناعته بل التاريخ. من يتأمل يوميا 
الأحجار, أو حبوب الذرة, أو أواني الفخارء لا يفهم التاريخ كما يفهمه ويتصوره من لا ينفك يقرأ المخطوطات, 
أو يتابع تطور أسعار القمح أو اللحم. لكلّ وثيقته ولكل تاريخه» 063 

وتتعدد أنواع الوثائق وفق المعيار المعتمد في التصنيف. فالعروي يصنفها إلى نوعين: شواهد غير مقصودة 
لأنها طبيعية ملازمة للحياة البشرية. ونوع مقصود29© 1 أي جرى إنتاجه بطريقة قصدية من طرف البشر. 
ونجد العروي هنا قد وظف معيار الإنتاج, لكننا نجد تصنيفات أخرى تعتمد معيار مكان التواجد (ثكنة. 
كنيسة» وزارة... )» أو معيار الحامل (ورقية, إلكترونية... )» أو معيار الملكية (خاصة. عامة)» أما مصطفى 
حسني إدريسي فيقسم الوثيقة إلى ثلاثة أنواع: 

- مصادر الذاكرة, أي كل الشواهد التي تحفل بها ذاكرة البشر الأحياء في شكل ذكريات وتمثلات ذهنية 
ومواقف وسلوكات واتجاهات يجري نقلها وتمريرها ثقافيا(ة06, 

- المصادر المادية, أي الشواهد الدالة على أنشطة البشرء وتشمل من المصادر الأيقونية والمصادر المكتوبة 
والمصادر السمعية066, 

- المصادر المهيأة, وهي المصادر التاريخية التي تَنتَجج من طرف المؤرخ انطلاقا من مجموعة من المصادر الأخرى !067 

في مقابل هذه التصنيفات نجد تصنيفات تقليدية متداولة يمكن إجمالها فيما يلي(98!): 

- النصوص ووثائق الأرشيفء والأرشيف نوعان: أرشيف رسمي (مرسلات» سجلات الضرائب» معاهدات...). 
وأرشيف خاص في ملك الأشخاص والعائلات والمؤسسات الخاصة (عقود زواج مذكراتء رسائل شخصية). 

- الصحفء أي الجرائد الرسمية والخاصة. 

- الوثائق السمعية والبصرية. 

- المصادر الأدبية. من شعر ونثر. 

- الأعمال الفنية: اللوحات والرسومات. 


- الصور الشمسية وصور الأقمار الاصطناعية. 
- الوثائق الأثرية» أي المخلفات الأثرية من بناءات ونقائش ومسكوكات وخزفيات. 
- المصادر الشفوية. 


3 - الحقيقة التاريخية بين ا موضوعية والذاتية. 

احتدم النقاش بين المؤرخين والإبيستمولوجية والفلاسفة حول موضوعية وعلمية المعرفة التاريخية. وقد 
بلغ هذا النقاش ذروته خلال القرن ال 19 حينما منح مؤرخو المدرسة الوضعانية التاريخ صفة العلم. 

وقد اعتبر مؤرخو المدرسة الوضعانية أنفسهم أقرب إلى علماء الطبيعة. والمؤرخ المحترف يعتمد بشكل 
كلي على الوثيقة. ويتخلص من جراثيم الأدب التي تلطخ الخطاب التاريخي العلميء ودافعت هذه اللدرسة 
عن تاريخ أكثر موضوعية وأقل اصطباغا بالصبغة الأدبية. ومهمة المؤرخ في نظرها تقديم الحقيقة للقراءء من 
خلال الوثائق بعد إخضاعها للنقد انسجاما مع عبارة رانكه: «كما وقع بالفعل»069. 


39 


النقد التاريضي 





لكن علمية التاريخ وإمكان الوصول إلى الحقيقة التاريخية كما تراها المدرسة الوضعانية أمر يستحيل 
تحقيقه وفق منتقدي هذا الاتجاه, إذ نجد بول ريكو يقول: «نريد من التاريخ شكلا من الموضوعية يتوافق 
مع طبيعته وخصوصياته وليس شيئا آخر.... إلا أن هذا الأمر لا يعني أننا نريد منه موضوعية تضاهي 
موضوعية علمي الفيزياء والبيولوجياء مادام أن الموضوعية تتعدد وتختلف وفق الأدوات المنهجية التي 
ننطلق منها.... وهذا الهدف مرهون بشكل محدد من الذاتية... ذاتية تتوافق مع دقة موضوعية التاريخ... 
والفصل بين الذاتية الإيجابية والأخرى السلبية»(070), 

كما نجد لويس جوتشلك ينتقد كل اتهام للمعرفة الذاتية كما يجري بناؤها في حقل التاريخ بالتحيز 
والخداع» على أساس أنها دون المعرفة الموضوعية, وأن كلمة ذاتي ينبغي ألا تحمل في طياتهاء أي ذم من أي 
نوع» ولكنها تعني بالضرورة تطبيق أنواع خاصة من الاحتياط ضد الخطأ. ويضيف أن الوصول إلى الحقيقة 
التاريخية يتطلب أن يكون لها كيان مستقل خارج عن الذهن الإنسانيء وبما أن تصور الأشياء الماضية ليس 
له وجود خارج نطاق العقل البشريء ومعظم التاريخ قائم على التصورات (الدليل المكتوب أو المنطوق)؛ 
فإن ذلك يبرر عدم إمكان الوصول إلى المعرفة التاريخية, كما هو الشأن بالنسبة إلى العلوم الطبيعية!2171. 

ويشرح إدوار هاليت كار هذه المسألة فيقول: «إن المؤرخ انتقائي بالضرورة, لذا فإن الإيمان بالجوهر المحكم 
للحقائق التاريخية الموجودة موضوعياء وبشكل مستقل عن تفسرر ال مؤرخ؛ يعتبر مغالطة... إن حقائق التاريخ لا 
تصل إلينا مطلقة في صورة بحثه؛ لأنها لا توجد في صورة بحثه, إنها تنعكس دائما من خلال ذهن المدون»172). 

وقد أدلى العروي بدلوه في هذا الباب. فيقول: «ربط الماضي بالحاضر ينتهي حتما إلى نسبة المعرفة 
التاريخية... «ويرى أن التعارض القائم حول مسألة الحقيقة التاريخية يجد مبرراته في تعارض المفاهيم 
والأفكار والمناهج, ويضعها في خطين متوازيين على الشكل التالي: 


| ناض | الطيعة | الامد | التو | للوضوع | الحمية | لطادة | اتضب | القياس | الم‎ ١ 


واقترح العروي أن يُسمى الخط الأول الخط التاريخاني. والخط الثاني الخط الوضعانيء واعتبر أن القول 
بالحقيقة من منظور أي خط من الخطين ينفيها عن الآخرلة”0. 

4 - العلوم المساعدة للتاريخ 

يقول لوسيان فيفر: «لا شك في أن التاريخ يكتب اعتمادا على الوثائق المكتوبة. إن وجدت. لكن يمكن, 
بل يجبء أن يكتب اعتمادا على كل ما يستطيع الباحثء بمهارته وحذقه. أن يستنبطه من أي مصدر: من 
المفردات والرموزء من المناظر الطبيعية ومن تركيب الأجرء من أشكال المزارع ومن الأعشاب الطفيلية. من 
خسوفات القمر ومن مقرن الثيرانء من فحوص العام الجيولوجي للأحجارء ومن تحليلات الكيميائي للسيوف 
الحديدية»». هذه العبارة يرددها كثير من المؤرخين للدفاع عن التناهج؛ أي التعاون العضوي بين التخصصات 






40 


النقد التار يخي 





المختلفة, على أساس أن التاريخ «علم العلوم». فكل مثال ذكره فيفر يشير إلى تخصص: المفردات إلى اللغويات 
وعلم الأعلام والألقاب, الرموز إلى الشارات (الرنوك) والطوابع والعلامات. المناظر إلى الجغرافياء المزارع إلى 
التقنيات. القمر إلى تاريخ الطقس وعلم الهيئة, الأحجار إلى طبقات الأرضء السيوف إلى الطبيعيات.... 
هذه التخصصات تسمى عادة علوما مساعدة. وهي في الواقع إما مباحث جزئية. مثل الشارات والموازين 
والألقاب. وإما علوم قائمة بذاتها تساعد المؤرخ في عمله. ولا يمكن في أي وقت معين حصر العلوم المساعدة 
لأنها تتعدد وتتنوع باستمرار2172. 

وللاقتراب من دراسة موضوع في التاريخ, مع الأمل في النجاح, لا بد من معرفة بعض التخصصات 
المساعدة. خاصة على المستوى التقني» وليس بالضرورة على المستوى الموسوعي1739). 

وتتعدد العلوم المساعدة للتاريخ أو العلوم المواكبة. على حد تعبير العرويء بتعدد وتنوع الوثائق التي 
يعتمدها المؤرخ: فكل منهج جديد نتج عن استغلال نوع مستحدث من الوثائق, فكل وثيقة جديدة هي 
مادة علم جديد ينشأ وينمو بتعريفها وتحقيقها وفحصهاء وتكتسي صفتها التعبيرية بتأسيس العلم الذي 
تنتمي اليه170). وتوجد وفق العروي علوم حقيقية نسميها علوما مواكبة للتاريخ؛ لأنها تتطور بجانبه 
وتشاركه في المناهج والمفاهيم. ومن هذه العلوم؛ اللغويات, والقانونء والنقد الفنيء وعلم الأرضء والاقتصاد. 
وعلم الحياة. وعلم النفس. وعلم العمران177). إلى جانب هذه العلوم توجد تخصصات يرفض العروي 
تسميتها بالعلوم» ويقول في هذا: «إن ما يسمى علم النميات مثلاء أو الأنساب أو الخطوط الديوانية... هو 
في الحقيقة بحث في الجزئيات. ملخص لدراسات قطاعية يحرره خبير ليستعين به المبتدئون في المهنةء ويجمع 
فيه المعارف التي تم حولها الإجماع»!179). 

ومهما يكن من تسمية هذه التخصصات بالعلوم المساعدة أو العلوم المواكبة أو بحوث في الجزئيات, 
فإن عملية نقد الوثيقة التاريخية تحتاجء لا محالة, إلى هذه العلوم, خاصة أن هناك أنواعا جديدة ومستجدة 
من الوثائق لا يمكن للتاريخ الإفادة منها إلا بوجود مناهج علمية قادرة على استنباط النتائج التي يسعى 
المؤرخ إلى الوصول اليها. 

وهذه أهم العلوم وعلاقتها بالتاريخ عامة» وبنقد الوثيقة خاصة. التي يمكن للمؤرخ/ الباحث في التاريخ 
الإفادة منها في البحث التاريخي 

4 - 1 - اللغة عدوسة! 12: يجب على المؤرخ قبل كل شيء معرفة لغة الوثائق التي يشتغل عليهاء 
فمثلا لدراسة التاريخ القديم لآشور لا بد من معرفة الكتابة المسمارية حتى نتمكن من فك رموز الوثائق 
المكتوبة بها”17). والراغب في الكتابة عن تاريخ اليونان لا بد من معرفة اللغة اليونانية القديمة, وللكتابة 
في تاريخ العصور الوسطى لا بد من معرفة بلاتينياتهاء وللكتابة عن عصر النهضة لا بد من معرفة اللغة 
الإيطالية... وكلما تعددت اللغات الأصلية القديمة والحديثة التي يلم بها الباحثء اتسع أمامه أفق 
البحث والاستقصاءء. وعلى الباحث أن يكون حريصا على دراسة ما يلزمه منها مهما كانت قدمة أو صعبة 
أو نادرة؛ مثل اللغة المصرية القديهة: أو الصينية, أو العربية» أو الفارسية. أو الروسية... حتى يستطيع 


41 


النقد التاريضى 





الرجوع إلى و والمصادر التاريخية الأولى» وهذه أدوات أساسية لا يمكن بغيرها السير قدما في سبيل 
البحث التاريخى (180), 

2-4- فقه اللغة عذعه1ه1فطم 12: علم يهتم بدراسة اللسانيات التاريخية انطلاقا من وثائق مكتوبة, 
يستهدف استعادة المحتويات الأصلية لنصوص معروفة من مصادر مختلفة, ويساعد في المقام الأول على فهم 
الوثيقة (شرط أساسي لتأويل دقيق للمحتوى). فهو ضروي لعرفة لغة المرحلة التاريخية؛ والمنطقة, والوسط 
الذي أنتجت فيه الوثيقة هذا التخصص مفيد جدا للمؤرخين لأن معظم الوثائق التي يستخدمها عبارة عن 
وثائق مكتوبة. كما تتحدد وظيفته أيضا في معرفة أصل الوثيقة ومراقبة أصالتها (باستعمال الكلمات الخاصة 
أو معنى خاصء وبعث التعبيرات): كما أن علم فقه اللغة استفاد بشكل واسع من ال معلوميات. ويمكن 
للمؤرخ بدوره أن يفيد من نتائج ذلك!181). 

4 - 3 - علم قراءة الخطوط أو الأقلام القديمة عنطمدمعه14دم 12: هو جانب من تاريخ الحروف؟ أي 
تطور أشكال الرموز المعبرة عن أصوات لغة ما2؟؟). ويوظف المؤرخ كثيرا من النصوص المخطوطة: ويحاول 
قراءة كتاباتها القديمة؛ ففي الخط العربي مثلا نجد أنواعا كثيرة من الخطوط: الكوفي والرقعة والثلث والفارسي 
والمغربيء التي تحتاج قراءتها إلى التعليم والتدريب 1937 فعلم المخطوطات من يوجهه ويساعده في فك هذه 
الخطوط واختصاراتها(؛!). ومجال هذا العلم شاسع لأنه يشتغل على جميع أنواع الكتابات التي ظهرت في 
العالم منذ خمسة آلاف سنة. وحاليا لإعادة إظهار حبر المخطوط المختفي يستخدم هذا العلم الأشعة فوق 
البنفسجية المصفاة. وإذا كانت النصوص مختفية تحت مادة ما يجري توظيف الأشعة تحت الحمراء(155/ 
ويتمثل الدور الواسع لهذا العلم في فحصه الدقيق للخطوط والحوامل (الأوراق» ورق البردي...)» والحبر 
والاختصارات وأدوات الترقيم والأرقام؛ مما يسمح في كثير من الأحيان بفحص وتحديد تاريخ الوثيقة. ومكان 
إنتاجها وصاحبهاء فعلم المخطوطات يفيدنا في نقد الأصالة ونقد التصحيه1867. 

4 - 4 - علم الأسماء عدوناكةده0ه10: علم يهتم بدراسة الأسماء ويعيد توزيعها إلى فروع متعددة 
مهمة بالنسبة إلى المؤرخين العاكفين على دراسة أسماء الأماكن والأنهار والأشخاصء وهي علم دراسة الأماكن 
الجغرافية وعلم دراسة المياه وعلم دراسة أسماء الأشخاص 01977 

وهذا العلم يحاول في الأساس أن يعاود وضع الأسماء في سياقها اللساني (اللخوي) والثقافي الأصلي(188). 

4 - 5 - علم النقود والمسكوكات 36و2]1تدعتدسد20: علم يهتم بدارسة القطع النقدية والشرائح المعدنية 
المختومة من طرف السلطات العمومية والمستعملة كوسيلة للأداء في المعاملات القانونية والتجارية!159/, 
يدرس أنواع النقود وورشاتها وانتشارهاء وتخزينها. يحاول تحديد وإثبات أصل النقود والميداليات170), حيث 
توجد صور وكتابات تعرفنا بتواريخ وأسماء وألقاب ومعلومات كثيرة(191). 

4 - 6 - علم الخواتم والطوابع عنطمهمعه11فع51 12: هو علم مساعد علم الديبلوماتيك أو علم العهود 
والمواثيق عناو228ه1م41 12 يدرس الأختام المستعملة من طرف الأباطرة والملوك والأمراء والبابوات» 
والأساقفة. والمحاكم... من حيث النوع (الصنف) والشكل والأبعاد والألوان وصيغة تثبيت الأختام. واستخدام 


42 


النقد التاريخي 





مختلف أنواع الوثائق المختومة من مختلف الإدارات» وفي أزمنة مختلفة, يجعل من هذا العلم مساهما في 
مراقبة أصالتهاء كما أن الأختام تعطينا معلومات عن المؤسسات والأوضاع الدينية والذهنيات والفنونء كما 
تكون مفيدة في معرفة الأنساب والتاريخ الاجتماعي192) 
الاجتماعية. ويمكن بالخواتم أن نحدد تاريخا بشكل أدق من خلال معرفة مرحلة استخدام المادة التي صنع 
متها الخاته(193), 

4 - 7 - علم النقائش أو النقشيات (الكتابات) عنطمدمعام1: علم يختص فيما يكتب على النصب والمواد 
الأثرية الدائمة (الصخورء والطين, والمعادن...)74!', وقد عرف العاط القديم انتشارا مهما لهذه الكتابات» وعثر 
على آلاف النقشيات الإغريقية والرومانية (قوانين» ومراسيم. ومعاهداتء ونقائش على الأضرحة» وقرابين...), 
هذه الوثائق المنقوشة على الأحجار لضمان إشهارها الدائم عبارة عن شواهد مباشرة توضح بشكل مدهش 
التاريخ السياسي والمؤسساق والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعالم الإغريقي الروماني. 

وهذا العلم يمكن المؤرخ من وضع أهم آلية لاسترجاع النقائش المشوهة: من خلال اللقارنة بين النقائش 
المتشابهة» وبالتالي نستخدم الرسوم الأصلية لتحديد تاريخ وأصالة الوثائق المصقولة (المنقوشة). لكن في بعض 
الأحيان نجد فجوات يصعب علاجها؛ لذا يجب تجنب المجازفة في تصحيحها(ة09. 

4 - 8 - علم الديبلوماتيك أو علم العهود والمواثيق عناو2دده1منك ها: وفق 8321116 هو علم يدرس 
تقاليد. وصيغ, ونشأة المواثيق المكتوبة» بنظرة نقديةء بالحكم على صدقهاء وتحديد قيمة نصوصهاء وتقدير 
قيمتها بالضبطء ووضعها في نسيجها الذي اشئّقت منهء باستخراج اللغة التي صيغت بهاء وجميع العناصر 
المرجح استغلالها من طرف المؤرخ196), 

وتتمثل الوثائق التي يختص في دراستها هذا العلم في الأوامر والقرارات والمعاهدات والاتفاقيات 
والمراسلات السياسية”””'. والعهود المبرمة بين الملوك وقواد الجيش في العهد القديمء وبين الرؤساء والأتباع 
في العهد الوسيط المسيحي وشيوخ الزوايا والتلاميذ في الشرق الإسلامي(179. 

ويسمح هذا العلم بنشر المجموعات الأرشيفية التي خضعت لعدد هائل من أعمال البحث والنقد. وأول 
خطوة يقوم بها المتخصصون في هذا العلم هي التساؤل عن صدقية الكتابة التي بين أيديهم» وأن ما يظهر 
له يطابق الحقيقة, وأن الوثيقة صادقة. أي أصلية 099 

4 - 9 - علم الأنساب عنههله6همع 12: اشئّق هذا العلم من علم الأجناس أو السلالات2000, وهو 
علم يبحث في أصل ونسب الأشخاص والأسر.ء ويجب على اللمؤرخ أن يكون على دراية بهذا العلم؛ مما 
يسمح له بتفسير بعض الأحداث التاريخية من خلال علاقات القرابة» من دون أن ينسى أن عددا! هاثلا 
من وثائق النسب يجري صنعها بشكل دقيق من طرف مزورين قصد الحصول على امتيازات بعض 
العائلات (201), 

4 - 10 - علم الآثارءنعه1هغ هآ : تشكل الأثريات ألصق التخصصات التاريخية بالتطور العلمي» وقد 
وصل هذا العلم حدا من الدقة والتفنن جعل من الصعب النظر إليه يوصفه علما مساعدا للتاريخ: وأصبح 


٠‏ من خلال تقديم أدلة جديدة حول العلاقات 


43 


النقد التاريخي 





ا تناه :با 


علما مستقلا يهدف إلى ما يهدف إليه التاريخ التقليدي وبطرق أصيلة تبدو للجميع أكثر موضوعية وأقل 
تأثرا بالأهواء والأغراض. وهو علم ملازم للتطور البشريء ولم يعد محدودا لا في الزمان ولا في المكان» والباحث 
في الأركيولوجيا يدرس المخلفات المادية المتنوعة التي يتركها الإنسان202. هذا الأثر المترتب على النشاط 
الإنساني يعطي نظرة محددة عن الماضي الذي يتجلى في طريقة تفكير واشتغال وعيش الإنسان في مختلف 
القارات: وفي مختلف الأزمنة (203, 

ويشغل علم الآثار اليوم كل العلوم التقليدية والحديثة. وضمنها التاريخ المكتوب. خاصة المرتكزة على 
الطبيعيات والرياضيات والتي يستعين بها الباحث الأثري02. فالتعبير الرياضياتي الذي يتميز بالتحليل 
أخذ مكانة جد مهمة في علم الآثاره ويسمح بتدقيق وإضفاء الشرعية على العمليات التي يسوقها عالم 
الآثار عندما يصف ويصنفء والأبحاث تحت بحرية تسمح بالتنقيب في أعماق البحار وبالقرب من 
السواحلء وتزودنا بمعلومات قيمة حول تاريخ الملاحة والتجارة البحرية» والتصوير الجوي يكشف عن 
امناطق غير الواضحة في المناطق الحضرية والمشاهد المفقودة في الحاضرء والحفريات التي هي بمنزلة 
تشريح حقيقي للمواقع الأثرية التي تراكمت فيها بقايا أنشطة الإنسان منذ قرون بطريقة عمودية: وعام 
الآثار يحفرها بطريقة ممنهجة طبقة تلو الأخرى بشكل أفقي لتسليط الضوء على الاختلافات الموجودة في 
منطقة التنقيبء والبحث المجموع المتواليات في الزمن» لكن الحفريات المدمرة يجب تسجيل آثارها بدقة 
في مكانها بالنسبة إلى كل مرحلة من التنقيب. ووضع رسم خريطي لهاء وأخذ صور لهاء ووضع تواريخ لهاء 
وتحليلها تحليلا كيميائيا وفيزيائيا!205. 

ونظرا إلى تضاعف الكشوفات إلى أعداد خيالية» ولم يعد في الإمكان معالجة تلك المعلومات إلا باستعمال 
الحاسوب. والاعتماد على وسائل مادية هائلة, فإن وضع الأثريات اليوم في مركز متقدم. وأصبحت له 
مؤسسات متخصصة. لكن تضاعف أنواع الآثار. وتعدد المعلومات المستنبطة من كشف واحد يصعب معه 
التعيين بسب تشعب طرق الوصف واختلاف معايير الترتيب» فيتعود الباحث على تحرير تقرير سنوي يلخص 
فيه استنتاجات مؤقتة, وتتجدد التقارير المتضاربة في الغالب من دون أن تصل أبدا إلى خلاصة. لكن قلة 
النتائج القطعية, رغم دقة المناهج وضخامة الوسائل المادية المستعملة وتكاثر الآثاره تجعل فائدتها تتضاءل 
في عين ابلؤرخ(206). 

4 - 11 - علم الجغرافيا عنطدهءع60ع 12: هو علم دراسة الظواهر الفيزيائية والبيولوجية والبشرية 
وتوطينها على سطح الأرضء وهو علم يسمح للمؤرخ بالبحث عن تأثير الوسط الجغرافي في مجرى 
الأحداث التاريخية» بمعرفة الشروط الفيزيائية (التربة» والتضاريسء وامناخء والمجاري اطائية...) التي 
تحكمت في حياة ال مجتمع ومدى تأثيرها؛ فالعلاقات بين المجموعات البشرية والشروط الفيزيائية 
علاقات حيوية لكنها ليست ضرورية في شكلها؛ لذا يجب - بشكل قطعي - أن نضع الأحكام الجاهزة 
المنتشرة جانيا؛ فمثلا التغذية ضرورية ونبحث عنها في الأرضء لكن هناك طرقا أخرى ممكنة للوصول 
إلى الغذاء وإنتاجه. 


44 


النقد التاريخي 


> ةزو يوام 





فالجغرافيا إذن لا تفسر جميع الحياة: ولا جميع تاريخ البشرية. فالطبيعة تقترح والإنسان يتصرف. 
المشهد. الدولة. المكان الذي يعيش ويتصرف فيه الإنسان لا يتحكم في كل شيء. الإنسان بدوره يتحكم في 
الأرضء ويجب الانتباه إلى التفسيرات جد الصريحة والبسيطة والعامة. والبحث فقط عن نصيب الوسط 
الجغرافي. ودوره كعامل للتأويل. والمهم هو معرفة الدرجة الحقيقية للتأثيرات الجغرافية, ورد فعل الإنسان 
في مجرى التاريخ!207. 

كما أورد العروي أمثلة بعض المؤرخينء وتوظيفهم للعوامل الجغرافية في البحث التاريخيء منهم ابن 
خلدون الذي وظف المكان وسيلة للنقد. ومعيارا لتمحيص الأخبار» بمعنى أنه لم ينظر في علاقة البيئة 
بالإنسان أو بالكائن الحي عامةء مع إغفال دور واجتهاد المؤرخ الباحث. بل بحث في علاقة الأخبار بظرفها 
المكاني من منظور المؤرخ. وجان بودان الذي يطالب الناظر المتمعن في أخبار الماضي بأن يتحقق من عدالة 
المخبرء وأن يلتفت في الوقت نفسه إلى شواهد اللغة وإلى وصف الأماكن, وأن ما يخير به يوافق أوصاف 


المكان الذي يدعي أنه حدث فيه(208. 


45 


4 


النقد التاريخي 





يرتبط منهج النقد التاريخي بدراسة شواهد الماضي للوصول إلى الحقيقة التاريخية. 
لكن أهمية هذا المنهج لا يمكن حصرها في الدراسات التاريخيةء بل تتعداه اليوم إلى 
ضرورة الاشتغال لفهم عام اليوم أمام ما نتلقاه من قصف إعلامي وتزوير للوقائع 
والأحداث. وتباين التحليلات والآراء المغلفة بمختلف الأيديولوجيات» وتغليب المصالح 
الشخصية. ويمكن توضيح هذه الامتدادات في المستويات التالية: 

- الإعلامي/ التكنولوجي: مرتبط بوسائل الإعلام الحديثة. خاصة شبكة التواصل 
الاجتماعي, وما تتناقله وتبثه من حشود ضخمة من المعلومات المغلفة بأيديولوجيات 
وخلفيات فكرية لا يمكن للفرد أن يفهمها ويحللها وينتقدها ويتخذ موقفا معينا حيالها 
إلا إذا كان يتمتع بفكر نقديء نعتقد أن منهج الفكر التاريخي خاصة النقد التاريخي 
أداة فعالة لتحقيقه. 

- الاقتصادي: مرتبط بالكم الهائل من التقارير الصادرة عن مختلف المراكز 
والمؤسسات الاقتصادية والجامعات. ويصعب على المرء فهمها أو الإفادة منها إلا إذا 
كان يتمتع بمعايير للنقد تضع هذه التقارير في سياقاتها. وربطها بأهداف الجهات التي 
صدرت عنها هذه التقارير. 

- السياسي: مرتبط بالقدرة على فهم التجاذبات السياسية التي تتحكم في المشهد 
السياسي, المحلي والوطني والإقليمي والعالميء فالادعاءات المتباينة والمتناقضة في أحايين 
كثيرة يصعب فهمها وتبني مواقف معينة حيالها إلا كان ا مواطن يمتلك فكرا نقديا يمكنه 
من امتلاك معايير تلتمييز مواقف وآراء النخبة السياسية. 


النقد التاريخي 


الهوامش 


الهاديء التيمومي. مفهوم التاريخ وتاريخ المفهوم في العالم الغربي من النهضة إلى العوللة. دار محمد علي للنشىي, 
3م. ص24 - 26. 
هاري إلمز بارنزء تاريخ الكتابة التاريخية, ترجمة: محمد عبدالرحمن برج مراجعة سعيد عبدالفتاح عاشورء الجزء 
الثاني. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1987م.ص49 - 51. 
الهادي التيموميء المرجع السابق: 2003, ص29 - 31. 
ع تامدز غأء 1983 صنداز .لتداعة نك صمناتل6 .وعناومماوقط 5عامء6 و12 .ضناعة81 ,6صع11 باه .6لعنهظ8, ردن 
.8 - 181م .1997 
.5 .نط1 
خالد. طحطح. الكتابة التاريخية: دار توبقال للنشرء الطبعة الأولىء 2012م, الدار البيضاء - المغرب. ص86 و87. 
جاك. لوغوف (إشراف). التاريخ الجديد. ترجمة وتقديم: محمد الطاهر المنصوري, مراجعة: عبدالحميد هنية, 
المنظمة العربية للترجمة: بيروت - لبنانء الطبعة الأولى. 2007م, ص92. 
جاكء. لوغوفء المرجع السابق.» ص129. 
ذا اأء ععقموتمصة) ع1 عنام عتعتامععدم ذه متمعطك وده! اعنانو: عناوءمغقنط عناوقيى 13 ,عع رط.وعدوعهز 
1 ااناء]2 - 12 - هه انامآ ,81345118 - 1114 [طفعق عمغطامصرو 
.0 م.10ط1 
.1979.29 .ع تناع[ - 1 - صنه نامآ عتاءغنلة - ععندوطنا ,لاحفظف0 .عناوتعمأقنط عدوناى .أمعندم06 ,ل[ممهغ1.6 
.9 .0غط1 
. 72م مأك .مه .عمءتزط , وعناوء2[ 
9 بأك.مه .أمعنهة10,6ممممآ 
.3 يأك .مه .عم :زط ,وعناوء2[ 
.30م مأك. جره .أمعنص6 6 ,ل1[وممف1 
عبدالرحمنء بدويء النقد التاريخيء وكالة المطبوعات. الطبعة الرابعة. الكويت. 1981. ص67 و68. 
وعلاعستصظ عق غأنومع انمد[ ع4 ممنانك8 .ممنائل6 جه2. عناوناى كه ععزمغمنةظ.دمصلدك, عمعزم 
.6ن ماع85 
قاسم. يزبكء التاريخ ومنهج البحث التاريخيء دار الفكر اللبناني. الطبعة الأولىء بيروت. 1990 ص 100 
.65 أك .من .عتزط ,وعناوء3[ 
.88م يأك .مه. ممصسلدة ,عمعزط 
لويس, جوتشلك, كيف نفهم التاريخ: مدخل إلى تطبيق المنهج التاريخيء ترجمة: عائدة سليمان عارف, وأحمد 
مصطفى أبو حاكمة. دار الكاتب العربيء ص169. 
قاسم.ء يزبكء المرجع السابقء ص104. 


47 


النقد التاريخي 


.89 م. غك ,زه مدسمتملدك, عصعتط 
لويس. جوتشلك. كيف نفهم التاريخ؟ مرجع سابق. ص151. 
.90 م. غك .مه .ممسلدك, عمعتط 
.567 نلك بره بعتعترظ عناوم[ 
- 90 مر .أك .نه .ومسلدد عموزط 
حسنء عثمان. منهج البحث التاريخيء الطبعة الثامنة, دار المعارف» القاهرة. ص104. 
.2 م. أك .مه .ممسلمك, عمعتط 
.2 مبلذط1 
.3م مأك .جه أمعنمغ6 ,لامومفآ 
.د نأك .جه .عكر ,قعنتهوعة[ 
عبدالرحمنء بدويء المرجع السابق» ص53. 
.96 م نك .زه بممسلدة, عمعتط 
عبدالرحمن» بدويء المرجع السابق:» ص56. 
4 مأك .نه .أمعنصغ , 0[مومفة 
.8 - 97 م بأك .زه بممسلدك, عمرعزم 
.8 م .نط1 
...م أمعند 06 ,ل[مممكمرآ 
.5م بهذط1 
.8 م . أك .هزه .وممسلدك, عمعزم 
.7 - 36م يأك .جره .أمعنه6 ,لوآمممكمآ 
.9قم تك .ره .ومسلدم, عمرعزم 
جوتهلف: برجستراسرء أصول نقد النصوص ونشر الكتب. محاضرات ألقاها المستشرق الأماني جوتهلف برجستراسر 
بكلية الآداب بالقاهرة سنة 1931/ 1932 م, أعدها وقدم لها: الدكتور محمد حمدي البكريء تصدير: الدكتور حسين 
نصار, الطبعة الثالثة. مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة. 2010 م ص14. 
.8م بأك. دره ,أمعنه06 ,لأمممغآ1 
.9م .نأك .مه بأمعنص6© ,010مه160 
عبدالرحمنء بدويء المرجع السابق» ص60. 
.39م نأك .مه. غمعنصة) ,ل1مممئمآ 
.لهم نط1 
منقمةتققة 013515) عنة.وء0مطانحم دع اء ععزمغاقنة 1[ مصدل,«وع ع وع0 عناوناى شآ».لقطعءتية11 خرعطه10 
.7 - 1286 م .1961 .+ ع20ذ216 12 عل عنلعم مك عمظ » .لامء ,لمهسئللة0 ,فوط 


النقد التاريخي 


- 40م اق. جه .امعند6© ,لأمجممآ 
محمد. الخراط» تأويل التاريخ العربي عند بعض المفكرين المغاربة المعاصرينء المركز الثقافي العربي, الطبعة الأولى» 
الدار البيضاء - بيروت» 2013, ص37. 


المرجع السابق نفسه. ص38. 
علي» بن محمد السيد الشريف الجرجانيء معجم التعريفات. تحقيق ودراسة: محمد صديق المنشاوي.ء دار الفضيلة. 
القاهرة. 2004. ص46. 
عبدالله. العروي. مفهوم التاريخ: الألفاظ والمذاهبء المركز الثقافي العربيء الطبعة الرابعة» الدار البيضاء - بيروت. 
5, ص314. 
محمد. الخراطء المرجع السابق.ء ص40 و41. 
المرجع السابق نفسه. ص51. 
إبراهيم» القادري بوتشيشء النص التارد يخي بين الدلالة التقريرية والهرمنيوطيقاء مجلة علامات, العدد 16, 21998 
ص30. 
قاسم, يزبكء المرجع السابق» ص113. 
يأك .ره .عبط روعتاوعو 

حسنء عثمان, المرجع السابقء ص120. 

.105 ع مأك .زه متمتسلد5, عمعتط 


.0 م. غك .مه.عمل رط بوعناوء3[ 

أسد. رستمء مصطلح التاريخ: المكتبة العصرية للطباعة والنشرء بيروت - صيداء الطبعة الأولى» 2002, ص58. 
عبدالرحمنء بدويء المرجع السابق» ص118. 
حسن عثمان, المرجع السابق» ص121. 
إبراهيم القادري بوتشيشء المرجع السابق.ء ص33 و34. 
عبدالله العرويء المرجع السابق» ص312. 
إبراهيمء القادري بوتشيشء المرجع السابق, ص35 - 37. 

.48م .اك .مه أمعءنه66 ,لامومف1 

.108 م . غك .مره .سمتصلدك, عمعتط 
عبدالرحمنء بدوي, المرجع السابق» ص112. 
إبراهيم» القادري بوتشيشء المرجع السابق. ص38 - 41. 
عبدالله, العروي. المرجع السابق, ص314 و315. 
المرجع السابق نفسه. ص314. 
عبدالرحمنء, بن محمد ابن خلدونء. مقدمة ابن خلدون. تحقيق: درويش الجويديء المكتبة العصرية للطباعة. 
الطبعة الأولى» بيروت - صيدا, 1999, ص39. 
عبدالرحمنء بدويء المرجع السابق» ص111. 


49 


عبدالله العروي, المرجع السابق, ص314 و315. 


أحمد. عزت السيد. حدود التأويل. مجلة جامعة دمشق - المجلد 28, العدد الأول. 2012, ص535. 


قاسم؛ يزبك, المرجع السابق» ص123. 


قاسم, يزبك. الرجع السابق» ص124. 


أسد. رستم, المرجع السابق. ص73. 

حسنء عثمانء ال مرجع السابق» ص128. 

أسد. رستم. المرجع السابق. ص74. 

حسن عثمانء المرجع السابق» ص128 و129. 
أسد. رستم, المرجع السابق. ص74 و75. 

حسنء عثمانء المرجع السابقء ص129. 

المرجع السابق نفسه. ص130. 

لويسء جوتشلك. المرجع السابق» ص186 و187. 
ا مرجع السابق نفسه. ص187 - 190. 


م نأك .مه .علءرط ,وعناوء3[ 
4 م .نط1 

.52م.أك.مه .أمعندغت, 0[مممغآ 
.3 مغك «ممه.ممتملدك5, عممعزط 
.م .نأك .مه .أمعنم06,ك[مممفآ 


.105 م نأك .مه .ععل زط ,وعناوع2[ 


.53م .أك .مه .#معنص6 ,0إممه6.آ 


.18 - 117 م .كك .مه.ممسلدكئ, عمعزط 
.2 -121 - 120 - 119 - 118 م نط1 


.0 م كن. ره .عمل رط ,وعتوعة[ 
.22م أق. زه .مصسلةك, عجصعاط 
1ن .مه كانلا2 ,وعناوء2 


122م باك .مه .سمسلدكئ, عمعزط 
لمم اك .مه .علترط ,وعسوعدل 
.25م يأك .مه.ممصسلدة, معط 
.12م أك. مه .عمل"زط ,وعناوء3[ 
.4 م يان .مه .)معنصة0 ,ل[مممفغ1 


النقد التاريخي 


. 113م .أك .مه .ععلزط وعناوعد[ 
.5 مأك .مه .أمعنصة ,ل[وممغ1 
.3م نك مه ,ترط بوعناوعو 
حسنء عثمانء ا مرجع السابق. ص131 - 133. 
المرجع السابق نفسه. ص146. 
.56 م يأك .مه .أمعنمغ0 .10أمدم6.آ1 
حسنء عثمان. المرجع السابق. ص146. ْ 
المرجع السابق نفسه. ص147. 
أسدء رستمء المرجع السابق» ص107. 
.7 - 116 - 115 م مأك .مه .عماعتزط روعناوء3[ 
. 118 م بقذط1 
.119 م ,لذط1 
7 م مأك .مزه أمعندة0 ,10مممتمآ 
. 118 م يأك .مه ,علءزط ,وعتاوعة[ 
.7 مأك .مه أمعند6© ,ل[امجمغ.آ 
حسنء عثمانء المرجع السابق» ص151. 
.0 مك .مه .علعرط ,وعتدوعةل 
حسنء عثمان, المرجع السابقء ص147 و148. 
.7م مأك نه بأمعنصة6 ,لامممكمآ1 
.0 م باك مه ,عملت( ,وعناوء3[ 
عبدالله» العروي المرجع السابق. ص259 و260. 
.مقاأممسضقط"! .كمد .ععتمأمنط"! عل عودككتقمءىممة! أء عممعتمرمغقنط عمممء2 .1مو م1 نسددممة1 ,دكماوه14 
.2م .2005 
عبدالله» العروي. المرجع السابق. ص266 - 270 . 
ا مرجع السابق نفسه. ص252: 257 و258. 
.69 - 67م ناك ,جه .أموتمك1 تصددعة11 بدكماده31 
جاكء لوغوف. المرجع السابق.» ص92. 

7 .مه .أووعل1 تسصددعد11 رقكة5ه2/]0 
شكير. عكي, تعلم التفسير التاريخي: مقاربة ديداكتيكية وفق مدخل الكفايات (الجذع المشترك نموذجا). أطروحة 
لنيل درجة الدكتوراه في علوم التربية. إشراف: مصطفى حسني إدريسيء نوقشت في رحاب كلية علوم التربية 
بالرباط. خلال الموسم الجامعي 2011/2010م, ص46 و47. 
عبدالله. العروي. المرجع السابق. 2005, ص85. 


51 


52 


النقد التاريخي 


.2 - 81 - 80م أق.مه .أكمامك1 نصدعمدآ1 ,دكقاده11 
قده نانك .وعدي ام غئن1؟ وعلط داه دمناء نومآ .وم طهمعاء 5 روع [تقط0 باء ,كذه لوصمآ ,تمك 77 - ومع أتقطن 
ذ عغانأمصرمء عدوتفصسيم ممتاتلظ).1898.متمدط .عاأعطعمة؟ ععنهءطنآ ممنتةة 1992.16 ,كعدط .مستا 

.3م (2005 غ200 25 16 نسناتمعنطت) 
عبدالرحمنء بدوي.ء المرجع السابق» ص5. 
خالد. طحطح. المرجع السابق» 2012, ص79. 
عبدالله. العروي, المرجع السابق, ص242. 
.مأك .مه .أكولعة1 تصدعممة1 بدكماده3/1 
.99 - 8وم .نط1 
.2 - 101 - 100م مقنط1 
عبدالله العروي, المرجع السابق, ص242. 
المرجع السابق نفسه, ص295. 
المرجع السابق نفسه. ص312. 
شكير. عكي, المرجع السابق. ص49. 
عبدالله. العروي. المرجع السابق.» ص223. 
3 - 132 - 131 - 130 - 129مأك .مم.أمقاعة1 نصددمة11 ,دكهاده31 
جاك. لوغوف. المرجع السابق. ص88. 
عبدالله, العروي, المرجع السابق» ص67 72 و73 76. 
عبدالأحد. السبتي, التاريخ وأزمنة الحدث. سلسلة محاضرات مركز دراسات الدكتوراه رقم 8, منشورات كلية 
الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة محمد الخامس أكدال, الرباط 2012, ص6 - 11. 
محمد بن مكرم, أبو الفضلء جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصري. لسان العربء المجلد 10 باب القاف. دار 
صادر بيروت؛ 2003م» ص371. 
محمد. مجد الدين بن يعقوب, الفيروز أبادي, القاموسالمحيط, تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة, 
إشراف: محمد نعيم العرقسوسي, مؤسسة الرسالة. ط8. 2005م. ص928. 
فريد. بن سلمان, مدخل إلى دراسة التاريخ: مركز النشر الجامعي» تونس, 2000, ص39. 
عبدالله, العروي, المرجع السابق» ص82. 
فريد, بن سلمانء المرجع السابقء ص40. 
عبدالله, العروي, المرجع السابق, 2005, ص80. 
المرجع السابق نفسه. ص85. 
.89 ماك .مه.تومضمة1 نصمعمه11 بدكماده1/1 
- 114.90 
.4 م .نط1 


النقد التاريخي 


فريدء بن سلمان. مرجع سابق. ص42 - 45. 
خالد. طحطح. المرجع السابق» 2012 ص77 و78. 


.24 - 23م.1955.كموط عكر دمضنلظ. غخمم؟ اء ععزمغمنط عنعمئن2 لوط 


لويسء جوتشلك. ال مرجع السابق» ص56 - 58. 


إدوارد. هاليت كارء ما هو التاريخ؟ ترجمة: ماهر كيالي وبيار عقل, الطبعة الأولى» المؤسسة العربية للدراسات 


والنشرء بيروت» 1576 ص36. 
عبدالله. العرويء المرجع السابق. ص39, 345 و346. 
ا مرجع السابق نفسه. ص81 و82. 


عبدالله. العرويء المرجع السابقء ص198 و199. 
المرجع السابق نفسه. ص198. 
ا مرجع السابق نفسه. ص198. 


حسنء عثمان» المرجع السابق» ص26. 


حسن» عثمان» المرجع السابق» ص28. 


عبدالله. العروي, المرجع السابق» ص113. 


حسنء عثمان. المرجع السابق» ص30. 
عبدالله. العروي. المرجع السابق» ص112. 


.64م باك .م0 ,تمتسلمك, عمعزط 


4 ناك .م0 ,مممسلدة, عمعزط 


.55 « يأك .وه.علرزط ,كعناوء3[ 


مع أك. وم.ععل رط بوعناوء3[ 


.6 « نأك .مه بممتسملوةئ, عمرعتط 
"مم نأك .مه .علعترط بقعتاوعة[ 


.5 م .نط1 


م اك .مه .و«مسلدكئ, عمعزط 


.45 ماك .مه ,عملعرط وعناوعوز 
.80 م .مه بمتملمدع معنم 


.6 وزاك .مه .ععك:(2 بكعداو2[ 
.نكق.مه متمتسلمكع معط 
.52منات .مه .عترط ,معتاوعول 
.امه بمسلمك ع مع زط 
.53م مأق.مه .علرط بقعديوء3[ 


53 


54 


عبدالله. العرويء المرجع السابقء ص153. 


عبدالله. العروي. المرجع السابق. ص129 و130. 


عبدالله. العروي, المرجع السابق»ء ص131. 


عبدالله, العروي. المرجع السابق. ص257 و258. 


النقد التاريخي 


- 71 مامه بومسمسلمدعسء زط 
.3 أ.مه .متملدك, عرءلط 


.8 م أق.مه .ومسلدك, عصعزط 


9 - 78 م غا.مه .متسلهك, عمرعزم 


.0 - 69 .مه .ممتصملدد ,عمءزط 


النقد التاريخي 





قائمة المراجج 

أولا - باللغة العربية 

- ابن خلدون2, عبد الرحمن بن محمد, مقدمة ابن خلدون, تحقيق: درويش الجويدي, 
المكتبة العصرية للطباعة, الطبعة الأولىء بيروت - صيداء 1999م. 

- أبو الفضلء محمد بن مكرم» جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصريء لسان العرب, المجلد 
0 باب القاف. دار صادرء بيروت. 2003م. 

- أسد. رستمء مصطلح التاريخ, المكتبة العصرية للطباعة والنشرء بيروت - صيداء الطبعة الأولى» 
2م. 

- التيموميء الهاديء مفهوم التاريخ وتاريخ المفهوم في العالم الغربي من النهضة إلى العولمة, 
دار محمد علي للنشرء 2003م. 

- الجرجانيء علي بن محمد السيد الشريف. معجم التعريفات. تحقيق ودراسة: محمد صديق 
المنشاوي. دار الفضيلة. القاهرة. 2004م. 

- الخراط محمدء تأويل التاريخ العربي عند بعض المفكرين المغاربة المعاصرينء المركز الثقافي 
العربيء الطبعة الأولى الدار البيضاء - بيروت» 2013م. 

- السبتيء عبدالأحد, التاريخ وأزمنة الحدث» سلسلة محاضرات مركز دراسات الدكتوراه رقم 8, 
منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية, جامعة محمد الخامس أكدالء الرباط. 2012م. 

- العروي. عبدالله.» مفهوم التاريخ: الألفاظ والمذاهب, المركز الثقافي العربيء الطبعة الرابعة, 
الدار البيضاء - بيروت, 2005م. 

- الفيروز أباديء مجد الدين محمد بن يعقوبء القاموس المحيطء تحقيق: مكتب تحقيق 
التراث في مؤسسة الرسالة, إشراف: محمد نعيم العرقسوسيء مؤسسة الرسالة, ط8. 2005م. 

- القادري بوتشيشء إبراهيمء النص التاريخي بين الدلالة التقريرية والهرمنيوطيقاء مجلة 
علامات. العدد 16, 1998 م 

- إطز بارنزء هاريء تاريخ الكتابة التاريخية. ترجمة: محمد عبدالرحمن برج» مراجعة: سعيد 
عبدالفتاح عاشورء الجزء الثاني الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1987م. 

- بدويء عبد الرحمنء النقد التاريخيء وكالة المطبوعاتء الطبعة الرابعة» الكويت» 1981م. 

- برجستراسرء جوتهلف, أصول نقد النصوص ونشر الكتبء محاضرات ألقاها المستشرق 
الألماني جوتهلف برجستراسر بكلية الآداب بالقاهرة سنة 1931/ 1932م, أعدها وقدم لها: 
الدكتور محمد حمدي البكريء. تصدير: الدكتور حسين نصارء الطبعة الثالثة. مطبعة دار 
الكتب والوثائق القومية بالقاهرة. 2010م. 

- بن سلمانء فريدء مدخل إلى دراسة التاريخء مركز النشر الجامعي» تونس, 2000م. 

- جوتشلكء, لويسء كيف نفهم التاريخ: مدخل إلى تطبيق المنهج التاريخي؟ ترجمة: عائدة 
سليمان عارف وأحمد مصطفى أبو حاكمة. دار الكاتب العربي. 


55 


النقد التاريخي 





0 


- طحطح. خالدء الكتابة التاريخية, دار توبقال للنشرء الطبعة الأولى» الدار البيضاء - المغرب» 
2م ْ 

- عثمانء حسنء منهج البحث التاريخيء الطبعة الثامنة دار المعارفء القاهرة. ب. ت. 

- عزت السيد, أحمدء حدود التأويلء مجلة جامعة دمشق - المجلد 28: العدد الأول 2012م. 

- عكي. شكيرء تعلم التفسير التاريخي: مقاربة ديداكتيكية وفق مدخل الكفايات (الجذع 
المشترك نموذجا). أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في علوم التربية. إشراف مصطفى حسني 
إدريسيء نوقشت في رحاب كلية علوم التربية بالرباطء خلال الموسم الجامعي 2010م/ 
1م. 

- لوغوف. جاكء. (إشراف). التاريخ الجديدء ترجمة وتقديم: محمد الطاهر المنصوريء مراجعة: 
عبدالحميد هنية, المنظمة العربية للترجمة. بيروت. لبنان الطبعة الأولىء 2007م. 

- هاليت كارء إدواردء ما هو التاريخ؟. ترجمة: ماهر كياليء وبيار عقل. الطبعة الأولى. المؤسسة 


العربية للدراسات والنشرء بيروت. 1976م. 
- يزبك. قاسم. التاريخ ومنهج البحث التاريخيء دار الفكر اللبنانيء الطبعة الأولى بيروت» 
0م. 


ثانيا - باللغة الفرنسية 

0 .135165 ,5181001701305 راء ,711015 - 0113165 ,01015آالش1آا - 
عوط .مك1 كممن نل دعناوم1150] دعلننظ كناة 

نالل 0065.601008 115102 620165 165 .2012ة1/1 , 15 1118117 راء ,6 لعناه8 ,لا010 - 
7 عع ز/امدز أء 1983 ناز .[أتاعع 

كتتلامع35م 3 متطعطء 10208 أعناقو :215010106 عناوقيء 13 .5عناوع13 ,250133 - 
70 ,81451118 - 102181114لف )شم .عدغطاملزة 15 أء ععدمعاممةا ع1 ععامء 
1002 نات - 18 - 

- عخعنهءرطنا ,424175 ).ع00و028)دلط 530006ه.]0ع0601 ,110 8020ك 115‏ - 
.9 .عاناء] - 13 - متهلانامآ .جناعاال6 

عل ع25528هع2مم1'3! أء عمط مأولط عمددء2 ,1105)8593 1021551 ,1للمفدذذهفآ] - 
.5 كاعة2 . هتاه تتصفط '[.ععامأذتط ' 1 

.5 .11لاء5: نل .7/6116 أء عكأماقتط .انه ,110011011 - 

0 37615116نقنا' 1 ع0 تنلل ,مهن لل6 ع2.عنالناقك أء عكأمانالآ. عرعءاظ, 11011لملهة - 
ع نالوماء2 .دع اع تتو8 

5 © 1562أماو111نآ 5قلهقل,<165زء) 065 عنالنالك ‏ 2]آ»,أرء1806 , 11411114 - 
601م0لء إع22 > .1أهء ,لمشتس 02 ,نعو ,مقعقصةذ5 5ع1عقان) .عتل. دعل 0طاةمر 
1 .« علوزةاط 13 عل 


56 


عالم الفكم 


العدث: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


2.0 جيك روكيد 





التداول والتحول .. محاولة في نقد النرجمة التداولية 


2. عبدالكريم عنيات* 


مقدمة 

ما مصير السؤال الطاعن في السن ؟ 

سنعترف بدءًا بالفضائل المعرفية والمنهجية للفيلسوف المغربي 
ا لمعاصر طه عبدالرحمنء بالنظر إلى تجاوزه ثنائية الأصالة والمعاصرة 
التي أفحمت العقل العربي النهضوي. من دون نتيجة ذات بالء من 
خلال اشتغاله بالإبداع بدل حديثه عن الإبداع» أي انتقاله من القول إلى 
الفعل. كما نعترف من دون مشاحة ولا ظنون بقدراته المنهجية ولمسته 
المتقنة لكل مهمة قام بها. إنه مفكر الأعمال المتقنة والمنظمة والمهندمة 
بلا منازع. بل إنه ليصعب علينا أن نفي بهذا الحديث المحدود فضائله 
التي لا تنتهي ولن تنتهيء بالنظر إلى تزايد مريديه يوما بعد آخر. 
واجتهاده المتواتر. بل والأكثر من ذلك. نجد مريديه مجتهدين متجاوزين 
المعلمء وما أجمل ألا يبقى الخُريد مُريدا والتلميذ تابعا. لكن هل هذا 
يعفيه من السؤال اللوام والعين الناقدة والأذن المتشككة؟ فالانتقال إلى 
مستوى اعتبار النقد فضيلة معرفية ومنهجيةء لهو الذي يساعدنا في 
بلوغ عقلانية التجديد المنتظرة. والتي لمم نتذوق طعمها بعد. وإن طعم 
النقد والهدم يفوق في حلاوته ونتائجه وفوائده طعم الإنعام والفهم. 





* أستاذ الفلسفة الأخلاقية والفلسفة العامة. جامعة سطيف, الجزائر. 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 








يعتبر كتاب «فقه الفلسفة», ويجب ألا نحكم عليه من خلال العنوان الذي قد يبدو تتريثيا ماضوياء من 
أهم الأعمال الإبداعية عند طه عبدالرحمن. وفي ربعه الأولء الذي يشكل الجزء الأول تحت عنوان «الفلسفة 
والترجمة». استطاع بكل جدارة أن يشخص معضلة التبعية الفلسفية» بله الفكرية للعرب. من خلال مفهومي 
«الترجمة والتداولية». ولأن الفلسفة وكل العلوم العقلية البرهانية والطبيعة مم تحدث عند العرب بقرائحهم» 
على حد عبارة الفارابي في كتاب الحروفء أي م تكن دخلانية أصيلة بقدر ما كانت برانية وافدة» فإن الترجمة 
هي السبيل الوحيد لتحصيل هذه العلوم العقلية التي سميت بلسان الغزالي وكثير غيره من الفقهاء بالدخيلة. 
إن كون الشيء دخيلا يقتضي الترجمة, فترجم العرب ما ترجمواء فأصابوا فيما أصابواء وأخطأوا فيما اخطأوا. 

واستطاعوا خلق جو فكري نشيط حرك الفضاء العقلي القروسطي أيا تحريك. لكن المشكلة مم تنته مع 
الترجمة: فالترجمة لم تفك مشكلات مطروحة عند العرب في نهضتهم الأولى. بقدر ما ولدت مشكلات أخرى 
أكبر» بل هناك فقطء أي بعد حركة الترجمة المعروفةء تولدت المشكلة التي م تبرح الفكر العربي الكلاسيكي 
والمعاصر من بعدهء وهي مشكلة «التبعية للترجمة والاسترسال في المنقول» والتعويل عليهما كل التعويل, 
والاعتماد عليه كل الاعتماد. ومشكلة الترجمة تصطدم بالمتداول أو ما أسماه طه عبدالرحمن بالفضاء 
التداولي اللحليء هو المفهوم الذي حينه بكل همة وتجديد. 

فقد «نقلت إلى الفلاسفة المسلمين مؤلفات أرباب هذا التفلسف «اليوناني) نقلا أظهر محتوياتها الفكرية 
وأخفى الأسباب الفاعلة في هذه المحتويات, جهلا بها أو تركا لها؛ وم يتفطن المسلمون إلى وقوع التّقلة في 
هذا الإخفاء, وم يتمكنوا من العلم بهذه الأسباب المؤثرة الخاصة. فقد اقتصروا على تناقل هذه المحتويات 
اليونانية المجهولة أسبابهاء وقصروا عن أن يضعوا من جانبهم ما يضاهيهاء افتكارا وابتكارا». لذا فالفلسفة 
العربية» على خلاف الفلسفة الغربية التي انفلتت من عائق النموذج الكامل» ظلت تابعة للترجمة. وكل 
فكر وراءه الترجمة المهيمنة لا يمكن إلا أن يكون فكرا تابعا. ولا يمكن الخروج من هذه التبعية إلا من خلال 
تفعيل الترجمة التداولية أو التأصيلية. حيث إنه إذا كان المترجم التوصيلي لا يحذف في نقله للنص الفلسفي 
إلا الأصول التي تكون مصادمة للأصول اللغوية والعقدية للمتلقيء فإن المترجم التأصيلي لا يكتفي بهذا 
الحذف الجزثئيء محافظا على باقي النص بوجهه الأصليء بل يسعى في تخريجه على مقتضى أصول المجال 
التداولي للمتلقي» وفي تغطية أوصاف النص الفلسفية بأوصاف تداولية تنهض التلقي إلى العمل الفلسفي. 
ومن هنا تظهر أهمية الترجمة والتداول في الفكر العربي القديم وحتى المعاصر. من خلال المشكلات التي 
نطرحها على الصورة التالية: 

- كيف حدث أن أغفلت العلاقة بين الترجمة والتداول في الفكر العربي الإسلامي الكلاسيي؟ 

- كيف يكن التوفيق بين وحدة الإنسانية في العاقلية وخصوصياتها في اللسانية؟ علما بأن الفروقات 
الثقافية والاختلافات المحلية يمكن أن تكون عاملا للتكامل لا عاملا للتفريق؟ 

- ما فضائل نظرية طه عبدالرحمن في «الترجمة والتداؤلية»؟ وما حدودها التي لم تستطع تجاوزها؟ ما 
الحد الذي قفز عليه طه دون أن يفكره حق فكر؟ 


58 


التداول والتحول .. محاولة في نة نقد 0 ا 





والعناصر التي نعتقد أنها تشكل مخطط اطقالة» التي تستهدف تحليل وفحص مقولتي الترجمة والتداول 
في الفكر العربي المعاصرء من خلال نظرية طه عبدالرحمنء هي على الترتيب كالتالي: 

1- في مفهوم الترجمة والتداؤل. 

2- في جدلية التبعية والاستقلال. 

3- تفكير التداول وتداول التفكير: بحث في حقيقة التفلسّف العربي. 

وقبل أن نشرع في دراسة وتحليل العناصر المسطرة أعلاه, بودنا أن نحدد مفهوم الأسئلة الطاعنة في 
السن. والحقيقة أن الفلسفة بمفهومها الشامل الذي يضم الميتافيزيقا والأخلاق والدين والجمال... إلخ» هي 
الميدان الذي عششت فيه الأسئلة التي طرحت من دون أن يأقي محبو الحكمة بالأجوبة الشافية والنهائية 
ولئن كان ماركس يعتقد أن الإنسان لا يطرح إلا الأسئلة التي يمكن أن يجيب عنها عندما قال: «إن الإنسانية 
لا تطرح إطلاقا إلا الأعمال التي لا تستطيع حلها»7؟. فإنه لم يحدد بالضبط المدة المسموحة لحياة السؤال 
واستمرار طرحه. هل فعلا جرى فك سؤال أصل الكون الذي طرح من طرف حكماء الإغريق في القرن 
السادس قبل الميلاد؟ نعم لقد قدمت عدة إجاباتء ذات طابع فلسفي أو أدبي أو علمي أو ديني... إلخ» 
لكنها من وجهة نظر بحثية خالصة:» وغير متزمتة للموقف دون آخرء أو قل وفق عبارة ماركس ذاته العقلانية 
المتحررة من الأحجبة التي تمنع القدرة على التفكير الحر2. فإن الإجابات المقدمة كلها إجابات مقبولة, أي 
لها القيمة العلمية أو المعرفية نفسهاء لذا فهي ليست إجابات نهائية وموحدة. ولئن كنا لم نستطع الانفلات 
من ميتافيزيقا الوحدة والحقيقة: فلأننا نعتقد دوما أن الجواب الصحيح يكون واحدا وليس متعددا. إذن 
فهناك أسئلة لم يستطع الإنسان الإجابة عنهاء والمقام لا يسمح لنا باستعراضها كلهاء ورغم ذلك فقد طرحها. 
وحسب المختص في علم الأسئلة عنعه1ه:20016:02م؛ الفيلسوف البلجيكي المعاصر ميشال مايير اعطء341 
:ع فإن المشكلات أو قل الأسئلة الطاعنة في السنء أي التي لم يتوصل فيها إلى حلول نهائية جازمة. 
هي المشكلات التي لمم تطرح الطرح الجيد. لذاء فالمشكلات الحقيقية هي المشكلات التي تتوافر على حلول 
حقيقية. وكل مشكلة لم تتحصل على حل واضح محدد. هي مشكلة في الأساس سيئة الطرح؛ لذا فمن 
المشروع كل المشروعية الحديث عن أسئلة سيئة السمعة, على اعتبار أنها ليست لها أصول عقلانية بما يكفي. 
ووفق منطق الفكرء فإن الأسئلة ا ميتافزيقية المتضخمة: لهي الأسئلة التي لا تمتلك حلاء لذا فهي أسئلة ليست 
جيدة, نشأت في مناخ عقلاني غير صارم, مثل الصرامة العلمية المعهودة©. 

وقد أشار بيكون, المؤسس الحقيقي للوضعية الإنجليزية والفرنسية اللاحقة» إلى أن الميتافيزيقا هي 
نتيجة للقفزات العقلية غير ا مشروعة نحو الكلي والعام والشامل والعامي... إلخ؛ ففي حين أن العقل العلمي 
يتمسك بالحس والتجربة والعلل الأولية والمتوسطة: أي القريبة» نجد العقل غير العلميء ولنسمه ما نسميه. 
سواء كان عاميا أو دينيا أو فلسفيا أو مثاليا... إلخ. نجده «مغرما بالقفز إلى العموميات لكي يتجنب العناء 
[الناجم عن تقليب الجزئيات الكثيرة]. ولذا فإنه سرعان ما يضيق ذرعا بالتجربة. غير أن هذه الآثام تتفاقم 
بالمنطق»9. ونحن نعلم أن المنطق الأرسطي ليس نزيها عن الفلسفة التصورية مثلما قد يوهمنا البعض 


59 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 





من أصحاب دعوى «العلمية الكلية للمنطق». إن «تكبيل العقل»0©. وفق عبارة بيكون ذاته. لهو الطريق 
الصحيح في طرح الأسئلة طرحا سليماء بغية تفادي الأسئلة الخالدة التي تقتل ما تقتل من عقول دون أن 
تموت هيء أي دون أن يتمكن من الإجابة عنها. 

أما عن السؤال العربي الطاعن في السن: والذي طرح منذ بداية تأسس الفكر الفلسفي الإسلاميء والناتج 
عن عقلانية الهوية الواحدة الموحدة الثابتة الخارجة عن التاريخ. فهو في تقديرنا سؤال «الاستقلال الفكري 
والحضاري». فقد اعتقد الفكر الإسلامي. مع بدء تشكل المنظومة الفكرية الرسمية: أن الكيان الإسلامي يجب 
أن يكون مستقلا بذاته, في لغته ومقولاته وعلمه وفنه وسلوكياته... إلخ. لذا نجد هاجس التفرد لا يغيب أصلا 
عن كتابات الفلاسفة الذين تكفلوا بتسييج الفكر الإسلامي بأسيجة عازلة وفاصلة ومميزةء من خلال التنبيه 
إلى المأصول والمنقولء أو ما نصطلح عليه في سياقات أخرى بالوافد والمحلي. لذا فإننا نعتبر سؤال «الخصوصية 
الحادة» من الأسثلة الطاعنة في السن, أي لم نستطع حله ولا مقاربته مقاربة علمية عقلانية وواقعية» لسبب 
بسيط وهو أنه م يُطرح بالطريقة الصحيحة أصلا. إن الأسئلة على شاكلة: ما أصل الفكر الإسلامي؟ وما 
حدوده الواضحة والفاصلة التي يبدأ منها وينتهي عندها؟ وما المأصول الإسلامي؟ كلها أسئلة تنتمي إلى ما 
أسميناه بالأسئلة الطاعنة في السن. أي التي لا يمكن أن تُحلء لأنها تنطلق من مبدأ الهوية القاتل. والعديد 
من المفكرين المعاصرين قد تنبهوا إلى ذلك من خلال التنبيه على مخاطر الاعتقاد بالهوية بالمعنى القديم,» 
أي بالممعنى الأرسطيء وهو ال معنى القاتل أو الذي يسبب النزيف الفكري الذي لا ينتج شيئا ذا بالء فقد نجد 
الهوية تمثل الحلم المستحيل تحقيقه. أو نجدها تمثل الثنائية العنيفة, أو الانتماء الأوحد الأحد المسيطر©. 
لذا فإننا نفترضء وهو الافتراض الذي يحتاج إلى جهد متواصل لتأكيده, أن كل من اشتغل أو مازال يشتغل 
على فرضية الانفصال بين الهوية والغيرية» فإنه مازال يسبح في عقلانية الميتافزيقي التي لا تعرف الروافد ولا 
الشطآن. إن الانهمام بالتميز المفرط والتفرد الأقصىء يؤدي إلى انعدام التمييز أصلا إلى التميع والتلاثيء لذا 
فإن التمييز الهووي هو فيما نحن عليه ولئن كانت اليوتوبيات الواقعية مقبولة. بل ضرورية لسير التاريخ 
وتحريكه نحو الأحسن7. إن الإنوجابية البعيدة أو المتخيلة لا تجدي نفعا. وإن أردتَ أن تكون أكثر من 
إنسان, فإنك لن تكون أصلا إنساناء ستكون أقل من إنسانء مثلما تنبه إلى ذلك المؤمن المسيحي الرقيق بليز 
باسكال عندما قال: «ليس الإنسان ملائكة ولا بهيمة. والمصيبة هي أنه من أراد أن يكون ملاكا فسوف يكون 
بهيمة (...) فيجب ألا يعتقد الإنسان أنه في مستوى للبهائم ولا في مستوى للملائكة, ولا أن يجهل الأمرين 
بل أن يعرف كليهما»0). ومن هذه المقولة يمكن أن نفهم معنى أن نطرح السؤال القاتل للعقول, فإن كنا 
نبحث عن كينونة غير موجودة: فإننا بمعنى مرادف نبحث عن كيف لا نكون البتة. لذا فأول خطوة للتحرر 
من الأوهام. هو قتل الأسئلة الطاعنة في السن. من خلال استبدال بها أسئلة ذات منطق وضعي تاريخي» 
ممنوع عنها الطيران في أفق الفكر المتضخم على الواقع. وقد أدرك الفكر الفرنسيء في وقت ما من تطوره, 
خطر أسئلة الأصولء على شاكلة أصل اللغة وأصل الدولة وأصل المجتمع وأصل القانون... إلخ. فقام بإلغائها 
نظرا إلى استحالة مقاربتها. إن السؤال الذي يجعل الفكر الإسلامي من أصول ذاتية فقط أو من أصول 
00 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


با لما 





غيرية فقطء لهو السؤال الذي قتل الفكر العربي دون أن يخرج من كلابته القاسية. لذا فلا يجب طرح سؤال 
الإبداع والتبعية في الفكر العربي الإسلامي الطرح الميتافزيقي الثنائي الفاصل والقاتل. ونحن نفترض أن طه 
عبدالرحمن لم يتخلص كلية من هذا السؤال رغم نبهاته التي لا تعد ولا تحصى. لأنه يفكر في هذه المشكلة 
من المنطق الثنائي القديم؛ على الرغم من أنه فتح مشروعا للحداثة الإسلامية المخصوصة. التي قد تقترب من 
روح الحداثة الحقيقية أكثر من واقع الحداثة الغربية المفعم بالأغاليط والتجاوزات. 


اولا - في مفهوم الترجمة والتداؤل 

كنا قد أشرنا إلى أهمية كتاب الفلسفة والترجمة لطه عبدالرحمنء وأهميته مرتبطة بعدة جوانب, أهمها 
تشخيص سبب تبعية التفكير الفلسفي والعلمي الإسلامي لغيره من الحضارات الأخرىء خاصة الحضارة 
الإغريقية القديمة والأوروبية الحديثة والغربية المعاصرة. ويمكن التأكيد أن ربط التبعية بالترجمة والتداول» 
لم يكن اكتشافا طهائيا بامتيازء على الرغم من أنه أكبر من ركز على هذه العلاقة الخفية في الأزمنة الحالية 
من تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي. فقد أشار العديد من الفلاسفة المسلمين في القرون القديمة, إلى مشكلة 
الترجمة التي شوهت العلم المترجمء وكبلت العقل المستقبل له على حد السواءء. وتمكن الإشارة. باختصار 
شديد. إلى أهم من تنبه إلى كون الترجمة الفلسفية عموما كانت مشكلة وم تكن حلا أو فتحا مبيناء مثلما 
يعتقد كثير من المفكرين أن الترجمة في نهاية العصر الأموي. وطوال العصر العباسيء كانت أهم مهمة 
ابتكارية حضارية قام بها المسلمين. لكن الحقيقة أن هذه الحركة الترجمية الواسعة وال مقصودة قد أزمت 
الفكر الإسلامي وأدخلته إلى متاهات لم يخرج منها حتى اليوم. ونخص بالذكر في هذا المقام كلا من: 

1- ابن حزم الأندلسي (توفي 406ه) الذي وضع مصنفا لتقريب المنطق من المجال التداولي الإسلامي 
الذي يختلف عن المجال التداولي غير الإسلامي. بسبب اختلاف اللغة العربية عن اللغة اللطينية والإغريقية. 
وقد ألح على أن الاختلاف لا يكمن في الأفكار وا معاني والمسميات, بل في اللغة والتسميات فقط؛ لذا فإن 
الاشتغال على تكبييف التسميات قد يزيل قلق التلقي وغموض المضامين. لذا نجده يقول: «سلف من 
الحكماء قبل زمانناء جمعوا كتبا رتبوا فيها فروق وقوع المسميات تحت الأسماء التي اتفقت جميع الأمم 
في معانيها. وإن اختلفت في أسمائها التي يقع بها التعبير عنهاء إذ الطبيعة واحدة, والاختيار مختلف. رتبوا 
كيف يقوم بيان المعلومات من تراكيب هذه الأسماء. وما يصح من ذلك وما لا يصح, وتقفوا هذه الأمور. 
فحدوا في ذلك حدوداء ورفعوا الأشكال, فنفع الله بها منفعة عظيمة (...). فمنها كتب أرسطوطاليس 
الثمانية المجموعة في حدود المنطق (...) إن من البر الذي نأمل أن نغتبط به عند ربنا تعالى بيان تلك الكتب 
لعظيم فائدتها فإنا رأينا الناس فيها على ضروب أربعة: الثلاثة منها خطأ (...) والرابع حق مهجور»2. هذاء 
وقد لاحظ ابن حزم في عصره «البلايا» التي أحدثتها ترجمة كتب الفلسفة عموما والمنطق خصوصاء وقد 
شخص المشكلة في أن تلك الترجمات أتت في مستوى عال على عموم الناسء كأنها وجهت إلى المتخصصين 
فقطء. من خلال استعمالها لألفاظ غير متداولة». لذا جاءت دراسته للعالجة هذه المعضلة بالتحديد. وقد 


61 


التداول والتعحول .. بإمحاولة في نقد الترجمة التداولية 


و ب د 





عبر عن هذا التشخيص 0 المقترح بما يلي من العبارة: «فلما نظرنا في ذلك وجدنا بعض الآفات الداعية 
إلى البلايا التي ذكرناء تعقيد الترجمة فيها وإيرادها بألفاظ غير عامية ولا فاشية الاستعمال, فليس كل فهم 
تصلح له كل عبارة. فتقربنا إلى الله عز وجل بأن ورد معاني هذه بألفاظ يستوي -إن شاء الله- في فهمها 
العامي والخاصي والعالم والجاهل(...) وكان السبب الذي حدا من سلف من المترجمين إلى إغماض الألفاظ 
وتوعيرها وتخشين المسلم نحوهاء الشح منهم بالعلم والضن به»9!). ومن أجل إنجاز هذه المهمة عمل على 
إسقاط الأمثلة المنطقية الخالصة والتي لم يجر تداولها في المناخ الثقافي العربي مكان ذاك ووقت ذاك والتي 
تناقلها شراح أرسطو المتعددونء بمصطلحات وأمثلة أكثر تداولاء والمتداول الواسع هو اللغة الفقهية التي 
ترتبط بالدين الإسلامي وأحكام القرآن الكريم؛ لذا نجد ابن حزم دائم الإشارة إلى «قصور» اللغة العربية 
عن التعبير على بعض ال معاني غير العربية المنشأ والأصل17). لذا كانت المهمة الأساسية لهذا الكتاب هو ذكر 
أمثلة طبيعية للأشكال الثلاثة للقياس (كل إنسان حيء لا واحد من الحجارة حيء لا واحد من الناس حي... 
إلخ) واستبدال بها أمثلة أخرى أكثر ألفة, لذا يقول ابن حزم: «ها نحن آخذون في تمثيل هذه الأنحاء بمثال 
إلهي ومثال شريعي [في مقابل المثال الطبيعي أو التمثيل الطبيعي](...) ليظهر فضل هذه الصناعة في كل 
علم. الشكل الأول: كل مسكر حرام؛ وكل خمر حرام. فكل مسكر حرام. الشكل الثاني: كل ذبح ما تملكه 
فقد نهيت عنهء وليس شيئا حلالا مما نهيت عنه. فليس ذبحك لشيء لم تملكه حلالا(...) الشكل الثالث: 
كل قاذف محصنة فاسقء وكل قذف محصنة يحد, فبعض الفاسقين يحد»12) 
ا منطق إلى مألوف المسلم. 

2- أبو حامد الغزالي (توفي 505ه): كان أكثر اهتماما بعلم المنطق وأكثر معرفة بخباياه من ابن حزم, 
وعلى الرغم من أنه انطلق من الخلفية الإشكالية نفسهاء وهي تقديم علم المنطق في شكل وروح إسلاميين, 
فإنه خطا خطوة جديدة وهي التأصيل القرآني لعلم المنطق. من خلال الإشارة إلى التهويل الذي أحدثه 
التراجمة لهذا العلم عندما نقلوا مصطلحات أجنبية وعربوها كما هيء. مما خلق اعتقادا بصعوبة هذا العلم 
وعلوه على العقل الإسلامي المحلي. وقد أعاب الغزالي على فلاسفة الإسلام كون نقولهم لم تأت إلا بالأخاليط 
والتشاويش: «على أنه لم يقم بنقل علم أرسطوطاليس أحد من متفلسفة الاسلام كقيام هذين الرجلين 
[يقصد ابن سينا والفارابي]. وما نقله غيرهما ليس يخلو عن تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى 
لا يفهم»3!). إذن فعدم الفهم هو محصلة الترجمات والنقول التي قام بها المترجمون والفلاسفة الأوائل. 
وانعدام الفهم هذا هو أول من أساء إلى الفلسفة والمنطق. 

وعند حديثه عن علم المنطق بما هو علم فلسفي أعاب على الناقلين «الانفراد بالعبارات وا لمصطلحات» 147 
ما يجعل علمهم غير منسجم مع السياق الإسلامي المألوفء لذا عمل الغزالي على إعادة تسمية الحدود 
ا منطقية وفق ما يتفق مع المجال التداولي وخصوصياته الإيتمولوجية. مثل استبدال عبارة القياس الحملي 
بميزان التعادل, والقياس الشرطي المتصل بميزان التلازم. والقياس الشرطي المنفصل بميزان التعاند2). أو 
تسمية المنطق نفسه ب «مدارك العقول»9©!). وكل هذا تعويضا عن الخلل الذي رافق تفتح العام الإسلامي 


. وفي هذا الاستبدال يقترب 


02 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 





على العلوم العقلية الإغريقية.ء ويلخص الغزالي هذا المشهد القلق في تهافت الفلاسفة: «ثم المترجمون لكلام 
أرسطوطاليس لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل محوج إلى تفسير وتأويل» حتى أثار ذلك أيضا نزاعا بينهم؛ 
وأقومهم ب «النقل» والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام, الفارابي أبو نصر وابن سينا»7©. 

3- أبو حيان التوحيدي (توفي 414ه): في المقابسات النيرة خصص العديد من النصوص لتناول مشكلة 
الترجمة والمناخ التداولي المحلي في المجتمع الإسلامي العالم. وقد تناول في المقابسة الثامنة والثمانين تحت 
عنوان: «في ماهية البلاغة والخطابة وهل هناك بلاغة أحسن من بلاغة العرب؟» الدور السلبي الذي أدته 
الترجمة في علم المنطق عند العرب قائلا: «ولولا أن النقص من سوس هذا العام وتوسه لكان علم المنطق 
بهيئة الطبيعة بالعربية, وكانت بسوق العربية إلى طبائح اليونانية»20!). وفي هذا السياق يشرح العروي هذه 
المشكلة التي أرخ لها التوحيدي في الامتاع والمؤانسة قائلا: «في الإمتاع والمؤانسة, الجزء الأولء ص108/ 128: 
ما قاله باستمرار خصوم المناطقة من أنهم مم يستطيعوا تعريب النص اليونانيء وهو نقد عميق الدلالة: إذ 
يقول السيرافي لمتى: أنت تدعو إلى تعليم لغة اليونان. وقد عرفت منذ زمن طويل وأنت لا تعرفها». والذين 
حاولوا ووفقوا إلى حد تعريف المنطق وتقريبه من أفهام المسلمين, هم أعداء الفلسفة والعلوم الوضعية مثل 
ابن حزم والغزالي. وهذا ليس مجرد مصادفة»”). ولئن كنا نتقبل ملاحظة «العروي», فإننا نعتقد أنه بالغ 
في التعميم حين اعتبر الغزاليء ومن قبله ابن حزمء عدوا للمنطق, إذ لنا نصوص بها نبرهن على كونهما قد 
دافعا عن المنطق ضد نقاده. والغزالي ساهم في تقديم علم المنطق للعام الإسلامي من خلال ربطه بالعلوم 
الشرعية مثل أصول الفقه. كما تمكن إضافة ملاحظات ابن رشدء حول قلق عبارة أرسطوء مما حذا به على 
إعادة التلخيص والشروح كنوع من الترجمة التداولية. 

4- عبدالرحمن بدوي (توفي 1993): على الرغم من أنه أشاد بدقة وتنوع الترجمات في ميدان المنطق 
في تحقيقاته الكثيرة20. غير أنه في تقديمه الترجمة العربية القديمة لكتاب الخطابة. تأسف لضعف مستوى 
الترجمة وعدم وضوح معاني الأفكار عندما قال: الترجمة العربية التي نقدمها جاءت ويا للأسف سقيمة, 
انحرفت عن معاني النص وأساءت فهمه (...). لأن المترجم عبر بألفاظ واصطلاحات غريبة!!. وقد تنبه 
الدكتور طه عبدالرحمن إلى الحالة الاستثنائية لرداءة الترجمة القديممة المجهولة لكتاب الخطابة لأرسطوطاليس 
عندما قال: «كتاب الخطابة لأرسطو أردأ نقل فلسفي وصل إلينا (نصوص ركيكة)»2”. وقد علل ا مستشرق 
الفرنسي إرنست رينان» وهو التعليل الموضوعي المقبولء سبب الرداءة» بعدم تخصص المترجمين في المادة 
المنقولة, ونحن نعلم أن الترجمة الناجحة تقنيا مرتبطة بمعرفة ثلاثية هي: اللغة المترجم منهاء اللغة المترجم 
إليهاء مادة الترجمة وهو ما نقصده بالتخصص. فجهل الآداب الإغريقية ومجمل ما شكل مناخهم الفكري 
والديني والتاريخيء يؤدي حتما إلى أن نقول إنها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب. سيحدث تزييف في الترجمة 
ذاتهاء وهو ما وقع فيه المترجمون السريان وابن رشد ذاته عندما أقدم على التفاسير والتلاخيص؛ من دون 
أن يعرف اللغة الإغريقية ولا الثقافة الإغريقية في صورتها الخلفية. أي ما يشكل الخلفية الثقافية للفلسفة 
الإغريقية, فلا يمكن فصل الفلسفة أو المنطق عن الثقافة الإجمالية3©. 


063 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


الت - 





وهذا الأمر أعلاه هو الذي وسعه طه عبدالرحمن عندما قال: «النقلة الأوائل [أي المترجمون في العهد 
العباسي خاصة] لم يكونوا عربيي اللسانء ولا مسلمي العقيدة ولا فلسفيي المعرفة وإنما كانوا سريانا 
مسيحيين علميين»249. وهذا يدل على أن هذه الترجمة المبكرة قد أخطأت الهدف من نواح كثيرة. مما سبب 
مشكلة عويصة لمصير الفلسفة وعلم المنطق في العام الإسلامي. وقد كشف ف اللسان والميزان عقبات الترجمة 
الفلسفية عند العرب على الشكل التالي: «عوائق الترجمة العربية للفلسفة هي: الترجمة الحرفية» والنقص في 
امتلاك ناصية العربية, والضعف في التكوين الفلسفيء وقوة المعتقد غير الإسلامي. وضع لغوي جد معتقد لا 
تفيد معه معرفة قواعد اللسان العربي ولا أساليب الكتابة العربيةء إذ يستحيل على العارف باللسان العربي 
وحده أن ينفذ إلى معمياته»(”©). وتفصيل هذه المشكلات أو العقبات كما يلي: 

- قلق عباري أو لساني: بعد ترجمة الكتب الفلسفية والمنطقية من الإغريقية تم الحصول على نص قلق 
مضطرب لا تناسق فيه. بل يمكن القول إنه جرى إنتاج مسوخ نصية لا تمت إلى سلاسة العربية وجماليتها بأي صلة. 

- قلق عقدي أو إيماني: مع العلم أن معظم المترجمين السريان كانوا مسيحيينء وهذا بشهادة الأستاذ 
السرياني المعاصر كذعتاملا 153 دمععطم5 الذي خلّص من دراسته التي تفتقر إلى الموضوعية البحثية نظرا 
إلى ميلها إلى التعبير الأدبيء وتمجيد الحضارة السريانية بأي ثمن بعيدا عن أي تحليل فلسفي صارم. إلى 
أنه: «يتكون فلاسفة السريان من الرهبان والكهنة والأساقفة (...) وأطباء علمانيين (حنين ومدرسته. متى 
بن يونس» يحيى بن عديء ابن زرعة. ابن سوار... إلخ)+9©. وكون التراجمة في عمومهم مسيحيين, فإنهم 
بعيدون عن المناخ الديني الإسلامي الجديد ذي الخصوصيات العقدية مقارنة بوثنية اليونان أو مسيحية ما 
بين النهرين وسورية؛ لذا فقد أى النص المترجم منفصلا في روحه عن روح الدين الإسلامي الرسمي. 

- قلق معرفي: وهو الذي سماه طه عبدالرحمن بكون التراجمة ذا توجه علمانيء فهم في العموم أطباء 
ذوي تكوين علمي بعيد عن العبارة الفلسفية والمنطقية. ولو أن العلم في ذلك العصر لم ينفصل الانفصال 
المعروف الآن عن الفلسفة وال منطق والدين, فإن لكل تخصص روحا معرفيا مختلفا عن روح التخصص الآخره 
لذا نجد الترجمات الطبية أكثر دقة وقبولا من الترجمات الفلسفية؛ مثل ترجمات الطبيب جبرائيل بختيشوع, 
وترجمات حنين بن إسحق التي غطت كامل القرن الثالث للهجرة. خاصة في ميدان الطب27. كما لا يجب 
التغافل عن ارتباط ظاهرة الترجمة بالمتخيرات السياسية والاجتماعية؛ مما يجعلها ظاهرة غير مستقلة بذاتها 
من الناحية العلمية. ومن ا معلوم أن العلم الحقيقي هو الذي يكتفي بذاته, ولا يرتبط بمستجدات السياسة 
وتقلباتها والصراعات السلطوية غير النزيهة. وقد تكفل الأستاذ ديمتري غوتاس 025 .(1 في دراسته الممتازة 
والدقيقة بتبيان الجانب الاجتماعي لحركة الترجمة العربية في العصر العباسي خصوصا. والذي توصل إلى 
نتيجة لا ترد على خلد أصحاب تمجيد الترجمات العربية الإغريقية. حيث استخلص أن «حركة الترجمة 
اليونانية - العربية لا يمكن استيعابها بمعزل عن التاريخ المبكر الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي للدولة 
العباسية, الذي كان عنصرا أساسيا فيه»!2©. وهذا يدل على أن الترجمة لم تكن مهمة علمية خالصة مستقلة 


م0 





التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


701 2 





من كل هذه الاعتبارات» صاغ طه عبدالرحمن نظريته في انفصال الترجمة عن الفلسفة في ظل الطريقة 
التي تمت بها ترجمة الموروث الإغريقي إلى العام الإسلامي. لقد كانت الترجمة منفصلة عن الفلسفة لأنها 
م تستطع خلق فلسفة خاصة بالعرب المسلمين. وهذا ما أدى إلى عدم تقبل الفلسفة محلياء والنفور منهاء 
وتحريم المنطق» وتكذيب الفلاسفة وتكفيرهم... إلخ. والسبب هو أن الترجمة لم تكن ترجمة تأصيلية إطلاقاء 
بل كانت تحصيلية في معظم الأحيان وأغلبها توصيلية في أقصى الحدود أو في بعضها فقط”2. وهذا التراتب 
الطاهائيء أي التوصيل والتحصيل والتأصيل لا ينفصل إطلاقا عن مفهوم المجال التداوليء وهو المفهوم الذي 
لا يمكن تجاوز وجوده في كل الأزمان والأماكن. والكل يعترف به ولو اختلفوا مذهبياء مثل الجابري وطه 
عبدالرحمن أو محمد أركون أو هاشم صالح أو عبدالرزاق عيد... إلخ. وارتباط مفهوم التداول والترجمة 
التأصيلية يبينه طه في قوله: «الترجمة التأصيلية تورث فلسفة حية التي تنقل غير المضمون الفلسفيء ناظرة 
في أسبابه التداولية. ومستبدلة بها الأسباب التداولية للغة المنقول إليها متى خالفت اللغة. حتى يقدر المتلقي 
على استثمار المضمون الفلسفي المنقولء استشكالا واستدلالا»0©, 

لذا فعجز العرب عن التفلسفء قديما وحديثاء لا ينفصل عن التعارض الذي لم يتم إدراكه بين الترجمة 
والتداول العربي المخصوص. وبما أن الفلسفة ليست من العلوم العربية الموروثة والمحلية, أو قل الأصلية: فإنه 
لا مفر من الترجمة: لكن الترجمة التي تمت تاريخيا تسببت في سوء استقبال الفلسفة» بسبب تناقضها مع 
المجال التداولي. ولئن كان النقل هو سبيل الفلسفة العربية الوحيد, فقد بقي العرب ناقلين فلسفيا دون أي 
قدرة على الاستقلال أو الاقتدار على التفلسف. ولهذا كانت مرتبة الترجمة التأصيلية أعلى المراتب نظرا إلى 
كونها «فضلا عن الزيادة في حفظ قواعد اللغة وأركان العقيدة. تتولى استيفاء المقتضيات المعرفية للمجال 
التداولي المنقول إليه (...) عن طرق تحويل المنقول بالقدر الذي يحقق القيام بال موجبات التداولية لهذه 
الأصول. ولو بلغ هذا التحويل حد إخراج هذا المنقول عن صفاته الأصلية.ء وجعله يتصف بما قد يعارضها 
حتى كأنه مأصول غير منقول»!1©, 

ولن يتم رفع التعارض بين الترجمة والفلسفة إلا إذا كانت الترجمة تأصيلية؛ لأنها لا تنقل الأمور على 
حالها بل تعقل الأمورء وتتحرر نحو التفكير المستقلء استجابة للمجال التداوليء وبعدا عن الصدام اللغوي 
والعقدي والعلميء, وهو الصدام الذي وقع تاريخيا بسبب الترجمة التوصيلية والتحصيلية. ويتمحور المجال 
التداولي لكل مجتمع على الاختلاف والتعدد. لذا كانت الفلسفة واجبة أن تختلف وتتعدد. ليس فقط في 
اللسان الذي هو آخر مرحلة أو حلقة في الاختلاف. ف «الألسنة لا تختلف فقط فيما بينها من جهة البنى 
المعجمية والنحوية والأسلوبية, ولا من جهة تأثير هذه البنى جميعا في المضامين المنقولة بواسطتها فقطء 
بل تختلف كذلك من جهة الأفكار والمعارف التي تراكمت في كل لسانء بموجب أشكال التفاعل الطويل مع 
العالم التي دخل فيها الناطقون بهذا اللسانء فيشتركون جميعا في العلم بهذه المعارف اللتراكمة عبر العصورء 
كما يقيمون قواعد للتخاطب بينهم على أساس حصول هذا الاشتراك المعرفي بينهم (...): اختلاف الألسن في 
المعارف المشتركة»02. ويحدد طه عبدالرحمن الفرق بين المجال التداولي العربي والغربي على النعو 


65 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


ل 000 






الذي يجعلنا نعتقد أن الترجمة التوصيلية للفلسفة هي قتل للفلسفة ذاتها؛ فالعلاقة بين الفلسفة والترجمة 
بين المجال التداولي العربي والغربي مختلفة: 

1 - في المجال التداولي العربي: الترجمة أصل والفلسفة فرع... القرنان ال 3 وال 4ه بلغت الترجمة أوجهاء 
ولم تكتف بعض الكتب بتمجيد هذه الفترة. مبرزة مزاياهاء بل أخذت تباهي بها المحدثينء مشيرة بذلك 
إلى عجز هؤلاء عن القيام بأعباء نقل الإنتاج الفلسفي الأوروبي الحديث وال معاصرء كما قام أسلافهم بعبء 
ترجمة الإنتاج اليوناني خير قيام كادوا معه لا يغادرون منه شيئا (بدوي: دراسات نصوص في الفلسفة والعلوم 
عند العرب. ص11). 

2- في المجال التداولي الغربي: الفلسفة أصل والترجمة فرع03. لكن سنعمل لاحقا على فحص هذه 
التقسيمات والمسلمات التي اعتبرها طه صحيحة كلية؛ لأن الترجمة في الفلسفة الغربية لا يمكن اعتبارها 
ظاهرة ثانويةء سواء في البدايات والأصول الأولىء أو في التطور والاكتمال اللاحق. 

لذا يمكن القول بأن الترجمة في تقدير طه عبدالرحمن ليست ترجمة با معنى المقصود من الكلمة في 
التداول العالمي» أي نقل فكرة من لغة إلى أخرىء بقدر ما هي إعادة إنتاج الفكرة, ولو أدت هذه الإعادة إلى 
تغيير جذري في المعاني والمقاصد. بغية تثوير الإبداع الفكري العربي. وتغدو الترجمة عنده مرتبطة بالمجال 
التداوليء أي أدنى إلى الخصوصية الثقافية. إن طه ينزل الترجمة أدنى من الخصوصيات المحلية, أي أن الحلقة 
الأهم هي المجال الذي يستقبل الفكرة وليس الفكرة في ذاتهاء وتغدو الترجمة وسيلة وليست ذات قيمة في 
ذاتهاء كأنه يريد. من خلال هذه الترجمة. أن يصور المختلف ثقافيا في صورة المشابه. كأنه في النهاية يريد 
أن يلغي اختلاف المختلف من خلال نقل فكرته على حال غير حالها. وسوف نرى لاحقا أن هذا المنهج في 
التفكير له من المساوئ بقدر ما له من الإنجازات الإيجابية. لأن إظهار فكرة الغير من خلال الترجمة على أنها 
فكرة متداولة في الفكر العربي مثلاء لهو ضمنيا نشر لفكرة «بهاتة ال مختلف»» أو قل إن الاختلاف باهت. هذاء 
ونجد طه في مواقع أخرى يجسم - من الجسامة والتضخيم - الاختلاف العربي والغربي على حد السواء. من 
خلال إظهار الفروقات التي لا يمكن معها التقريب والتقارب. والتركيز على الاختلاف بدل المتشابه هو - في 
تقديرنا - تعسير وتأزيم لدخول العرب والمسلمين إلى العاطية. 


ثانيا - في جدلية التبعية والاستقلال 

كنا قد استعملنا سابقا عبارة السؤال الطاعن في السن. وربطناه بمفهوم الاستقلال الذي يقابل التبعية 
أو الهوية المستقلة المخصوصة أو الأصيلة التي تقابل الهوية المتحددة أو المتعالقة والمتاخمة لبقية الهويات. 
إن التفكير الجوهراني بما هو خاصية التفكير الميتافزيقي أو التفكير المنطقي الذي لا ينفصل عن الميتافيزيقا. 
لهو سبب وأصل الاعتقاد في هوية مغلقة وكاملة لا تتجزأ ولا ترتبط ولا تتعالق ولا تتسق. وقد أدرك طه 
أن مفهوم السياق يتناقض ومفهوم المطلق. لأن السياق يدل على الترابط في الاتجاهين: السابق له واللاحق 
عليه. لذا فمفهوم التبعية لا يمكن أن يكون مطلقاء مثله مثل مفهوم الاستقلال. أي أن كل تبعية فيها ثيء 


66 


التداول والتحول لوي في نقد اده التدلواية 


ا يي 





من الاستقلال» وكل استقلال فيه ضرب من التبعية. والانفصال التام أو الحدودي بين ا مصطلحين لا يمكن أن 
نجده تاريخيا بقدر ما هو كينونة منطقية خالصة. وما دعوة طه عبدالرحمن الغريبة إلى «ضرورة إخراج 
الكتابة الفلسفية العربية من المنزلق التاريخي الساذج الذي انحدرت إليه. وإلى مسيس الحاجة إلى تجديد 
صلتها بالآلة المنطقية, حتى تستعيد خصوصيتهاء نهوضا بالتقليد الفلسفي العربي الأصيل الذي وضع أسسه 
فلاسفة الإسلام»0. ما دعوة طه عبدالرحمن هذه إلا دليل على أن هناك هوة عازلة بين المنطق التاريخي 
والمنطق المنطقيء الأول تعالقي وسياقي لا انفصال في أحداثه, في حين أن الثاني انفصالي وحدودي مجرد. ولئن 
كان المنطق وليد التصورء فإن التصور هو تحنيط للوقائع وتجميد لهاء وفي هذا التجميد الضروري لحصول 
التصور قتل للواقعة والحسية والتطورية. 

إن التفكير النظري لا يتم إلا بتفريغ الواقعة التاريخية من حقيقتها؛ فالتصور قتل للواقع. ولا يخفى 
على أحد أن مقولات التبعية والاستقلال تفهم في مستوى منطقي أكثر مما تفهم في مستوى تاريخيء على 
اعتبار أنه ليس هناك استقلال تام, مثلما أن كل تبعية تستبطن ضربا من الاستقلال والانفصال. إن الواقع 
معقد لدرجة أنه يندر العثور على فكرة مستقلة كلية, أو حادثة منعزلة بالكامل. مثلما يندر كذلك أن 
نجد فكرة تابعة بالمطلق أو ممائلة بالكلية. فنشوء الفكر الفلسفي اليوناني لم يكن حدثا منعزلا مستقلاء 
على شكل معجزة بامعنى المنطقي للكلمة. بل حتى أن كبار الفلاسفة الإغريق قد تحدثوا عن تبعية 
الفلسفة الإغريقية لأفكار سابقة أو أمكنة أجنبية. فهذا أفلاطون يشك في أصالة كلمة الفلسفة أو الحكمة 
في القاموس الإغريقي عندما قال - على لسان سقراط - في محاورته المخصصة لأصل الكلمات واشتقاقاتها 
بأن «مقطع صوفيا هنطام50 [الذي يشكل الجزء الثاني من كلمة فلسفة. أي حكمة] ليس من الكلمات 
الواضحة جداء بل يكتنفها الغموضء وربما أن غموضها مرتبط بكونها ليست أصيلة في التداول المحليء إنها 


غامضة وأجنبية» 05 


وذاك أرسطو يعزو إلى الكهنة المصريين فعل الفلسفة الأولء بما هي معرفة غير منتجة: في التاريخ, عندما 
أشار إلى المعرفة التي اتجهت إلى الترويح عن النفس, في مقابل المعرفة الفنية النفعية الضرورية: أي المرتبطة 
بالضرورة الحيوية, قد تم اكتشافهاء لأول مرةء في الحضارات التي عرفت ترفا فكرياء أي حققت إشباع 
الضروريات لدرجة أنه جرى التفكير نظريا في الكماليات غير الضرورية. مثل علم الرياضيات, المتولد عن 
وجود فارغ ناتج عن سد الحاجات الادية الحيوية. وم يحدث أن استمتعت طبقة اجتماعية بالراحة والفراغ 
والانصراف عن الحيويات. مثلما حدث لطبقة الكهنة ورجال الدين عند الفراعنة ابلصريين©6, 

إننا نعتقد. والكثر أيضاء أن التفكير الفلسفي الإغريقي لم يعرف الترجمة التابعة» أو التبعية الفكرية 
السلبية. لكن ظهور التفلسف في المستعمرات الإغريقية في الشرق له دلالة لا يممكن دحضهاء وهي أن هناك 
أثرا للفكر السابق زمانا ومكانا. ولم يتحرج الإغريق من ذلكء بل واصلوا التفكير لدرجة الإبداع والإعجاز 
(بالمعنى الوضعي للكلمة وليس القصصي)؛ لذا فهاجس النقل والتبعية هو هاجس الحضارة المنتكصة أو التي 
تخاف من المختلف والمغاير. وهذا الخوف من أمارات الضعف الذاتيٍ للحضارة. 


67 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 





ولئن كان مفهوم الاستقلال أقل استقلالية مما نعتقد. على اعتبار أن كل إبداع ينطلق من التبعية, 
فإن المفهوم المقابل صحيح أيضا؛ فالتبعية أقل تبعية مما نعتقد. وهاك مثالا على ذلك؛ إن من بين الأحكام 
الاستشراقية انتشارا هو التأكيد على أن الفكر الفلسفي والعلمي الإسلامي هو مجرد نسخة باهتة للفكر 
اليوناني. وهذا نظرا إلى طبع العرب الميال إلى الكسل وعدم المبادأة والمبادرة27, غير أن الدراسة امتخصصة 
للفكر الفلسفي الإسلامي قد أظهرت اليادين الإبداعية التي أنجزها المفكرون المسلمون المتحررون من «قلق 
التبعية وعُصاب التفردية», من خلال الاشتغال بالتفكير الحقيقي بدل التفكير في طبيعة التفكيز وأصوله. وإن 
كان المجال لا يسمح لنا بعرض أمثلة ونماذج على ذلك نظرا إلى كثرتهاء غير أن مثال رسالة «تدبير المتوحد» 
لابن باجة (475 - 533ه) كفيل بإظهار مدى قدرة العقل الإسلامي على الابتكار والاستقلال. رغم وجود 
تبعية. فقد استطاع هذا المفكر الفذ تجاوز المنظر الإغريقي في التنظير للجمهورية المثلى» وهو المناخ الذي 
فكر فيه الفارابي, المدينة الفاضلة» وعندما تقرر لديه صعوبة بناء مدينة فاضلة: تنبه إلى أن العمل الحقيقي 
قد يبدأ من الفرد. كيف نبدأ في تربية فرد على الفضيلة؟ كيف السبيل إلى فضائل تكون «للمتوحد دون 
المدينة الكاملة»؟(8©, 

ولهذا فقد صحت نظرية فتحي المسكيني وعابد الجابري في التأكيد على وجود كثير من النصوص 
الإسلامية مستقلة في تبعيتها وتابعة في استقلاليتهاء ويقول هذا الأخير في دراسة مميزة لرسالة تدبير المتوحد: 
«المجتمع والدولة في المغرب والأندلس يعاديان الفلسفة وأهلها. كيف يممكن تدبير المفرد المتوحد تدبيرا فاضلا 
في مجتمع غير فاضل؟ تلك هي الإشكالية التي يعالجها ابن باجة في رسالة له بعنوان: تدبير المتوحد. وهي 
أصيلة في موضوعها (...) وقد نوه ابن رشد بتدبير المتوحد تنويها للم يختص به غير أرسطوء وذلك إلى درجة أن 
وعد بشرحها»”0. فهل يحق لنا بعد هذا المثال الضئيل أن نكرر أطروحة التبعية السلبي؟ من المؤكد أن ابن 
باجة فكر في الفضاء العقاي الإغريقي بالنظر إلى ا موضوعات التي جرت فلسفتهاء لكنه استطاع التقدم خطوة 
حيث توقف الإغريق. وهذا ما يمكن أن نسميه التبعية المستقلة أو الاستقلال التابع: للإشارة إلى امتزاجهما في 
الواقع التاريخيء رغم انفصالهما في القاموس اللغوي والمنطقي. لأن المنطق هوويء يقرر بأن التبعية تبعية 
والاستقلال استقلال. بحيث لا يمكن أن تكون التبعية استقلالا والاستقلال تبعية. 

لا يختلف اثنان» ممن يعرفون خصوصيات المجال التداولي العربيء على أنه مجال يوصف بالتداولية 
الدينية أو قل المركزية الدينية؛ فالحدث التأسيسي للثقافة الإسلامية العربية هو الحدث الإسلامي» متمثلا 
في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ وكلاهما يصنفان ضمن الخطاب الديني الذي يدعو الإنسان إلى 
التوحيد والطاعة والرجاء. وإن كان الخطاب الديني الإسلامي يدعو فعلا إلى التفكير. فهو يدعو إلى تفكير 
ينتهي إلى الدينء أو قل إلى الله. ولا ينطلق من الدين ليصل إلى المجهول. إن التفكير الذي يدعو إليه كل 
فكر دينيء بما في ذلك الإسلام» هو التفكير الذي يقوي الإيمان ويوصل إلى معرفة الله حق معرفة. وليس هو 
الفكر الحر الذي قد يصل إلى نتائج مختلفة عن مسلمات الدين؛ لذا فالخطاب الديني لا يمكن أن يدعو 
إلى تفكير ينقضه هو ذاته أي التفكير المجرد أو المطلقء فالتفكير في الدين مشروط بمعرفة الله. ونص 


68 





التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 





ابن رشد المشهور دليل على ذاك. وقد قال طه عبدالرحمن بأن التفكير القرآني تفكير اعتباري وليس تقريريا 
أو وجودياء إن التفكير يدعونا إلى الاعتبار بخلق الله ونعمه المختلفة, لذا يؤول مفهوم العقل في القرآن إلى 
مفهوم القلب الذي يحس ويشعر ويعترف ويضعف ويتراجع ويُراجع... إلخ(. لذا يقول إن «المعرفة في 
النص القرآني لا يمكن إلا أن تكون معرفة عملية صريحة. ولا يقال إن هذا النص يحث على استعمال العقل 
والنظر في آيات الكونء حتى لا يكاد يضاهيه نص ديني آخرء لأننا نقول إن المطلوب من هذا النظر ليس 
هو معرفة الكون لذاته. وإنما معرفة المكون الأعلى؛ والحال أن معرفة المكون الأعلى لا تكون إلا عملية. 
لأنهاء أصلاء عبادة (ليست معرفة مجردة)»17*!؛ فالعقل القرآنيء أي الذي تمثله القرآن. ليس مجردا ومطلقا 
بل محكوم بما هو وسيلة إيمان. ودفاع طه عبدالرحمن على منزلة القلب التي تختلف وتعلو على منزلة 
العقلء يضاهي في جماليته وروحانيته قولة باسكال المشهورة في الحوار بين المعرفة العقلية والمعرفة القلبية 
«للقلب دليله الذي لا يعرفه العقل (...). فالقلب وليس العقل هو الذي يحس بالله. وهذا هو الإيمان: 
استشعار الله بالقلب لا بالعقل»22. وفي هذا الفضاء الصوفي الحميمي يلتقي متصوفان, الأول مسيحي 
حديث والثاني مسلم معاصر. 

لذا يحق لناء من الملاحظات والتحليلات أعلاه. أن نستنتج القاعدة القائلة بأن «كل شيء يفترض ما قبله» 
وما يناقضه». ولئن سميناه هذه العبارة بقاعدة, فهذا لدلالة قوية وعميقة في آن واحد؛ فالتفكير الوضعي 
والواقعي يفضي بالضرورة إلى التأكد أن الحدود العنيفة بين المصطلحات والتصورات والعصور... إلخ هي 
محض منطق تصوري لا يجد ما يقابله في الواقع والتاريخ. وحينما يولول الفكر سيخرس الواقعء لأن الفكر 
هو الذي يجعل الواقع ذا معنى ودلالة. فلا حول ولا وقوة للواقع إلا بالفكر. وما علو مقولات المنطق إلا 
نتيجة لهيمنة فكر الضرورة على الواقع. فلا يمكن أن نتعقل التبعية إلا بجمفهوم الاستقلال الذي يستوجبه. ولا 
دلالة مطلقة للاستقلال والانفصال دون السوابق التي يفترضها. وفي هذا السياق نجد المبدأ الذي عبر عنه 
الجابري بقوله: «مبدأ» الإسلام يجب [أو يوجب] ما قبله»7. يعني أن الإسلام يفترض ما قبله من حقب 
ومجالات تداولية أي الجاهلية وغيرها. وما يصدق على المرحلة الإسلامية يصدق على بقية الحقب التاريخية 
والمقولات التصورية. فلا يوجد شيء مطلق في المنطق البشريء كل شيء في تعالق وتناسق وتسايق. وهذا يولد 
السيولة المفهومية التي لا يمكن تعقلها من منظور المنطق التصوري الذي هو منطق التفكير المثالي عامة, 
وطه عبدالرحمن لا يخرج عن هذا الإطار العام للفلسفة المنطقية المعادية للفلسفة التاريخية. وهو نفسه 
يعترف بذلك. بل يجعل مهمة فلسفته هي العودة إلى الأولى والتخلي عن الثانية. 

فالتحديد الطاهائي للاستقلال. ومن ثمة للابتكارء تحديد جوهراني هووي لا يستجيب لنظرية التعالق 
والتركيب ال معاصرة. فهو يقول: عندما يحلل موانع الإبداع الفلسفي العربي الإسلاميء معرفا الإبداع بأنه 
«إحداث الشيء من لا شيء»7*). وهذا لعمري ليس إبداعا بالمفهوم البشريء بل هو إلهيء ولا يغيب عن 
طه الفرق بين الفعل الإلهي والفعل البشريء أي بين ال مطلق والنسبي. ولئن كان يحدد الإبداع في موقع آخر. 
التحديد الذي يوحي بالنظرة النسبية والتدريجية عندما قال: المقصود بالإبداع وصف كل شيء يتجاوز حدود 


69 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


ا ا 





ما هو مسبوق (...). فهل الفلسفة الإسلامية تجاوزت حقا حدود المنقول الفلسفي اليوناني؟»50). فإنه لا 
يتحدث عن درجة التجاوزء مثلما أظهرناها في مثال ابن باجة. بل عن التجاوز بإطلاق. كأنه يفكر بمنطق 
المقولة الميتافزيقية القديمة: إما كل شيء وإما لا شيء, أي إما أن المسلمين قد تجاوزوا الإغريق كل التجاوز. 
وإما أنهم مُقلدون كل التقليدء على الرغم من أن المنطق الوضعيء وطه عبدالرحمن لا يحب هذه التسمية 
بتاتا عند اعتبارها لعنة حقيقية©*. يدل على أن هناك عناصر تقليد وعناصر تجاوز. ومنه فإننا نخلص إلى 
أن نظرية طه عبدالرحمن في مراتب الترجمة: ونظرية المجال التداوليء قد أسسها على التفريق الجوهراني بين 
التبعية والاستقلال. أو التقليد والإبداع. وهو التفريق الذي قد لا نعتبره مقبولا بالشكل المقدم. 


ثالثا - تفكير التداول وتداول التفكير .. بحث في حقيقة التفلسف الشربي 

يمكن أن نبحث عن «الصخر الصلصال» في فكر طه عبدالرحمن؛ أي عن العنصر الثابت وسط المتحولات 
والمتطورات. فلا نجد إلا عبارة «المجال التداولي». وهي عبارة تراثية بامتياز. امتدت من ابن حزم والفارابي 
إلى الغزالي إلى ابن رشد أيضاء إلى غاية فلسفته هو. ويحددها من الكتابات الأولى التي تعود إلى تسعينيات 
القرن الماضيء ولاحقا في كل دراساته. مثل «تجديد المنهج في تقويم التراث» من خلال ارتباطه بما يتداول 
فيه الناس ويتناقلونه في العام الإسلامي من العقيدة واللغة والعرفة”. وبالتفصيل فإن «المجال التداولي 
يشمل اللغة ال مستعملة والثوابت العقدية وجانبا من الممارسة المعرفية, بحيث يكون العمل الذي تختص به 
هذه العناصر حاصلا بالتراكم ومتغلغلا في تاريخ المجتمع؛ وعلى هذاء فإن المجال التداولي أخص من المجال 
الثقافي»27". وبما أن الإبداع يستحيل أن يحصل بغير ترجمة؛ وعلى اعتبار أن الترجمة مراتب متعددة هي كما 
أسلفنا: «الترجمة التحصيلية: نقل الأصل لفظا بلفظ - حرفية لفظية. والترجمة التوصيلية: نقل الأصل معنى 
بمعنى, أي حرفية مضمونية. وأخيرا الترجمة التأصيلية: التصرف في الأصل لفظا ومعنىء بما يراعي مقتضيات 
المجال التداولي» لغة وعقيدة ومعرفة (...). تجنب ما تقع فيه الأقوال البروميثية [في مقابل الجبريلية]»77. 

فإن الإبداع لا يكون إلا بالترجمة التأصيلية التي ترتبط بالمجال التداولي. ولكي لا نقع - يقول طه 
عبدالرحمن - في براثئن الثقافة العامية التي هي أيضا عنصر من التداول الاجتماعي؛ على اعتبار أن «المجال 
التداولي يضم كل الوقائع والقيم الثقافية المتميزة لمجتمع والعاملة في توجيه أقواله وأفعاله وتكوين نظرته 
الخاصة إلى العام200. يجب رفع العموم إلى المستوى الأرقى للحضارة, وفي حالة الحضارة الإسلامية فإن 
القول القرآني الثقيل هو نموذج المعتقد واللغة والمعرفة ككل». لذا فليس التأصيل (أي الترجمة التأصيلية) 
هو نقل النص الأصلي على الوجه الذي يوفي بمقتضيات المجال التداولي للمتلقي» وإنما هو. على العكسء. نقل 
المتلقي نفسه إلى مستوى الوفاء بمقتضيات النص الأصلي»17©). ومنه فإن المكونات الثرية والمتعددة للمجال 
التداولي الإسلامي العربي أو العربي الإسلامي, أو الإسلامي على حدة: والعربي على حدة. جرى اختصارها في 
القول الثقيل, الذي هو القرآن الكريمء ولئن كان كل واحد منا يعترف بمركزية القرآن وجوهريته في تشكل 
الحضارة الإسلامية اللاحقة: فإن التعدد ميزة كل ثقافة. وكل توحيد هو ضرب من الإهمال أو قل الإقصاء. 


0م 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


2 





ويظهر هذا المنظور الواحدي عند طه عبدالرحمن بما هو منظور يُفهم عند كثير من أتباعه الأقل تنويرا على 
أنه ضرورة إقصاء المتعدد والاجتهاد في منع التطور عندما يقول: «إذا كان بعض الفلاسفة قد استقامت لغتهم 
على مقتضى التداول العربيء فإن مرد ذلك إلى احتكاكهم بالنص القرآني أو ببعض اللغات الفكرية الأخرى 
التي احتكت به (...)» ومن هنا يمكن تفسير اختلاف مستويات اللغة الفكرية لابن رشد. إذ يكون أقدر على 
التبليغ العربي عند مناقشة المتكلمين أو الموازنة بين الحكمة والشريعة منه عند عرض المسائل الميتافزيقية 
عند الأرسطية» 52 

ومن هذا المنطق الطاهائي نستشف «عقلانية حصر التداول»» والتي سميناها أعلاه, في العنوان الثالث. 
«عقلانية التداول». بحيث أصبحت العناصر المكونة للمجال التداولي ثابتة ومركزة ومحفوظة» بل ومحددة. 
وسيتم إقصاء أي اجتهاد يحاول توسيع عناصر المجال التداولي ومحتوياته. فقد ثلث طه عناصر المجال 
التداولي (المعتقد, واللغة, والمعرفة) أفلا يمكن إضافة عناصر أخرىء أو عنصر آخر وهو مثلا: الانفتاح؟ أي 
أن نرسخ الانفتاح والتجديد في المجال التداولي للحضارة الإسلامية بدل ترسيخ الانغلاق والنجازية وتجريم 
الابتداع» وهو ما حدث تاريخيا تحت اسم «غلق أبواب الاجتهاد». وقد تنبه الدكتور طه إلى الانتقادات 
المنتظرة لتحديده مفهوم المجال التداولي وعناصرهء وهذا التنبه من فضائل المفكر الفذء عندما أشار إلى 
مشكلة الثابت والمتحول في عناصر هذا المجال03©. والحقيقة أن هذا المنطق من التفكير, المتمثل في التفرد في 
تحديد المجال التداولي لهو ناتج عن العقل الباطن في الثقافة الإسلامية الكلاسيكية, وهو المنطق الذي يقسم 
أفراد الأمة إلى خواص وعوام (والمتصوفة يتحدثون عن خاصة الخاصة. أو حتى خاصة خاصة الخاصة) وهو 
التقسيم الذي يدل على عدم فلاح النظام التربويء ومن ثمة الاجتماعي في تلك العصور. حيث كان التعليم من 
نصيب القلة من الناس» والتفكير حكرا على الثقافة العضوية: أي المندمجة في التيار السلطوي ال مسيطر فقط؛ 
لذا فإن حال زماننا هذا يلغي كلية عقلانية الخاصة والعامة, بل الكل له الحق في التعليم ومن ثم التفكير. ولا 
أحد يشرع حُدُود التفكير لأحد. وهذا ما أطلقنا عليه «تداول العقلانية». بحيث يصبح الكل يفكر ويستطيع 
بعد تنمية قدراته الإدراكية إلى المستوى الأدى من فهم أسس الحضارة وقانون الاجتماعي البشري وغربلة 
الخبر التاريخي الذي يكبل المجتمع من كل الجوانب. إن الانتقال من «تفكير التداول» إلى «تداول التفكير»» 
من خلال نشره وتطبيعه وتشجيعه لهو الطريق الذي سيسير فيه المسلمون لو جرى إصلاح التعليم لجعله 
يستوعب الكل من دون إقصاءء فالتسرب الدراسيء ونحن ال مسلمين نحتفظ دوما بالنسبة العالية فيه. لهو 
إقصاء غير مباشر من الحق في اللعرفة الصحيحة, بسبب «العقل التربوي الكسول» الذي حددناه في مناسبات 
سابقة. إن هذه الثورة في الفهم, لهو المنفذ الوحيد لبلوغ التفكير الذاتي الذي لم نحققه بعد لأن كوجيطو 
الثقافة الإسلامية المسيطر هو التفكير الجمعيء إننا نقول: إننا نفكر, إذن نحن موجودون». وط نبلغ بعد «أنا 
أفكر, إذن أنا موجود». والفرق واضح لا يحتاج إلى زيادة. وليس التفكير الحقيقيء إلا أن نفكر نحن أنفسناء 
هذه ال «نحن» الفردية وليست الجمعية. أوليست مراجعة مكونات المجال التداولي وفتحه أولى الخطوات 
في توسيع المحدذ الطاهائي الضيق؟ 


71 





التفكير مع طه ضد طه.ء طه بين الخلاص والخلوص: أين يريد أن يأخذنا فقيه 
الفلسفة؟ درجات أم دركات؟ 

لا يمكن أن ننهي إلا بالاعتراف. مثلما بدأنا به. وهو الاعتراف بالتجديد اللغوي 
وال مضموني والمنهجي الذي أتانا به طه عبدالرحمنء من خلال مبدأ «صنع خطاب 
جديد»629. ولكن نظرا إلى اعتقادنا أن الاعتراف والتكريم لا يبلغ منتهاه إلا بالنقد 
والمراجعة. فإننا شعرنا بضرورة وضع نظرية طه عبدالرحمن في «الترجمة والتداول» في 
ميزان القيمة؛ فما قيمتها في عيون غير طهائية؟ وإن كان هذا العنوان الشارح والمفصل, 


المرافق لعنوان الخاتمة. يتضمن بقايا عقلانية «الفكر البطولي» من خلال الاعتقاد 
باستطاعة وقدرة مفكر ماء مهما كانء أن يخلص أمة أو جماعة أو دولة من نظام ما 
سابقء أو انحطاط ما موجود, إلا أنه عنوان يستهدف محاكمة معرفية لنظرية طه في 
الترجمة على مقتضى التداول؛ لأننا نعتقد أن المشروع الحضاري لا يمكن أن يكون فردياء 
بل النهضة الحقيقية تكون على شكل عمل جماعي مقسم. عندما يتم تدويل التفكير 
كل في مهامه. وكل في تخصصه وقدراته, أوليست الحضارة وليدة تقسيم العمل؟559, 
بل إن تقسيم العمل هو الذي يولد التداول الاجتماعي الحقيقيء أي غير النخبويء الذي 
يمس كل فئات الجماعة مهما كان شأنها. 

من بين الأعمدة الخفية لفكر طه عبدالرحمنء أو قل الأسس لعقله الباطنء نجد 
مُسلمة الاختلاف والتفكير. فكل من قرأ مشروعه المتكامل سيجد كوجيطو مضمور 
يحرك الآلة الفكرية التحليلية الطهائية. ولئن كان شديد الانهمام بترجمة الكوجيطو 
الديكارتي ترجمة تأصيلية» فإننا هنا يمكن أن نكشف عن أسس الأنا المفكرة عند فقيه 
الفلسفة. إنه قائم على مبدأ «الاختلاف شرط التفكير». أي تمكن صياغته وفق الصورة 
الديكارتية المألوفة: أنا أختلف,. إذن أنا أفكرء وإذن أنا موجود. إن طه يعتقد أن شرط 
التفكير وإقامة فلسفة. ومن ثمة مختلف أسس الحضارة الإسلامية. هو شرط التمايز. إن 
لم يتمايز المسلمون منذ البدءء أشد التمايز وأكبره. فلا يمكن لهم التفكير. وإن بدأ هذا 
التحديد. مستقيما ومرتباء إلا أننا نعتقد أن طه قد وضع المحراث قبل الثورء والحصان 
وراء العربة. وسبق ما يجب تأخيره» ووضع النتيجة قبل المقدمة؛ لأن الاختلاف نتيجة 
وليس شرطاء إذ يمكن للمسلم أن يبدأ التفكير. من دون أن يختلف الاختلاف الذي 
يعتقده طه. ثم ماذا يقصد بالاختلاف؟ ما الحدود الدنيا للاختلاف من أجل حصول 
التفكير؟ كل هذه المسائل ضرورية رغم أنه لم يحددها التحديد المطلوب. ثم إن المسلم 
مختلف في الأصل دون أن يصطنع الاختلافء. والعربي مختلف منذ البدء. وقل ذلك 


72 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


ام 





على الكل. إننا نعتقد أن الاختلاف الذي يتحدث عنه. اختلاف متكلف. فلماذا يجب أن أجتهد في الاختلاف؟ 
وأكلف نفسيء أو حضارقء الطاقات الكثيرة فيما سيأق كنتيجة ضرورية لتفكير. لذا فإن الكوجيطو المستقيم 
الذي يجب أن نعيد التفكير انطلاقا منه هو: أنا أفكر, إذن أنا مختلف. فلا يمكن, عندما نفكر. وحتى إنا كنا 
مقلدين, إلا أن نكون مختلفينء فالجنيس لا يمكن أن يماثل الأصلء مهما كانء لأنه جنيس في النهاية. فاختلافه 
شرط وليس نتيجة. 

إن ما تنتهي إليه نظرية طه عبدالرحمن في «الترجمة والتداول». هو تديين الترجمة. أو قل «أسملة 
الترجمة». بالرغم من أنه يتحفظ من استعمال كلمة «أسلمة» الدخيلة غير الأصيلة في تقديره ©" على اعتبار 
أن الترجمة التأصيلية هي التي تكرس المحلية وتلغي العالمية» ولأن «المقصود بالكونية هو وصف كل ثيء 
يتجاوز ما هو خاص في المجال التداولي لكل أمة, أو قل ما هو مأصول ومعمول به في ثقافتها الخاصة»57. 
ولتن كان يتحدث عن الكونية المشخصة. وهذا حقء فكل عال مي هو توسيع للمشخص واللحلي القويء. فإن من 
بلغهاء أي العالمية, من الإغريق قديما والأمريكان حالياء لم يبلغوها بهاجس الاختلاف المحلي أو القوميء لأنه 
اختلاف طبيعي ضروري لا يجب الاجتهاد في بلوغه. بل بلغوه عندما حررُوا قدراتهم دون منطلق تأصيلي أو 
تمييزي. إن طه يجعل الترجمة التأصيلية. وهو أرقى أنواع الترجمة التي تستند على النقل بغية تثوير التفكير 
المحليء يجعلها تتوجه لتغيير ا لمضامين الفلسفية والمعرفية من أجل خدمة ال محليء وهو بالتحديد التقريب 
للإسلامي والعربي20©. وهذا ما جعلنا نقول بأن مهمته تمثلت في أسلمة الترجمة إلى العربية. وهي المهمة 
التي أنجزها العديد من فلاسفة الإسلام الذين يفضلهم طه عبدالرحمن على غيرهم, مثل ابن حزم: ولو 
بصورة بدائية» والغزالي بصورة كاملة. وقد استهوت هذه الطريقة التقريبية في الترجمة العديد من المترجمين 
المعاصرين أمثال «محمد عناني» الذي أعلن في مقدمة ترجمته لكتاب إدوارد سعيد 5230 4عه:804 تحت 
عنوان: 1978 ,غصعع0 عط1 04 «منامععهه0© معماوء18 ممكتلغمءنظ بأن «مذهبي في الترجمة هو أقر ب 
إلى التقريب منه إلى التغريب(...). ما أعنيه بالتقريب هو أقرب ما يكون إلى ما يعنيه المترجم والباحث 
المعاصر لورانس فينوقٍ بمصطلح 10706518408, أي إضفاء طابع الألفة على الأفكار والصور حتى يتقبلها 
القارئ. التغريب يعني الحفاظ على اللمذاق الأجنبي للنص الأدبي»7””". وما يعاب على هذا النوع من الترجمة 
هو أنه يميل إلى إلغاء الاختلاف وإعدامه. في حين أن الأصل في الألسن وامجالات التداولية هو الاختلاف. 
والهدف من «حجب الاختلاف» هو إرادة الاختلاف ذاته, أي المحافظة على خصوصيات المجال التداولي» 
والذي يشكل الإسلام الركيزة الأساسية لدى المسلمين. وفي عملية أسلمة الترجمة. عن طريق الترجمة على 
منوال القول الثقيلء يكون طه عبدالرحمن قد واصل مسيرة أسلمة الكلء أو أسلمة جميع مظاهر الحياة 
عند المسلمينء سواء أسلمة الأخلاقء مثلما فعل ذلك في سؤال الأخلاق عندما قرر أنه لا إنسان بغير أخلاق» 
ولا أخلاق بغير دينء ولا دين صحيح إلا الإسلام» ومن نمة يستنتج أن لا أخلاق إلا أخلاق الإسلام©. أو 
أيضا أسلمة الحداثة عندما تقرر لديه بأن التطبيق الإسلامي لبادئ الحداثة. وهي النقد والرشد والشمول. 
أوسع وأعمق وأجدى من التطبيق الغربي الذي هو واقع الحدائة فقط وليس روح الحداثة الحقيقي. وكأن 


73 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 
77777772777 نم17 ف س1 1 ٠.‏ 
روح الحداثة تكمن في النموذج الإسلامي الذي ابتكره ابتكارا(؟6). لذا فإن مشروع طه الإجمالي هو الأسلمة 
الشاملة لمجمل مظاهر الحياة والفكرء وقد ينتهي إلى «أسلمة المنهج». بعد أسلمته للأخلاق والحداثة 
والترجمة: أو أسلمة اللوجوس في كتابه الأخير «سؤال المنهج». 

نحن نقترض أنه لا عيب في هذا المشروع, أي أسلمة الكل, ولو أن نتائجه ليست ذات بال من الناحية 
العلمية, فلا تقدم ولا تؤخرء وإن كانت «الأسلمة القسرية» التي يلجأ إليها البعض قد تضر أكثر مما تنفع 62©. 
لأنها على حد قول برجسون المنقول من ملاحظات وليام جيمس النيرة تقع في طرفي الهواية العلمية لا 
الإحترافية: «فالأولى تعنى بالنتائج الحاصلة في حين أن الثانية تعني بالوسائل التي تحصل بها هذه النتائج»(69», 
لكن يجب ألا نعتبر الأسلمة شرط العاللية أو التحضر والتقدم: بل الأحرى أن تكون الأسلمة نتيجة منطقية 
لذلك. فلا يمكن أن يسمع صوت طه عبدالرحمنء والعالم الإسلامي - العربي في هذا الوضع المأزوم كونه 
عالة على العام المتقدم. وعلى الحداثة وعلى التسامح والسلام. سيسمع صوت طه عندما تكون هناك نهضة 
إسلامية شاملة تقدم للإنسانية النموذج الإيجابي البناء. وهذا مستحيل في الظروف الراهنة» ومستحيل في 
ضوء مشروع طه عبدالرحمن الذي يشجع ال محلية والخصوصية والتقوقعية. وآخر ملاحظة نختتم بها هذه 
الدراسة النقدية هي سؤال التداول والتحول: فهل المجال التداولي لحضارة ما جوهراني أم متشذر؟ هل هو 
ثابت أم متحول؟ هل المجال التداولي للحضارة الإسلامية في القرن الخامس للهجرة هو ذاته المجال التداولي 
للعالم الإسلامي في القرن الواحد والعشرين؟ إن أجبنا بالإيجابء فنحن في جوهرانية قاتلة, إذ نعتقد أننا لا 
نتبدل ولا نتحول, وإن أجبنا بالسلب. فيجب وقتذاك البحث عن العناصر الدخيلة والجديدة للمجالنا التداولي. 
وهو ما أغلقه طه على عناصره الثلاثة فقط. إن المجال التداولي لأي مجتمعء مهما كان في تحول مستمر, 
مما يجعله خاضعا للصيرورة الكونية, مثله مثل كل الظواهر الطبيعية والاجتماعية, لأن الصيرورة هي قانون 
كل الأشياء؛ فا مضمون الديني مم يكن هو هو بالنسبة إلى المجال التداولي الإسلامي, وا معرفة لها براديجم 
لكل عصرء واللغة كائن ينمو من خلال موت كلمات وميلاد أخرى. أما المبدأ الأكثر غرابة في نظرية الترجمة 
التداولية. كما نظر إليها طه عبدالرحمن والعديد من الدارسين الذين حذوا حذوه. سواء قبله أو بعده, فهو 
مبدأ تهوين الاختلاف وحجبه. فعندما نترجم وفق المجال التداولي نقع في الاعتقاد, أو قل خلق اعتقاد واهم,. 
بوحدة وتشابه الثقافات. وهذا لعمري أقصى مظاهر «عقلانية التجانس والواحدية» التي تخطر على ذهن 
إنسان. فلو جرى تعميم هذا المبدأ. لاعتقد كل مجال تداولي أن المجالات المغايرة ليست إلا شيثا واحداء أي 
المغاير أقل مغايرة مما نعتقد., أو قل المغاير ليس ممغاير. وا مختلف ليس بمختلف. وهكذا نقع في ا محظور 
المنطقي المعروف باختراق بدأ الهوية. فأسلم طريقة في الترجمة هي تقديم المخالف كما هوء في لسانه 
وأفكاره ومعتقده. ليس لغرض الأمانة فقط. بل من أجل التنشئة على تطبيع المغايرة والاختلاف. وطرد وهم 
التماهي والتطابق والهوية والتناغم التداولي. 


74 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


الهوامش 


جورج لوكاشء التاريخ والوعي الطبقيء ترجمة: حنا الشاعرء دار الأندلس, للطباعة والنشر والتوزيع» بيروت» 
' الطبعة 2 1982, ص71. 
كارل ماركس وفريدريك إنجلزء العائلة المقدسة أو نقد النقد النقدي. ترجمة: حنا عبودء دار دمشق للطباعة 
الم والنشرء ص20. 

١١‏ | ميشال ماييرء نحو قراءة جديدة لتاريخ الفلسفة - من الميتافيزيقا إلى علم السؤال. ترجمة: عز الدين الخطابي 
وإدريس كثير. منشورات عاط التربية, الدار البيضاء. الطبعة الأولى» 2006, ص117-101. 
| فرنسيس بيكونء الأورغانون الجديد - إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة» ترجمة: عادل مصطفىء رؤية للنشر 
٠‏ والتوزيع, القاهرة, الطبعة الأولى. 2013, الكتاب الأولء فقرة 20 ص22. 
فرنسيس بيكون, الأورغانون الجديد - إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة. مرجع سابقء الكتاب الثانيء فقرة 52 
ص341. 
| نشير باختصار شديد إلى الأعمال التالية وفق الترتيب في محمولات الهوية المذكورة أعلاه: 
"٠‏ - داريوس شايغانء أوهام الهوية, ترجمة: محمد علي مقلد. دار الساقيء بيروت: الطبعة الأولى, 1993, ص143. 
!١‏ - زي نجيب محمود, مقدمة ترجمة المنطق نظرية البحث لجون ديويء المركز القومي للترجمة, القاهرة, 2010, 
]ص27-25. 
"30٠‏ - أمين معلوف, الهويات القاتلة - قراءة في الانتماء والعولمة, ترجمة: نبيل محسنء ورد للطباعة والنشر والتوزيع» 
0 دمشقء الطبعة الأولى. 1999 ص16. 
١‏ كارل مانهايم» الأيديولوجيا واليوتوبيا - مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة ترجمة: محمد رجا الديريني» شركة 

' المكتبات الكوبتية. الطبعة الأولى. 1980. ص114. 
23 .0 م ,-418121 قعدم - 138 م ,-358678 قكدم ,2005 ,رعملعة 2[ عل عدمناتة6 روءفممع28 بلمعموط عمته[8 
019 ابن حزم الأندلسي, التقرب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية, تحقيق: أحمد فريد 
"٠١‏ | المزيديء دار الكتب العلمية, بيروت. ص12 19. 
') المرجع نفسه. ص14. 
المرجع نفسه. ص20 53. 
ا مرجع نفسه, ص115 و116. 
٠‏ أبو حامد الغزالي, المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلالء تحقيق: جميل صليبا وكامل عياد. دار الأندلس 
: 5 1 للطباعة والنشر والتوزيعء بيروت: 99. 
14 | المرجح نفسه. ص104. 
١ 5‏ الغزاليء القسطاس المستقيمء طبعة القاهرة, 1353ه ص21 و22, 43 188. 
الغزاليء المستصفى في علم الأصول. تحقيق: محمد عبدالسلام عبدالشافيء دار الكتب العلمية, بيروت. 1413ه: 


2 ص10. 





75 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 


76 


الغزاليء تهافت الفلاسفة, تحقيق: علي بوملحم, دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشرء بيروت. 2002, ص33 و34. 

وطه عبدالرحمنء فقه الفلسفة -1 الفلسفة والترجمة:. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء - بيروتء الطبعة الأولى» 

5 ص86. 

أبو حيان التوحيديء المقابسات. تحقيق: حسن السندويء دار المعارف للطباعة والنشرء سوسة. الطبعة الأولى. 

1 ص186. 

عبدالله العروي. مفهوم العقل (مقالة في المفارقات). المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. الطبعة الثالثة. 2001, 

ص121. وأبو حيان التوحيديء الإمتاع والمؤانسة, الجزء الأول» موفم للنشر, الجزائر, الطبعة الأولى. 1989, الليلة 

الثامنة. ص155 - 157. 

عبدالرحمن بدويء منطق أرسطو.ء وكالة المطبوعات - الكويت, دار القلم - بيروت» الطبعة الأولى. 1980 ص7. 

عبدالرحمن بدويء تقديم الترجمة العربية القديمة لكتاب الخطابة لأرسطوطاليس, وكالة المطبوعات - الكويت, 

دار القلم - بيروت. 1997: ص 1, 3 7. 

طه عبدالرحمنء فقه الفلسفة 1 - الفلسفة والترجمة, مرجع سابق. ص307. 

رقلعة2 ,لضهعنا10 عأكتونتة عتعنةءطنا ,عناوضمغقنط نددوظ - عمعتمسء 1 أء وفممعتلمق :مقمعظ أمعمرى 
.39 م ,1852 

طه عبدالرحمنء فقه الفلسفة 1 - الفلسفة والترجمة, مرجع سابق. ص348. 

طه عبدالرحمنء اللسان والميزان أو التكوثر العقليء المركز الثقافي العربيء الدار البيضاء - بيروت» الطبعة الأولى» 


8 ص328. 

إفرام يوسفء الفلاسفة والمترجمون السريانء ترجمة: شمعون كوساء المركز القومي للترجمة, القاهرة. الطبعة الأولى 
0؛: ص281. 

المر. جع نفسه. ص172. 


ديمتري جوتاس, الفكر اليوناني والثقافة العربية (حركة الترجمة اليونانية العربية في بغداد والمجتمع العباسي 

المبكر). ترجمة: نقولا زيادة: المنظمة العربية للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربية. بيروت» الطبعة الأولى» 

ص309. 

طه عبدالرحمنء فقه الفلسفة 1 - الفلسفة والترجمة. مرجع سابق» ص510. 

المرجح نفسه. ص 467. 

المرجع نفسه. ص403. 

المرجع نفسه. ص311. 

المرجع نفسه. ص82, 83. 

طه عبدالرحمنء اللسان والميزان أو التكوثر العقليء مرجع سابق» ص18. 

ت 412 قعدم ,1967 ,قاعة2 ,دمعقتصصها8 عمعنمدعة0 ممقتلة إاطسمط .8 عدم لمهت ,عانودءت تممغواط 
.433 م 


التداول والتحول .. محاولة في نقد الترجمة التداولية 
لبج سس سس سس سس 1101717 


1 تتدم ,1991 ,قاعة2 ,عله دمتافل6 ,ععتدائط -غصندك .8.[ عدم غلهالدعا ,عناوأوتتطمماغم هآ[ تعأمغكتيق 
.42 مط 

إدوارد سعيد, الاستشراق - المفاهيم الغربية للشرق, ترجمة: محمد عنانيء رؤية للنشر والتوزيعء القاهرة, الطبعة 

الأولىء 2006, ص94. 

ابن باجة. تدبير المتوحدء سراس للنشرء تونسء 1994, ص64. 

محمد عابد الجابريء العقل الأخلاقي العربي - دراسة تحليلية نقدية في نظم القيم في الثقافة العربية, مركز 

دراسات الوحدة العربية, بيروتء الطبعة الأولى. 2001, ص366 - 381. 

طه عبدالرحمنء سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلمء المركز الثقافي العربيء الدار البيضاء - 

بيروت» الطبعة الأولى. 2012, ص106. 

المرجع نفسه. ص77. 

م -278278 2كقم أء 111 م 243 -277 38م ,أك.م0 ,وعمومعءط بلمعموط عوتدا 
محمد عابد الجابريء العقل الأخلاقي العربي - دراسة تحليلية نقدية في نظم القيم في الثقافة العربية, مرجع 
سابق. ص493. 
طه عبدالرحمنء الحق العربي في الاختلاف الفلسفي. المركز الثقافي العربيء الدار البيضاء. الطبعة الأولى. 22002 
ص113. 
طه عبدالرحمن» سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم» مرجع سابق» ص40. 
طه عبدالرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقليء مرجع سابقء ص13. 
طه عبدالرحمنء تجديد المنهج في تقويم التراث. المركز الثقافي العربيء الدار البيضاء. الطبعة الثانية. ص244 وما 
تلاها. وأيضا طه عبدالرحمنء الحق العربي في الاختلاف الفلسفي, مرجع سابق, ص198. 
طه عبدالرحمنء سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم» مرجع سابقء ص39. 
المرجع نفسه. ص195. 
طه عبدالرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. مرجع سابق» ص331. وأيضا طه عبدالرحمنء تجديد المنهج 
في تقويم التراث. ص 243 272-. 
طه عبدالرحمنء سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم. مرجع سابق. ص200. 
طه عبدالرحمنء اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. مرجع سابق» ص337. 
طه عبدالرحمنء تجديد ا منهج في تقويم التراث. مرجع سابق. ص249. 
طه عبدالرحمنء اللسان والميزان أو التكوثر العقليء مرجع سابق. ص406. 
عم نملهن0) - ععموع8 عل وعمتماتومعاتمنا وعدوعمم ,لهكو5 لنهندئ تدك ممتكصتك 12 عل تستعطاعت<1 لندسخر 

.328 م ,1991 ,صمتائلة عد ,كتموط 
طه عبدالرحمنء روح الحداثة - المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية, المركز الثقافي العربيء الدار البيضاءء الطبعة 
الأولىء 2006, ص13. 
طه عبدالرحمنء سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم, مرجع سابق. ص40. 


77 


التداول والتحول .. محاولة ل نقد الترجمة التداولية 
01171411 000100220101011 1111 111111 


طه عبدالرحمنء اللسان والميزان أو التكوثر العقليء مرجع سابقء ص335. 

محمد عنانيء مقدمة ترجمة الاستشراق لإدوارد سعيد, مرجع سابق» ص16 و17. 

طه عبدالرحمن, سؤال الأخلاق - مساهمة ف النقد الأخلاقي للحداثة الغربية, المركز الثقافي العري, الدار البيضاء. 
الطبعة الأولى. 2000 ص147 - 169. 

طه عبدالرحمنء روح الحداثة - المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية. مرجع سابقء ص269 - 273. 

يوسف الصديقء هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟ ترجمة: منذر ساسيء دار محمد علي للنشرء صفاقسء ودار 
التنوير للطباعة والنشرء القاهرة, الطبعة الأولى. 2013,» ص172. 

هنري برجسونء الطاقة الروحية. ترجمة: سامي الدرويء الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة, 2007 ص79. 


78 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا افيد وه ري ف من 12016 


الاتووفطة بججتا د اتطوتياج #اكد 





سوسيولوجيا الشك .. المكري الشاعر ناقدا 


أ. عبدالكريم يحيى الزيباري* 


دراسة المعريء كظاهرة» باعتبار وظيفته كمُشَكُك يبذر شكوكه 
داخل النّسَق الاجتماعي. والشكّ هنا هو كما هو عند هيدجر 
«أنطولوجيا شكلية.ء موقف نسقي يُعبّر عن غياب أيّ قنطرة بين 
الظاهرة والأساس, بين الوعي والكينونة» وعدم إمكان المقارنة بين 
الميدان المجرّب وبين منطلق التجربة الذي لا يسمح بتبديل مقام 
تجربتنا وبنيات تفكيرنا على الكينونة»27. الشك جدلا هو الوجه الآخر 
للحقيقة. باعتباره أداة فعالة لتفعيل وجهات نظر جديدة تتعاقب 
على ظاهرة واحدة بعينهاء من دون أنْ تخرج من النّسق الأنطولوجي 
لكينونة ثنائية الحقيقة. بحيث «لا يعتبر الشك نفيا وهدما لكل 
معرفة, بل موقف حكم نقديّ فيما يتعلق بالتأكيدات الموضوعية في 
ميدان التجربة»2. «إنّ تاريخ السوسيولوجيا كلها انعكاس للتغيرات 
الاجتماعية والأحداث السياسية, وما رافقها من مطالب اجتماعية 


تتوجّه إليها»". 





* روائي وناقد أدبي - جمهورية العراق. 


سيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


3 
لي 0 





والشك في أحد جوانبه عقلانية. الإنسان بفطرته بميل إلى عبادة الأشياء التي تمنحه الحياة: النور, 
الطعام: الماء. الحاكم: ثم ابتكرّ اليونان آلهة الأوملب, أكسانوفان في القرن السادس قبل الميلاد شكّك قائلا 
«فكرة الآلهة كانت وليدة الحَماقة. ليس لأنها تتصرف كالأطفال فقطء بل لأنّها يونانية إلى أبعد الحدود. 
أبدعتها مخيلة المجتمع اليوناني», وكما يحدث في جميع الأديان, وبعد قرون «ترعرعت أعداد كبيرة من 
اليهود دنيويا. من حيث العادات والشك بالله ووصايا موسى... لمم يعد الناس راغبين في التدين والانعزالية.... 
سفرين من التوراة, يعن كلّ منهما ذروة في التعبير الإنساني عن الشكء أولهما سفر أيوبء ومن المحتمل أنه 


دع بير 


كُتبَ قبل الفترة الهلينية والثاني سفر الجامعة. ومن المحتمل أنّهُ كُتبَ وسط العصر الهليني»©'. في العصور 
الوسطى صار الإيمان بالمسيح واجبا دينيا ودنيوياء ونيران محاكم التفتيش مصير المشككين, لكن «الدين 
يقوم على فكرة أنَّ الإيمان صعب. وأنّه ينبغي علينا العمل للتوصل إليه». الإيمان الحقيقي الذي أراده 
ا معري لنفسه ومجتمعه. 

ا معري روح العصر. يبرّرُ «وإذا رُحِعَّ إلى الحقائقء فنطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الإنسانء لأن العام 
مجبول على الكذب والنفاق... ولعله قد ذهب جماعة هم في الظاهر متعبدونء وفيما بطن ملحدون. وما 
يلحقني الشك في أن دعبل بن علي لمم يكن له دينء وكان يتظاهر بالتشيّح. وإنما غرضه التكسب». خوفا 
من سوء الفهم؛ اضطرٌ المعري إلى شرح نصوصه. فكتب «السّادِن» في شرح «الفصول والغايات», وشرح ديوانه 
«سقط الزند» في «ضوء السقط». وشرح ديوانه «لزوم ما لا يلزم» في ثلاث كتب (زجر التّابح» ونجر الزجر» 
وراحة اللزوم)7 ”. وفي «رسالة الغفران» استنطقّ أسلافه داخل مشاهد كاريكاتيرية تارة يتهافت الشعراء على 
أبي علي الفارسي «يقولون: تأوّلت علينا وظلمتناء فلما رآني أشارٌ إيّ بيده... فقلتٌ يا قوم, إن هذه أمورٌ هيّنة, 
فلا تعنتوا الشيخ... وأنّه ما سفك لكم دماء ولا احتجنّ عنكم مالاء فتفرقوا عنه. وشغلت بخطابهم فسقط 
مني الكتاب الذي ذكرٌ فيه التوبة, فرجعت أطلبه فما وجدته»9!). هاجم العقل الخرافي الذي يرفض النقد. 
وضعه في مقام سفك الدم وسلب المالء واهتمامهم بالقشور دون الجوهرء ففي باب الحلاج: قصة أحد ملوك 
الهند وكان شابًا حسناء أنه جدّر فنظر إلى وجهه في المرآة وقد تغير. فأحرق نفسه. وقال: أريد أن ينقلني 
الله إلى صورة أحسن من هذه. وسخر من السلاطين والأمراء في «رسالة الصاهل والشاحج». في حوار يدور 
على لسان حصان صاهل وبغل شاحج. وكتبّ «رسالة الهناء» مهنا بقدوم وزير السلطان نصر بن صالح 
بن مرداسء على ألسنة الحيوانات «إذا جاءت التهنئة من غير نظير, فإِنّها تعتقد من المحاظير», ويأمر الأسد 
بقتل الفأر لأنّه هنأه «فقال له بعض الأجناد: أهلّت نفسك لخطاب ما كنت له بأهلء فَعُددْت من أصحاب 
السَّفهِ والجهل»!!!. ويلاقي العصفور مصير الفأر بسبب تهنأته أيضاء ثم ينصح الوزير «وسوف يتبيّن سعادة 
العاقبة في الدّار العاجلة قبل الآجلة: إِذْ كان خلّصَ أسيراء أو جيرَ بعرفه كسيراء فكأتما صنحَ صنيعاء عمّر به أبناء 
الراكدة جميعاء لقوله تعالى: لمِنْ أَجْلٍ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أنّهُ مَنْ قَتَلَ تَفْسا بِغَيْرٍ نفس أو قَسَاد 
في الأزض فَكَأَتًا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكأتًا أَحيًا النَّاسَ ججميعا2»4". وفي النهاية يعترف بأنّهِ لم 
يكتب من تلقاء نفسه بل استجاب لطلب حاشية الوزير لثلا يلقى مصير الفأر والعصفور. 


80 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الفاعر ناقدًا 





عصر المهعري 

عاش المعري (363ه - 449ه) في عام إسلاميّ منقسم إلى دول متناحرة» اهترز المركز بعد قتل الخليفة 
المتوكل 247 للهجرة, واستمرٌ قتل الخلفاء في بغداد على يد الترك. حتى دخلّها معز الدولة بن بويه في العام 
4 للهجرة. بدعوة من الخليفة المستكفي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, بعدما شغبَ عليه الجند الأتراك لتأخر 
معاشاتهم, لم يمض شهرٌ حتى خلع المستكفي وَسَمَلَ عينيه وتركه يموت في السجن, بعد ثلاث سنوات انتشرت 
ظاهرة سب وتكفير الصحابة في بغداد. وفي القيروان بويع عبيدالله ا مهدي سنة 297 للهجرة. ودخل جوهر 
الصقلي مصر في العام 358 للهجرة, بعد أربع محاولات فاشلة, وهكذا انبسطً نفوذ الدولة الفاطمية في شمال 
أفريقياء ودخل ال معز لدين الله الفاطمي مصر في رمضان 362ه ثم امتدّ نفوذهم على الشام. وفي عصر 
المعري ازدهرت أعمال جمعية إخوان الصّفاء وانتشر جدل العقائد بين امعتزلة والقدرية والجبرية والخوارج 
والمرجئة والمعطلة والقرامطة والإسماعيلية والزيدية والكيسانية والإمامية والفاطمية والباطنية والأشعرية 
والصوفية, ومن كل فرقة انشقت عشرات الفرق. وكان «مرض عصر ال معري هو الجدل والشكء وعليهما بَنَتَ 
الدعوة الفاطمية أساسها»3). كانوا معرّضين للانهيار بسبب تكالب الدول والإمارات المتجاورة بعضها على 
بعض. كتبّ المعري في لزومياته: 


وأيلهم+ميكلن د وميا م 
وللابدٌلشلعادثا تِ من وقعة صَيْلَم 


تيد أعارسيهمهم مع البرك والدَّينتَم14) 
ويستحضر المعري أبا جعفر المنصور: 


كو بعت المنصورٌ نادّى أَيَا مَديئَةً التسليم لا تُسلمي 


قد سكن القفرٌ بَنو هاشم 
قد خدمٌ الدولة مُسْتَنْصحَا 


وَانْتَقَلَ الْلكُ إلى الدَيْلَم 


بذاك تمأقث ل أَبِامُسيِم 
فَالْبَسَئْهُ شيّة العظطلم5) 


كانت بغداد محاطة بسبع دول إسلامية: العلويين في طبرستانء وبني سامان في ما وراء النهر©!, 
واسبكتكين في الهند وأفغانستانء والحمدانيين في حلب والموصلء والإخشيديين في مصرء والفاطميين في 
أفريقياء وبني أمية في الأندلس. وتغلَّبِ كل حاكم على ما في يده من مدينة صغيرة أو مجموعة قرىء يشترون 
من الخليفة في بغداد ألقابهم بهدايا يرسلونها كل عامء ويدعون له في المساجد. ثم امتدّ نفوذ الحاكم 
الفاطمي إلى اليمن والشام ومصر وأفريقياء وتسمّى بأمير ال مؤمنينء وكان يُخطبٌ له في المساجد. وكثرت 
غارات الروم ففي العام 362 للهجرة دخلوا نصيبين والجزيرة وديار بكر. يتساءل أحمد أمين: «هل انحط 
العلم والأدب بانحطاط خلفاء بغداد. أو رَقِيَا باستقلال الأقطار؟ أرى أن العلم والأدب رقيا عما كانا عليه... 


31 


سوسيولوجيا | الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


1 زر 20 





فلما استقلت الأقطار أصبحت كل عاصمة قطر مركزا مهما لحركة علمية وأدبية, فأمراء القطر يعطون 
عطاء خلفاء بغداد, وَيُحَلُون عاصمتهم بالعلماء والأدباء. ويفاخرون أمراء الأقطار الأخرى في الثروة العلمية 
والأدبية. كما يتفاخرون بعظمة الجند وعظمة المباني. فبدل أن كان للعلم والأدب مركز واحد مهم أصبحت 
لهما مراكز»”'). وانتشرت بين المسلمين أفكار وأساليب حياة مختلف المذاهب والأديان: وانعقدت مجالس 
الجدل العقائدي «دَخَلَ أبو يوسف97!) على نظام الملك وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعريء فقال 
له: أيها الصدرء قد اجتمع عندك رؤوس أهل النار. فقال: كيف؟ فقال: أنا معتزلي وهذا مُشَبّه. وذاك أشعري, 
وبعضنا يكفّر بعضا»212. 


يقول المعري: 
فلاتامنوا الشَّرّ من صاحب وإن كان خالا لكم وابنَ عم 
أتوؤكم بإقبالهِمٌ والحُسام فَفَّدٌ به زاعِمٌ ما زعم 
لّوا باطِلا وجِلَوا صارما وقالوا: صدّقنا فقلتم: نعَم200) 


هذه العوامل الخارجية ذكرّها في شعره ونثره. معلنا يأسه من إصلاح المجتمع الفاسد الذي يرتزة 
ويعتاش على الحذلقة والتّفاق والمُداراة ولقد ذم المعري أخلاق الناس في عصره كثيراء منها قوله: 
تَنَيِتٌ أفي من هضاب يَلَملّم إذا ما أتاني الرَّزْءُ م أتلملم 
وأودى بظلم التُغر صبحٌ وحِندِسٌ متى يَنظرا في نَيْرِ لين يُظلِمٍ 
وب للا او من 4 لوه ع م 
ومن شأن هذا الخلق غش وظنة ومَنْ يَتَقَرَبْ منهُم م يقظَنه!21؟ 


أمّا العوامل الداخلية لعزلة المعري فهي: فقره وعّماه وغربته عن مجتمعه. وموثُ أبيه ثم أمّه. يقول 
المعري: «كيف لا أقيم وأنا سقيم, إِنَّ الدنَفَ لا نَهضّة لها بارتحال... ولكن أَلرْمُ قُنّةَ جبلء ليس فيه من إنس 
ولا خَبَلء أعبدٌ الله حتى أردَ حياض المنون. طفتٌ الآفاق فإذا الدنيا نفاق» ومللت من مداراة العام بما يُضْمِرٌ 
غيره الفؤاد. فاخترت الوحدة على جليس الصّدق»(02, 

ذكر القفطي أنَّ أبا العلاء زارَهُ في المنام وعاتبَةُ «ما الذى يحملك على الوقيعة في ديني؟ وما يدريك لعل 
الله غفر لي؟»30©. وله أشعارٌ كثيرة تؤيد عقيدته, كقوله: 


دُموعي لا تُجيبُ على الرّزايا ولولا ذاك ما فتتث سَّجوما 

رضا بقَضاءٍ ربَكَ فهو حَتم ولا تُظهرٌ لحادئة وجوم24) 
وقول المعري: 

تصَدّقُ على الأعَمى بأخذ يمينه لتَهدِيَهٌ وامئنْ بإفهامك الصَّمًا(ةة) 


52 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


ا 





ويقصد تصدّق على الجاهل بالهداية بعلمك وحلمككء لا تنفّْره بالزجر والغلظة. ولشدَّة تعففه وجميل 
صبره ظنه الناس غنيّاه ولكثرة علمه طلبوا منه الهدايةء ومدحوه فوق ما فيه فرفضهم, حتى استغنى بالعصا 
عمّن يقوده في الطريق حيث يقول المعري: 


طال صَبري فقيل: أكثمُ شَبعا نُ وإفي لمُنْصَو طيَان 
أنا أعمّى فكيفَ أهدى إلى ام هَج وَالنَاسٌ كلّهِمْ عُميان؟ 
والعّصا للضّرير خيرٌ من القا ثدء فيه الفُجِورٌ والعصيان ©26) 


واستغنى عن العصا بلزومه بيته. وكان يؤله عجزه عن الكتابة فذكر في آخر سطر من رسالة الغفران 
«وأنا مستطيع بغيري. فإذا غاب الكاتب, فلا إملاء». 
المعري يعلم أنَّ اليأس خطيتة لا يمكن أنْ ييأسء وإلا لَمَا كان كتبّ حرفا واحدا رغم قوله: 


إذا كان علمٌ الناس ليس بنافع ولا دافع فالخُسْرٌ للعلماء 
قضى اللَّهُ فينا بالذي هو كائن فتَمَ وضاعث حكمةٌ الحكماء27) 


وفي خطبة سقط الزند «فالحمدُ لله الذي سترّ بِعْفّةَ من قوام العيشء. ورزقٌ شعبة من القناعة أوفت بي 
على جزيل الوفر»27”). هذا الخطاب نتجّ عن صراع نفسيّ وتأملات تتعلق بالوجود المؤقت والموت المحتوم, 
تمخّضَ عنه انعدام الرغبة في ملذات الدنياء لكن هناك أبياتا أخرى كثيرة تقول بأنَّهِ م يزهد في الدنيا إلا لأنّها 


رفضته: 


لدذنياك حُسَنٌ على أنّْني أرى حُستها حَسّنا مُخلقا 
قما طَلْقَثتْ هي بل طُلقَتْ ولتست بُوّلٍِ مَنْ طلقا 
فلا تْسَمَنَ على مطلب يفوت إذا بيه أغلقا”© 

ويقول أيضا: 
مَقينا بدُنيانا على طُولٍ ودها فدوتكَ مارشها حياتكَ واشقَها 
ولا تُظهِرَنَ الّهد فيها فكنّنا 2 شَهِيدٌ بأن القَدبَ يُضِرٌ عِشقَها0© 

وم يأت زهده في صحبة النّاس إلا بعد تجارب شخصية وطول تأمّل: 
تَقَرْهُ الشيءٍ خَيرٌ من تألفه بكَيره وتجِرٌ الألقةٌ النْقَمّ(61 

رحلته في طلب العلم إلى حلب وطرابلس الشام ثم اللاذقية مُعرّجا على خزانات الأديرة من الكتب. 
ومُطّْلعا على اذاهب الفلسفية من صدور الرهبانء ثمّ إلى بغداد سنة وسبعة شهورء ونا عاد كانت أَمهُ 


03 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





قد ماتت, فجزعَ وبكاها ودخل معتزله ولم يغادره حتى مات. هذه الرحلة لشاب في مقتبل العمرء وهذه 
المثابرة والجدية في طلب العلم منحته عقلا كوزموبوليتيًا مضطربا يميل إلى الشكء نتيجة دمج عقله الإسلامي 
بالعقل اللاهوق المنتميين إلى ثقافتين مختلفتين. 

يهجو المعري أبناء عصره. ويبرّر بأنّهِ لم يأتِ بفعل الهجاء شيئا جديداء فيقول: 


شكوثتٌ من أهل هذا العصر غدرَهم لا تنكرَنْ فعلى هذا مض السَلفٌُ 


وما اعترافي بعيب الجنس مَنقصَةٌ والعِينٌ يُحَرَفٌ في آنافها اذلف 

أمسى التفاقٌ دروعا يُستَجَنُ بها من الأذى ويقوّي سَردها الحَلفٌ 
ويقول المعري: 

ما الخيرٌ صومٌ يذوب الصائهون له ولا صلاةٌ ولا صوفٌ على الجسدٍ 

وإنها هو ترك الشر مُطْرّحا ونفضك الصدرٌ من غلّ ومن حَسَدٍ 

مادامت الوخش والأنعامٌ خائفة فَزْساء فما صَحّ أمرٌ السك للأسد32) 


تعيب الدكتورة عائشة عبدالرحمن على علماء عصر ال معري «ومن عَجَبٍ الأمور أنَّ تلك العصور التي 
رجمت أبا العلاء غَضَبا للدين, رثٌّ فيها التدين. وعاد الإسلام غريبا في ديار الإسلام» وابئذلت قيمه في صراع 
المذاهب ومعترك الأهواء»(63, 
موقف الشك 

يقول نيتشه: «أعرفهم جيدا أولئك الشبيهين بالآلهة, يريدون أنْ يؤمنَ الناس بهم, وأنْ يكون الشك 
خطيئة»079. إذا صار الشكُ خطيئة ظهرٌ الصّنمء الدكتاتور. الطاغية. الذي يمنع الناس التفكير. يجب أنْ 
يكون كلّ شيء بحسب ما يقوله هوء وبسبب حظر التفكير دخلّ المجتمع الإسلامي في سُبات عقلي لمم يستطع 
الخروج منه. 

المعتزلة205 جعلوا الشكٌ واجبا وتُّقل عن شيخهم الجبائي قوله: «أول الواجبات هو الشك لتوقف القصد 
إلى النظر عليه... أن وجوب النظر وا معرفة مقيد بالشك... فهو لا يكون مقدمة للواجب المطلق بل للمقيد 
به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج»©0. وعنونَ الجاحظ في كتابه الحيوان بابا بعنوان «مواضع الشك 
واليقين» مما جاء فيه «ولم يكن يقين قط حتى كان قبله شكء وم ينتقل أحد عن اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتّى 
يكون بينهما حال شك». ويختم أبو حامد الغزالي كتابه «ميزان العمل» بهذه الكلمات «الشكوك هي الموصلة 
إلى الحق. فمن لمم يشك م ينظرء ومن لم ينظر لم يبصرء ومن لم يبصرء بقي في العمى والضلال». 

من طبيعة الإنسان أنْ يشكٌ في كل مالم يجربه ويتحقق منه. وبلعّ شك المعري إلى أصغر تفاصيل حياته, 
حيث يقول «ورعاية الله شاملة لمن عرفته ببغداد. فلقد أفردوني بحسن المعاملة: وأثنوا علي في الغيبة, 


54 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


ل 








وأكرموني دون النّظراء والطبقة. وبا آنسوا تشميري للرّحيلء وأحسّوا بتأهبي للظعنء أظهروا كسوف بال» 
وقالوا من جميل كل مقالء وتلفّعوا من الأسف ببرد قشيبء وذرفت عيون أشياخ شيب... والله يحسن 
جزاءهم: إن كان ما فعلوه حفاظا فهو منّة عظيمة, وإن كان نفاقا فهو عشرة جميلة»077. وما ضر المعري 
ألا يعلم أن ما في صدور الناس نفاقٌ ورياء أم مَحَبّةٌ خالصة؟ 

بالشك وحده «حققت الفلسفة تقدما من نوع غير معتاد؛ لأنه لم يتمثل في إجابة الأسئلة بل في طرح 
أسئلة أفضل. فحين بدأ فلاسفة اليونان القدماء يتساءلون: مِمَ صُنعَ العالم؟ وكيف جاء إلى الوجود؟ لم يَصلوا 
إلى الإجابة الصحيحة لكنهم اكتشفوا العقل الذي من خلاله أثبتوا وجود نظام كامن خلف وقائع الحياة 
اليومية غير مرثئي للعين المجردة. لكن ما المقصود بنظام الطبيعة؟ فكان الجواب الطبيعي إِنَّ نظاما للطبيعة 
نمّ عن عقل تنظيمي وهو الله»9©. واستفاد كلّ جيل من شكوك وتجارب الجيل الذي سبقه. 

وليس المعري الشيخ الشَّكَّاك المتأرجح بدّعا بين المفكرين الذين عانوا لحظات الحيرة والشك والقلق في 
طريقهم إلى اليقين”. إلا أن المعري لم يخفٍ شكوكه, لذا تَجِدُ له أشعارا تحتمل الطعن في عقيدته وتثير 
الشبهات. ولم يستطع أبو العلاء أنْ يهتدي إلى المنهج في كثير من المسائل. فَشَكُ وانّسَعَ عليه الشك حتى جعله 
لا يؤمن بيقين. وعبّر عن ذلك في مرثيته لأبيه, إذ يقول: 


طَلبتُ يقينا من جُهّينة عنهم ولن تخبريني يا جُهَيْنُ سوى الظن 
فَإِنْ تَعْهديني لآ أَزَالُ مُسَائلا قَإِن لَمْ أغط الصَحِيحَ فَسْيَهْنِي0) 


ما مقولات ما بعد الحداثة؟ «الشك المتعلق بالوجود. والرواة غير الموثوق بهم»7!”. من التشكيك 
والاختلاف. يبدأ العقل محاولا تحقيق الأفضل. الاختلاف شرط الوجود الإنساني وأخطر أسراره2. والإيمان 
والشك وجهان لعملة واحدة. مسألتان شخصيتان بحتتانء لا يمكن للسلطة الدينية أو الدنيوية فرضّهماء لكن 
إذا خرجت الشكوك عن حدودها الفردانية, انهارت ثوابت المجتمع بحسب ديكارت. وانهارٌ الإنسان لأنَّ 
الشكٌ يُضْمِرٌ الهم والحزن والقلق. 

المعري لم يُطق حالة الخمول الذهني العام التي غرق فيها ا مجتمع من جرّاء غياب التشكيكء فلا يفعلون 
شينا غير انتظار الفرج من السّماء ترسلّ لهم الإمام المنقذ العادل؛ يقول: 


يزتجي الناسٌ أن يقومَإمسامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرْساءِ 
كَدَبَ الظنُ لا إمامَّ سوىال عقلٍ مشيا في صبْحه ولمساءِ 
إنها هذه المذاهبٌ أسبابٌ لجذب الدنيا إلى الرَوْساءِ 
كالذي قامَ يجمعٌ الرّْنجَ بالبصرة ولقَرْمَطيٌ بالأحساء 
فانفردْ ما استطعتّ فالقائلٌ الصادقٌ يُضحي ثقلا على الجُلساء(43) 


85 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


37 








بنية المجتمج الفخولي 

المجتمع الفحولي ليس صفة للمجتمعات الشرقية فقطء فهذا توما الأكويني يصف المرأة بأنّها «رجل 
ناقص... وتقول سيمون دو بوفوار إِنَّ الرجل هو الذي يعطي المرأة وجودها وماهيتهاء وهو ما كان يقصده 
ميشيليه حين وصف المرأة بأنّها كائن نسبي... وإتما كان تاريخها وماضيها ودينها هو تاريخ الرجل وماضيه 
ودينه. وأنهن يعشنّ دائما موزّعات بين الرجال» 440 
المعري عاش زاهدا في الدنيا والنساء. كانت قسوته شديدة على النصف الآخر من المجتمع: فالأمٌ ماتت, 


ولا زوجة ولا شقيقة: 


بده السعادة أنْ م تُخْلّقٍ امرأةٌ فهل تود جُمادى أنها رَجَبٌ؟ 
وما احتجبت عن الأقوام من نُك وإنهما أنت للتكراء مُحتحبٌ(45) 


الخطيئة الأولى التي أخرجت أبونا آدم من الجنّة. لم تقع حين كان فردا. 
يقول المعري لعلقمة بن عبدة: «لو شفعت لأحد أبياتٌ صادقةٌ ليس فيها ذكر الله سبحانه. لَشََعَتَ لك 
أبيائك في وصف النّساء: 


فإن تسألوني بالنساء فإنني بصيرٌ بأدواء النثساه طبيب 
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له في ودّهنٌ نصيب 
يُْردْنَ ثراء المال حيث علمنه وشرخ الشباب عندهِنٌ عجيبُ» 06 


امعري يعتبر النساء دون الرجال في العقل. وهو ليس موقف عصره فقط. بل عصور مضتء ودون الرجل 
في المروءة والكرم والشجاعة وعدم الإنصاف في الود أيضاء يقول المعري: 


ومن صفتت النساءِ قِدُما أنْ لسن في الود مُنصفات(7) 
يقول ا معري: 

إن الرجال إذا لم يحمها رَشَدُ مثل النّساءِ عراها الخُلْفٌ والخُلّفٌ 

ألا تَرَى جَمعَ ما لا عَقَلَ يُسندُهُ جَمْعَ ا مؤنّث فيه التاءٌ والألفُ؟(08) 


والمعري يعتبر النساء فتنة: 
ألات الظلم جين بِقَّرٌ ظلم | وقد واجهشسا مُتَظَلُمسات 
فوارس ا أعلم غَيَ لقينك بالأساور معلمات9) 
عاين المعري خلال إقامته في بغداد الدور الكبير الذي لعبته الجواري والقيان في إفساد المجتمع, ودخولهن 
مع أشقَائهنٌ وأزواجهن وأبنائهنّ معترك الحياة الثقافية والسياسية با مؤامرات والاغتيالات وكثرة الانقلايات 
التي أطاحت بهيبة الدولة20. وفي هذا يقول المعري: 


56 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


اي 0 





يفندن الحليم بغير ثب وَهُنّ وإِنْغَلين مفندات 
وقد يفقدن أزواجا كراما ١‏ فياللنسوةالمتأيهات! 
يلدن أعاديا ويكن عارا إذا أمسين في المتهضمات!5) 
والمرأة إذا تحصّلت لها السلطة ابتغت ما يبتغي الرجال من المتعة واللذة من المرأة. لا بوصفها إنسانا 
بل بوصفها مادة لا عقلّ لها ولا مشاعرء يقول المعري: 
فجدعٌ حَل في أَذيّ غلام ‏ أبَرُ لدي من قُرْط وشَنفي62) 
في مجتمع أحلّ الرجال لأنفسهم ما حرموه على المرأة. تقول علية بنت المهدي شقيقة هارون الرشيد: 
تَعللؤْاثم تسنطبع 2 وتلهؤئم تف تح 
وَنَمْمَحٌ في لذادّتِنا فَإِنْ الْقَوْمَ قد جَمَحُواالةة) 
رأى أرسطو أن الفضيلة الوحيدة للمرأة هي الإنجابء ومن قبله المجتمعات القديمة منحوها صفة 
الخصب والألوهية» المعري يسلبها إيّاها: 
كوني الثريا أو خَضارٍ أو ال جوزاء أو كالشمس لا تلد 
فتلكَ أشرفٌ مِنْ مُؤنثة تَجَلَتْ فضاقّ بنسلها البلدٌ!54) 
هل التناسل من فعلٍ المرأة وحدها؟ لاذا تتحمّل هي المسؤولية كاملة؟ ويقول المعري: 
ليَذْمُم والدا ولد ويَعثُبْ عليه فبئسٌ عَمرِي ما سعى لَهُ 


أتدري والحَياةً لها صُروفٌ 2 با يَلقاكُ جِروْكِ يا تُعالة؟ 
فمنْ ضار يمَرْقٌ منه شلوا ويعطي فَضل أكرْعِه جُعَالَهُ 
ومن صقر يَقولُ له: رويدا ومن شرّك يَصيحٌ به: تَعَالَهُ 


وما في الأرض من أحد غنيّ ولكن كلّنا فقراءٌ عالة(55) 
ويحذر المعري من فتنة الاختلاط قد يطمح الرجل العجوز إلى إغواء الفتاة صغيرة السن, تطمح المرأة 
العجوز إلى إغواء المراهق» يقول المعري:١‏ 
إذا بلغ الوليد لديك عشرا فلا يدخل على الحرم الوليد 
فإن خالفتني وأضعت نصحي0 فأنت وإن رزقت حِجََى بليد6) 


فلسفة المكري 
حاول كبار الفلاسفة استخدام الشعر وسيلة لنشر فلسفاتهم؛ لأنَّ «الدروب التي تؤدي إلى التساؤل 
الفلسفي. أسوة بتلك التي تفضي إلى التأليف الشعريء تجتاز كلها غابة دغلة من النصوص»7". غابة لا 
يجتازها إلا مُفكّر متدبر, المعري لا يريد قارئا كسولاء ويعرف ما قد يجره عليه سوء الفهم: 
وَمَنْ تأمل أقوالي رأى جُمَلا يظل فيهن سر الناس مشروحا(ة6 


87 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


م ل ع 1ن 





ما كسبه شعر المعري مِنْ الفلسفة خسره من الجانب الجَماليء كذلك «يدرك موريلي أن مجرد الكتابة 
الجمالية ما هي إلا شعوذة وكذبء الأمر الذي يستثير القارئ الأنثى. أي ذلك النمط الذي لا يريد مشاكلء 
بل يريد حلولاء أو مشاكل زائفة بعيدة عنه تهيئ له المعاناة المريحة وهو جالس على الكرسيء ودون أنْ 
يكون ضالعا في الدراما التي يجب أن تكون الدراما الخاصة به أيضا... سعيدٌ ذلك الذي يجد الثنائي الخاص 
به. وهم القراء النشطون»677. 

وإذا كان التمييز بين ما هو شعر وما هو ليس بشعرء وهذا صلب اهتمام النظرية الأدبية ا معاصرة: فإِنَّ 
تلميذه التبريزي قد ذكر «كنتٌ أسأل المعرّي عن شعر أقرأه عليه فيقول لي: هذا نظمٌ جيّدٌ. فإذا مَرٌ به بيت 
جيدٌ قال يا أبا زكريا هذا هو الشُعر»60©. 

هيدجر وهو يقرأ بيت شعر للشاعر الأمريكي جورج أوبن «حيث تخفق الكلمة يمتنع الوجود»» أعادّ 
كتابته بالضد تماما «يُّقدّم الوجود نفسهٌ هناك. حيث تخفق الكلمة». وبالتأكيد «لا يطالب هيدجر بمهمة 
الوجود شخصيا خارجء أو ما وراء وساطة الكلام. وكأن على تحطّم القول الذي يحدث في الشعر: أنْ يقودنا إلى 
الأشياء ذاتها»6!7. كأنَ المترجمة فاطمة الجيّوشي لا تعلم أنَّ للفعل خفقٌ معنيان: أخفق يخفق بمعنى فشل, 
وذكر الأزدي في جمهرة اللغة «خَفق النّجُم يخفق خفوقا إذا أَضَاء وتلألأ». وذكرٌ الفراهيدي في عينه «خفق: 
الخَفْقُ: ضربك الشيء بالدرة, أو بشيء عريض. والخَفُْقٌُ: صوت النعل وما أشبهه من الأصوات. ورجل خَفَاقٌ 
القدم: عريض باطنها. والخفقٌ: اضطراب الشيء العريض. يقال: راياتهم وأعلامهم تَخْفِقُ وتَخْتَفْق. وهن 
الخوافق والخافقات. والخَفَقَانُ: اضطراب القلب. من خفة تأَحُذ القَلْبَء تقول: رجل مَخْفوقٌ. وَالخَفَقانٌ: 
اضطراب الجناح. وأَخْفَقَ الرجلء إذا ذهب يرجو شيئا فرجع خائبا», والآن نحن أمام جملتين متناقضتين: 

الشاعر: حيث تفشل الكلمة. يمتنع الوجود. 

الفيلسوف: حيث تتألق الكلمة ممتنع الوجود. 

يستنتج هيدجر «أنّْ التجربة الجمالية الخاصة لا تستطيع غض الطرف عن الطابع الشيئي للعمل 
الفني... العمل الفني شيء مصنوع لكنه يقول شيئا آخر غير الشيء المجرّد في حدٌّ ذاته... يوحي بشيء آخر 
ِنّهُ المجاز... العمل الفني رمز... إذا كان العمل الفني شيئا فإِنّه يلازمه شيء آخر. في هذه الحالة فقط يمكننا 
الحكم على ما إذا كان العمل الفني في أساسه أمرا آخر ولا يكون شيئا أبدا»2). «وعلى مقربة من العمل 
الفئّي نكون فجأة في مكان آخر غير المكان الذي نكون فيه عادة»77). ثم يستدرك هيدجر مُنبّها: «ما الذي 
يجري عمله في العمل الفني؟ إِنَّهُ انفتاح الموجود على وجوده: هو حدوث الحقيقة»690©. 

أراد المعري من شعره أنْ يواصل الانفتاح على أسرار الناس» وهو الوجود الداخلي. ووفق الشاعر فرناندو 
بيسوا «الحقيقة الوحيدة في الحياة هي الأحاسيس. أما الحقيقة الوحيدة في الفن: وعي تلك الأحاسيس»(553, 
المعري استخدم الشعر كأداة لتوعية الثاس بصدق أو زيف أحاسيسهم. لم يكن الشعر عند المعري وسيلة 
للارتزاق أو التسلية, وقد ذكرٌ ابن سنان «ومازلت أسمع أبا العلاء يقول: إِنَّ مِن الشعر ما يصل إلى غاية 
لا يمكن تجاوزها» ,. قد يحقّق بعص الشعر غايات أخلاقية أو سياسية لا يمكن للنثر تحقيقها(©. وكان 


88 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 
2 يو لل 605 ربب 6 صرب يار 





شعره نقدا للمجتمع العربي ولثقافته وتاريخه وطرق تفكيره. منذ جاهليته مرورا ببقية العصورء التي قرأها 
واستوعبها حتى قال مفتخرا بما قرأه: 


ما مر في هذه الدنيا بنو زمن إلا وعندي من أخبارهم طرف 
إذا شَقِيتَ فجسمٌ نالَهُ تَصَبٌّ وإنْ تَرفتَ فماذا يَنقَعُ الترف؟(68) 


لفظة الفلسفة دخيلة, أخذها 9 من اليونان» وانتشرت بعد انتشار كتب أرسطو وأفلاطون. صار 
للكلمة أهمية وشهرة. وصار كل واحد يرغب في بلوغ مرتبة الفيلسوفء باعتبارها أعلى مرتبة: لم يجد المعري 
وسيلة لنشر فلسفته. أفضل من الشعرء لإشهار أمراض المجتمع الذي عاش في كنفه. من تنوع قراءاته وتبحره 
أقام فلسفته على رؤية عميقة وصارمة في الزُهد أو اللامبالاة بما يسعى الناس وراءه. يقول الطعري: 


تُطِيبُ جاهد وتُعَلُ دوني قما أغناكَ أنكَ فقَيلّسوف؟ 
فك سَلِمَ الجهولُ من المنايا وعُوجِلٌ بالحمّام القيلسوف؟69) 


إذا كانت الفلسفة «ما هي إلا إطلاق الفرضيات أمام مسائل لا يمكن لأحد الحسم فيها بطريقة نهائية, 
من الناحية المعرفية»79». فما هي الفرضيات التي أطلقها المعري؟ أينَ هي فلسفة المعري؟ سؤالان يحيلان 
إى: اذا نتفلسف؟ إذا كان العلم إدراك كنه الشيء إدراكا جازماء إنَّ الفلسفة إدراك الشيء إدراكا مُفترضَاء 

هل يوجد نقد بلا فلسفة أو فلسفة بلا نقد؟ يقول العروي «علامة الفكر الحديثء هي أُنّهُ يجعل من 
كل قضية مسألة معرفية لا يوجد فكر حديث وبجانبه نقد. بل الفكر الحديث كله نقد»!!7. 

شعر المعري كله نقد لذا فهو يأمل في متلقيه أنْ يهتمّ بالمعنى أكثر. ويكمل «رفضتٌ الشعرٌ رف 
السّقبَ غرسَه والرأل تريكته. والغرض ما استجيز فيه الكذب... فأمًا الكائنُ عظّة للسامعين وإيقاظا للمتوشن 
وأما بالتحرز من الدنيا الخادعة... فهو إِنْ شاء الله مما يلتمس به الثواب. وأضيفٌ أن مَنْ سَلَكَ هذا الأسلوب 
ضَعْفَ ما ينطقٌ به من النظام, لأنّه يتوخّى الصادقة ويطلب من الكلام البرّة. ولذلك عُْفَ شعر أمية بن أبي 
الصلتء ويروى عن الأصمعي أنَّ الشعر بابٌ من أبواب الباطل فإذا أريد به غير وجهه ضَعّف»72. صبّ 
المعري شكوكه في قوالب شعرية بحثا عن أشياء عميقة الخفاءء. إذ يقول: 

ولكن القريض له معان وأولاها به الفكر الخلت(73) 

يقول طه حسين: «الأستاذ نيكولسن يرى إذن من الإسراف وصف أبي العلاء بأنّه فِيلَسُوفُء ووصف 
اللزوميّات أنه كتاب من كُتب الفلسفة. ومع ذلك فأبو العلاء فيلسوف وكتاب اللزوميات كتاب فلسفي 
ما أشكُ في ذلك ولا أتردد في إعلانه والجدال عنه. وكل ما في الأمر أننا مُحْتَاجُُون إلى أنْ نَتُفق على معنى 
الفيلسوفء وعلى معنى الفلسفة حين تُضيف إليها كتاب كاللزوميات»22. نيكولسن ليس من اختصاصه 
تمييز ما هو فلسفة عما هو ليس بفلسفة. الفلسفة هي حدوث الحقيقة. وتستمر منافحة طه حسين بإيراد 
الحجج ومحاولة دحضها «وأخص ما يحول عنده بين أبي العلاء وبين لقب الفيلسوف أنّه لم يُقم لنفسه مذهبا 
فلسفيا واضح الإعلام؛ مُتميز النواحي مُتصل الأجزاء. نستطيع أن نبينه ونرسم حدوده كما نبين المذاهب 


59 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


عه 





الفلسفية ونرسم حدودهاء حين نتحدث عن أفلاطون أو أرسطو طاليس أو أي فيلسوف من فلاسفة العصر 
الحديث»050, 

قلَّما نجد فكرة من أفكار المعري إلا ونجد لها صدى في الفلسفة الحديثة أو القديمة, والفكر البشري 
واحدء وتوارد الخواطر جائزء فرهان باسكال الشهير على وجود الله نجده بصورة واضحة في قول المعري: 

ِنْ صَحّ قولكما فلستٌ بخاسر أو صَحْ قولي فالخَسارٌ عليكما 

بدأت دعوة جميع الحكماء بالاهتمام بنظافة القلب وتزكية النّفسء وغالبا ما يهتم الإنسان وينشغل 
بنظافة ثيابه. وقلبه متخم بالنجاسات والأكاذيب. ويقول المعري: 

إذا الحَيوانُ قُضَ العقلٌ منهٌ قما فضل الأنيس على التّمال؟77) 

الإنسان لم يفضل الحيوان إلا بعقله, فأيّ فضل يبقى. إذا قام بتعطيله؟ وللإنسان جانبان: الحيواني في 
الجسدء والإنساني في الروح أو القلب أو النُّفسء وغالبا ما يهتم الناس بنظافة ثيابهم وأبدانهم أكثر من 
اهتمامهم بنظافة قلوبهم وأنفسهم. 

ا معري تفلسف في رؤيته للشعر بربطه بمدى تأثيره بمشاعر المتلقي» الشعر عند المعري ليس الوزن 
والقافية فقطء بل كلام مشروط بقبول المتلقي على شروط لم يفصح عنها «كلامٌ موزون تقبله الغريزة 
على شرائطء إن زاد أو نقص أبانه الحسٌء وكان أهل العاجلة يتقربّون به إلى الملوك والسادات»790) فما 
تقبله الغريزة شعرء وما لا تقبله مجرّد كلام موزون ومقفّى لكنه ليس شعراء فالمتلقي مركز شروطه التي 
ذكرها إجمالا وم يُفضّلء المعري لم يكن شاعرا أبداء بل كان ناقدا مُفكْراء م يجد ما يعبر به عن فكره 
أفضل من الشّعر, لأنَّ الشعر أقرب إلى المجتمع في ذلك العصرء والشعر العربي تطور محاولا مواكبة 
السياق الثقافي للعصرء والمعري جاء في سياق التوق إلى حرية التفكير. وقد وَصفٌ في خطبة سقط الزند 
إقباله على الشعر شابا وإدباره فيما بعد «وقد كنثٌ في ربّان الحداثة ماتلا في صفو القريض أعتده بعض 
مآثر الأديب... ثم رفضته رفضٌ السّقب غرْسَهء والرّأل تريكته. رغبة عن أدب معظم جيده كذب... 
والشّعرٌ للخَلَدِ كالصورة لليد يمثل الصانع مالا حقيقة له. ويقول الخاطر ما لو طُولِبَ به لأنكرّةُ ومطلقٌ 
في حكم النُظم دعوى الجبان أنه شَجُيع. ولبس العرّهاة ثياب الزّير... والجيد من قيل الرجل وإنْ قل, 
يغلب على رديئه وإِنْ كَثر مالم يكن الشّعر له صناعة ولفكره مَرنا وعادة»27). هذا الخطاب لم يأتِ من 
لا شيء. بل نتج عن ممارسة وظائف الشّعر الاجتماعية بوعي يؤشّر الأفعال المستساغة وغير المُستساغة 
التي يقوم بها الشاعر. 

كما التزم المعري في شعره بفلسفة أخلاقية أفصح عنها في مقدمته التي كتبها لديوانه «أنشأتٌ أبنية 
أوزان» توخيت فيها صدق الكلمة ونزهتها عن الكذب والَيّْطء وأرجو أنْ لا تُحسب من السّميطء فمنها ما هو 
تمجيد لله الذي شَرْفَ عن التمجيد. ووضع المتّن في كلّ جيد. وبعضها تذكير للناسينء وتنبيه للرّقدة الغافلين, 
وتحذير من الدنيا» 00 
حاول المعري مسايرة قواعد المجتمع الذي عاش فيه بحثا عن الحقيقة, فلما مم يجد ذاته ولا الحقيقة 


50 


سوسيولوجيا الشك 


.. المعري الشاعر ناقدًا 





حو وي وا كتوق وات فم 20 


التي يبحث عنها اعتزلهم. يقول المعري: 
على الكذب اتّفقنا فاختلفنا ومن أسنى خلائقكَ الصُموتُ(81) 


وقوله 


أيضا: 
وَلَمَا رَأَيْت الْجَهْل في الْنّاس قاشيا 


تُجَاهلت حتى قيل أني جاهل67) 


و طبقة الأدباء والمثقفين هم الذين ينشرون هذه الأكاذيب: 


وما أدب الأقوام في كل بلدة إلى اين إلا 


يقول المعري نافيا فضل الزهد عن نفسه: 


وم أَعْرضُ عن اللَذّاتِ إلا 


معش أدباء(83) 


لأنّ خيارها عَنِي ختسته حَتَسِدَ خَيَسِنَهِ (84) 


من عادة العباد والرُهاد والفلاسفة ذم أنفسهم والحطّ من قدرها خوفا من الغرور والإعجاب بالنفس(85, 
يقول المعري: «عَلِمَ ربّنا ما لا نعلم, له الحمد ولنا الذم. ما أشبه معين الظال به»660. 
وقوله «وأجدني ركيكا في الدين ركاكة أشعار المولدين»77) وقوله شعرا: 


ِنْ مدحوني ساني مدحهم 


جسمي أنْجاسٌ فماسَرَّنٍ 
وقوله: 
أشهدأني رجلٌ ناقص 
جئثٌ كما شاء الذي صاغني 
وقوله: 
تقد عَلِمَ اللَهُ رَْ الكقمالٍ 
أن التَجَمْلَ قد ضاق بىي 
قد خاب مَن يَبتَغي نُصرّقي 
وقوله: 
وأكرّمَني على عَيبي رجالٌ 
وقوله: 
أ طَلَبِتُمُ أدبا لدي وم أَزَلْ 
وقوله: 
فلا تمد حاني يمينَ الثناءِ 
وقوله: 


مَنْ لي أن أقهِمَّفي بلد 

أقرزثُ بالجهلء وادّعى فَهَمي 
ماع م 

والحق أني وأانهم هدر 


وخلثٌ أني في الثرى سٌ 5-5 
أي بمشك القول صم :(88) 


لا أدّعي الفَضْلَ ولا انْتَحِلْ 
ومن يَصفْنِي بجميل يُحِلُ(9؟) 


بِقِلّةَ علمي وَديني وَمالي 
فَكَيفَ أنافِسٌ أهلّ الجَمالٍ 


وَعاجِرّةٌ عَن تميني شمالي 2 
كما روي القَريضُ على الرّحافي9”) 
منهُ أعاني الحجرٌ والقفليسا؟92) 


فأَحْسنُ من ذاكَ أن تَهجُواني3) 


لحم 83 
أذكر فيه بغير ما يجب 


قوم فأمري وأمرّهم عجَبُ 


تُ نجيبا ولا هم نُجُبُ و (94) 


921 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


اد 





ويقول المعري: 
وأشهّدُ أثني غاو جهولٌ وإن بالَغتُ في بحث ودّرس 
ويسخر المعري من نفسه ويتنقص منهاء خلاف لقبه: 


)95( 


دُعيتٌ أبا العلاء وذاكَ مَيْنُ ولكن الصحيحٌ أبو النزول 060 
وقوله: 

وأحمدُ سمّاني كبيري وقلتما فعلتٌ سوى ما أستحق به الذّم(97) 
وفي لزومياته يسخر ممن تخدعهم الأسماء: 

يُعَيرنَا لفظً المعرّة أنها من العَرٌ قوم في العلا غُرباءُ 

وَهَلْ لَحِقَ التغريبُ سُكَانَ يثرب من الناس لا بل في الرّجال غباء!(98) 
وكان ومازال الناس يعؤلون على الألقاب والمسميّات. يقول العري ساخرا: 

وقالوا بدا المشتري في الظّلام فيا ليتَ شعري ماذا اشترى؟79) 
ويقول أيضا: 

تلقّبَ مَلكّ قاهرا من سَفاهة وللّه مولاهُ الممالكٌ والفّهرٌ 

أتغضبُ أنْ تُدعى لثيما مُذَّمّما وحَسبّكَ لؤما أن والدّكَ الذهرٌ 

تَرّوَج دُنياهُ الغبي بجهله فقد نَشَرَتْ من بعد ما قُبِضّ المهر(190) 


ربما قصد الخليفة القاهر بالله العباسيء سُحِنَ أحدّ عشرٌ عاما ثم مات متسؤلا في بغداد. بعدما خلعه 
جنده وسَملوا عينيه. انتقل المعري من ذَمّه نفسَةٌ إلى ذم النّاس جميعا: 


خَسست يا أمّنا الدنيا فأف لنا بنو الخسيسة أوباشٌ أخساءٌ 
وقد نطقت بأصنافٍ العظاتٍ لنا ١‏ و«أنت فيما يظن القومٌ خَرساء!1"1) 


ويقول المعري «فإن سكثٌء جاز أن يَسبق إليّ الظن الحسن. لأن السكوت ستر يسبل على الجهولء وما 
أحِبُ أن تفتري علي الظنون كما افترت الألسن في ذكرها أني من أهل العلم»2'"2. والمعري يتعجّب من 
قصور عقول الناس: 
وقد علمنا بأنا في عواقبنا إلى الزوال ففيم الضَعْنُْ والحسدٌ؟ 
وهكذا كان أهل الأرض مذ فطروا فلا يظن جهول أنهم فسدوا(193) 
ويبحث ال معري في أصل الشرّ: 


والشر في الجد القديم غريزة 2 في كل نفس منه عرق ضاربٌ140) 
يقول المعري: 
ونحنُ في عام صِيْعَتْ أوائله على الفساد فَعَيّ قولنا: قسدو(192) 


وفي رسالة الغفران يعتبر القسوة في الهجاء مادام صدقاء طريقا إلى الشفاعة والمغفرة «مَنْ أنت؟ أنا 
الحطيئة العبسي فيقول: بم وصلت إلى الشفاعة؟ فيقول بالمنُّدق... ما شأن الزبرقان ابن بدر؟ 


52 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





فيقول الحطيئة: هو رئيسٌ في الدُّنيا والآخرة. انتفع بهجائي وم ينتفع غيره بمديحي». ودقَالَ القّاضي أَبُو 
يُوسّف عبدالسّلام القزوينِي قَالَ لي المعري لم أهج أحدا قط قلت لَهُ صدقت إلا الأنبيَاء عَلَيْهم السَّلَام فتغير 
ونه أو قَالَ وَجهه»9؟, فإذا كان يتورّعٌ عن هجاء شخص بعينه, كيف يتجرأ على هجاء الأنبياء؟ وإذا كان 
قد فعل فلماذا يتغير لونه حين يقولون له قد فعلت؟ 
وربما هذا أحد أسباب قسوته وتشاؤمه إذا أراد بهما طوق النجاة. فكيف ننتظر منه الرفق بالمجتمع؟ 
وله في الحزن مذهبٌ يجد جذوره عند فلاسفة الإغريقء يقول المعري: 
وما أنا بالمحزون للذَارٍ أوحََتثْ2 ولا آسف إثر المطيّ إذا رما 
وم يكف هذا الدّهرّ ما حَمَلَ الفتى منّ الثقل حتى ردَّهُ يحملُ الهَمًا 
ولو كان عقلُ النفس في الجسم كاملا لما أضمَرَتْ فيما يُلمّ بها عَم(0197, 


عقلانية المهري 
من أزمة المجتمع الذي يضفي الشرعية على تقاليد وأنظمة لاعقلانية في مناخ سياسي قلقء وُلِدت عقلانية 
المعري. فاختار لنفسه غُربة مزدوجة, إذ يقول: 


هِيَ عُربتان فَكْربَةٌ من عاقل ثم اغترابٌ مِنْ مُحَكُم عقله/*19) 
وبدلا من الانشغال بخصومات وجدل غير مجد, انشغل بالقراءة والتأليف: 
تعاطوا مكاني وقد فقُتّهم فما أدركوا غير لمح البصرٌ 
وقد نبحوني وما هجتهم كما نبح الكلبُ ضوء القمرٌ192) 
وكان لهذه المعاينات شواهد من قبل رحلته إلى بغداد حيث يشكو في سقط الزند: 
ويَطْعَنُ في عُلايَ وإنْ شعي لَيَانَفْ أن يكونَّ له نجادا 
ويُظهرٌ لي مَوَدْتَهَ قتقالا ويُبغْضْني صَميرا واغتقادا 
فلا وأبيكَ ما أَخْقَى انتقاضا ولا وأبيك ما أزجو ازديادا 
لي الشَرَفُ الذي يَطَأ اليا مع القَضْلٍ الذي بَهَرَ العباد(110) 
ورد كثيرون على أشعاره وعارضوها!!!!". ويقول أيضا 
إن م يكن رشد الفتى نافعا فَعَيَهُ أنفع من رشده 
براجماتية قديمة ربط العقل با منفعة. من خلال التأكيد على دور العقل في التوجيه والتخطيط لأفضل 
الطرق من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. ربمما يقول البعض: المعري بماذا انتفع من عقله؟ انتفع الثناء 
الحسن وكتبه تقرأ في أنحاء العام ويزداد الاهتمام بهاء جيلا بعد جيلء بينما كثيرون من أمثاله اندثروا وم 
يعد أحدٌ يذكرهم» يقول المعري: 
وليسّ على الحَقائقٍ كل قَولي ولكنْ فيه أصنافٌ المجاز 


)112( 


523 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





لعل الرَافدَين ونيل مصر يَحْرْنَ فيَنتَقلْنَ إلى الحجاز(113) 
يُعلي امعري من شأنٍ العقل ليصل به قريبا من درجة النبوة: 

أيها الغرّ إِنْ خُصِصْتَ بعقل فاتّبعْهُ فكل عقل نبي(4!!) 
يقول المعري: 

تَذَكْرْكِ الثُويَّةَ من ثُدَيّ ضلالٌ ما أردتٍ به ضَّلالا 

لَوْ أن اطي لها عُقُولٌ وَجَدّكِ لم نَشُّدَ بها عقالا(ة!") 


يقول التبريزي في شرحه «أصلٌ الضَّلال غيبة العقل والرأي»9!!). إذا غاب العقل ظهرّ الصّنمء كما كانوا في 
الجاهلية» وكلما غاب العقل ظهرت جاهلية بثوب جديد. ظهر الطاغية الذي «ليس له إلا عينان ويدان وجسد. 
وهو لا يملكُ شيئا فوق ما يملكه أقلكم... فأنّ له بالعيون التي يتبصَّصٌ بها عليكم إِنْ م تقرضوه إياها؟ وكيف 
له بالأكفٌ التي بها يصفعكم إِنّْ لم يستمدها منكم؟ أ له بالأقدام التي يدوسكم بهاء إِنْ لم تكن من أقدامكم؟ 
كيف يجرؤ على مهاجمتكم لولا تواطؤكم معه؟ أي قدرة له عليكم إِنْ لم تكونوا حماة للص الذي ينهبكم. 
شركاء للقاتل الذي يصرعكم. خونة لأنفسكم؟»1!7!'. وَمَرَدُ ذلك أنَّ العقل يحقق العدالة والود والأخوة, بينما 
«الظلم يخلق الانشقاق والبغضاء والتشاحن بين الناس... يجعل كل منهم يبغض غيره ويُفرّق شَملهم ويشل 
أيديهم عن كل عمل مشترك»!9!!) وعدم الأخذ على يد الظالم, بمنعه من الظلم السبب الرئيس لفساد الأرض, 
وأنَّ الغرب أفضل من الشرق بامتناعهم عن ظلم الملوك”!!). والمعري لا يشرب الخمر لأنّها تذهب بالعقل: 


يقول الناس إِنَّ الخمر تودي بما في الصّدرٍ من هَمْ قديم 
ولولا أنلها باللبٌ تودي لكنت أخا المدامة والنديه(120!) 


لا يبدأ الإصلاحٌ إلا بإصلاح العقل, إذا صَلحَ العقل الفرديء صلحّ العقل الجمعيء و«لا يمكن للعقل 
أنْ يكون شيئا حياديا... فهو يعكس في كل لحظة درجة المعقولية واللامعقولية العيانيتين لحالة اجتماعية 
ولانّجاه تطورء ويستطيع بذلك أنْ يُسهّل أو يوقف تقدمه»1”". 


يقول المعري: 
الفكرٌ حَبِلُ متى مْسَكْ على طرّف منه يُنَطْ بِالثرَيًا ذلكَ الطَرّفُ 
والعقلُ كالبحر ما غيضّث غَوارِيُهُ شيئا ومنة بَنُو الأيَام تغترف 


أبني بجهايّ دارا لست مالقها أقيمٌ فيها قليلا ثم أنصرفْ(122) 
الإعلاء من شأن العقل بدأ مع أفلاطون في محاوراته. حيث أناط بالعقل واجب ضبط الشهوات لتحقيق 
العدالة الفردية كشرط رئيس للعدالة الاجتماعية(23). أرسطو اعتيرٌ العقل «أرقى قوة, فالعقل يستطيع 
إدراك ماهيات الأشياء وخواصها التي لا تتغير... لأنَّ كل معرفة هي معرفة الكلي. وعلى هذا النحو يكون 
العقل المنفعل بممنزلة مادة للعقل الفال»1249), 
أناط بالعقل واجب الإصلاح أو تصحيح الأخطاء. ثم عاد القهقرى ليعترف بعجز العقل في إثبات ومعرفة 
أمور غير قابلة للتجربة, ليس الخوض فيها إلا مضيعة للوقت؛ كذلك اعترف هيدجر بعد مقدمة دورانية 


924 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


يي 





كأصل الدجاجة والبيضة «من السهل على كل إنسان أنْ يلاحظ أننا نتحرك في دائرة. والعقل اللعتاد يتطلب 
أن نتجنّب هذه الحلقة لأنها مخالفة للمنطق»(123), 

لولا عجز العقل ا بقي للوحي نفعٌ ولا ضرورة ولا مصداقية. حيث إِنَّ الواجب الرئيس للوحي بيان 
وتأكيد قصور وعجز العقل البشري عن إدراك وفهم كنه الروح التي تسكنه 2*9 ولعجز العقلء استعانَ 


المعري بعقول أخرى: 
سألتٌ عَقلي فلم يُخْبِرْ وقلثٌ له سَلٍ الرّجالّ فما أَفْتَوَا ولا عرّفوا 
قالوا فمالوا فلمًا أن حَدَّوْتُهُمُ إلى القياس أبانُوا العجرّ واعترفوا!127) 


الإنسان يغرق حال انهماكه بأسئلة الميتافيزيقا حول المطلقء ولهذا ظلّ سقراط حذرا خائفا الاقتراب 
من الميتافيزيقاء وعن ردّة فعله عند اقترابه يقول «ما كنت أبلغ هذه النقطة حتى أحيد عنها بأقصى سرعة 
خشية الضياع والسقوط في هاوية من الترّهات». فيجيبه بارمنيدس «ذلك لأنّكَ مازلت صغيرا يا سقراطء ولأنَّ 
الفلسفة لم تستول عليك بعد بالقوة التي أحسبٌُ أنّها سوف تستولي يوماء وحينئذ لن تشعر في نفسك احتقارا 
لشيء»(22). ومن باب الميتافيزيقا الأحكام التعبدية(127). 


وفي قول المعري: 
جاءت أحاديثٌ إِنْ صَحّت فإنَّ لها شأنا ولكن فيها ضعف إسناد 
فشاور العقلّ واتركُ غيره هدرا فالعقل خيرُ مشير صَمّه النادي(130). 


دعوة خاصة وصريحة إلى تأسيس علم الرجالء أو ما يُسمَّى بعلم الجرح والتعديل والاهتمام به لخطورته, 
ودعوة عامة إلى تأسيس عقلانية تكافح ضد مجتمع يؤمن بالخرافات والتنجيم وغير ذلك؛ فالإعلاء من شأن 
العقل حق, لأنَّ في غياب العقل ليس تَمَةَ غير السكر أو الجنونء وهما مما لا تُحمد عاقبتهماء كتوكل المتصوّفة 
الذي تُشْجّع عليه السلطات الفاسدة على مر التاريخ, لأنّه يتضمن القبول والرضا بمفاسدهاء والإعراض عَن 
العقل والأشبَاب قَدحٌ في الشّرْعء وَإِنَا التَوكل الْمَأمُور به مَا اجتمع فيه العقل وَالشّدْع(131. 


يقول المعري: 
في كلّ أمركَ تقليدٌ رضيتَ به حتى مقالُكَ ري واحدٌ أحد 
وقد أمَرنا بفكر في بدائعه وإن تفكرٌ فيه مَعشَّرٌ لحدوا 
وأهلُ كل جدال يمسكونَ به إذا رأوا نور حقٌ ظاهر جحدو|(132) 


ويعترف بأنّ التفكير في آلاء الله وخلائقه من الكائنات والأشياء عبادة, والتفكر في ذاته قد يوصل إلى 
الإلحادء وهذا المعنى الشعري مشروح نثرا في رسالة الغفرانء إذ يقول المعري: «وقد تجد الرّجل حاذقا في 
الصناعة, بليغا في النظر والحجة, فإذا رجع إلى الدّيانة ألفي كأنّه عير مقتاد, وما يتبع ما يعتاد»1337), 
وقال عن مؤلفي الكتب إِنَّهم يؤلفونها طمعا في الشهرة والمال: 
لولا التنافسٌ في الدنياء لما وْضْحَتَ كنب القناطرء لا المُغني» ولا الحُمَدُ 
قد باغو في كلام بانَ زُحْرّفُهُ. 2 يُوهي العيونَء وم تَفْبْت له عَمَد 


25 





وما يزالونَء في شام وفي يمن 

فَذَّرْهُمُ ودَنايامُمء فقد شُغلوا 

ربما يقصد كتابي «المغني في أبواب التوحيد والعدل», و«العمدة» للقاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي» 
وكان الاعتزال سلعة رائجة في زمانه. وقال عن المتصوفة: 


والنْسكُ لا نُسكَ موجودٌ فَتَبغيَهُ 


يستنبطونَ قياسا ما له أَمَد 
بهاء ويكفيك منها القادرٌ الصَمِدَ(134) 


فعَدُ عَن فُقَهاءِ اللفظ مُرَاق1211) 


وهو يفرق بين ناسك مُراء مزيّف وبين ناسك بعيد الهمّة لا يرضى بنعيم زائل في قوله: 


إذا نهو اهنا 3د 
له سَجَدَ الشامحٌ امُشمّخيرٌ 
ومقغفرةٌ الله مَرْجُوَةٌ 
رأيثٌ بَني الدذهر في غغفلة 
فتُسكُ أناس لضعف العُقولٍ 


تُ مولى الموالء ورب الأمخ 
على ما بعِرْنينه مِنْ شَّمَمْ 

إذا حُبِسَتْ أعظّمي في الرَّمَم 
وليسثٌ جَهالتُهِمْ بالأقم 
ونْسَكُ أناس لبعد الهمّه©13) 


مارس ال معري الاختلاف والتشكيك. ثمّ دخل في تجربة العزلة: 


تجربةٌ الدّنيا وأفعالها حَنَتْ 
والقَلْبُ ممِنْ أهوائه عايدٌ 


أخا الزْهْدٍ عَلى زُهْدِهِ 
ما يَعْبّدُ الكافرٌ من يُدَو177) 


عاش معتزلا وحيدا باختيارهء هل أحبٌ الوحدة والعزلة أم لجأ إليها إلا مجبرا؟ وبحسب إبسن «الرجل 
القوي هو الرجل الوحيد». لكنّ الوحدة بعد تجربتها شيء آخرء ولهذا يقول: 


ولو أني حبيت الخلد فردا 
فلا هطلت علي ولا بأرضي 


ا أحببت بالخلد انفرادا 
سحائب ليس تنتظم البلاد!!138) 


ما نفعٌ الغيث إذا لم يكن عاما؟ وما نفعٌ الخير إذا كان مقتصرا على طبقة محددة؟ بقدر ما يُحِبِّ الإنسان 


أمَدٌّ عقابا من صلاة أضَعبّها 
إذا مم يكنْ يوما لديني تَعَلْقٌ 


وصوم ليوم واجب ظلْمُ درْهَم 
بِغَيرِيٍ رجِيتٌ السَّعادةً فافهه13737) 


على الضدّ تماما يقول الشاعر الأمير أبو فراس الحمداني «إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر». بينما يقول 


ال معري: 
لو كانَ لي أو لغيري قذرٌ أنمّتّة 
ولو صفا العَقلٌ ألقى التّقلّ حامئه 
ِنْ الأديمَ الذي ألقاه صاحبهُ 


فوق التراب لكان الأمرٌ مُشترَكا 
عَنهُ وم ثَرَ في المَيجاءِ مُعتَرِكا 
0 00 0 5 ح(140 
يُرْضي القَبِيلَة في تقسيمه شُرك*1) 


وكأن المعري يتحدّث عن سلام عالمي. يعيش بني البشر على الأرض إخواناء لا يتكاثر بعضهم على بعض, 


والخير كاف للجميع: يقول المعري: 


ما أحسن الأرض لو كانت بغير أذى 


56 


ونحنٌُ فيها لذكر الله سُكَانّ (141) 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


21 





ويقول ال معري: 
لو انبَعوني ويحهم لهديثهم إلى الحق أو نَهج لذاك مُقارب 
فقدا عدت على علني وهللتة زماني وناجتني عيون التجارب 
فما للغتى إلا انفرادٌ وّحدةٌ إذا هوم يُرْرَفْ بلوغَ المآرب 
فحارب وسام إن أردتَ فإها أخو السّلم في الأيّام مثل ماري (142) 


احتاج فوكو لأنْ يقلبَ مقولة كلاوزفيتز «ليست الحرب سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى»143, إلى 
«ليست السياسة سوى استمرار للحرب بوسائل أخرى» لِيَصلَ إلى المعنى الذي قاله المعري. 

سافرٌ إلى بغداد طلبا للعلم. كتبّ المعري «وجدتٌ العلم في بغداد. أكثر من الحَصَى عند جمرة 
العقبة»1*29» لماذا هذا التشبيه الغريب؟ لا للتدليل على كثرته وشيوعه فقطء بل على ابتذاله أيضا وسوء 


استخدامه طلبا للمال والشهرة. 
بسبب عقلانيته وموضوعيته المفرطة. حيث يأمره عقله بالصدق والخيرء يقول المعري: 
عليك بفعل الخير لو لم يكن له من الفضل إلا حسنه في المسامع(145) 


لكن الخير أو قول الصٌّدقٌ قد يكون قاتلاء يقول المعري: 
فضيلةٌ النْطقٍ في الإنسان مَرْجُها نَقيصَةٌ الكذب المعدود في الثم 
أصدّق إلى أنْ تظنّ الصدق مَهلكة 2 وعندّ ذلك فاقَعُدْ كاذبا وقُم 
فاىينٌ ميته مضطرٌ أَلَمَ بها ١‏ ولحَقٌ كالماء يُجفى خيقة السّقم1467) 
لكن النّاس يكذبونء عقولهم تأمرهم بالكذب لجلب منفعة أو دفع ضررء يقول أيضا: 
أرائيك فليغفز لي اللَّهُ زَتي بذاك ودين العاتمينَ رياء0147. 
وهو لا يقصد الرياء كاملا بل مداراة النّاس بما يكفل النجاةً من شرورهم. وامداراة مُبِرّرة بنضُ 
الحديث1790, يقول المعري: 


يقولٌ لك العقل الذي بَيْنَ المُدى: إذا أنتَ م تدرأ عدُوًا فداره 
وقَبَلُ يد الجاني الذي لستّ واصلا إلى قطعها وانظرٌ سقوطٌ جداره 
رأنّكَ البرايا ظابها ياابنّ آدّم وبئس الفتى مَن جار عند اقتداره!142) 


ويقول المعري أيضا: 

ترجٌ بُلطْف القولٍ رد مُخالف إليكَ فكم طرف يُسكْنْ بالتّقرٍ 

وإنّ اقتناعَ النفس من أحسن الغنىي كم أن سوء الحِرْصٍ من أقبح الفقر150! 
وبسبب انتشار سوق التّفاقء وتداول الأموال بالباطل. يقول المعري: 


تعالى الله فهو بنا خبير قد اضطرت إلى الكذب العقول 
نقول. على المجاز وقد علمنا بن الأمر ليس كما نقول!151) 


537 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





ويقول المعري: 
لحاها اللَّهُ دارا ما تَّداري بممثل المين في لْجَحِ وقَمْس 
إذا قُلتُ المحال رفَعتُ صَوْقِ وإن قلت اليَقينَ أطلتُ هَمسي152) 
هكذا بمارس المجتمع سلطته كعائق معرفي أمام الحقيقة. وهو عين ما يقول البهلول للملك لير «بناتك 
تنذرنني بالجلد إذا صدقت.ء وأنتٌ تنذرني بالجلد إذا كذيت. وقد أجِدٌ السّوط فوق ظهري إذا أنا سَكَثٌ(153, 
تظهر السلطة عائقا معرفيًا أمام الحقيقة. حاول المعري الخلاص منه بدءا بمحاولة الاندماجء ثم باعتزالهم 


ومباشرة الهجوم: 

أنافق في الحياة كفعل غيري وكل الناس شأئُهمُ النفاقٌ!154) 
ويقول المعري: 

ألفتٌ الملا حتى تعلمت بالقلا رنو الطلى أو صنعة الآل في الخدع(155) 
ويقول المعري: 

جسم الفتى مثلّ قامَ فعلٌ مذ كانّ ما فارَق اعتلالا 

والخِلٌ في فيه ذَليلٌ بأنّ في ودّهِ اختلالا©15) 
ويقول المعري: 

وَمَنْ صَحِبَ الليالي عَلْمَنْه خداع الإلْفٍ والقيل المُحالا(”15) 


المعري عاينَ في زيارته إلى بغداد رفض المجتمع لأيّ اختلاف. وعاينَ عجز القلم عن إحداث تغيير سريع, 
وجاء في شرحه لبيت المتنبي «حتى رجعت وأقلامي قوائل لي, المجد للسّيف ليس المجد للقلم» بشرح 
المعري «يقول: مازلت أتوسل إليهم بالقلم والفضل والعلم, فلما لم أظفر بخير قالت لي الأقلام: اطلب الشرف 
بالسيف لا بالقلم»(59!). ويقول المعري: 


كلَّمْ بسيفكَ قوماإن دّعوتهم من الكلوم فما يُصغونّ للكَلم 
ذو النونٍ إن كان سيف الهند أبلحٌ من ذي النون في الوعظٍ بل من نون والقلم””1) 


ولهذا يُقال: «يَرّعٌ الله بالسلطان ما لا يَرعٌ بالقرآن»(160) 

المعري كظاهرة لا يمْكن أنْ تّفهم إذا فصلنا تفاصيل حياته عن شعره أو نقده وجرأته على بثْ الرؤى 
التي لا تتفق مع الرؤى السائدة. وإذا كانت الذات عائقا معرفيًا أمام محاولات الوصول إلى الحقيقة» فيبدو 
أن المعري قد تخلص من هذا العائق إلى حدّ ما بالكوجيتو الفرديء فتطرّق إلى موضوعات صَدمَت المتلقي 
في ذلك العصرء ومازالت تصدمه في عصرناء قال المعري: 

انْتان أهل الأرْض دُو عَقل بلا دين وآخرٌ دين لآ عَقل /(161) 

مؤشّرا داء العصر بتحجيم العقل وتحديده وفصله عن الدين. وبسبب هذا الانفصال وقعت الفرقة 

ونشبت الحروب بين الإخوة الأشّقاء على الملك. رد ذُو الْقَضَائْل الاخسيكتي: 


98 


سوسيولوجيا الشك «الفعر ري الشاعر ناقدًا 


5121 





الدّين آخذهُ وَتاركة لم يَخفَ رُشَدُهما وَغيهما 
اْنَانِ أَهْلُ الأزض قُلتَ فقل يَا هَيخَ سُوء أنت أيهمً(162) 


ربما كان ا معري يقصد انتشار الفساد والفتن والاقتتال الداخلي» » وغالبا ما وقعت الحروب تحت غطاء 
ديني» حيث إن الشرعية الوحيدة للسلطة كانت من الدين. لذلك كثرت التأويلات وتقاطعت الماصلح» يقول 


ا معري: 
والشَامٌ فيه وَقَودُ الحرب مُشْتَعلٌ يَشْبّهُ القومٌ شدّتٌ منهم الحُجُز 
وبالعراق وَميضٌ يَستَهلْ 5 ما وراعتٌ بلقاء الشيٌ يرتاة0:6 
المعري لم يرد غير الحقيقة, ولم يرضّ بأقلٌ منها. أخدّ يتحسّسٌ طريقه في الظلام», تقوده شكوكه التي لم 
يتحرّز من إعلانها كما فعلّ غيره. 
المعري محاكمة الذات 
كان نقد المعري لمجتمعه قاسيا فَظَا: 
وما حَمدي لآدمّ أو بَنيه وأشهَدٌُ أنْ كلهم خَسيس 
إذا رقعوا كلامهم بمذح فلفظي في مَواطِنه رسِيسٌ!160) 
وكان في نقده لذاته أشدٌ قسوة؛ إِذْ عاضّ أكثر من النصف من حياته رهين المطنمية: ِروّضُ نفسه. كما قال: 
حوائجٌ نفسي كالغواني قصائرٌ وحاجاتٌ غيري كالنساء الرّدائد(165) 


و«قد حك لنا عن أبي زكريا أنه قَالَ: قَالَ لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده. 
فقلت: ما أنا إلا شاك. فقال: هكذا شيخك... وقد رماه جماعة من أهل العلم بالزندقة والإلحاد»169). عبارة 
«قد حُكيَ لنا» التي استهلٌ بها ابن الجوزي يتفق رواة الأخبار على أنّها تستخدم في الأخبار الضعيفة المجهولة 
المصدر. بحسب كيليطو أيضا «قبول الخبر رهينٌ بمن يورده وبدرجة صدقه»9", ومن ثم يُفنّد كيليطو 
هذه الرواية عن التبريزي. هذه الاتّهامات تأويلات تحتمل الضد. م يُنظرُ حُسَّادهُ إلى شكوكه ضمن سياقهاء 
ونقلّ المؤرخون بعض أقواله دونما تمحيصء لكن شكوثٌ المعري لا يمكن تجريدها عن غايتها: الوصول إلى 
الحقيقة. كما أنَّ السؤال والشك لا يثبتان معتقداء وليسا نقصا في العقيدة والإيمان. بل رغبة شجاعة في 
الكمال والاطمئنان. والإيمان لا يمْكن ر 0 وفي الحديث «نحنٌ أحق بالشَّكُ من إبراهيم إذ قال: رَبٌ 
أن كَيْفٌ تُحْبي الْمَؤْنَ قَالَ: أَوَلَمْ تؤْمِنْ؟ قَالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَْن قَلْبِي98'). هذه الآية يوردها المعري 
في رسالة الغفران ويتهكّم باختلافهم حول نصب الفعل يطمئن من الآية الكريمة وتفويتهم الغاية الرئيسة 
وهي طلب الحقيقة, والسعي وراء الطمأنينة الأبديّة «نصبٌ بلام ي... ويجوز أنْ يكون في موضع جزم بلام 
الأمرء ويكون مخرج الكلام مخرج الدعاء. كما يُقال: يا رب اغفر لي ولتغفر لي»700!). استخدم المعري النزعة 
الشكيّة وسيلة للتهكم بالعقل الجمعي السّائد. وتحديد سطحيته لاهتمامه بالقشور وما لا فائدة تُرجَى منه. 
فالمعري قد سبق «كانط الذي جِعلّ النزعة الشكية طريقا ينقل العقل الفلسفي من نزعته الدوغمائية إلى 


29و 


: سوسيولوجيا ال الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


0 





فلسفة نقدية تتوخى تقويم العقل الفلسفي نفسه بتحديد مبادئه وتعيين حدودة»!! 07 . النزعة الشكية 
جوهر العقل الممتنع عن التعجل في إطلاق الأحكام: وإذا انتفى الشك انتفى الإيمان. وبقيت قناعة مطلقة 
بلا قلب. وتعصب وتطرف نتيجة حتمية للدوغمائية التي تدّعي امتلاك الحقائق دوماء ويرى سكستوس 
أمبريكوس (160 - 210 للميلاد) أنَّ تعليق الحكم دون نفي إمكان المعرفة من شأنه الحد من اعتناق الآراء 
والأفكار الممجدة للعنف والنزوات الشخصية. وبسبب نزعته الشكيّة عانى المعري كثيرا من الحُسّاد والمبغضين 
«أن أَبَا الْعَلَاء كان يُرُْمى من أهل الْحَسَّد لَهُ بالتعطيل وَيعْمل تلامذته وَغَيرهم على لسّانه الْأَشْعَار يضمنونها 
أقاويل الملحدة قصدا لهلاكه وإيثارا لإتلاف تفسه. وَفِ ذَلِكَ يَقُول: 


حاوّل إهواني قَوْمٌ كَمَا وَاجَهِنْهُمْ إلا بَهْوَان 
يُحَرْشُوني بِسعَاياتِهُم فَعَيْروا يّة إخواني»172) 


وهو يحترف الشكٌ وينصحٌ به. إذ يقول: 


من قلَّةِ اللْبُّ عند النصح أن تابا 
خلّ الزّمانَ وأهليه لشأنهم 
ألقى الكبيرُ قميصٌ الشَرّْخْ رهن بلى 
مازل يمطُل دُنِياهُ بتؤبته 


وأنْ ترُومَ من الأيّام إغتابا 
وعِش بدّهركَ والأقوام مُرتابا 

ثم استجدّ قميصٌ الشيب مُجتابا 
حتى أتتة مناياها وما تابا(173) 


المعري م يطلب مالا ولا جاها ولا شيئا من طيبات الحياة» واكتفى بعزلته في البحث والتأليفء ومَنْ 
كانت هذه حاله؛ لا يمكن أنْ ينظرّ بعين الرّضا إلى النّاس المنشغلين بالتنافس على زينة الحياة الدنياء انّهمهم 


بالجهلء إِذْ قال: 
أرى عالما يَشكو إلى الله جَهْلَهُ 
يقول المعري: 


فهل قامَ من جَدَتْ مَبَتّ 
تَرُولَ كما زال أجدادنا 
نهارٌ يُضِيءُ وليلٌ يَجِيءٌ 


وكم من بَرى يعلو فيخطّبُ م منبرا(174) 


فيخبرَ عن مسمّع أو مَرَى؟ 
ويبقى الزمانُ على ما نرى 


075( 
ونجم يغورء ونجم يُرى 


المعري بدأ القصيدة في سياق تسفيه آراء الجبرية,» كذلك الحال عند اقتطاع أيّ بيت من سياقه ينحرف 


ا معنى ا ملقصود. يقول المعري: 


خُلِقَ الناسٌ للبَقَاءِ فمَلثْ 


أمَةٌ يَحْسَبُوتَهُمْ يلتقَادِ170) 


أي بقاء يقصد ال معري؟ لأنَّ النفاد هو العَدّم. وهو يقصد العكس تماما؛ فيؤكد ضلالة مَنْ يقول بفناء 
النفوس وعدم وجود الدار الآخرة: وَيُمَنْد اذعاءات بعض فلاسفة اليونان القدماء بخلود الأنفس الخيّرة وفناء 
الشريرة بحسب الأبيات التي تليء حيث وضّح أنَّ الدنيا دارٌ عَمَل والآخرة هي القرار: شقاء أو رََادء ويأق 


بعد هذا البيت قوله: 


نا يُنْفَُونَ مِنْ دار أغمال 


100 


إلى دار شقوّة أو رَشَادِ 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





مَجْعَةٌ اهَوْتِ رَفَْدَةٌ يستويحٌ 
واللَبِيبٌ اللْبيبُ مَنْ لِيسّ يَغْقَ 
وفي شعره أبيات كثيرة تبدو كردود على منتقديه كقوله: 
الكون في جملة العوافي 
لين التَى للجسوم خيرٌ 
أثبتُ لي خالقا حكيما 
ويقول المعري: 
أرى زَّمَنا تقادمَ غير فان 
فلا يُعجَبُ بصورته جميلٌ 
وما غَضبي إذا جَرَتِ القَضايا 
كذاكَ الدّهرٌ إظلامٌ وصَبِحٌ 
بلا مال عن الدنيا رحيلي 





الجسم فيها والعَيشُ مثلُ السَهاد 
رٌ بكَؤن مصيره إلى الفساد(”!7!) 


لا الكونُ في جُملة العُفاة 

من صُحبةٍ العام الجُفاة 
ولستٌ من معشر ثفاة!178) 
فسبحانّ المهّيمِنِ ذي الكمال 
إن القُبحَ يُطوى, كالجمال 
بتفضيل اليّمين على الشّمال؟ 
وريحٌ من جَنوب أو شمال 
وصُعلوكا حرجت بِكَيرٍ مال1”7) 


الزمن عند المعري قديم ومطلق, بمروره تقصر الأطوال ويكبر الصّغارء ويتفاضل اليمين واليسارء ويقول 


ا معري: 
واللمج د لله لا خَلْقٌ يشاركة 
والناسٌ يَطغَونَ في دنياهُم أشّرا 
ويقول أيضا: 
انفردّ الله بسلطانه 
ما خفيّتُ قدرته عنكُمْ 


وآ حوَاءَ ما طابوا ولا مجَدُوا 
لولا المخافةٌ ما زَكُوا ولا جد و(150) 


فما لهُ في كل حال كفاء 
وهل لها عن ذي رشاد خفاة!!19) 


المعري انتقد المسلمين وم ينتقد الإسلام: بأنْ حب الدنيا رأس كل خطيئة ولولا حبها لترك الناس الآثام, 


إذ يقول: 
دع الناس واصحب واخش بيداء قفرة 
إذا ذكروا المخلوقٌ عابوا وأطتبوا 
كلِفْتَ بدُنياكَ التي هي خُدعةٌ 
ولو م يكن فينا هَواها غريرّة 


فإنَ رضاهم غايةٌ لِيسَ تُدرَكُ 
وَإِنْ ذكروا الخلآق حابوا وأشركوا 
وهل خُلَةٌ منها أغرٌ وأفرَكُ؟ 
لكان إذا جَلْ المهايكَ يرن (182) 


بسبب حُبٌ الدنيا يُكذَّب الصادق ويُخوّن الأمين. وتتغير الأسماء والشّهادات زوراء يقول المعري: 


نهاني عَقلي عن أمور كثيرة 
ومما أدامَّ الرّرْءَ تكذيبٌ صادق 
ولو مم يكن فينا هَواها غَريرّة 
إذا فاتك الإثراءٌ من غير وجهه 


وطبعي إليها بالغريزة جاذبي 
على خُبرة منا وتصديق كاذب 
لكان إذا جَرَ المهالكَ يُتركُ 
فإِنْ قليل الخَلّ أولى وأبْرَكٌ 
101 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





ونحنٌ بعلم الله من مُتَحَرك يُرى ساكنا أو ساكن يِتَحَرِكُ!183) 
ويقول المعري: 
تعبٌ كلها الحياة فما أغ جب إلا من راغب في ازدياد(184) 


المعري يؤكد قدرة الله والبعث والنشور فيقول: 
مرّ الزِّانُ فأضحى في الثَرى حِسَدٌ 2 فهل تملى رجالٌ بالملاوات؟ 
والرّوحٌ أرضيّةٌ في رأي طائففة وعند قوم ترَقَى في السَماوات 


وقدرةٌ الله حقٌّ ليس يُعجِرُها حَشْرٌ لخلق ولا يَعثّ لأموات 

ولا تطيعنَ قوما ما ديانتيكم إلا احتيالٌ على أخذ الإتاوات 

ونا حمل التوراةً قارتها كسب الفوائد لا حب التلاوات(185) 

ويقول ال معري: 

دَعاكمَ إلى خَير الأمور محمد وليسّ العَوالي في القّنا كالسوافل 
حداكمْ على تعظيم مَن خلقٌ الضّحى وشهبّ الدُْجَى من طالعات وآفل 
والزمكمْ ما ليسّ يُعجِؤُ حَملَة أخا الضعْفٍ من فَرْض له ونوافل 
فصلى عليه الله ما ذرٌ شارقٌ وما قت مسكا ذكرُةُ في المحافل (186) 


الناس تكاسلوا في الفروضء وزهدوا في المباحات وم يتورعوا عن المحظورات وأكلوا دنياهم بدينهم, رغم 
أن الأبيات السابقة واضحة في تمجيد الإسلام, إلا أنَّ عبيد البريكي يتساءل: «لماذا افتتحّ الشاعر المعري قصيدته 
ب دعاكم. بينما يستقيم الوزن الشعري بقوله دّعانا؟ لماذا عزل ذاته عن المجموعة؟ ألا تخصّهُ الدعوة؟»(187, 
وسنذكر لاحقا أنَّ المتلقي هو مصبٌ اهتمام المعري في شعره ونثرهء ورغم وضوح المعنى لكنّ فحول الشعراء 
اعتادوا التلاعب بالضمائر كإثراء للجانب الجمالي الشكلي في القصيدة. كقول كشاجم محمود بن الحسين: 


أَذَابَتْ قلبَهٌ الزأفره وأَدْمَتْ خدّه العبرة 
وهَلُ يطمعٌ في الصَبرٍ عميدٌ باعه صبرة 
حُطوبٌ شيّبثْ رأمي وما إِنْ شبتٌ مِنْ كبرن(188) 


نلاحظ الالتفات من البيت الأول والثاني «أذابت قلبه: هو - لفط هو». وانكسار النسق العام للنص 
الشّعري في البيت الثالث «شَيبَتْ رأسي: أنا». 

في رسالة الغفران يذكر المعري شيئا عن ابن هانئ الأندلسيء. ثم بعد سطور يذكره باسم ابن القاضي 
«وحضر شاعر يعرف بابن القاضي بين يدي ابن أبي عامر صاحب الأندلس فأنشده قصيدة أوّلها: ما شئتّ 
لاما شاءت الأقدارء فاحكم فأنت الواحد القهارء ويقول فيها أشياء. فانكر عليه ابن أبي عامرء وأمر بجلده 
نفني 0189 

المصْلح أو النّاصح أو التّاقد تلحقه عداوات النّاس ولن يُثاب بغير العزلة يختارها أو بشراب الشكران 
بوصفه مثير بلابل. وهو لا ينتظرٌ غير الموت وفروعه من الأحزان والعوارضء وإِنَّ مَنْ ينتظرٌُ خيرا واهم, يقول 


102 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





ا معري: 
تَوَهَمتٌ خَيرا في الزّمانِ وأهله وكانَّ خيالا لا يَصِحٌ التوهَمْ 
وعَظَ الزّمانُ فما فهمتَ عظاته وكأنهُ في صمته يَتَكَلَمْ 
لو حاوّرَتكَ الضَّأن قال حَصيفّها: الذََبُ يظلم وابنُ آدمَ أظله(9؟1) 
قسوته على متلقيه «قَما فهمت» هي جزءٌ من قسوته على مجتمعه. وبالنسبة إلى تشاؤمه فهو من 


حكمته واطّلاعه على نصوص كثيرة تؤيد وجهة نظره منه الحديث «اضَررُوا وَِنّهُ لا يَأقِ عَلَيْكُمْ زَمَانْ إلا الذي 
بَعْدَهُ هك مِيْمُ(0191, 1 
ومن الباحثين مَنْ أنكرٌ عزلة المعرّي2”!) لأنّهٌ «لا يستطيع أنْ يزهدّ في العلم والتأليف. اللذين قد ملكاه 
واستأثرا به وكلاهما يكلفه عشرة الناس لاحتياجه إلى مَنْ يقرأ له ويكتب عنه»1”37). لكنّ شيئا م يؤثر عن 
المعري يُستدل منه على زهده في العلم والتأليف. وماذا كان المعري يروم من عزلته غير العلم والتأليف؟ هل 
كان يعتقد أَنّهُ سيحقّق ذاته أم كان يعتقد أنه سيُخلّص نفسه من شرور الناس؟ وم يكن المعري ليذم اللذات 
والدنياء ثم يستمتع بهاء أمّا خادمه أو مَنْ يقرأ ويكتب له فقد كان بمنزلة عزلة أخرى. حيث تذكره حاجته 
إلى غيره بعاهته, يقول المعري: 
الدين هجر الفتى اللذات عن يسر في صحة واقتدار منه ما عمرا 
ومن عناء الليالي خادم ضخن إن يوؤْمز الأمرّ يفعل غير ما أمر/194) 
أغلب المفكرين والأدباء ينقطعون عن العام الخارجي للكتابة. والانقطاع إلى الأدب والتأليف ليس ترفاء 
ماركيز استدار بسيارته وقطع سفرته العائلية «عاد إلى البيت وجلس إلى آلته الكاتبة. كما كان يجلس كل 
يوم غير أنه في هذه المرة لم ينهض لثمانية عشرّ شهرا». و«قرر التخلي عن كلتا الوظيفتينء وكذلك التخلي عن 
حياته الاجتماعية»(095, 
لكن عزلة هؤلاء مؤقتة ومرتبطة بإنجاز عمل ماء بينما عزلة المعري كانت دائمة, بعد عودته من بغداد 
لم يخرج من بيته لأكثر من نصف قرن. حينَ بلغ أبو العلاء الخامسة والثلاثين ارتحلّ إلى بغداد. ويقيَ فيها 
سنة وسبعة شهورء فعاد وقد قرَّر التفرغ للقراءة والكتابة بسبب صدمته من المجتمع البغدادي الذي كان 
يتصوره شيئا آخرء وقال عن رحلته: 


وأني تيمّمت العراق لغير ما تيممه غيلانٌ عند بلال 
فأصبحت محسودا بفضلي وحدّة على بعد أنصاري وقلة مالي (196) 


بغداد كانت كباريس في عصرناء لكنه سافر إليها للاستزادة في العلم لا لمدح أحد ونيل مكافأة. كما فعلّ 
غيلان بن عقبة (ذو الرمة) في قصده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري والي البصرة, والمعري ينتقد مِنْ 
شعراء عصره. مَنْ يرتزق بشعره على أبواب الأمراء. ويقول المعري: 
بني الآداب غرّتكم قدها زخارفٌ مثلٌ زمزمة الذباب 
وما شعراؤٌكمللاًذئابٌ تلصّصٌ في المدائح والسباب 


103 


سوسيولوجيا الشك .. ا معري الشاعر ناقدًا 


لوط 





أأذهبٌ فيكم أيامَ شيبئي ١‏ كما أذهبث أيامَ الشباب 
معادً الله قد ودعت جهلي فحسبي من تميم والرّبابٍ 
ذروني يفقد الهذيانَ لفظي وأغلق للحمام علي بالي197) 
وهو في أشعاره يؤرّخ أو يُذَكّر بحوادث تاريخية, باختصار شديد يدفع القارئ إلى البحث: 
والشرٌ ينشر بعد الخير ميّتةُ كما أصاب عميرا ما جَنَى ضابي (198) 
وصلّ بغداد فاستقبلوه بحفاوة زالت حالا عاينوا قوة شخصيته وجرأته في الإفصاح عن رأيه في مجتمع 
لا يقبل الاختلاف. وينظر إليه بريبة» و«حُي أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي» فحضر يوما مجلس 
الشريف المرتضىء فجرى ذكر أبي الطيب فَهُضم المرتضى من جانبه, فقال أبو العلاء: لو لم يكن له من الشعر 
إلا قوله: لك يا منازل في القلوب منازل. لكفاه. فغضب المرتضىء وأمر به فسحب وأخرجء وبعد إخراجه قال 
المرتضى: هل تدرون ما عني بذكر البيت؟ فقالوا: لا. فقال: عنى به قول أبي الطيب في قصيدته: وإذا أتتك 
مذمتي من ناقص, فهي الشهادة لي بأني كامل»7”' 2 من المحتمل ألا يكون هذا أول اختلاف صدرٌ عن اللمعري 
في مجلس المرتضى الذي يقيم مجلسة ليبرهنَ على ذكائه هو لا ذكاء المتنبي ولا المعري. لكن تعصّب المعري 
للمتنبي لم يمنعه من قولٍ رأيه فيه, وإِنْ بَدَا قاسياء فعن قول المتنبي «فلا تبلغاه ما أقول فإِنّه. شجاعٌ متى 
يذكر له الطعن يشتق» يقول المعري شارحا ناقدا «لا تبلّغا يا صاحبي سيف الدولة ما أقول. فإنه شجاع» 
إذا سمع وصف الشجاعة اشتاق إليها. وهذا بيت كثير نقله من النسيب إلى الشجاعة» وهو: فلا تذكراه 
الحاجبية يشتق. وهذه السرقة قبيحة؛ لأنه أخذ المعنى واللفظ والوزن والقافية»(200. المعري ينتقد المتنبي 
ويصف سرقته بالقبيحة. وهو عين مذهب أفلاطون الذي قال في محاوراته «على الرغم مما كنت أشعر به 
منذ صباي من حب واحترام لهوميروسء غير أنَّ من الواجب ألا نحترم إنسانا أكثر مما نحترم الحقيقة»(201. 
رغم الإعجاب الشديد. لم يسلم المتنبي من نقد المعري في مواضع كثيرة. عن قول المتنبي «هَابَكَ اللَيْلُ والتهار 
َلَوْتنْهَاهُمًَا لَمْ تَجُرْبِكَ الأيَّامُ». قال المعرّي: «رحم الله أبا الطيب! لقد اجتهد في قول الباطلء ورضيّ على 
ذلك بعطاء زهيد! ولو أنَّ هذا البيت في صفة الله عزّ سلطانه لجاز أن ينال بذلك رضوانه» 202 
وذكرٌ ابن كثير رواية أخرى عن خروجه من بغداد «قَأَقَامَ بها سَنَةَ وَسَبْعَةَ أَشْهُر ثُم خَرَجَ مِنْهًا طريدا 
منهزما؛ لأنه سأل سؤالا بشعر يدل على قلة دينه وعلمه وعقله فقال: تناقض فما لَنَا إِلّا السّكُوتُ لَه وَأَنْ 
نَعُودَ بمَوَْانَا من النار. يد بخمس مئين عسجد وُدِيّتء ما بالها فُطِعَت في ربع دينار», ويعلّق ابن كثير «وهذا 
من إفكه يَقُولُ: الْيَدُ ديثُهَا حَمْسُمِانَة ديتار. هَمَا لَكُمْ تَفْطَعُونَهَا إِذَا سَرَقَتْ رُبّْعَ ديتار؟ وَهَذَا مِنْ قلة عقله 
وعلمه. وعمى بصيرته. وذلك أنه إِذَا جُنِيَ عَلَيْهَا يُنَاسِبٌ أَنْ يَكُونَ ديَتُهَا كثيرة ليَنْرَجِرَ النَّسُ عَنْ الْعْدْوَانِ 
وَأمّا إِذَا جنت هي بالسرقة فيناسب أن تقل قيمتها وديتها لينزجر الناس عن أموال الناس وتصان أموالهم, 
َلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَثْ تمِيّة لَمًا كَانَثْ أَمِيتّة» فَلَمّا خَانَتْ هَانَتْ. وَلَمّا عَرّمَ الْفُقَهَاءُ على أخذه بهذا وأمثاله 
هَرَبَ وَرَجَعَ إل بَلَدِه وَلزِمَ مَنِْلَهُ فَكَانَ لا يَْرّجُ مِنْهُ»/02. كيفٍ لشاعر أنْ يارس نقدّ مجتمعه بلا أسئلة 
ولا تشكيك؟ يجب التمييز بين الشك الذي بمارسه المعريء باعتباره وظيفة نقدية سوسيولوجية. وهو قبل 


"0 


سوسيولوجيا الشك لمعرة 8 القاخر ناقدًا 


1 اي م توه 





كلّ شيء سلوك بشري.ء لا يمكن له أنْ ينأى بنفسه كنسق معرفي عن التّقده وبين الشك كموقف أيديولوجي 
يستهدف الطعن. كيف لإنسان أنْ يتقبّل بسهولة قطع يد وهو الذي مَكَتَ خَمْسا وَأَرْبَعِينَ سَنَة لا يأكل 
اللحم ولا اللبن ولا البيض؟ حين سئل في ذلكء أجاب: رأفة بالحيوان. ربما كان جوابه للخليفة الفاطمي تورية 
عن رفضه هداياه وأعطياته. وهو القائل: 


وابكِ على طائر رماةٌ فتى لاه فأوهى بفهره الكتفا 
أو صَادَفَتةٌ حبالَةٌ نصبَتْ فظَلّ فيها كأمًا كُتقَا 
بَكْرَ بغي المّعاش مُجِتّهدا فقّصٌ عند الشروق أو تُتفا(201) 


هذه الشفقة الجيّاشة التي انتقدها نيتشه بقسوة باعتبارها مرض العصرء وضرّبٌ من الشلل العقلي «وقد 
يبلغ وضعه وائمة حدّ الرعب: فهناك بالذات حيث تعلم هو وضع الشفقة الكبيرة إلى جانب الاحتقار 
الكبير»(203) شفقة ال معري الكبيرة بالحيوان. كانت الوجه الآخر لاحتقاره المجتمع الذي اعتزله. فهو يختلف 
عنهم في كل شيء: في الأكل والملبس والتفكيرء هذا الموقف الشكوي الاختلافي يجب أخذه بالاعتبار لاستكناه 
نوايا المعري ومقاصده من شعره والتي لا يمكن أنْ يكون هدفها الطعن في الدين بقدر ما كان يقصد أنْ يقوم 
بوظيفة نقد المجتمع, ولقد تعاملوا مع هذه المسألة كأنّها منتهية وقطعية لم تخضع لناقشة الفقهاء. لقد 
شكّك السرخسي في هذه المسألة, فلماذا لم يتعرض للتكفير؟ يقول السرخسي «إنّ النَّبِيّ صَلَى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلُمَ 
قَالَ: «الْقَطعٌ في رُبْعٍ ديتار فَصَاعِداه. وَقَدْ كَانَتْ قِيمَةُ الديئَارٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولٍ الله صَلَى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلُمَ اثنَيْ 
عَشْرَ درْهَما قَتَلَائهُ دَرَاهِمَ يَكُونُ رُبْعَ ديتار... وَهَذَا مِنْهَا إِشَارَةُ إلى أَنّهُ كان مَالا خَطيرا وَالْخَطيرُ مَا يَكُونُ مِقُدَارا 
ُعْتبَرُ لإيجَاب الزْكَاة فيه وَأَدْقَ ذَلِكَ الْأرْبَعُونَ في نِصَابٍ الشّيَاهِ(06. والقاعدة الفقهية تقول بتغير الأحكام 
عند تغير الأزمان. كل ما يخص تفاصيل الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية من الواجب مراعاة ال مصلحة 
بإدخال بعض التعديلات بما يتلاءم مع تغير الأحوالء كأنَّ السرخسي يقول بأنَّ نصاب امال المسروق يجب أنْ 
يكون نصاب الزكاةء لكن تشكيك السرخسي فقة واجتهاد. وتشكيك المعري عبث. وقد لامه ابن عقيل لتعريض 
نفسه إلى التكفير. حيث ذكر ابن كثير «قال ابن عقيل ا بلغه: وما الذي ألجأه أنْ يقولّ في دار الإسلام, ما 
يُكفْره به الناس؟ قال: والمنافقون مع قلة عقلهم وعلمهم أجود سياسة منه. لأنّهم حافظوا على قبائحهم في 
الدنيا وستروها»2077. ينا بلغه! ماذا بلغه؟ بلغه نبأ تكفير المعري, كأنّهُ يقول: لماذا فعلّ بنفسه كلّ هذا؟ لومه 
يُضَمِرٌ أسفا على تكفير رجل كا معريء مما يتبين ميله إليه. وإنما كتبّ المعري رسالة الغفران ردًا على رسالة 
ابن القارح التي ذكر فيها حكاية «وأحضر صالح بن القدوس أمام المهديء وأحضر النطع والسياف فقال علام 
تقتلني؟ قال عَلَى قولك: رُبٌّ ِرَ كتمتةُ فَكَأَي, أخرس أو تّنى لساني عَقلُ. وَلَو أن |ظهّرتُ لِلنّاسٍ دينيء لم يَكْن 
لي في غَيِرٍ حبسي أكلُ. فقال: قد كنت زنديقا وقد تبت عن الزندقة. قال كيف وأنت القائل: مَا يَبْلُعُ الأَعْدَاءُ مِنْ 
جَاهِل مَا يَبْلُعُ اْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِه وَالشّيْحُ لا يَْرْكُ أَخلاقَهُ حَنَّى يُوَارَى في تَرَى رَمْسِه. إذا أرعوى عاد إلى غَيّْهء 
كذي الضنى عاد إلى نكسه. وأخذ غفلته السياف فإذا رأسه يتدهدأ عَلَى النطع» (08©, هذه الحكاية استوعبها 
المعري واختصرها شعراء لكنهُ فيما بعد نسيهاء وقد كان بمقدوره الاستتار خلف المجازء وهو القائل: 


105 





أَوْجَرّ الذهرٌ في المقال إلى أنْ 
وعدّثنالأيَامٌ كل عَجيب 
هي مثلّ الواني إن تَحخْسُن الأو 
فافعَل الخير إن جَرَاكَ الفتى عنه 


لالْقَيذْعنثٍ لفظي فإ 

إهَاعِسرَةالأنام نفاقٌ 
يقول المعري أيضا: 

اجعل ثُقَاكَ الهاءَ تَعرفْ همسّها 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 
جَعلَ الصَمتَ غايّة الإيجاز 

وتَلَوْنَ الوّعودّ بالإنجاز 

جهُ منها فالتّقلُ في الأغجاز 

وإلاً فالله بالخَير جاز 

مثلٌ غيري تكنّمي بالمجاز 

وتباه في باطل وتجاز!””*) 


والرَاءَ كَرّرَها الزّمانَ مكرر 


قالوا: جهنمٌ! قلت إن شرارها ولهيبها يَصلاهُها المتشْرَّرٌ 
لا تُخيرَنَ بكُنه دينكَ مَعشرا شُطْرا ونْ تَفعَلُ فأنت مُعَرّرُ 
واصمُتثٌ فإنّ الصَمتَ يكفي أهلَهُ 2 والنّطقٌ يُظهرٌ كامنا ويُمَرر210) 

شُطْرا: جمح شاطرء وهو الذي أعيا أباه ومؤدّبيه خُبثا. وتْقِلَ عن ابن عبّاس «أْمِرْنا أن نُكلّمَ الناسّ على 
قُ ر عقولهم .6110 

قال ابن العديم مُدافعا عن المعري «قصده جماعة لم يعُوا وعيّه. وحسدوه إذ لم ينالوا سعيّه. فتتبّعوا 
كتبه على وجه الانتقاد... سلكوا فيها معه مسلك الكذب والَيّن. ورمّوه بالإتحاد والتعطيل... فمنهم من وضع 
على لسانه أقوال الملجدة. ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قَصَّده... ولو نظر الطاعن كلامّه 
بعين الرضا... لأوسع له صدرا وشرح... واللبيب مقصود, والأديب عن بلوغ الغرض مصدود. وكلٌ ذي نعمه 
محسود... وقد وضع أبو العلاء كتابا وسَمّه ب «زجر النابح». أبطل فيه طعنّ المزري عليه والقادح. وبيّن فيه 
عذره الصحيح, وزهانه الضّريحء ووجة كلامه الفصيح»(212, 

إذا كانت مجالس الأدباء والفقهاء وهم النخبة لا تحتملٌ الأسئلة ولا التشكيك. وكيف أن أدنى اختلاف 
في الرأي يولّد الكراهية, فكيف بمجلس الأمير أو الحاكم؟ إذا ذم سيد المجلس شاعرا أو قردا من الناسء على 
الجميع أنْ يؤيدوه بالحجج والبراهين حتى لو كانوا يعتقدون خلاف ذلك أو يصمتوا في أحسن الأحوال. سيد 
المجلس لا يريد أَنْ يرى حوله غير التشابهات مع ميوله ورغباته ليغذَّي نشوة النُصر الزائف. وهذا نوعٌ من 
الجنون لأنَّ المجنون كذلك لا يرى غير المتشابهات «العقل الإنساني محمول بالطبع على أنْ يفترضٌ في الأشياء 
نظاما وتشابها أكثر مما يجده فيه وفي حين أنَّ الطبيعة مملوءة بالاستثناءات والاختلافات, فَإِنّ العقل يرى 
الانسجام والتشابه في كل مكانء ومن هذا التخيبل أن كل الأجرام السماوية ترسم أثناء تحركها دوائر كاملة... 
فالاسم الواحد نفسه يُطلق دون تمبيز على أشياء ليست من طبيعة واحدة. تلك هي أصنام الميدان»(013, 
الأصنام التي تدفعنا إلى أنْ تُخْضعَ كل شيء إلى الأحكام المسبقة في عقولنا التي نتخوّف إخضاعها للتجربة 
والنقاش, فحقيقة: المتنبي شاعرٌ سيئ عند المرتضىء هي حقيقة غير قابلة للمناقشة والتداول» ومن يجرؤ على 
طرح آراء مخالفة يروم تغيير العلاقات في المجلسء وبذلك تضيع سيادته على مجلسه. هذا هو الوهم القاتل 


106 


سوسيولوجيا الشك .. المعري اشام ناقدًا 


م امي 





الذي مازال كأخطبوط يعيش بيننا في صور أسماك الزينة الملونة. لا دواء لهذه الأصنام سوى الحيرة والشكوك. 
وأَنْ يكون الإنسان في حيرة خيرا من أنْ يكون من جماعة الذين «قَالُوا حَسْبْنَا مَا وَجَدْنًا عَلَيْهِ آبَاءَنَاه؛ لأ 
الحيرة إذا صحبها بحث ومثابرة لا بد من أَنْ يرجع إلى الحقيقة «وحَقيقّة لتيل مَعْنَاهُ الرُجُوع إلى الْحَقِيقّة 
لا إلى البطلان». «وسئل شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد عن أبي العلاء المعري. فقال: هو في حيرة. 
وهذا أحسن ما قبل فيه»!214, 
ترك أبو العلاء بغداد وهو يقول: 
رَحَلتُ فلا دُنيا ولا دين نِلتّهُ ‏ وماأوبّتي إلا السَفاهة والخُرقُ 
متى يُخلصٍ التّقوى لمولاه لا نَعْضَْ 2 عطااياهٌ من صلى وقِبلتُهُ الشّرقٌ 


أرى حَيوانَ الأرض يرهَبٌ حتقَةٌ ويُفَزِعُهُ رعدٌ ويُطْمِعْهُ بَرْق(215) 
اكتشفّ ا معري العقل ففرح به. فصال تيها بظفر وناب: 
إذا رَجَعَ الحصيفٌ إلى حجاةٌ تَهاونَ بالمذاهب وازدّراه 212 


وهو بهذا يقول إِنَّ الذين يتّبعون مذهبا بعينه ويتعصبون له لا عقول لهم لاكتفائهم بالتقليد. وكثرة 
واختلاف الفتاوى وجرأة الناس على الإفتاءء حتى استوت عندهم العادة والعبادة, أعمالهم رياء وصلاتهم بلا 
خشوع. الكل يهتم بنظافة ثيابه. ولا يهتم بنظافة قلبه غير الآحاد. وفي رثاء أبيه: 
حِجَّى زادَهُ من جرأة وسماحة وبعض الحجَى داع إلى البخل والجين 2170 
ويؤرّخ لتاريخ العلوم غير الثّافعة أو غير العقلانية, فيقول المعري: 
أزرَى بكم يا ذوي الألباب أربعة يتركن أحلامكم نهب الجهالات 
ود الصديق وعلم الكيمياء وأحكام النجوم وتفسير المنامات(215) 
وعلم الكيمياء المقصود ليس المتداول في عصرنا؛ فقد كان مقصورا في عصر ا معري على ما يسمونه 
الخيمياء. أي صناعة الذهب من غير معادنه. وهي رؤية ذاتية أقرب إلى الخرافات في تعليل الظواهر. وترتبط 
بالسحرء وعرّف ابن خلدون الكيمياء بأنّها «علم ينظر في المادّة التي يتمّ بها كون الذهب والفضّة بالصّناعة... 
لعلّهم يعثرون على الماذة المستعدّة لذلك. حتّى من العضلات الحيوانيّة. كالعظام والرّيشُ والبيض... وفي 
زعمهم أنّه يخرج بهذه الصّناعات كلها جسم طبيعيّ يسمّونه الإكسير»217. كان المعري يريد للعقل الشرقي 
أن يتخلّص من خرافات انتظار البطل المُنقذ والعثور على كنز قارون وصيغته السحرية في تحويل الأشياء إلى 
ذهب. أمّا وذ الصديق لأنّهُ م يَجد صديقا وفيا ويعتقد فيها إضاعة للوقت ويقول أيضا: 


أستقبحٌ الظاهرٌ من صاحبي وما يُواري صَدْرَهُ أقبحٌ 
سبيت بالكلب فآنكَرتَهُ والكلبُ خيرٌ منك إذ يَنِيهِ(220) 


واكتشفٌ حقائق كثيرة ونوّه إلى أخطاء وأكاذيب شاعت بين الناس, 78 العقل يرفضها «لأن الجرادتين» 
فيما قيل. مغتّيتان غنتا لوفد عاد عند الجرهميّ بمكة. فشغلوا عن الطواف بالبيت وسؤال الله... مَنْ الذي 


-_ٍ 


َقَلَ إلى المغنين في عصر هارون وبعده أن هذا الشعر غنّته الجرادتان؟ إِنَّ ذلك لبعيد في المعقول وما أجدره 


17 


سوسيولوجيا الشك .. 
اج 11 لزاب د 


المعري الشاعر ناقدًا 





أن يكون مكذوبا»!!2©. خوفا على عقله من الناس اعتزلهم, قال المعري: 


إن مازت الناسّ أخلاقٌ يُعاش بها. 

يُعدي عن الناس بره من سقامهم 
وأشادّ المعري بوظيفة العقل كثيرا: 

لقد صَدِنَتْ أفهامٌ قوم فَقَِل لها 

وكم غرّتٍ الذنيا بنيها وساتني 

سأتبَعٌ مَن يدعو إلى الخَير جاهداء 

ومن كانء في الأشياءِ يحكمٌ بالحجّى 


فإنهم, عند سوء الطبعء أسواء 
وقربُهُم للحجى والدين أدوا222) 


صِقالٌ ويحتاجٌ الحُسامٌ إلى الصَقلٍ؟ 
مع النّاس مين في الأحاديث والنّقل 
وأَرحَلُ عنّها ما إمامي سوى عَقلي 


2 - ع 4ه هع (223 
تساوى لدّيه من يُحبٌ ومن يقلي (223) 


وفي انتقاد السلطة التي لا تعتمد العقلء أو التي تطيح بالعقل كالخمر بل أشد. يقول المعري: 


وإذا الرئاسة لم تَصَنْ بسياسة 


عقلية خَطْنَ الصوابَ السائسس (224) 


ازداد تركيز المعري على وظيفة العقل بازدياد اكتشافه لقدراته, كأيّ فرد يعثر على شيء لم يره من قبل, واكتشفٌ 
حدوده: فإذا كان العقل مقياسا لأمور الفيزيقاء فإنَّه يقف عاجزا أمام الميتافيزيقا ومازال. ولهذا قفر فوقها فلاسفة 
المادية والعدمية. وشيئا فشيئا وبالتدريج يكتشف ا معري خصائص العقل وحدوده وقصوره. يقول ال معري: 


العَقل يُخبرُ أنني في ثجّة 
مثل الحجارة في العظات قلوبنا 
ويقول ال معري: 
أذِهْنيَ طالّ عهدّكَ بالصقال 
ستُطلِقّني اْنَيَةٌ عن قريب 
إذا انَتَقَلثْ عن الأوصال تفسي 
أسيرٌ فلا أعودٌ وما رُجوعي 
أمورٌ يتبسن على البرايا 
ويقول ال معري: 
متى ما تُشَاهِدْ نعمّة كنعامة 
ونخقّى عَذابا في المّماتٍ وإِثْنا 
وأشعْرٌ أن العقلّ يَصِحَبُ تارة 
ويقول المعري: 
الصمتٌ أولى وما رِجْلٌ مُمَنْعَةٌ 
وَالنْقْلُ غَيْرَ أنباء سَمِعتَ بها 
والعقلٌُ زينٌ ولكن فوقَهُ قَدَرٌ 
معترفا بقصور العقل يقول: 


08 


من باطل وكذاكَ هذا العالم 
أو كالحديد فليتنا لا اكه (035) 


وماج النّاسٌ في قيل وقالٍ 
فإني في إسار واعتقال 

قما للجسم عِلْمّ بانتقال 

وقد كان الرَحِيلُ رحيل قال 
كأنّ العَقْلَ منها في عقال (226) 


مُطْرّدَة َرَت تَرْتَعْ بألف ظَليم 
لأهل عذاب في الحَياة أليم 
ويَنفُْ أخرى وهو غود عليم !227 


إلا لها بصّروف الذّهر تعثير 
وآفةٌ القَولٍ تَقليلٌ وتكثير 
فما لهُ في ابتغاء الرّزق تأثير280) 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


وي جره 
01 





متى عَرَضَ الحِجّى للَّهِ ضاق مذاهبّهُ عليه وإنْ عَرْضْنَه 
وقد كذِّبَ الذي يغدو بعَفْل لتصحيح الشّروع إذا مَرِضِْيَه (229) 


كيف لا تضيق مذاهب العقل أمام خالقه؟ «وهو إذ اعترفٌ بهذا العجز كان خليقا أنّْ يتواضعَ فلا يُعنّي 
نفسه ولا يمنيها ولا يُجَشّمها هذه الأهوال التي تتجشمها وَإِْمُا قصارى العقل أنْ يجدّ ما وسعه الجد... فإذا 
انتهى إلى حيث لا يطيق أنْ يبعد في سبيله»779. ويقول المعري أيضا: 


العَقلُ إِنْ يَضْعُف يكُنْ مع هذه الدّنيا كعاشق مُومس تُغويه 
أو يَقَوّ فهيّ لَهُ كحُرّة عاقل حسناءً يَهواها ولا تُهويه(231) 
العقل يضعف ويقوى وتتبعه الإرادة والعزيمة, إذا فهمَ الإنسان الحياة الدنياء ويقول المعري: 
قضى الله أن الآدميّ معذبٌ إلى أن بقول العالمون به قضا 
فهئيء ولاةً المت يوم رحيله أصابوا ثراثا واستراح الذي مض 232) 
قضى الله أيْ حكم.: وبه قضى أي به مات. ون يجد الإنسان راحة في الدنيا؟ يقول ابن العربي: 
قد أقسم الله لي في سورة البلد بأنه خَلَقَ الإنسانَ في كب (233) 
فإذا اعتقد العقل بقدرته على فعل شيء سيفعله. وفي النهاية كجميع المفكرين وصل إلى حقيقة: ويقول المعري: 
العقل يُوضحٌ للش 4ك منهّجا فاحذٌ حَذُْوَهْ(234) 
ويقول اللعري: 


ورّدثُ إلى دارٍ ا مصائبء مُجَبرا 2 وأصبحثٌ فيها ليس يُعجبني النْقَلُ 

أعاني شرورا لا قوامَ بمثلها ودناسٌ طبع لا يُهَذْبُهُ الَقل 

سَحائبٌ للسّقيا وسُّحْبٌ من الرّدى2 وِلنَبثُ أناس مثلّ ما لْبَتَ البقل 

وللحيّ رزقٌ ماأتاهُ بسَعيه ‏ وعَقلٌ ولكن ليس يَنفَعُهُ العقل(235) 

بسبب هذه القصيدة وشقيقاتهاء انّهموه بالجبرية» والمعري كان متشائما لكنه لم يكن جبريًاء لأنَّ الجبرية 

تنفي الأفعال عن العباد وتنسبها إلى الله تعالىء ويقتضي هذا بالحكم أنَّ الإنسان مُسَيْر وبذلك يسقط عنه 
التكليف. لأنَّه كريشة في مهبٌ الريح لا خيار له ولا إرادة. ولقد تهكّم بهم المعري في أشعاره بتركيزه على 
وظيفة العقل ودوره في توجيه الإرادة إلى الخير العام وليس الخاص والشخصي والذاتي. يقول المعري: 


رأيتٌ قضاَء الله أوجَبَ خَلْقَهُ وعاد عليهم في تصرّفه سَلبا 
وقد غلب الأحياءً في كلّ وجهة هواهمْ وإن كانوا غطارفة عُلْبا 
كلابٌ تغاوث أو تعاوت لجيفة وأحسَبُني أصبحتٌ ألأمَها كلبا 
أبّينا سوى غِشّ الصّدور وإنما ينال ثواب الله أسلمُنا قلبا(236) 


المعري يؤْمنُ به. ولا يؤمن بالجبر ولهذا يذمٌ الإنسان الذي غلبهٌ هواه. 
المشكري والمجتمج كوجينو مضاد 
مِنْ أينَ تسرّب الشك إلى قلب المعري؟ من التفكير, إذا كان الكوجيتو الديكارق قد استحالٌ سردا في الأمير 


109 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


ا 





ميشكين كشخصية مفهومية لا تختلف عن كيشوته. شخصية انطلقت من شكوك واقعية, كمصدر ليقين 
مُخادع «فهل هناك ما يزيد على هذين العنصرين: المفهوم ومجال المحايثة؟ الكوجيتو والمفاهيم المترافقة؟ 
هل هناك شيءٌ آخر فيما يتعلق بحالة ديكارت, غير الكوجيتو المْبتدّع وصورة مفترضة للفكر؟ إِنّه الأبلهه 
مَنْ يقول أناء يقذف بالكوجيتو لكنه يحمل الافتراضات الذاتية أو يرسم الحُسطّح. الأبله هو المفكّر الشخصي 
المناقض للأستاذ العمومي... المفكّر الشخصي إِنّما يُشْكُّل مفهوما بقوى فطرية يمتلكها كل فرد كإمكانية 
لحسابه: أفكّر. ذلك هو نموذج شخصية غريب جداء من يريد أنْ يفكّر ويفكّر بذاته» 2377 

انتهجّ المعري الشكُ طريقا كما صار لديكارت من بعده: والكوجيتو الديكارق مُحال إلى أنا ترنسندنتالية 
«أنا أشكء أنا موجود», والكوجيتو الهوسرلي لا يبتعد عن هذه الأنا المفكرة. والتفكير لا يكون إلا في ظاهرة 
من العالم الخارجيء والكوجيتو الهيدجري يناقش «أصالة الوجود ولا أصالته باعتبار الأصالة هي الكينونة 
واللاكينونة. ويناقش في كتابه «الكينونة والزمان» موضوعات وجودية: الهمء والقلق» والإثمء والتناهي, 
والموت... وقد تعينت إنيّة الدّازين من حيث صورتها بوصفها صورة في الوجود»(29, والصور التي في الوجود 
أصيلة وغير أصيلة و«إن الدّازين هو الكائن الذي في كينونته هو يسلك إزاء هذه الكينونة سلوكا فاهماء بذلك 
يكون قد كُشفٌ عن المفهوم الصوري للوجود... فمن شأن الدّازين الموجود أنْ تنتمي إليه الكينونة - التي لي 
في كل مرة - بوصفها شرط إمكان الأصالة واللا أصالة»(277. والحقيقة عند هيدجر هي «تطابق الشيء مع 
العقل... مع المعرفة... غير أنَّ الحقيقة المفهومة على هذا النحوء أي حقيقة القضية. لا تقوم إلا على أساس 
حقيقة الشيء. أيْ تطابق الشيء مع العقل»40©, 

والكوجيتو الفوكوي: لا يمكن أنْ تكون مجنونا أمام الكوجيتو من حيث ماهيته. ليأتي الكوجيتو الدريدي 
اعتراضا على أستاذه فوكو «سواء كنت مجنونا أو لم أكنء فإِنَّ الكوجيتو يظل موجوداء وليس الجنون في كل 
معانيه سوى حالة من حالات الفكر»(1*©, لكن فوكو انَّخلَّ الكوجيتو كنمط من أنماط معرفة الذات يحاول 
كشف تقنيات الذات مقابل السلطة يتفرع إلى ثلاثة آفاق فكرية: 

- أنا أبحث عن الحقيقة, أنا أنتج المعرفة. وهذا الإنتاج فعل تواصاي. 

- أنا متعالق مع سلطة. أنا أملك سلطة. وممارسة السلطة فعل تواصلي. 

- أنا متعالق مع الأخلاق بمقايضة الفعل مع العقلء وممارسة الأخلاق فعل تواصلي. 

يكاد المعري يكون قد استخدم كل هذه الأنواع من الكوجيتوات, وإِنْ بصورة مُبسَّطة لم تُنْقصٌ شيئا من 
مشروعه الفكري أو النقديء حيث استخدمَ العقل واستندٌ إليه حتى اكتشف قصوره أمام الميتافيزيقا فتركه 
ونصحّ بتركه, ثم عاد وناقشٌ الوجود بجوانبه كافة: الحياة, والموت» والدينء والسياسة, والأدب. مشغولا بهمه 
منطلقا من شكوكه في البحث عن الحقيقة. 

هناك عملية مُبادلة بين كوجيتو فردي وآخر جمعي أفصح المعري عنهما في بيتين من شعره أحدهما عن 
الإرادة الفردية في الكوجيتو الديكارق من قول المعري: 

أما اليقينٌ فلا يقينَ ونا أقصى اجتهادي أن أظنُّ وأحدسَ(242) 


110 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


0 





والقول الآخر عن الإرادة الجمعية من قول ال معري: 


وقد عَدِمَّ التَيَفَنُ في زمان حَصَلنا من حجاهُ على التَظّني 
فقلنا للهزبر : أأنت لَِيثٌّ؟ فشك وقال: عَلَي أو أي (0243) 


حجاه: عقلةٌ: عقل العصر الذي عاش فيه المعري الذي استندّ الشكٌ مذهبا قبل ولادته بقرن من الزمانء ثم 
ترسّخ وساد مجالات الحياة كافة, في مجتمع م ير لنفسه نشاطا يشعره بوجوده خارج دائرة الشكوك التي يثيرها. 

لكن الشك في عصر المعري لم يكن علمياء بل كان ظاهرة اجتماعية كادت تكون روح ذلك العصر اللأفون» 
حيث تشوّهت منظومة القيم والمبادئ والأخلاق» واندثرت هيبة السلطة العامة المتمثلة في شخص الخليفة 
المنشغل بملذاته وكثرة الطامعين من حوله والمتنفذين المؤيدين لطوائف ومذاهب ضدّ أخرى. 

في شيخوخته تجدٌ له أشعارا إيمانية تّعظُم الله وشرعه, ذكره ناصر خسرو في رحلته «يقوم الليل ويصوم 
الدهر... سأله رجلٌ لِمَ تعط الناس ولا تقوت نفسك؟ فأجاب: إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي»ء2448, 
ومصداق ذلك في أشعار المعري كثير. منها قوله: 


يزورُني القومٌ هذا أرضَة من من البلاد وهذا دارّه الطْبَسُ 
يَبحُون مني قينا لست أحسِئة فنْ صَدَقتُ عرَتهُمْ أوجةٌ عُبُس 
ماذا تريدونَ؟ لا مال تِيَسْرَ لي فيستماحٌ ولا علمٌ فيقتَبَس 

ما يُجِبُ النّاس إلا قول مُختدع كأنّ قوما إذا ما شُرّيُوا أبسور(245) 


المعري انطلق من تجربة حياتية وإِنْ بدت فردية» لا يمكن فصلها عن المجتمع الذي نشأت فيه, ولا عن 
لحظات القطيعة التي سوؤّغت بعض الممارسات الاجتماعية التي انتقدها المعري في شعره الذي منحه وظيفة 
كاشفة لسمات مجتمع سَبَقَّثْ فيه الأجوبة الجاهزة المقولبة: أسئلتها. يقول المعري: 
إن العراق وإِنْ الشَّامَ مذ زمَن صفرانٍ مابهما للمّلكِ سلطان 
ساس الأنامَ شَياطِينٌ مُسَلْضَةً في كلّ مصر من الوالينَ شَيطان 


واه مءو5 2 > إن ا اليك ”ا ٠‏ (246 

من ليسّ يَحفِلُ خَمصّ الناس كلّهِمُ ‏ إن بات يَشرّبٌ خَمرا وهو مبطان (2/6) 
يقول المعري: 

فإني أرى الآفاق دانث لظالم يَغْرٌ بغاياها ويشربُ خَمرّها”*7 


فالمجتمع الذي يرى الظلم والفساد طلبا للسلامة ستنقلب سلامته حربا وخوفاء وقد جاء في الحديث 
«إذا رأيت أمتى تهاب الظام أن تقول له: أنت ظامء فقد تودع منهم»(2'. أي وقعَ اليأس من صلاحهم. 


111 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





م 


الهوامش 


112 


هانس كوكلرء الشك ونقد المجتمع في فكر مارتن هيدجرء ترجمة: حميد لشهبء دار جداول» 2013 بيروت. ص27. 
هانس كوككرء المصدر السابقء ص30. 

فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه. علم الاجتماع .. من النظريات الكبرى إلى الشؤون اليومية, ترجمة: د. إياس 
حسنء. دار الفرقد. 2010,. دمشق: ص11. 

جينيفر مايكل هيكت. تاريخ الشكء ترجمة: عماد شيحة, المركز القومي للترجمة؛ 2014: القاهرة. ص40. 

بدءا بالدين اليهودي. حيث يبتكرٌ كل قوم إلها يتلاءم مع خصائصهم ورغباتهم ظفَأَتوا عَلَى قَْم يَحْكُفُونَ عَلَى أضتام 
لَهُمْ قَانُوا يَا مُوسَى اجْحَلُ نا إلّها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إِنْكُمْ قَْم تَجْهَلُونَ4, الأعراف: الآية 138. 

جينيفر مايكل هيكت. تاريخ الشك. ص101. 

جينيفر مايكل هيكت,. تاريخ الشك. ص303. 

أبو العلاء المعريء رسالة الغفران» تحقيق: فوزي عطويء منشورات مكتبة التحريرء 1987, بغداد.ء ص210. 

جمال الدين أبو الحسن القفطيء إنباه الرواة على أنباه النحاةء تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, دار الفكر العربي» 
2, القاهرة. ج1. ص95: ترجمة المعريء التسلسل 29. 

أبو العلاء المعريء رسالة الغفران» ص118. 

المعريء رسالة الهناء. تحقيق: كامل كيلاني دار لآفاق الجديدة, ط4, 1982., بيروت. ص79. 


المعري, رسالة الهناء. ص96. 

مؤلفات مارون عبود, ا لمجموعة الكاملة: المجلد التاسع .. التراجم, أبو العلاء المعري زوبعة الدهورء دار مارون عبود. 
بيروت. ط2: 1975 ص328. 

المعري. شرح اللزوميات, تحقيق: منير المدنيء وزينب القوصيء ووفاء الأعصرء وسيدة حامد. الهيئة المصرية العامة 
للكتاب. 1992, القاهرة. ج3, ص183. 


شرح اللزوميات. مصدر سابق؛ ج3, ص173. والعظلم صبعٌ أحمر وقيل الوسم. 

جمهورية أوزبكستان والجزء الجنوبي الغربي من كازاخستان وشمال أفغانستان. 

أحمد أمينء ظهر الإسلام, مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة, 2013, القاهرة. ص84. 

أبو يوسف القزويني عبدالسلام بن محمد بن يوسف بن بندارء قال عنه ابن عقيل: كان رجلا طويل اللسانء يعلم 
تارة ويسفه أخرى. وم يكن محققا في علم» وكان يفتخر ويقول: أنا معتزليء وكان ذلك جهلا منه. لأنه يخاطر بدمه 
في مذهب لا يساوي. ومن أخبار تهوره, قوله للمعري بأنّه يهجو الأنبياء. 

ابن الجوزيء المنتظم في تاريخ الأمم والملوك, دار الكتب العلمية. 1992, بيروت. ج17. ص21. 

المعري. قصيدة ألا فانعّموا واحدّرواء في الحياة دواوين الشعر العربي على مر العصور, المكتبة الشاملة على قرص 
صلبء ج41, ص323. 

شرح اللزوميات. مصدر سابق, ج3, ص139. 

أبو العلاء المعري, الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ, تحقيق: محمود حسن زناق. دار الآفاق الجديدة, 
بيروت. ص272 و273. الذّنَفٌ مَنْ طال مرضه. 

القفطيء إنباه الرواة على أنباه النحاة» ج1ء ص109: ترجمة المعري» تسلسل 29. 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


0 





ديوان المعري. مصدر الكتاب: موقع أدب ددمء.ط جومت 1. والمكتبة الشاملة. 

المصدر السابق عينه. 

المصدر السابق عينه. 

المصدر السابق عينه. 

شروح سقط الزند للتبريزي والبطليوسي والخوارزمي, 1986, القاهرة, ص10., أصابَ عُفْة وهي البَلحّة. 

ديوان المعري, المصدر السابق عينه. 

المعري. قصيدة إذا ما استهّل الطفل قال وُلَاتّهُ ج41 ص152. 

ديوان المعري, المصدر السابق عينه. وقال الفضيل بن عياض: مَنْ عَرَفَ النّاس استراح. 

ديوان المعريء مصدر سابقء والمعنى من قوله تعالى «لَيْسَ الِْر أنْ تَوَلُوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقٍ وَالْمَعْربِ4 البقرة: 
الآية 177 وهو القول الفصل في حسم الجدل حول إشكالية العبادات والشعائر وحركات الجسد لا يمكن أنْ تكون 
عبادة مالم يُرّد بها وجه الله تعالى. وفي الحديث الصحيح «إنَّ في الجَسّد مضغة إذا صَلحت صَلّح لها سائرٌ الجسد. 
وإذا فَسَدت فسدّ لها سائرٌ الجسد ألا وهي القلب». 

د. تغريد زعيميّان, الآراء الفلسفية عند أب العلاء المعري وعمر الخيامء الدار الثقافية للنشر, 2003 القاهرة. ص159 
و160. د. عائشة عبدالرحمنء مع أبي العلاء في رحلة حياته. ص302, 305. 

فريدريك نيتشه. هكذا تكلم زرادشت, ترجمة: علي مصباح. منشورات الجملء بغداد. 2007, ص73. 

أيّدهم الوليد بن يزيد بن عبدالملك. ثم تواروا حتى صعد نجمهم عند المأمون وشقيقه المعتصم وابنه الوائق ثم 
حظرهم المتوكل, لكن فكرهم كان قد تسلل إلى عقل العصر. 

التفتازانيء شرح المقاصد في علم الكلام, دار المعارف النعمانية, 1981: باكستان. ج1,» ص48. 

ياقوت الحمويء معجم الأدباء. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» تحقيق: إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي, 21993 
بيروت» ج1ء ص316. 

هكتور هوتونء متعة الفلسفة. ترجمة: يعقوب يوسفء بيت الحكمة. 2002, بغداد. ص281. 

حتى أنَّ باسكال قد قال: «إنَّ الشك في الله إِيمانُ بوجوده» بلزاك. امرأة في الثلاثين. ترجمة: عبدالفتاح الديدي, دار 
المعارف. مصرء. 1970: ص182. 

شوقي ضيفء الفن ومذاهبه في الشعر العربيء دار المعارف. مصرء ط11, 1987. ص391. 

سيمون مالباسء ما بعد الحداثة. ترجمة: د باسل المسالمة, دار التكوين» 2012, دمشق. ص48. 

ما جدوى الوجود في عام لا متناهي التماثل؟ الاختلاف شرط الهُويّة. الأسوأ شرط الأفضل, والخطأ شرط الصواب» 
يقول تعالى «ولاً يَرَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَن رْحِمَ رَبْكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُْ4 هود: الآيتان 118 و119. خلقهم للاختلاف. 
ويقول تعالى 9وَمِنْ آياته خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ ألْسِتَبَكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ4 سورة الروم: الآية 22. وقد جاء 
في الأثر «لايزال الناس بخير ما تباينواء فإذا تساووا هلكوا». غياب الاختلاف هو غياب العقل والتفكير, والاختلاف 
شرط الحضارة والتطور» ووفق إسبينوزا «حرية التفكير لا تمثّل خطرا على الإيمان. أو بتعبير آخر أنَّ العقل هو أساس 
الإيمان, والثاني إثبات أن حرية التفكير لا تمَثّل خطرا على سلامة الدولة, أي أنَّ العقل أساس كل نظام سياسي تتبعة 
الدولة... بل إِنَّ القضاء على حريّة التفكير يؤدي إلى ضياع سلامة الدولة والإيمان», إسبينوزاء رسالة في اللاهوت 
والسياسة, ت: د. حسن حنفيء دار التنوير,» 22005 بيروت. ص13. 

ديوان المعري, قصيدة: يا ملوك البلادء فزتم بِنَسءِ العمرء موقع أدب مرمء.طهف ١”.‏ 

د. أحمد أبو زيد, المرأة والحضارة» مجلة عام الفكر, المجلد السابع؛ العدد الأول. 1976, الكويت. ص19. 


113 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


وو 1000 11 


114 


ديوان المعري. موقع أدب صدمى.طه 2 بم 
المعريء رسالة الغفران. مصدر سابق» ص161. 
ديوان المعريء قصيدة: الكونُ في جملة العوافيء ج39, ص154. 
ديوان المعري. موقع أدب صدمى.طممه بج 
ديوان ال معري. موقع أدب ددمى.طهفه جم 
كأخبار علية بنت المهدي مع شقيقها هارون الرشيد. والخيزران والدته ووالدة المقتدر بالله شغبء وهي جارية 
أنجبت للمعتضد ابنه المقتدر. وقتلت ضرائرها بالسم: قطر الندى بنت أحمد بن طولون. والتركية جيجكء ودريرة, 
تولى ابنها المقتدر بالله الخلافة وعمره 13 سنة فكانت الأمور بيدهاء فقتلها القاهر انتقاما لأمّهء وفي عهد الأخير خرج 
علي بن بويه فسمل عيني الخليفة وقتله لسوء سيرته. 
ديوان المعري. موقع أدب حدمى.طهل مجنم . 
ديوان المعريء موقع أدب حدم.طقفة بوبم 
أبو بكر الصولي أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهمء مطبعة الصاويء القاهرة. 1936, باب علية بنت المهدي. ص76 
ديوان المعري. موقع أدب ندم.طقلة بصم 
ديوان المعري. موقع أذب ددم.طقفة. بج 
ديوان المعريء موقع أدب ددمى.طقفة. بج 
كريستيان دوميهء جنوح الفلاسفة الشعريء ترجمة: ريتا خاطر المنظمة العربية للترجمة؛ 2013, بيروت. ص35. 
ديوان المعري. موقع أدب ددمى.طمفةوصت. 
كوتاثار - لعبة الحجلة, ترجمة: علي إبراهيم علي منوفء المجلس الأعلى للثقافة, 2000, القاهرة. ص465. 
أبو علي العراقي. نضرة الإغريض في نصرة القريضء تحقيق: د. نهى عارف الحسنء مجمع اللغة العربية. دمشق, 
ص12. 
جياني فاتيموء نهاية الحداثة. ترجمة: فاطمة الجيّوشيء وزارة الثقافة, 1998, دمشق. ص75. 
هيدجرء أصل العمل الفنيء ترجمة: د. أبو العيد دودوء منشورات الجملء 2003, كولونيا. ص63. 
هيدجرء أصل العمل الفنيء ترجمة: د. أبو العيد دودو. منشورات الجملء 22003 كولونياء ص87. 
هيدجرء أصل العمل الفني» ترجمة: د. أبو العيد دودو. منشورات الجملء 2003, كولونياء ص91. 
فرناندو بيسواء لست ذا شأنء ترجمة: إسكندر حبشء منشورات الجملء بغداذ. 2015, ص29. 
ابن سنان الخفاجيء سر الفصاحة, دار الكتب العلمية, 1982 بيروت» ص135. 
ثبت قول رَسُولَ الله صَلَى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَسَانَ بْنِ ابت «اهْجُهُمْ أو هَاجِهِمْء وَحِبْرِيلُ مَعَكَه, البخاري ومسلم 
والإمام أحمد. وفي رواية النسائي: وروح القدس معك. 
ديوان المعري, موقع أدب حدمى.طققة بج . 
ديوان المعري. موقع أدب دومى.طهة مم 
لقاء مع برتراند راسل حول: ما هي الفلسفة؟ على الموقع: 
ا ا ا ا ال 
عبدالله العروي. مفهوم العقلء مقالة في المفارقات. المركز الثقافي العربي. ط3. 2001, بيروت. ص12. 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


0ن 





المعريء شرح اللزوميات. تحقيق: منير المدنيء وزينب القوصيء ووفاء الأعصرء وسيدة حامدء الهيئة المصرية العامة 
للكتاب. 1992, القاهرة. ج1. ص49. السّقْبٍ ولد الثاقة الذكر, الرأل فرخ النعامة, والتريكة البيضة, والغرس اللشيمة. 
لم يقل الأصمعي ذلك على وجه الدّقة. تا قال «طريق الشعر هو طريق الفحول. من صفات الديار والرّحل, والهجاء 
والمديح... فإذا أدخلته في باب الخير لان» المرزبانيء الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. تحقيق: محمد حسين 
شمس الدينء دار الكتب العلمية. 1995. بيروت.» ص78. 
الموسوعة الشاملة مجمع الحكم والأمثال» موقع: 

لمغط. /11554/234/طقة/0/3 /سدمع ده جسفلعة//:جاغط 
طه حسين. المعري: أشاعر أم فيلسوفء مجلة الهلال. عدد يونيو 1938 ص849, عدد خاص بال معري. 
طه حسينء المعري .. أشاعر أم فيلسوف؟ مجلة الهلال. عدد يونيو 1938. ص849, عدد خاص با معري. 
رهان باسكال «إمًا أنْ تعتقد أن الله موجود أو لا تعتقد. فماذا تختار؟ وَاذِن بين كلّ ما يمكن أن تربح وما يمكن أنْ 
تخسرء إذا راهنتٌ بكلّ ما تملك على وجود الله. فإذا كسبتٌ الرهان فقد حصلت على سعادة أبدية. وإذا أخفقتٌ 
فلست تخاطر بشيء»» فالذي يؤمن بالله ونبيّه لا يُحَاطِرٌ بدنياهء فإِنْ كان هناك حَشْرٌ وَحِساب فار وإنْ لم يكن لن 
يخسر شيئا كما في قوله تعالى 9وَإنْ يَكُ كاذبا فََلِْ كذبهُ َإِنْ يكُ صَادِقا يُصِبَكُمْ بَْصُ الذي يَعِدْكُمْ4 غافر: الآية 28. 
ديوان المعري. قصيدة: يلام الُمسِكٌ الإعطاة حتى, المكتبة الشاملة على قرص صلبء. ص1131. 
أبو العلاء المعري, رسالة الغفران» تحقيق: فوزي عطوي. منشورات مكتبة التحريرء 1987, بغداد. ص115. 
شروح سقط الزند للتبريزي والبطليوسي والخوارزمي. تحقيق: مجموعة أساتذة, الهيئة المصرية العامة للكتاب. 
ط3: 1986 القاهرة. ص10. والسٌّقب ولد الناقة, والرأل فرخ النعامة, والتريكة بيضته في خَلّدي في روعي في قلبي» 
والإخلاد بمعنى الميلء ورجلٌ عِرّْهِي وعِزّْهاء لا يريد اللهو والنّساءء والرير الكثير الزيارة للنساء. 
المعري. شرح اللزوميات» تحقيق: منير المدنيء وزينب القوصيء ووفاء الأعصر, وسيدة حامد, الهيئة المصرية العامة 
للكتاب. 1992, القاهرة. ج1. ص19. السٌميط: الآجرٌ المبني بعضه فوق بعض. 
ديوان المعريء قصيدة على الكذب اتفقنا فاختلقفنا. موقع أدب: سدمء.طهل ةبص 
المعري. سقط الزند. دار صادر للطباعة والنشرء بيروت. 1957 ص194. 
ديوان المعريء قصيدة أولو الفضلء في أوطانهم. موقع أدب: حدمء.طمة همصب 
ديوان المعري قصيدة تَهاوَنْ بالظنونٍ وما حدَّسْتَهُ موقع أدب: ددمء.طفل ه مص 
قوله تعالى (فلا تزكوا أنفسكم) النجم: الآية 32. ولأَقَمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوهُ عَمَلِهِ فَرآهُ حَسّنا» فاطر: الآية 8. حديث 
«لولم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك العجب». رواه البزاز. رضا العبد عن نفسه وحسن ظنه بهاء جهلٌ 
بحقيقة الربوبية والعبودية. لا يَكْيِرٌ الْعُجْبَ إلا أَنْ يَرَى عَمَلَه الصالح بتوفيق مِنَّ الله تَعَاَ. 
المعريء الفصول والغايات, تحقيق: محمود حسن زناتي دار الآفاق الجديدة, بيروت. ص170. 
وليد محمود خالصء أبو العلاء المعري ناقداء دار الرشيد. 1982, بغداد. ص127. 
ديوان المعري. قصيدة بِنْتُ عن الدنيا ولا بنتَ إيء موقع أدب: ددمء.طققه بص 
المعري. شرح اللزوميات. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992 القاهرة. ج3, ص57. 
المعريء شرح اللزوميات, الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992., القاهرة. ج3, ص49. 
ديوان المعريء قصيدة لقد نَقَقَ رديه ورب مر موقع أدب: ددم.طمل هممصم 


115 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


سس 111 01ر1 و مج700 10 10 1 ٠1‏ ا 


116 


المعري. قصيدة مَنْ لي بإمليسيّة, أعني بهاء دواوين الشعر العربي على مر العصور, المكتبة الشاملة على قرص صلبء 
ج41. ص79. 

ديوان المعري. قصيدة أوانّ هَمْء فألقَى أواني. موقع أدب: درمء.طمهه ص 

ديوان المعري, قصيدة من لي أن أقيمَ في بلد. موقع أدب: ددمء.ط0 ,صم 

المعريء قصيدة تعالي قُدرَّة وحُفوتُ جَرْسِء دواوين الشعر العربي على مر العصور, المكتبة الشاملة على قرص صلب» 
ج41 ص87. 

ديوان المعري» قصيدة عَرَفْتّك جَيّداء يا م دَفْر موقع أدب: مرمء.طهله وي 

ديوان المعريء قصيدة تصَّدَّق على الأعَمى بأخذ يمينه. موقع أدب: درمء.طهفه صم 

شرح اللزوميات, الهيثئة المصرية العامة للكتاب. تحقيق: سيدة حامد ومنير المدنيء وزينب القوصي ووفاء الأعصرء 
4 ج1, ص55. 

المعريء قصيدة سرَّيْنا وطالبنا هاجعء دواوين الشعر العربي على مر العصورء المكتبة الشاملة على قرص صلبء» 
ج39 ص310. 

ديوان ا معريء قصيدة: تلقّبَ مَلكٌ قاهرا مِن سَفاهة, المكتبة الشاملة على قرص صلب. ص417. 

ديوان المعري. قصيدة يأق على الخلق إصباحٌ وإمسايٌ موقع أدب: «رمء.طة0 :و7 


المعري» رسالة الملائكة, دار الآفاق الجديدة. ط3, 1979» بيروت. ص56. 


ديوان المعري, قصيدة الرُوحٌ تنأى» فلا يُدرى بموضعهاء موقع أدب: د«رمء.ط02 بصب 
المعريء قصيدة. لذَّائَنا إل الزّمانٍِ ينالهاء رقم القصيدة : 3871, دواوين الشعر العربي على مر العصور. موقع أدب. 
المعريء لزوم ما لا يلزم. مطبعة التوفيق العربية. مصر. ط2, 1923. ص235. 
أبو الفتح العباسيء معاهد التنصيص على شواهد التلخيصء تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد, عام الكتب» 
بيروت» ج1ء ص139. 
ديوان المعريء. قصيدة تصَّدَّقْ على الأعَمى بأخذ يمينه. موقع أدب: دومء.طمفه صم 
المعري. شرح اللزوميات. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992, القاهرة. ج3, ص34. 
ديوان المعري. قصيدة: الكلب وضوء القمرء موقع: 

صسغطءصعمهدس/ماعمم طهعة /ددمء,طه »حل مص تطوعة, بجو / /تصقط 
ديوان المعري, قصيدة العنقاء, الرابط: مط همهم /ئاعه م طمعه لصدمء.طه مل هص نطهعة مصص///نجغط 
منهم محمد بن إسحاق البحاق الزوزنّ هجاه في قصيدة أوّلها «كلبٌ عوى بمعرّة التتعمان لا خلا عن ربقة الإيمان. 
أ معرة التّعمان ما أنجبت إذ. خرّجت منك معرّة العميان», أبو الحسن الباخرزيء دمية القصر وعصرة أهل العصر. 
تحقيق: د. محمد ألتونجيء دار الجيل, 1993.: بيروت. ج1: القسم الثاني طبقات شعراء الشام. ص158. 
رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح, مجاني الأدب في حدائق العرب. مطبعة الآباء اليسوعيين, 1913, بيروت» ج6. ص227. 
ديوان المعريء قصيدة أ عاذلتي ارتجَرْتُ على امناياء موقع أدب: ددمء.202 :مص 
ديوان المعريء قصيدة صَفَرِيّ من بَعدِه رحبي الموسوعة الشاملة على قرص صلب. ص1504. 
ديوان المعري, قصيدة أعَن وَخْدِ القلاص كشَّفْتِ حالاء موقع: لصغط.23633دمعمم ناعه.مهسانةله بصم 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





د. هشام القلفاطء المتغير الأدبي في شروح سقط الزند لأبي العلاء المعري. عالم الكتب الحديث. 2009, إربدء 
ص51. الثُويّة موضع بظهر الكوفة. وثْدَيّ في الشام. عدم التمييز بين هذه الأماكن المتشابهة. يعني تعطيل 
العقل فيكون الضلال غير ضلال والإفساد إصلاح. يتبع كل فرد ما يوافق أهواءه من آراء. أسوأ صور غياب 
العقل رؤية القبيح حسناء يقول تعالى «وَإِذَا قِيل َه لآ تُفْسِدُوأ في الأَرْضٍ قَالُوأ ما نَحْنُ مُصْلِحُونَ» 
البقرة: الآية 11. وَظَاالّذِينَ صَلَ سَعْيُهُْمْ في الْحَيَاة الدْنيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنْهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا» الكهف: 
الآية 104. 

أتين دي لابويسيه, مقالة في العبودية» ترجمة: مصطفى صفوانء منشورات الجملء. 2005, كولونياء ص21. 
أفلاطون. الجمهورية» ترجمة: عيسى الحسن. الأهلية للنشر للتوزيع. 2009, عمّانء الكتاب الأول: العدالة 
فضيلة الإنسان. ص95, يناقش سقراط ثرايسماخوس الذي كان يعتقد الظالم حكيما وفاضلاء ص100 يجيره على 
الاعتراف أن العدالة فضيلة وحكمة والظلم رذيلة وجهل. يسأله سقراط: أمن الممكن لأيّ دولة أو جيش أو 
عصبة من النهابين واللصوص أو أي جماعة من الأشرار انٌحدت لعمل ميء. أنْ تنجحَ في عملها لو دأبَ كل منها 
على الإضرار بالآخرين؟ ليجيب ثرايسماخوس بالنفي. ويكمل سقراط: «ومرد ذلك أنْ الظلم يخلق الانشقاق 
والبغضاء.... ص101». 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم أمتي نَهَابُ الظالم أن تقول له: إنك أنت ظاللمء فقد ود 
منهم». مسند الإمام أحمد والحاكم في المستدرك والطبرانيء وفي صحيح البخاري قال عمرو بن العاص يصف 
الروم «إِنّ فِيهم لَخِصَالا أْبَعا: إِنُهُمْ ار ع رع الاي 1 بَعْدَ قَرّة وَإِنّْهُمْ لَخَيْرُ النّاسٍِ لمشكين وَفَقِير وَضَعِيف: 
وَإِنْهُحْ أخْلَمُ النْاسٍ عِنْدَ فِثْة وَالرابِعَةُ < ا نْهُمْ لأمتَعٌ النّاسٍ مِنْ ظلم الْمُلُوكِ». 

ديوان المعري» قصيدة يَقَولُ النّاسٌ: إن الخَمرّ ثودي. 0 الشاملة. ص1303. 

لوكاتش, تحطيم العقل, ترجمة: إلياس مرقصء دار الحقيقة, ط2, 1983, بيروت» ج1, ص13. 

ديوان المعريء قصيدة الفكرٌ حَبلٌ متى ممْسَكْ على طرّف. موقع أدب: صرمء.طملة بج 


أفلاطون. الجمهورية. ترجمة: عيسى الحسن.ء الأهلية للنشر للتوزيع, 2009, عمّانء الكتاب الأول العدالة فضيلة 
الإنسان. ص65) 107: حيث يناقش أفلاطون على لسان سقراط كيف نبني إنسانا يحب العدالة؛ ويُقَسْمَهُ إلى: الرأس 
وفيه العقل. وفضيلته الحكمة. القلب وفيه العاطفة, وفضيلته الشجاعة. البطن: وفيه الشهوات. وفضيلته الاعتدال. 
العقل يضبط الشهوات, العواطف تساعد العقل في عمله. البطن تنأى عن الشهوات. 

د. حامد إبراهيم؛ نظرية النفس بين أرسطو وابن سيناء مجلة جامعة دمشقء المجلد 19, 2003, دمشق: ص207. 
أرسطوء كتاب النفسء ترجمة: أحمد فؤاد الأهوانيء دار إحياء الكتاب العربي. 1949, القاهرة. ص103. 

هيدجرء أصل العمل الفني: ترجمة: د. أبو العيد دودو. منشورات الجملء 2003: كولونياء ص59. 

يقول تعالى (وَيَسْأَلُوئَكَ عَنِ الرُوح كُلٍ الرُوحُ مِنْ أر رَئي وَمَا أُوتيئم من الْعلم إلا قليلا) الإسراء: الآية 85. الروح التي 
نجهلها تفارق الجسد أثناء النوم بصفة مؤقتة: فلا يتفسّخ الجسد. وتفارقه أثناء الموت فيتفسٌّخ الجسد. رغم تطور 
العلوم مازلنا لا نعرف عنها شيئا. 

ديوان المعري. قصيدة خاب الذي سار عن دُنياهُ مُرتحلاء موقع أدب: ددم.طه0 بصم 

أفلاطونء محاورة بارمنيدسء ترجمة: حبيب الشارونيء المشروع القومي للترجمة, 2002, القاهرة. ص18. 


117 





118 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


نوك 


الأحكام التعبدية لا عِلّةَ لهاء صلاة الفجر ركعتان والعصر أريع ركعات, والأحكام التعبدية أقوى في التعبد وأبلغ 
في التذلل» الإنسان لا يقبل الحكم من إنسان, إلا إذا علم سببه. وعدم إطاعة أوامر الله لعدم فهم السبب نوع 
من الشرك. لقَوْلهِ تَحَالَ «لا يُسأل عَما يفعل وهم يسألون4 سُورَة الأَنْبيَاء: الآية 23. وعبادة الهوى. لقوله تعالى 
<أَرَأَيْتَ مَنِ انْخَذَ إِنَهَهُ هَوَاهُ أقأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكيلا» الفرقان: الآية 43. إذا وافق الأمر هواه ومصلحته التزمه. 
«أَقَمُؤْمِنُونَ ببَعْضٍ الكِتابٍ وَتَكْفْرُونَ ببَعْض 4 البقرة: الآية 85. وطوَمَا كانَ لِمُؤْمِن ولا مُؤْمَِة ذا قَقَى اللَهُ وَرَسُولَهُ 
مرا أنْ يَكُونَ لَهُمُ اْخترَةُ مِنْ أمرهم» الأحزاب: الآية 36. 

ديوان المعري. قصيدة جاءت أحاديثٌ إِنْ صَحّت فَإِن لهاء موقع أدب: صدم.طمل 2ج 

يقول تعالى 9وَشَاوِرَهُمْ في الأمْرِ قَإِذًا عَرَمْتَ فَتوكل عَلَى الله إن الله يُحِبٌ الْمُتَوكلِينَ4 آل عمران: الآية 159. وفي 
الحديث: «قال رجل للنبي صَلَنْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلُمْ يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: بل اعقلها 
وتوكل». 

المعريء لزوم ما لا يلزم. مطبعة التوفيق العربية. مصرء ط2, 1923. ص238. 

أبو العلاء المعري. رسالة الغفران. تحقيق: فوزي عطويء منشورات مكتبة التحريرء 1987, بغدادء ص233. 

المعري. لزوم ما لا يلزم. مطبعة التوفيق العربية. مصرء ط2, 1923. ص236. 

ديوان المعري. قصيدة لقد قَنيتٌ. وهل تبقى. إذا عَمِرتْ موقع أدب: ددمء.طهفه:/0». المعري إذ ينفي الثسك 
والرهبنة, م ينفه بسَند من قوله تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم] الحديد: الآية 27 والحديث «إياكم 
والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين». مسند الإمام أحمد. والحديث «جاء ثلاث رهط إلى 
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته. فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي 
صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخرء قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداء وقال 
آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله . صلى الله عليه وسلم 
فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر .2 وأصلي وأرقد. وأتزوج 
النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني». البخاري ومسلم. وليس مني براءة وهي المروق سرعة الخروج من الدين 
والمرّاق جمع مارق. لكن نفيَّ المعري للنْسك جاء استنادا إلى زيفه. حيث لا يصدق النْسّاك في نسكهم ولا يخلصون. 
ديوان المعريء قصيدة إذا مَدَحوا آدَمِيًا مَدَحْ إذا عَمِرَثْء موقع أدب: تدمء.طقل ,مص 

رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح. مجاني الأدب في حدائق العرب. مطبعة الآباء اليسوعيين. 1913., بيروت» ج6: 
ص 227. 

د. شوقي ضيفء. عصر الدول والإمارات: الشام, دار المعارف. مصرء. ط2,. 1990, ص170. 

المعري. شرح اللزوميات. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992 القاهرة. ج3. ص140. 

ديوان المعري, قصيدة الموث رَبْعٌ فناء. لم يَضَعْ قَدّماء موقع أدب: ددمء.طمف هص 

ال معريء شرح اللزوميات. مصدر سابق. ج3, ص212. 

ديوان المعريء قصيدة لو اتْبَعون ويحهم لهديئهم. موقع: لمتغط.23633صمعمم /اعه.صدمزنلله بصم 

روبرت غرين» 33 إستراتيجية للحرب. ترجمة: سامر أبو هواش, مكتبة العبيكان. الرياض, 2009. ص255. 

ميسون محمود فخري العبهريء النقد الاجتماعي في لزوميات أبي العلاء المعريء رسالة ماجستير. جامعة النجاح 
الوطنية. 2005, نابلس, ص20, رسائل أب العلاء المعري. شرح شاهين عطية: دار القاموس الحديث: بيروت. ص74. 
المعري. شرح اللزوميات. تحقيق: منير المدنيء وزينب القوصيء ووفاء الأعصرء وسيدة حامد. الهيثة المصرية العامة 
للكتاب. 1992 القاهرة. ج3. ص366. 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


5-5 





المعريء شرح اللزوميات. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992 القاهرة. ج3. ص155. 

ديوان المعري. قصيدة أرائيك فليغفِرٌ لي اللهُ زَلَتيء موقع أدب: صدمء.طمفه ص 

«إنّ شَرٌ النْاسٍ عِنْدَ الله مَنْزْلَة يَوْمَ الْقيَامَةَ مَنْ تَرَكَهُ النّاسٌ انَّقَاءَ شَرّه»ه. رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود. 
ديوان المعري. قصيدة: يقولُ لك العقلٌ الذي بَيْنَ المُدىء موقع أدب: صدمى.طمففه ص 

ديوان المعريء قصيدة: ترج بلطف القولٍ رد مُخالفء المكتبة الشاملة على قرص صلبء ص544. 

ديوان المعري. قصيدة تعالى الله فهو بنا خبيرء موقع: لصغط.23139صعمم /اعه.عدسفل لصب« //:مقغط 

ديوان المعريء قصيدة: كأنّ منجّمَ الأقوام أعمّى. موقع أدب: دممء.طمل يصب 

شكسبيرء الملك ليرء ترجمة: إبراهيم رمزي. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة القاهرةء 2013. ص29. 

ديوان المعريء قصيدة: أنافق في الحياةٍ كفعلٍ غيريء موقع أدب: ددمء.طمفه»/ 

بن سنان الخفاجي الحلبي» سر الفصاحة, دار الكتب العلمية, 1982. بيروت, ص192. 

ديوان المعري» قصيدة جسم الفتى مثلُ قامَ, فعلٌ» المكتبة الشاملة على قرص صلبء ص1066. 

أيْ «مَنْ طال عمره جرب الناس وعرق الأمور». وهذا شرح التبريزي قارته الدكتور القلفاط بشرح الخوني الذي 
اعتمد السياق «مَن طالت صحبته من الأيام رأى أمورا غريبة وأحوالا عجيبة لم يعهدها وخادعته الأيام عمًا ألفه 
واعتاده في مجاري الأمور ومستقر العادات», د. هشام القلفاطء المتغير الأدبي في شروح سقط الزند لأبي العلاء 


المعري. معجز أحمد. تحقيق: د. عبدالمجيد دياب. دار المعارف. ط2 1992. القاهرة. جذ4ء العراقيات الأخيرة, 
ص 425. 


ديوان المعري قصيدة كلّمْ بسيفك قوما إن دّعوتهم, المكتبة الشاملة على قرص صلب. ص1288. 

ذكره بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى (وَأَنْرلْنَا الْحَدِيدَ فيه بَأْسٌ سَدِيدٌ وَمَتَافِعٌ لِلئّاس] الحديد: الآية 25. ذكره 
الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد ج4, ص 107» ونسبه إلى عمر. وذكره ابن عبد البر في «التمهيد. ج1, ص 118» 
ونسبه إلى عثمان. 

ديوان المعريء قصيدة: إِنْ هَلْلَتْ أَفواهُكُمْ فقلوبُكُمْ. موقع: أدب: درمء.طففه صم 

أبو الفتح العبامي. معاهد التنصيص على شواهد التلخيص, تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد. عام الكتبء 
بيروت. ج1ء ص143. 

ديوان المعريء قصيدة: لا سين على من ماتَء مُلتهفاء المكتبة الشاملة على قرص صلب. ص653. 

ديوان المعري. قصيدة: إذا رقعوا كلامهم بمذح, المكتبة الشاملة على قرص صلبء. ص699. 

المعري. شرح اللزوميات. ج1. ص460. وامرأة قصيرة أو قصورة مقصورة في البيت, والرّدائد المطلقات. 

ابن الجوزيء المنتظم في تاريخ الأمم والملوك. تحقيق: محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطاء دار الكتب 
العلمية. 1992, بيروت. ج16. ص23. 

عبدالفتاح كيليطوء أبو العلاء المعري أو متاهات القولء دار توبقال للنشرء ط1. 2000 الدار البيضاء. ص30. 

في صحيح البخاري «إفى لَمْ أومَز أن أنقْبَ قلُوبَ الئاسء وَلا شق بُطُوتهُْ». 

سورة البقرة: الآية 260, والحديث ذكره المفسرون الطبري وغيره, والبخاري وأحمد ومسلم وغيرهم. 

أبو العلاء المعريء رسالة الغفران. ص133. 


119 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





120 


لاق : 


مُقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة: جوارات منتقاة من الفكر الأماني المعاصرء ترجمة: محمد الشيخ وياسر 
الطائي. دار الطليعة, 1996 بيروت. ص139. 

أبو الفتح العباسي» معاهد التنصيص على شواهد التلخيص؛ تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد, عام الكتب» 
بيروت» ج1. ص141. 

ديوان المعري قصيدة: من قل اللْب عند النّصح أن تاباء ص17. 

ديوان المعري, قصيدة: تعالى الذي صاعٌ النَجومَ بِقٌدْرَة ص502. 

المعري. قصيدة سرَّيْنا وطالبنا هاجع دواوين الشعر العربي على مر العصورء ج39, ص310. 

المعري. سقط الزند, دار صادر للطباعة والنشرء بيروت. 1957, ص7. 

المعري. سقط الزند» ص7. 

ديوان المعريء قصيدة: الكونُ في جملة العوافي. ج39, ص154. 

ديوان المعريء قصيدة: يُلامُ المُمسِكُ الإعطاة حتى. ص1131. 

المعري. قصيدة أهل البسيطة. في هَمّ حياتُهُمُ. ج39. ص 440. 

المعريء قصيدة انفردّ الله بسلطانه. ج39, ص307. 

امعري. قصيدة دع الناس واصحبُ واخش بيداء قفرة. ج31, ص163. 

المعري. قصيدة دع الناس واصحبُ واخش بيداء قفرة. ج41. ص163. 

ا معري. سقط الزندء دار صادر للطباعة والنشرء بيروت. 1957 ص8. 

المعري قصيدة مر الزّمانُ فأضحى في الثرى حِسَدُء ج39, ص389. 

المعري. قصيدة دَعاكمْ إلى خَيرِ الأمور محمّدٌء ج41. ص227. 

عبيد البريكي, أبو العلاء المعري: من التمرد إلى العدمية, دار المعارف للطباعة والنشرء 1987, تونسء ص56. 
كشاجم محمود بن الحسين, قصيدة أَذَابَتْ قلبَهُ الزفرة المكتبة الشاملة على قرص صلبء ج94, ص1. 

أبو العلاء المعري, رسالة الغفران. ص233. 

المعري. قصيدة تَوَهَمتُ خَيرا في الزمانِ وأهله. ج41 ص261 

صحيح البخاري وسنن الترمذي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد. 

طه حسين في «تجديد ذكرى أبي العلاء» و«المعري في سجنه», أمين الخولي في «رأي في أبي العلاء», علي أدهم في «بين 
الفلسفة والأدب». وعبدالقادر زيدان في «قضايا العصر في أدب أبي العلاء». 

د. عبدالقادر زيدان» قضايا العصر في أدب أب العلاء المعري. الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1986., القاهرة. ص 2332 
ويُسند هذا الرأي إلى طه حسين: تجديد ذكرى أب العلاء. ص169.: وأمين الخولي: آراء في أبي العلاء. ص164. 
المعري. قصيدة الدين هجر الفتى اللذات عن يسرء ج40. ص 79. 

جيرالد مارتن» سيرة حياة ماركيزء ترجمة: د. محمد درويشء الدار العربية للعلوم ناشرون. 2010؛ بيروت. ص368, 
2 على التوالي. 

نبيل الحيدريء المعري في بغداد. موقع: 2015/عمدطلد)/داء]الا/صدمء.طجهك //:ج8ط/1003203/4.لصغط 

المعريء قصيدة بني الآداب غرتكمْ قديماء موقع أدب: ددمء.طهل بصت 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 





المعريء قصيدة إذا رأيتم كريما عند غيركم. ج39, ص350. وذكر ابن الأثير ضمن أحداث سنة خمس وسبعين في كتابه 
«الكامل في التاريخ» عُمَيْرُ نْنُ ضَابِْ الْحَنْظَِي النمِيمِي قَالَ للحجاج: أَصْلَحَ اللّهُ الأمبرَ أنا في هَذَا الْتغثء وَأنا ضَيْخْ كبيرْ 
عَلِيلٌ وَائْنِي هَذَا أَمَبُ مِنّْي. فَقَالَ الْحَجْاجُ: هَذَا خَيْر لَنَا مِنْ أبيه, ثُمْ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أنَا عُمَيْرُ ْنُ ضَابِنْ. قَالَ: 
ألَسْتَ الذي غَرَا عثْمَانَ بْنَ عَْانَ؟ قالَ: بَلى. قَالَ: وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِْهُ حبسَ أبي. فقتله وصلبه. وكان أباه 
صَابِنْ بْنْ الْحَرْثِ الْبَرجَمِي اسْتَعَارَ في رَمَنِ الْوَلِيد بْنِ عُقْبَةَ مِنْ قَْم مِنَّ الْأنْصَارٍ كلبا يُدْعَى قَرْحَانَ يَصِيدُ الظبّاة فَحَبَسَهُ 
عَنْهُمْ فَانترَعَهُ النْصَارِيُونَ مِنْهُ قرا قَهَجَاهُمْ فَاسْتَعْدُوا عَلَيْهِ عُثْمَانَ َعَزْرهُ وَحَبَسَهُ فَمَارََلَ في السّجْنِ حَنّى مات فيه. 
ابن حجة الحمويء خزانة الأدب وغاية الأرب. تحقيق: عصام شقيوء دار ومكتبة الهلال, 2004, باب التشبيه 
بالتلميح, ج1.» ص409. 

المعري. معجز أحمد. تحقيق: د عبدالمجيد ديابء دار المعارف. ط2, 1992. القاهرة. ج1, السيفيات. ص289. 
فردريك كوبلستون, تاريخ الفلسفة, المشروع القومي للترجمة, 2002 القاهرة, ج1. ص348. 

عز الدين الأزدي المْهَلبِيء الملآخذ على شُرّاح ديوان أبي الطيب الْمَتَبي تحقيق: د عبدالعزيز بن ناصر المانع» مركز 
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية, 2003, الرياض, ج2,. ص196. 

ابن كثير, البداية والنهاية, دار الفكر, 1986, دمشق, ج12, ص73, وفيات سنة 449 للهجرة. 

المعري, قصيدة فاءً لك الحلم» فال عن رشلٍ ج41 ص136. 

نيتشه. ما وراء الخير والشرء ترجمة: جزيلا فالور حجارء دار الفارابي. 2003, بيروت» ص263. 

السرخسي. المبسوطء دار المعرفة, 1993, بيروت, ج9, ص137. 

ابن كثير, البداية والنهاية, تحقيق: علي شيريء دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط1, 1988, ج12 ص92. 

أبو العلاء المعريء رسالة الغفرانء ص27. 

المعريء قصيدة أَؤْجَرَ الذهرٌ في المقال, إلى أنْء ج41, ص63. 

المعري, قصيدة إجعل تُقاكَ الهاء تَعرف همسّهاء ج40 ص16. 

رواه الديلمي بسند ضعيفء والمعنى مدعوم من صحيح البخاري عن علي موقوفا «حدثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يكذب 
الله ورسوله؟» وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة». 
تعريف القدماء بأبي العلاء. جمع وتحقيق: مصطفى السقًاء وعبدالرحيم محمود, وعبدالسلام هارون» وإبراهيم 
الإبياري وحامد عبدالمجيد, الهيئة المصرية العامة للكتابء القاهرة, 1986: ابن العديمء الإنصاف والتحري في دفع 
الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري. ص484, 485. 

فوكو, الكلمات والأشياء. مجموعة مترجمين, مركز الإنماء القومي» 1990؛ بيروت. ص65. 

الدميري. حياة الحيوان الكبرى, دار الكتب العلمية, بيروت. ج2. ص388. من دون تاريخ. 

المعري. قصيدة وجوهكم كُلْفٌ وأفواهُكم عدى. ج41. ص142. 

المعري. قصيدة قِرانُ المُشتري رُحَلا يُرَجَى» ج43 ص431. 

المعري يرثي أباه. موقع منتدى اللغة العربية: عذمه]-6651/«رمءقلهنهه سسدلطه. ءا طمة//:جقط 

ابن أبي الحديد. شرح نهج البلاغة. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم» دار إحياء الكتب العربيةء عيسى البابي الحلبي 
وشركاه: المكتبة الشاملة على قرص صلبء ج18:ء ص330. 

ابن خلدونء ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر. تحقيق: خليل 
شحادة, دار الفكر, ط2, 1988., بيروت, الفصل الثلاثون في علم الكيمياء. ج1. ص695. 


121 





122 


سوسيولوجيا الشك .. المعري الشاعر ناقدًا 


موك 


المعري, قصيدة أستقبحٌ الظاهرٌ من صاحبي. ج39 ص418. 
أبو العلاء المعري. رسالة الغفران» تحقيق: فوزي عطوي. منشورات مكتبة التحريرء بغدادء ص110. 
المعريء قصيدة إن مازت الناسّ أخلاق يُعاش بهاء أدب: حدم.طملم»م 
المعريء قصيدة لقد صَدِنَّتٌ أفهامٌ قوم فهّلُ لهاء موقع أدب: صدمء.طمل .مم 
مريم إدريسء الزهد في شعر أبي العلا المعرّي. موقع ديوان العرب على الرابط: 
6ع ل ناعة_لجقء لعناعهععوهم #مطم .متم سدم .ظدعه لمعه جل بمج /تصغط 
المعريء قصيدة العَقِلٌ يُخبرُ أتّني في لُجّة, ج41, ص281. 
المعري. قصيدة أذْهْنيَ طالّ عهِدُك بالصّقَالِ ج41 ص237. 
المعريء قصيدة متى ما تُشاهذْ نِعمّة كنعامة. ج41 ص299. 
المعريء قصيدة الصمتٌ أولى وما رِجْلْ مُمَنْعَةُ ج40 ص12. 
المعري. قصيدة لأمواهُ الشبيبة كيف غضتة. ج41 ص351. 
طه حسينء أبو العلاء في سجنه. دار المعارف» 1979., القاهرة. ص174. 
المعري. قصيدة العَقَلُ إن يَضْحْفْ يكُْنْ مَع. ج43 ص437. 
المعري, قصيدة قضى الله أن الآدمي معذبٌ. ج39 ص307. 
محيي الدين بن العربيء قصيدة قد أقسم الله لي في سورة البلد. دواوين الشعر العربي على مر العصورء المكتبة 
الشاملة على قرص صلبء ج5, ص39. 
ا معري. قصيدة العقل يوضح. ج43, ص 440. 
المعريء قصيدة ورّدتٌ إلى دار المصائب مُجِبرا ج41 ص188. 
المعري. قصيدة رأيتٌ قضاء الله أوجَبَ خَلْقَهُ ج39, ص326. 
جيل دولوز وفيلكس غتاريء ما هي الفلسفة. ترجمة: مطاع صفديء مركز الإنماء القومي» ط1, 1997., بيروت. ص77. 
هيدجرء الكينونة والزمان. ترجمة: د. فتحي المسكينيء دار الكتاب الجديد. 2012, بيروت. ص478. 
هيدجرء الكينونة والزمان. ترجمة: د. فتحي المسكينيء دار الكتاب الجديد, 2012, بيروت. ص129. 
مارتن هيدجرء نداء الحقيقة, ترجمة ودراسة: د. عبدالغفار مكاوي. دار الثقافة للطباعة والنشر, 1977 القاهرة. ص 254. 
دريداء إستراتيجية تفكيك الميتافيزيقيا. ترجمة: د. عزالدين الخطابي» دار أفريقيا الشرق» 2013, املغرب. ص56. 
المعري. قصيدة القدسٌ م يُفَرَض عليك مزارّة. ج41 ص79. 
المعريء قصيدة إذا وقتٌ السَّعادَةِ زالّ عَنَي ج41 ص375. 
ناصر خسرو علويء سفرنامة. ترجمة: د. يحيى الخشاب. الهيئة المصرية العامة للكتاب. ص56. 
المعري. قصيدة يزورنٍ القومٌ هذا أرضْهُ يجن. ج41. ص73. 
المعري. قصيدة يزورني القومٌ هذا أرضُهُ تن. ج41, ص73. 
المعري. قصيدة أتث جامع يوم العَرُوبة جامعاء ج40, ص74. 
الحديث رواه الإمام أحمد والبزاز والحاكم وهو في صحيح مسلم بصيغة «إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودُعَ منهم», 
أي من الأقضل تركهم إلى المصير الذي اختاروه. وهيبة الظالم دليل خذلان الله لهم لسوء أفعالهم التي أعيتهم ضعفا 
في الإيمان. وفي هذا المعنى يقول تعالى [إِنّ الله لا يَظْلِمُ النّاسَ عَيْئا وَلَكِنّ النّاسَ أَنْفْسَهُمْ يَظْلِمُونَ] يونس: الآية 44. 


عالم الفك 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة لقاب 18 ري فيو تمي 0ق 


ا 





نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


د. محمد بوعزة * 


يندرج كتاب «محمد مندور وتنظير النقد العربي»!1) لحمد برادة 
ضمن خطاب نقد النقد. الذي يتخذ من النصوص النقدية موضوعا 
لدراسته. يفحص مناهجها النقدية واستعمالاتها للمفاهيم, ويعمل 
على تقويمها. ويعتبر الكتاب من أهم البحوث حول المشروع النقدي 
محمد مندورء لكن قيمته النظرية والتطبيقية تكمن - في نظرنا 
بالإضافة إلى ذلك - في أنه يعتبر من الناحية المنهجية والإبستيمولوجية 
من أهم الدراسات الرائدة التي أنجزت في مجال نقد النقدء باعتباره 
خطابا معرفيا نوعياء ينتج في مستوى آخر من البحث المعرفيء أكثر 
تعقيدا بالمقارنة مع النقدء «فهو (أي نقد النقد) يتموضع في مكان 
آخر يجعله إبستيمولوجية نوعية خاصة بموضوع معرفي هو النقد 
الأدبيء ويقف على عتبة «العلم». ويبني نفسه على أساس نموذج من 
نماذج العلم, مثله مثل خطاب التنظير النقدي»2©. 

في هذا السياق تكمن قيمة كتاب «محمد مندور وتنظير النقد 
العربي». من الزاوية المعرفية» في أنه يصدر عن رؤية منهجية واضحة 
لمفهوم نقد النقد ولوظيفته, في سياق عربيء أغلب المشتغلين فيه بنقد 
النقد لا يعيرون مسألة المنهج الأهمية الفائقة التي تستحقها. 





* أستاذ التعليم العالي المساعد. الكلية المتعددة التخصصات - جامعة مولاي إسماعيل - المملكة المغربية. 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


وإ ا د 





ذلك ما يؤكده حميد لحمداني في دراسة إبستيمولوجية لواقع نقد النقد في العالم العربي «أهمية هذه 
الأسئلة تأت من كوننا لاحظنا أنه قليلا ما يتساءل المشتغلون بنقد النقد - وهو الميدان الذي نريد أن نبحث 
فيه - عن ال منهج الذي يحتكمون إليه في دراسة الموضوع. ولعلهم ينطلقون من شعور خفي بالتعالي يجعلهم 
يعتقدون تلقائيا بأن دراستهم في غنى عن التقيد بأي منهجء مادامت مادة موضوعهم هي النصوص النقدية 
التطبيقية الصادرة في أساسها عن مناهج معينة»©. 

وفي الحالات القليلة التي يعرض فيها نقاد النقد لخلفياتهم النظرية وطرائقهم المنهجية. يأقي خطابهم 
مبتسرا وعابراء لا يترجم حالة وعي منهجي يمتلك تصورا واضحا عن إستراتيجية نقد النقد المنهجية. على 
خلاف هذا الواقع. ينتهك محمد برادة في كتابه عن محمد مندور حالة العمى المنهجي التي رافقت نقد 
النقد في العالم العربي. فهو يصدر في دراسته عن وعي منهجي مؤسس نظرياء يعي مكونات الحقل الثقافي 
الذي ينتمي إليه. ولذلك سعىء وإن كان يصدر عن منهج غربيء إلى صياغة منهجية عامة لنقد النقد. تتصل 
بالشروط الاجتماعية والثقافية للفكر العربي. خاصة في ظل ما لاحظه من حالة قصور نظري في مختلف 
مجالات الحياة اليومية للمجتمع العربي. لذلك يرى أن «المعضلة الأساسية التي تواجه الناقد. في العمق, 
هي إرساء منطلقات واضحة توجه خطاهء وتسعفه على تحديد منهجيته. لكن تحقيق ولك يكن ارتم 
بوساطة الانتقاء أو التفكير «النظري» لتخير «أصلح» المناهج. إن الممارسة. بجوانبها النظرية والعملية» تعتبر 
حجر الزاوية في تشييد منهجية الناقد. ولكنهاء لتكون مثمرةء يتحتم عليها أن تسعى إلى تحديد موقف, أو 
تصفية الحساب مع التراث النقدي السابق والمعاصر» ». (ص261). 

سنسعى في هذه الدراسة إلى تشريح إستراتيجية هذه المنهجية العامة على مستويات الرؤية والمنهج 
والممارسة. بتفكيك «نظام الخطاب» الذي تستند إليه في إنتاج حقائقها. بمعنى أننا في دراستنا سوف لن 
نحتكم فقط إلى ما يقوله النص. ويصرح به. بل سوف نفكك نظامه في ضوء المسكوت عنه. نظريا وتطبيقيا. 


نقد النقد .. الواقج والممكن 

ينبني نقد النقد على إستراتيجية مزدوجة: إنجازية وتنظيرية. في العملية الإنجازية يسعى إلى التعرف 
على الواقع النقدي. وذلك بتشخيص نوع المعرفة التي ينتجها ويؤسس عليها نظامه. بهدف تشخيص 
ا مشكلات الإبستيمولوجية التي تحائي نظام معرفته. وتحد من فعاليته. هذا التشخيص هو الذي يبرر لنقد 
النقد الانتقال في مرحلة تشييدية ثانية» إلى العملية التنظيريةء حين يفكر في بديل أفضل لذلك الواقع. وذلك 
باقتراح نماذج وحلول للمشكلات الواقع النقديء تسعى إلى تعديل صيغة سابقة للممارسة النقدية أو اقتراح 
صيغة جديدة لها. 

في ضوء هذا التصور الجدلي لوظيفة نقد النقدء يكشف محمد برادة الأسباب التي حدت به إلى دراسة 
المتن النقدي لمحمد مندورء وفي سياق ذلك. يشخص الإكراهات التي تطبع النقد في المجال العربي: 

- المثاقفة المتفاوتة: شكلت المثاقفة عنصرا جوهريا في تكون الخطاب النقدي العربي الحديث منذ 


124 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 
دور تووم ا ا بس ٍ|؟س ييا 

أواخر القرن التاسع عشر. وإذا كانت المثاقفة تمثل في ذاتها عنصرا توليديا منتجاء بما تتيحه من عمليات 
انتقال النظرياتء وما يتولد عنها من انصهار آفاق واكتشاف رؤى جديدة: فإن سيرورتها في سياق الفكر 
العربيء عرفت تعثرات ثقافية, طالت آثارها السلبية بنية الخطاب النقدي العربي. وتعكس تجربة محمد 
مندور النقدية بعض آثار هذه المثاقفة المعطوبة. وهذا ما حدا بالناقد محمد برادة إلى دراسة تجربة محمد 
مندور كحالة خاصة. لتجلية اختلالات هذه المثاقفة «من بين الأسباب التي حدت بي إلى اختيار دراسة أعمال 
الناقد محمد مندورء ما لاحظته من تفاوت مستمر بين النقد العربي المعاصر والنقد الغربي: ذلك أن ثقافتنا 
تتأخر دائما في التعرف على الاتجاهات والمذاهب الأجنبية. وكثيرا ما يتم التعرف بعد أن تصبح تلك الكتابات 
مستنفذة لأغراضها عند من صاغوها» (ص9). 

ينبغي أن نؤكد أن محمد برادة لا يتخذ موقفا سلبيا من المثاقفة في حد ذاتهاء باعتبارها قانونا ثقافيا 
وحضارياء ولكنه يتخذ منها إطارا تفسيريا لفهم أزمة الخطاب النقدي العربيء باعتبارها تدخل ضمن مجال 
الشروط الاجتماعية والثقافية التي ساهمت في تكون النقد العربيء إلا أن ما ينتقده بصدد هذه المثاقفة كونها 
مثاقفة متفاوتة, لا تحدث بصورة متزامنة وموافقة. ذلك أن «المثاقفة عبر ا مصدر الغربي لها سرعة أكثر بطثا. ولا 
يحدث الاطلاع والتأثر إلا بعد تأخر. وتتسرب الأفكار والتصورات بعد أن تكون فقدت حداثتها في الغرب». 

هذا التأخر الزمني الذي يسم فعل المثاقفة في سيرورة الثقافة العربية» هو ما تترتب عنه على ال مستوى 
الابستيمولوجي حالة تفاوت بين حداثة المناهج الغربية وبين تطبيقاتها العربية, بحكم أن هذه المناهج 
تصل متأخرة إلى الفكر العربيء بعد أن تفقد قيمتها النظرية والتطبيقية, وتستنفد أغراضها في سياقها الأصلي, 
وتتحول إلى معارف معروضة في متاحف تاريخ النقد. وهذا ما يجعل هذه المثاقفة متفاوتة,» ليس على 
مستوى التأخر الزمني فقطء ولكن أيضا على مستوى التلقيء بحيث لا تتأسس على أساس من التكافؤ 
والتفاعل المتبادل. ولذلك يظل النقد العربي في علاقته بالنقد الغربي في موقع التابع المتأخرء الذي لا يواكب 
المعرفة الغربية في زمنيتها المحايثة. 

بسبب هذا التفاوت الابستيمولوجي تظل الحداثة النقدية العربية متأخرة بالمقارنة مع النموذج الغربي» 
في موقع التبعية المتأخرة. ويرصد أحد الباحثين نتائج هذه «المثاقفة الناقصة وغير المتكافئة» في عدد من 
الظواهر: 

1 - حضور الكتاب الغربي بوصفه مرجعا وحجة علمية. 

2 - حضور النموذج الغربي كأشكال أدبية ومناهج نقدية. 

3 - تعدد السياقات الفكرية من حيث تاريخها ونماذجها»7. 

إذا كان محمد برادة يركز على الأثر السلبي للمثاقفة الذي يتمثل في المفارقة الزمنية الإبستيمولوجية بين 
المناهج الغربية وبين تطبيقاتها العربية, وما يترتب عنها من حداثة متأخرة, فإن هذا التشخيص السلبيء يظل 
ناقصاء لا يعكس سوى الجانب العنيف للمثاقفة, إذا لم نستحضر ما أحدثته المثاقفة من دينامية في الفكر 
العربيء على الرغم من كل ما صاحبها من إكراهات سوسيو ثقافية. 


125 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





إن المثاقفة, وإن كانت تتشخص في صورة «عنف ابستيمولوجي»7©) ضد ثقافة الآخر, فإنها في إفساحها 
المجال أمام انتقال النظريات والمفاهيم. ساهمت في إحداث خلخلة معرفية خلاقة في سيرورة الفكر العربي» 
بما ولدته من دينامية معرفية. تمثلت في حالة التعدد والاختلاف في الرؤى والمواقف من الآخر. 

على صعيد الخطاب النقدي العربي. تجلت آثار هذه الدينامية في حالة الصراع المعرفي والاجتماعي بين 
خطابين نقديين. خطاب تراثي سلفي يدافع عن أصالة المنهج العربي بالاتكاء على أطروحة إحياء التراث النقدي 
العربيء وخطاب حدائي يسعى إلى بلورة قراءة حديثة للنص العربي والتراث العربيء تستلهم المناهج الغربية 
الحديثة. بحجة كونية النظرية. وعلى الرغم مما صاحب هذا الصراع المعرفي من عنفء لأنه تجاوز أحيانا 
حدود النقد الابستيمولوجيء وتورط في معارك البقاء (حالة طه حسين) التي يتحول فيها الاختلاف إلى صراع 
وجودء وليس مجرد حالة تعبير عن اختلاف فكري في المرجعيات, فإنه أسس لحالة ثقافية متنورة تنتصر ل 
«شرعية الاختلاف». 

- خطاب الأزمة: يلاحظ محمد برادة أن الخطاب حول أزمة النقد قد العري بيه الذي ما انفك بعض النقاد 
العرب يكررونهء ينطلق من مسلمات وأسس جاهزة. تحتاج إلى تشخيص وتحليل وإعادة نظر؛ ففي رأيه 
«رغم المقالات والأحاديث والخطب التي دبجت بقصد توضيح الأزمة. التي يتخبط فيها الأدب العريء إن 
الحاجة لاتزال ماسة لإعادة النظر في المسلمات والأسس التي ترتكز عليها مفاهيمنا الثقافية المسؤولة عن هذا 
المأزق الذي نستشعره في كل المجالات» (ص11). 

يرجع محمد برادة سبب هذا العجز في تشخيص مظاهر أزمة الخطاب النقدي إلى غياب أي تحليل 
للشروط الاجتماعية للإنتاج الأدبيء حيث تنطلق معظم هذه التحليلات من تشخيصات تعتمد مفاهيم 
ومناهج لا تاريخية وانطباعية. يتجلى ذلك في أن العديد من المشاريع النقدية التي راهنت على تجديد 
الخطاب النقدي العربيء وعلى إعادة قراءة تاريخ الأدب العربيء منذ بداية القرن العشرينء تنضح بالتأويلات 
المثالية وبالانتقائية. بفعل خضوعها لسلطة المناهج المقتبسة من الغرب. من دون تمحيص لسياقاتها الفلسفية 
والثقافية. وتطبيقها على النص العربي من دون امتلاك رؤية نقدية لإشكالية الاختلاف الثقافي التي تستدعي 
وعيا نقديا بهذه ال مناهج في نسبيتها التاريخية. لكن هذه الملاحظة النقدية لا تمنع من الإقرار برأي محمد 
برادة بالإضافات الجديدة. التي قدمتها بعض هذه المشاريع النقدية المرتبطة بسياق اجتماعي وتاريخي 
معين. يجدها الباحث متجلية في دراسات طه حسين النقدية. 

- تكلفة الخطاب: من بين الإكراهات التي رافقت تكون النقد العربي الحديث, وأثرت في بنيته الخطابية 
من الناحية الإبستيمولوجية. وحددت شروط ممارسته المنهجية ووظيفته النقدية. إكراهات السياق التاريخي 
الذي تكون فيه. 

وكما وضحت العديد من الدراسات السوسيولوجية؛ تكون النقد العربي الحديث في وضع تاريخي مثقل 
بالتحديات الحضارية» تمثل في وضع الاستعمار الأجنبي الذي عاشه المجتمع العربيء المتطلع إلى استكمال 
التحرر الوطنيء وبناء نهضته الحضارية. 
126 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





هذا الوضع التاريخي سيؤطر نشاطات ومواقف النقاد العرب. ويلقي على عاتقهم مسؤوليات تتعدى 
نطاق الاختصاص النقديء وتتجاوز الأدوار المحددة لهم في المجتمعات «العادية»؛ فالناقد العربي ويقعل 
الشرط التاريخي لا ينعم بترف أن يكون مجرد «ناقد أدبي» يحلل النصوص الأدبية» ويساعد القراء على فك 
شفرات الأعمال الأدبية. بل يجد نفسه بالضرورة التاريخية منخرطا في أسئلة التغيير الاجتماعي والثقافيء من 
موقع الخطاب الذي يتكلم منه. محكوما «بموقف اجتماعي يستمد عناصره من عناصر «النموذج» الذي 
يعتقده المجتمع أو فئات معينة فيه, تمنح الشرعية له ولكل صوت ينطق به»©. 

بالإضافة إلى التكلفة الإبستيمولوجية التي يتطلبها الخطاب النقدي. من حيث تحقيق شروط الطلاءمة 
العلمية والنسقية, يتحمل الناقد العربي تكلفة مضاعفة. تتمثل في التكلفة الاجتماعية للخطاب. من حيث 
تحقيق شروط اطلاءمة الاجتماعية باعتباره مثقفا يفرض عليه موقعه الثقافي المساهمة في البحث عن أجوبة 
عن الأسثلة التي تفرضها طموحات النهضة وتطلعات الحداثة. 

بفعل تبعات هذا الوضع التاريخيء يجد الناقد العربي نفسه متورطا في الدينامية الاجتماعية» ينتج 
خطابه النقدي ويباشر ممارسته النقدية من داخل المجتمع. أي من داخل التاريخ لا من خارجه «لا عجب 
إذن» ...أن يكون النقاد العرب الذين مارسوا تأثيرا على ثقافتنا المعاصرة ليسوا هم أولئك الذين أعادوا دراسة 
إعجاز القرآن من ال منظور القديم, أو شرحوا معلقات الشعراء الجاهليين دفاعا عن «خلود» اللغة العربية... 
وإنما أثر النقاد الذين حاولوا الانخراط في حركة التاريخ بكليتها وجدليتهاء وأبرزوا ديناميتها في مجال الثقافة. 
فالأمر يتعلقء في العمقء بتشييد الثقافة القومية المثلومة والمستلبة تحت وطأة الاستعمارء ونتيجة لجمود 
المتشبثين بالماضي»(ص14). 

إن أهمية هذا التشخيص للواقع النقدي توضح أن الخطاب النقدي العربيء في سيرورة تكونه وتطوره 
تشكل باعتباره ممارسة دالة» في سياق الوضع التاريخي الذي تكونت فيه الأيديولوجية العربية العاصرة. 

نخلص. إذنء إلى أن الخطاب النقدي - في تصور محمد برادة - يتحدد من منظور سوسيولوجيء باعتباره 
خطابا ثقافياء يمارس وظيفته النظرية في سيرورة محكومة بسياقين: 

- سياق مادي تاريخي: تحدده عوامل السيرورة الاجتماعية» بمختلف مكوناتها المادية والسياسية 
والأيديولوجية. التي تتحكم في صياغة مواقف الفاعلين. وتحديد شكل استجابتهم للأحداث التاريخية. 

- سياق معرفي ثقافي: يشمل اللثاقفة التي شكلت المناهج الغربية في سياقها سلطة مرجعية, بحيث 
أصبحت تمثل نموذجا للحداثة النقدية» ومستودعا يستمد منه النقد العربي الحديث مناهجه ومفاهيمه في 
قراءة النص العربي وفي إعادة قراءة التراث العربي. 

تكمن أهمية هذا التشخيص السوسيولوجي في استجلاء السياقات الاجتماعية والثقافية التي حددت 
للخطاب النقدي العربي أفق ممارسته النقدية وحدودهاء ذلك أن ضغط هذه السياقات هو الذي سوف 
يوجه وظيفته ويحدد شكل تفاعله مع المناهج الغربية» ويسم هذا التفاعل بسمة التوتر الابستيمولوجي 
الذي يمكن تجليته على مستودين: 


127 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





- مستوى المرجعية: توتر ينبثق من الصراع بين خطاب محافظ يستمد شرعيته من مرجعية التراث. 
بالدعوة إلى استعادة التراث النقدي العربي, وبين خطاب جديد يستمد شرعيته من مرجعية المناهج الغربية., 
ويدعو إلى إعادة قراءة التراث العربي في ضوء منجزات المناهج الغربية الحديثة. 

- مستوى النسق: توتر ينبثئق من مفارقة السياق؛ فالنقد العربي حين يعتمد على مرجعيات نظرية 
غربية استخلصت مبادئها من محاورة وتحليل نصوص غربية تنتمي إلى تاريخ النظرية. يجد نفسه في وضع 
إشكالي مضاعف, كيف يبني نظرية ملائمة في قراءة النص العربي لا تتعالى على شروط سياقه الأدبي والثقافي 
والاجتماعي؟ تستدعي أسئلة هذه المفارقة الثقافية وعيا منهجيا حذرا في استعارة المناهج الغربية, 
«معنى ذلكء بعبارة ثانية أن تحديد مركز الثقل لأحد المفاهيم أو لمجموعة مصطلحات منقولة إلى مناخات 
أدبية أخرىء يستلزم الرجوع إلى المصدر الأولي لهذه الأدوات المفهومية. إن هذا التحوط المنهجي يفرض 
نفسه عليناء لأننا نعلم أن معظم نقادناء منذ حسين المرصفيء, قد اتجهوا صوب المستودع الأدبي الأوروبي بحثا 
عن أدوات التحليل والتفسير. حتى عندما حاولوا إعادة تقييم روائع التراث العربي. وهذا ما يترك في نفوسنا, 
عند قراءة العقاد والمازني وطه حسين وهيكل.... الانطباع بأنهم يجهدون في إبراز قيمة التراث عن طريق 
إظهار إمكان تطبيق المناهج الغربية على جوانبه المهمة. حتى لا يكون مختلفا في شيء عن التراثات الأدبية 
للأمم (المتقدمة)» (ص12). 

يضع هذا الإشكال الثقافي النقد العربي في مواجهة مهمة مضاعفة, تتمثل في بناء نظرية أدبية.ء تتصل 
بشروط النص العربي الذي ينتمي إلى تاريخ مغايرء وثقافة مغايرة للنموذج الغربيء وبالتالي لا يمكن لهذه 
النظرية أن تتشكل إلا باستحضار شرط النسبية الثقافية. 

إن هذا التوتر الابستيمولوجي. بالإضافة إلى ضغط الشرط التاريخيء. هو ما يفسر الوضع الإشكالي 
للنقد العربي الحديثء لكن ما ينبغي التنبيه إليه في هذا التشخيص السوسيولوجي لأزمة النقد العربي» هو 
عدم النظر إلى مظاهر التوتر من زاوية جزئية تقتصر على التقاط مظاهرها السلبية (التجزيء. الانتقاء, 
التوفيق...)» وبالتالي عدم القدرة على تعميق التحليل لإدراك مظاهر التوتر الإيجابية. «فلكل لحظة مآزق 
ليس مطلوبا النظر إليها بمنزلة عيوب ونقائصء بقدر ما ننظر إليها بوصفها شروطا ثقافية كانت تؤثر في 
النقاد وتوجه عملهم»©. 

إن التوترات التي تنتج عن عنف المثاقفة, على الرغم مما يصاحبها من مظاهر سلبية تتيح حيزا ديناميا 
للجدل والتفكير والاختلاف. يتم فيه التفاوض حول صلاحية المناهج والنظريات. وفي سيرورة هذا التفاوض 
المحكوم بعلاقات القوة. تتم عملية إعادة تأويل النظريات وموضعتها ثقافيا واجتماعيا. وفي هذا العمل 
التأويلي الثقافي تكمن القدرة التوليدية للذات في استقبالها لثقافة الآخر. 

يبدأ نقد النقد. إذنء عند محمد برادة من نقد الواقع النقدي من أجل اقتراح بديل جديد. ذلك أن 
فحص الواقع النقدي قاده إلى إدراك جملة عناصر الاختلال التي تسم تلقي النقد العربي الحديث للمناهج 
الغربية الحديثة: 


128 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 
:11:0 فج جف ا لاطا ظ طلا اطاط 

- الطابع المثالي للتحليلات النقدية: منذ جيل النهضة العربية, والذي يظهر في غياب الرؤية التاريخية 
التي تفسر الشروط الاجتماعية والسياسية المقترنة بكل إبداع؛ وتقدم تأويلا لنوعية الأشكال التعبيرية في 
سيرورة تكونهاء بحيث يندر أن نعثر على تحليل لأشكال التعبير وأنماط الكتابة, لا يعتمد على الشرح البلاغي 
بمعناه القديم, أو المطعم بمقولات الكلاسيكية الجديدة. 

- الوعي التلقائي: الذي يطبع تعامل النقد العربي مع المناهج الغربية, الذي يتمثل في اجتزاء مصطلحات 
ونظريات تنتمي إلى سياقات ثقافية. يسبغ على استعمالها صفة الكونية المتعالية على السياقات الثقافية 
والتاريخية. بالإضافة إلى ذلك. فإن «الوعي المنادي بإعادة النظر في علاقتنا بثقافة «الآخر» لايزال في بداياته, 
ولايزال يصادف عقبات كبيرة, أهمها «الحماية الذاتية» المتوافرة للاتجاه التقليدي لكونه ملتحما ومشخصا في 
قوى وبنيات اجتماعية سائدة لاتزال»>(ص264). 

وإذا كان تأثير المثاقفة واضحا في تكون النقد العربي الحديث. سواء من خلال الترجمة. أو من خلال 
توظيف نظريات ونماذج منهجية ومعرفية في حقل العلوم الإنسانية» فإن البنيات الاجتماعية والتعليمية 
والمؤسساتية الحاضنة للمثاقفة, تسهم بنوعية مؤسساتها في الحفاظ على الجوانب السلبية الملتصقة بالمثاقفة, 
بحيث لم تسلم الثقافة الجديدة بدورها من محاكاة القيم الثقافية «الحديثة» باعتبارها نموذجا أعلى. ذلك 
أن غياب فكر نقدي يوجه هذا الاشتباك الثقافي «ويسد الثغرات المصاحبة لنقل الثقافات الأخرى (عن طريق 
الترجمة الجزثية أو ا مشوهةء وعن طريق التلخيصات القاصرة). يؤدي في النهاية إلى تعزيز نموذجية الغرب 
الثقافية. لأن أغلب النقاد العرب يتعرفون عليه في إطار لا تاريخيء ولازمني» (ص268). وهذا ما يفسر لناء 
من بعض الوجوه؛ استمرار فعالية الأسس النظرية الأدبية والنقدية التي استمدها مندور من ثقافة «كونية», 
واعتمد عليها ودافع عنها من خلال تحليلاته وتطبيقاته. 

يكشف هذا التشخيص للواقع النقدي بعض خصائص نقد النقد عند محمد برادةء فهو ينطلق من العام 
(أزمة النقد العربي) إلى الخاص (تجربة محمد مندور النقدية). ومن السياق (شروط الحقل الثقافي) إلى 
الخطاب (خطاب مندور النقدي). 

في ضوء أولويات هذا التشخيص الكليء يبدأ محمد برادة دراسته لمحمد مندور بتشريح الواقع النقدي. 
مشخصا مظاهر أزمته. ثم ينتقل في مرحلة وصفية إلى تحليل الخطاب النقدي عند مندور, وتحليل بنياته 
وتقييم كيفية توظيفه للمناهج وال مفاهيم. والهدف من هذه المقاربة الكلية هو موضعة تجربة محمد مندور 
في السياق الثقافي العام, مما يتيح في مرحلة تحليلية ثانية استكشاف قيمة جهوده النقدية في تجاوز مآزق 
الواقع النقدي. 

من جانب آخرء فإن ما استخلصه محمد برادة من تقييمات عامة للواقع النقدي. هي ما يحدد منهج 
نقد النقد عنده وبرنامج أهدافه «إن هذه التقييمات العامة هي التي تحدد, منذ البداية. جوانب دراستنا 
لندور؛ إذ لا يمكن أن ندرس ناقدا «ناشطا» في مجتمع تعرض للمثاقفة, استنادا إلى كتاباته فقطء وبمعزل عن 
الشروط المتحكمة في المجال الثقافي الذي ينتمي إليه» (ص14). 


129 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





في سيرورة هذه الإستراتيجية المزدوجة التي تجمع بين نقد النقد (نقد الواقع النقدي الأدبي). والتنظير 
(اقتراح النموذج البديل). تتحدد أهداف الدراسة التي يطمح المؤلف إلى أن تسهم في بلورة حلول معرفية 
لأزمة الخطاب النقدي العربيء بحثا عن هذا النموذج الممكن: 

- الإسهام في دراسة إشكالية النقد العربيء التي تتمثل وفق برادة في إشكالية المثاقفة, فمنذ بداية النهضة, 
أواخر القرن التاسع عشرء اتجه النقاد العرب صوب المرجع الغربي بحثا عن أدوات ومناهج التحليل» وحتى 
عندما حاولوا إعادة تقييم روائع التراث العربيء وقعوا في إغراء المناهج الغربية باعتبارها نموذجا للحداثة 
النقدية. تكمن الإشكالية في هذا الوضع الثقافي في سؤال جوهري: كيف السبيل إلى اختيار المنهج الملائم؟ 

- كيف يمكن تجاوز الفهم المثالي للمثاقفة عند معظم النقاد العرب الذين يعمدون إلى اختيار مناهجهم 
وأدواتهم التحليلية من مستودع المناهج الأجنبية من دون أن يتمثلوها تمثلا نقدياء ومن دون مراعاة 
خصوصية النص الذي يدرسونه؟ تتمثل الإشكالية في هذا السياق المفارقء في أن «انعدام الفهم النقدي 
للثقافات الأجنبية. وإهمال الأبعاد القومية. كثيرا ما يؤديان إلى تطبيقات أو تأويلات تطمس فرادة العمل 
الفني وخصوصيته. أو تقودان إلى تجاور متنافر المجموعة من المصطلحات» (ص20). 

نخلص إذن. إلى أن نقد النقد عند محمد برادة» باعتماده هذه الإستراتيجية المزدوجة (الإنجازية 
والتنظيرية). يتحدد في صورة «مشروع تفكير في بديل في مجال النقد»7 ”. إنه لا يختزل «إلى نشاط سلبي 
بحت» 'واالاناعة عبنزدعع و2190 لأنه لا يكتفي بنقد الواقع النقدي. وتشخيص سلبياته وعوائقه. بل وهذا 
هو الأهم في إستراتيجية كل تفكير نقدي, يتجاوز ذلك إلى التنظيرء حين يقترح حلولا للواقع النقدي «تتوخى 
تغيير مشروع أو مشروعات سابقة»112). 
لماذا مخمد مندور؟ 

يبرر محمد برادة اختياره لدراسة الخطاب النقدي بلحمد مندور. بكون تجربته النقدية تمثل نموذجا 
غنيا يتيح للناقد العربي فهم الإشكاليات المعقدة التي تواجه الخطاب النقدي العربيء في طموحه إلى صياغة 
منهج ملائم» يتوافق مع خصوصية النص العربي؛ لذلك, يمكن للتفكير في تجربة محمد مندور أن يسهم في 
فهم إشكالية المثاقفة المتفاوتة التي تجعل حداثة الخطاب النقدي العربي حداثة متأخرة, بالمقارنة مع حداثة 
الخطاب النقدي الغربيء بفعل فجوة المسافة الزمنية الإيستيمولوجية التي تفصل بينهما. 

في هذا السياق الثقافي المفارق, تكتسب التجربة النقدية لمحمد مندور - في نظر محمد برادة - أهميتها 
المعرفية والتاريخية من امزايا التالية: 

- إن محمد مندور واحد من النقاد العرب الذين مارسوا تأثيرا في الخطاب النقدي العربي الحديث. م 
يقتصر أثره في مجال النقد الأدبيء بل امتد ليشمل مجال الثقافة العربية ا معاصرة. 

- ناقد «ناشط» من صنف النقاد الذين حاولوا الانخراط في حركة التاريخ بكليتها وجدليتهاء وأبرزوا 
ديناميتها في مجال الثقافة؛ فالمشروع النقدي لمحمد مندور لا يقتصر على تجديد النقد العربيء بل يتعلق 


110 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





في العمق بتشييد الثقافة القومية المتأخرة والمستلبة تحت وطأة الاستعمار, ونتيجة لجمود المتشبثين بالماضي 
«ومن ثم فإن جهود مندورء على صعيد التنظير والأدلجة, تمثل مساهمة في البحث عن طريق يخرج النقد 
والثقافة العربية من مأزقها» (ص158). 

- تمثيليته لاتجاه طلائعي في النقد العربي طوال عشرين سنة (1944 - 1966). فقد كان لكتاباته دور في 
تأسيس مذهب نقديء أطلق عليه «المنهج الأيديولوجي في النقد», وكان يرى أن هذا الاتجاه من شأنه أن 
ينقذ النقد العربي من ضعفه. لأنه حصيلة مسار خصب ومتنوع «لا غرو أن تكون أسئلة مندور, من موقعه 
الاجتماعي وبتكوينه الثقايء موجهة بهدف البحث عن مذهب أو نظرية قادرة على تقديم حلول لمعضلات 
مجتمعه» (ص168). 

- يمثل محمد مندور حالة متميزة. فهو لم يكن مجرد ناقد متخصص منغلق على نفسه. لأنه مارس 
نشاطات سياسية واهتمامات ثقافية. أضفت عليه بحق طابع «المثقف العضوي». 

لهذه الأسباب المتعددة, يتخذ محمد برادة من أعمال محمد مندور النقدية موضوعا للبحث في إشكاليات 
الخطاب النقدي العربيء ويبرر هذا الاقتصار في المتن على دراسة أعمال ناقد واحدء بأن «من شأن هذه 
الدراسة ذات المنطلق المحدود أن تساعد على توضيح إمكانات وحدود نظرية نقدية متوثقة الصلة بمرحلة 
معينة. وبتطبيقات وممارسات يمكن تشريحهاء ولكي تكون مثل هذه الدراسة مجدية يجري اختيار ناقد ذي 
«تمثيلية» ثقافية حتى لا تبقى المشكلات المطروحة سجينة الخصوصية والهامشية» (ص18). 

نستشفء إذنء من مبررات اختيار موضوع الدراسة: أن قراءة محمد برادة للخطاب النقدي عند محمد 
مندور ليست بريئة. لأنها تصدر عن اعتقادات وتصورات نظرية وثقافية وأيديولوجية. حيث تكشف عن 
رهانها الثقافي من الاشتغال على محمد مندور. يتعلق الأمر بقراءة ذات هدف إستراتيجي هو البحث عن 
مخرج نظري لإشكالية قراءة النص العربي وفق مناهج ونظريات «لا يمكن أن تستعار جملة ولا يمكن إلا أن 
تنتج ضمن اختيار أدوات هي بمنزلة مبادئ كلية تحكم كل أنشطة الفكر البشريء وتتمثل كمقولات له»12). 
لذلك تتخذ من تجربة محمد مندور نموذجا للبحث عن حل لهذه الإشكالية. 

يتعلق الأمر, إذنء بقراءة ذرائعية, لأنها كما أوضحنا تنبني على «تحديد إسقاطي للهدف»13). بمعنى 
أن قراءة محمد برادة لخطاب محمد مندور تتم وفق إستراتيجية تحدد أهدافها الحاجة إلى إيجاد حلول 
لمشكلات الثقافة العربية المعاصرة» في سياق متصل بممشكلات الراهن العربىء ولذلك تتخذ من المشروع 
النقدي لمحمد مندور نموذجا لطرح أسئلة وصوغ تصورات راهنةء تعتبرها أساسية في صيرورة حل معضلة 
قراءة النص العربي الممتدة من فترة النهضة إلى الآن. ويأقي في صدارة هذه الأهداف الرغبة في إيجاد مخرج 
نظري يسمح للنقد العربي بالتخلص من تبعات امثاقفة المتفاوتة. وما ترتب عنها من قراءات تتسم بالاختزال 
والانتقاء والإسقاط. 

في ضوء هذه الأهداف الكبرى تتجذر قراءة محمد برادة في تاريخيتها وأفقها الثقافي. وهذا ما يحدد 
سياسات القراءة عند محمد برادة. بحيث إن سؤال كيف نقرأ في دراسته؟ لا ينفصل عن سؤال اذا نقرأ؟ 


131 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 
و1177 دي 1 د 111 


وإذا كنا وصفنا هذه القراءة بالقراءة الذرائعية في المستوى الثقافيء حين كشفنا الأهداف التي تضمرها 
وتحركهاء فإننا نصفها على المستوى الابستيمولوجيء. من خلال كشف الطريقة التي تفكر بها في موضوعهاء 
بالقراءة الكلية. 

يصدر محمد برادة عن رؤية كلية في إعادة بنائه للخطاب النقدي عند محمد مندور. لا تفصل بين 
الكتابات النقدية لمحمد مندور وكتاباته السياسية والأيديولوجية» كما لا يفصل بين الدور الأدبي لمحمد مندور 
باعتباره ناقدا متخصصا والدور الاجتماعي لمحمد مندور باعتباره مثقفا عضوياء أي فاعلا اجتماعيا وسياسياء 
وذلك على خلاف القراءات الجزئية التي تفصل بين أنماط هذه الكتابات المتعددة والأدوار المختلفة في مسار 
محمد مندور. إن مختلف هذه الكتابات النقدية وغير النقدية تمثل - وفق برادة - بنية عامة متكاملة, 
تحكمها رؤية للعالم. هي ما سعت الدراسة إلى الكشف عنهاء من خلال اعتماد المنهج البنيوي التكويني. 

تظهر أهمية هذه القراءة الكلية التي تنظر إلى أعمال محمد مندور في كليتهاء في مقابل القراءة الجزئية 
التي تقتصر على جانب واحد من جوانب المشروع. ولا تنظر إليه في كلية البنية الدالة التي تنتظمه: فقد 
استطاع محمد برادة. بوساطة التحليل السوسيولوجيء أن يوضح أن كتابات محمد مندورء وعلى الرغم من 
تعدد مرجعياتهاء وتعدد خطاباتها (الخطاب النقدي. والخطاب الثقافي. والخطاب السياسي), وما عرفته من 
تحولات منهجية وفكرية (التأثرية» وا منهج التحليليء وا منهج الأيديولوجي) في مسارهاء تمثل مشروعا نقديا 
ثقافيا مهماء يستند إلى مرجعيات أساسية توجه مساره. وينبني على مكونات نظرية وإجرائية تؤطر ممارسته 
النقدية» في أفق صياغة منهج يقرأ النص العربي في خصوصية سياقه الثقافي والتاريخيء فالمشروع النقدي في 
تجربة محمد مندور م يكن ينفصل عن المشروع الاجتماعي الذي آمن به. وكان يسعى إلى تقديم حلول 
لمعضلات المجتمع المصري. 

ولقد تمكن محمد برادة من خلال هذه القراءة الكلية من استكشاف البنية العامة لكتابات محمد 
مندور النقدية التي وجدها تحمل مشروعا نقديا له, ما يؤسسه ويبرره ابستيمولوجيا وتاريخياء على مستويين 
تحليليين متكاملين: تزامني بنيوي (سانكروني). وتكوني تعاقبي ( دياكروني). ينحو المستوى التزامني منحى 
ابستيمولوجياء يبحث في انتظام الخطاب النقدي عند محمد مندور ومدى تلاؤمه مع الأصول النظرية التي 
يصدر عنهاء ويتوخى فحص صلاحية مرجعياته النظرية. وضبط ال مفاهيم من حيث دقة تمثلها وتطبيقها. 
وميزة هذا الفحص الابستيمولوجيء أنه لا يتوقف عند حدود الوصفء بل يخضع «نظام الخطاب» عند 
محمد مندور للتقويم» حين يتساءل عن مدى تمثله للمفاهيم والمرجعيات التي يصدر عنها في قراءة النص 
العربي. وهذا ما أتاح له تحديد قيمة هذه القراءة وحدودها في الآن نفسه. 

في المستوى التكونيء يتخذ التحليل منحى سوسيولوجياء يعمد من خلاله محمد برادة إلى استجلاء 
العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أي مجمل شروط الحقل الثقافي التي تحكمت في تشكيل رؤية 
محمد مندور النقدية والفكرية «إذ لا يمكن أن ندرس ناقدا «ناشطا» في مجتمع تعرض للمثاقفة: استنادا إلى 
كتاباته فقطء وبمعزل عن الشروط المتحكمة في المجال الثقافي الذي ينتمي إليه» (ص14). 


132 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


ال ا 1 





إذا كان الغرض من المستوى التزامني موجها بفهم البنية في ذاتهاء أي بنية الخطاب النقدي عند محمد 
مندورء فإن المستوى التكوني موجه ب «تفسير» تكون هذه البنية وتطور مسارها. وهذا ما أتاح محمد برادة 
فهم التحولات النظرية والفكرية التي عرفها الخطاب النقدي عند محمد مندورء في سياق تفاعلها مع شروط 
الحقل الثقافي في مصر التي شكلت الرؤية الأيديولوجية لمندور. في الفترة الممتدة من1936 إلى 1964 
«على أنه إذا كانت قراءة كتبه تؤكد وجود هذه التنقلات المرحلية» فإن السؤال الأساسي في رأينا هو: كيف تمت 
هذه التحولات؟ وما العوامل المحددة داخل الحقل الثقافي الذي عاش فيه مندور؟ وهل يتعلق الأمر بتطور 
مراد سعى إليه عن قصد. أم أنه راجع إلى علائق موضوعية كانت توجه الحقل السياسي والثقافي» (ص25). 

وقد تمكن محمد برادة من كشف البنية الدالة التي تنتظم مشروع محمد مندور النقدي والثقافيء حين 
ربط بين الخطاب النقدي لمحمد مندور وبين الحركة الوطنية المصرية التي انتمى إليها مبكرا منذ انخراطه 
في حزب الوفد. وخلص إلى أن هذا المشروع النقدي ظل محكوما بالرؤية الوطنية للحركة الوطنية المصرية 
التي كانت تناضل من أجل استقلال مصرء وبذلك اعتبر مجمل خطاباته النقدية والسياسية والثقافية 
«انعكاسا مبدعا» لتطلعات هذه الطبقة الاجتماعية. 

على المستوى الابستيمولوجي انتظمت كتابات محمد مندور النقدية في مشروع نقدي جمع بين نظرية 
الأدب والنقد. أي بين التنظير والتطبيق. وخضع في تطوره لمسار متعدد الأبعاد والمرجعياتء يتكون من ثلاث 
مراحل: المرحلة التأثرية. ومرحلة النقد التحليلي» ومرحلة النقد الأيديولوجي والتنظير. 


المرحلة التأثرية 

ساهمت عدة مرجعيات في هذه المرحلة في التكوين الثقافي لمندورء بالإضافة إلى تأثير الثقافة 
العربية» تأثر بالثقافة الغربية خلال إقامته الدراسية بفرنسا (1930 - 1939). وقد تجلى ذلك التأثير في 
استيحائه لأعمال الناقد الفرنسي كوستاف لانسون. حيث ظل مندور في بنائه لأسسه النظرية ومفاهيمه 
النقدية. مشدود! إلى الثقافة الغربية, كما كانت تمثلها جامعة السوربون «التي كانت تعكس في تلك 
الفترة القيم الكلاسيكية أو الكلاسيكية الجديدة, باعتبارها قيما ثقافية تضمن استمرارية تطورية بدون 
هزات» (ص42). 

على مستوى المنهج يتجلى أثر المثاقفة في تأثر مندور بما كان يسمى «منهج تفسير النصوص» الذي كان 
سائدا بفرنسا خلال فترة ما بين الحربين. ويقوم وفق مندور «على قراءة النصوص المختارة من كبار الكتاب 
وتفسيرها والتعليق عليها... هذا المنهج التطبيقي هو الذي استقر عليه رأييء وإن كنت قد نظرت إلى ظروفنا 
الخاصة وحاجتنا إلى التوجيهات العامة». ويلخص محمد برادة إلى مرتكزات النقد التأثري عند مندور فيما يلي: 

- ضرورة توافر كل ناقد على منهج. 

- أسبقية الذوق المتمرس والمنهج التاريخي - الفقهي. 

- رفض «علمية» الأدب والنقد. 


1313 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


ا 





- الدفاع عن أدب مهموس يؤثر فينا بالصور والمشاعر المعيشة لا بالنغمة الخطابية. 

- تطبيق منهج نقدي تأثري مخالف للنقد التقريري» (ص55). 

لقد ظل مندورء خلال هذه المرحلة» يلح على أن النقد ليس علماء لأن أساسه هو الذوق الشخصي الذي 
يقوي ملكته في الحكم النقدي وفي التقييمء بالخبرة الفنية التي يكتسبها من طول الممارسة في قراءة النصوص 
«وذلك لأن أساس كل نقد هو الذوق الشخصي تدعمه ملكة تحصل في النفس بطول ممارسة الآثار الأدبية. 
والنقد ليس علما ولا يمكن أن يكون علماء وإن وجب أن نأخذ فيه بروح العلم...» (ص218). 

بسبب هذا التصور الفني لوظيفة النقدء لم يتردد مندور في دراسته «النقد المنهجي عند العرب» من إقصاء 
التيار النقدي الذي حاول وضع «علم للشعر» و«علم للنثر» (قدامة بن جعفر). لأنه تيار إغريقي النزعة. 

يرى محمد برادة أن المثاقفة أدت الدور الأساسي في تشكيل الوعي النقدي المنهجي لمندور خلال المرحلة 
التأثرية. وهذا ما يفسر استمرار الثنائية الأيديولوجية (التراث/ الغرب) في خطابه النقدي, وغلبة تجاور 
العناصر على التركيب. وإذا كانت المثاقفة ليست عائقا أمام الأصالة والنضج.ء لأنها تمثل عنصرا موضوعيا 
تاريخياء وتحتاج إلى الوعي والنقد. لتصبح عنصرا مخصبا عند تركيب ثقافي جديد. فإنها «بالنسبة إلى مندور 
وجيله. ورغم التطور النسبي في الوعي, كانت تنطوي على عناصر سالبة كثيرة, لأن «نموذجية الغرب» كانت 
ملتصقة بوعي وممارسة الطبقة السائدة آنذاك. مما جعل التنبيه إلى المقومات القومية والاختيار بين «ما هو 
صالح وما هو طالح» مجرد شعارات لترضية كبرياء المشاعر الوطنية والدينية, والتخفيف من وطأة الانشداد 
إلى الغرب في كل المجالات. وفي مقدمها المجال السياسي» (ص61). 


مرحلة النقد التحليلي 

تزامن فترة تدريس محمد مندور بمعهد الدراسات العليا للجامعة العربية. وقد التزم فيها «أسلوبا علميا 
محايدا يهدف إلى الوصف والتحليل والتعريف والتثقيف أكثر مما يهدف إلى التوجيه» (ص54). وكان يهدف 
من هذه الدراسات إلى تحليل الشعر المصري بعد شوقيء غير أنه مم يعد يعتمد في معاييره الفنية على الذوق 
التأثري فقطء بل يستحضر معيار الوظيفة الاجتماعية للأدب: ويوظف المنهج الاجتماعي التاريخي. وهذا 
ما جعله يدخل في خصومات جدالية مع الاتجاه التقليدي. خاصة حواريي أمير الشعراء. وبتواز مع هذه 
الدراسات. كان مندور يضطلع بمهمة تقديم المذاهب الأدبية والمسرحية والنقدية الأجنبية إلى القارئ العربي. 
وقد أسس منهج الممارسة النقدية عند مندور خلال هذه المرحلة على عنصرين أساسيين: 

- شرح المبادئ المكونة للنظرية الأدبية عند الغربيين (خاصة عند الفرنسيين). 

- تطبيق هذه النظرية والمبادئ النقدية المستمدة منهاء تطبيقا مرنا ومراعيا لبعض الفروقء على نماذج 
من الأدب العربي المعاصر. 

لكن العنصر المهم الذي ينضاف في هذه المرحلة إلى ثقافة مندور الكلاسيكية الأكاديمية. وإلى تجاربه 
السابقة, هو اكتشافه الواقعية الاشتراكية في أثناء رحلته إلى الاتحاد السوفييتي ورومانيا سنة 1956. إن عنصر 


1134 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


ا 





الواقعية الاشتراكية, بالإضافة إلى السياق الأيديولوجي الجديد. جعل مندور يعدل من بعض أحكامه وموازينه, 
فلم يعد يكتفي بالاحتكام إلى ذوقه؛ وإلى التعريفات .والتحديدات التي تلقاها عن الكلاسيكية والرومانسية 
والواقعية في أثناء دراسته بالسوربون. وقد تجلى ذلكء في متابعته تطورات أدب الطليعة في مصر بعد 1952, 
وفي تعريفه بنظريات المسرح انطلاقا من أرسطو إلى بريختء وتطبيق معايير أرسطية وكلاسيكية على النصوص 
المسرحية المصرية. مستعينا بعقد المقارنات مع تراجيديات ودرامات عاللية يتخذ منها مندور نقطة ارتكازء 
ونموذجا للاستشهاد. والمقياس الجديد الذي اعتمد عليه مندورء بالمقارنة مع مرحلته التأثرية, يتمثل في استحضار 
العامل الاجتماعي - السياسيء وتفسير الظواهر والمدارس الأدبية على ضوء المرحلة التاريخية «ونحن لا نريد, 
ولا ينبغي لناء أن نعزل الأدب والشعر عامة؛ عن حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية» ولا أن نقصر 
البحث في عوامل تطوره ونموه, وتنوع اتجاهاته, على النظريات الفلسفية أو النقدية للأدباء والنقاد» (ص126). 

ترتكز دراسات هذه المرحلة عند مندور على مفهومين أساسين: التطورية والسياق التاريخي؛ وقد تميز 
مفهوم التاريخ عنده بالاعتقاد بالتطورية» وما تستتبعه من التسليم بتعاقب متدرج للتجديد الأدبي. ويلاحظ 
محمد برادة أن طريقة استعمال السياق التاريخي من جانب مندور, قلما ساعدته على استجلاء كثافة شروط 
الإنتاج الأدبيء ولا على إعادة وضع النصوص في إطارها النوعي. وهذا راجع إلى المفهوم التبسيطي المفترض 
للتاريخ. ونعثر على أمثلة عديدة لهذا النوع من مفهوم السياق التاريخيء في الدراسات التي خصصها مندور 
للشعر المصري بعد أحمد شوقي. فهو مثلاء عندما يشرح الحركة الشعرية لجماعة أبولوء يشير إلى طغيان 
اسماعيل صدقيء ويستخلص أن اللجوء إلى الرومانسية يشكل المتنفس الوحيد لشعراء هذه الفترة. وبهذا 
الفهم الآلي يفسر ظهور التيار الواقعي في الشعر العربي الحديث, فيربط تحول الوجدان الفردي إلى وجدان 
جماعيء بالفلسفة السياسية الجديدة التي أصلحت المجتمع؛ وبددت أسباب حزنه وحرمانه. 

والواقع أن كتابات مندور, في نقد الشعرء خلال هذه الفترةء تنطلق من المفهوم التفسيري نفسه الذي 
يربط معنى النص بالسياق التاريخي والاجتماعي. وإذا كان هذا المنهج التحليلي قد أعطى هذه الكتابات 
نوعا من التلاحمء فإنه أوقعها في الرتابة والتبسيطية والانتقائية ففي دراسته شعر خليل مطران يجاور علم 
النفس تاريخ الأدبء وتتداخل التفسيرات الاجتماعية بالتقييم التأثري. 


مرحلة النقد الأيديولوجي والتنظير 

تمثل في نظر محمد برادة مرحلة التأسيس المنهجي في مسار محمد مندورء ويقوم النقد الأيديولوجي 
عنده «على منهج يحدد وظيفة اجتماعية للأدب والفنء ويصدر الناقد في نقده عن عقيدة. أو على الأصح. عن 
هذا المنهج الفكري والفني الذي يعتنقه» (ص54). يعتبر مندور هذه المرحلة تتويجا للمرحلتين السابقتين ولا 
تشكل قطيعة. لأنها بمنزلة تركيب بينهماء يأخذ عنهما المقولات الأساسية معدلة من خلال تجربته الشخصية. 
ومن خلال تطور المجتمع المصري. ولذلك لم يكن يرى تناقضا في مساره النقدي. فالجانب الجمالي في تصوره 
والجانب الاجتماعي يتكاملان. 


115 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





عوامل كثيرة طرأت على الحقل الثقافي بعد 1952. حددت الاتجاهات التي ستحتضن الثقافة المصرية, 
في طليعتها الثورة الناصرية. لذلك فإن منهج مندور في أن يمارس وصفا تحليليا للأعمال الأدبية, انطلاقا من 
مقاييس «موضوعية ومحايدة». لم يلبث أن تراجع أمام ضغط «الأفكار الأيديولوجية الجديدة». يتجلى ذلك 
في تجاوبه مع مبادئ «الواقعية الاشتزاكية». وفي اعتماده عليهاء خاصة في كتاباته النقدية عن المسرح. 

يلاحظ محمد برادة أن استخدام مندور لمفهوم «المنهج الأيديولوجي في النقد». يفتقد الدقة على صعيد 
التصور والمفهوم والوظيفة. والسبب الأساسي لهذا الالتباس» راجع إلى كون مندور م يحدد ما يقصده بمفهوم 
الأيديولوجياء مما جعل مفهوم المنهج الأيديولوجي عنده مغرقا في التعميم, فهو عندما يشير إلى الوجودية 
والاشتراكية. لا يتعدى مستوى المبادئ العامة التي تعطي الأولوية لمفهوم الأدب الملتزم من دون أن يوضح 
نوعية الالتزام وخلفياته. 

وبسبب هذا التعميم, لم يسلم تحديده لإجراءات المنهج الأيديولوجي من مشكلة العمومية «تفسير 
الأعمال الأدبية والفنية» وتقييم العمل الأدبي والفني في مستوياته المختلفة, وتوجيه الأدباء والفنانين في 
غير تعسف وإملاء. ولكن في حدود التبصير بقيم العصر وحاجات البشر». إلى جانب ذلكء يشير مندور إلى 
الفلسفة الاشتراكية وإلى القيم الجديدة للثورة «فالأمر كما نرى يتعلق بمجرد رجع لأصداء التحولات الدائرة 
في المجال الأيديولوجي». 

إن منهج النقد الأيديولوجي عند مندور يفتقد وظيفته النقدية, لأنه عوضا أن يكون أداة لنقد 
الأيديولوجيات اللمتجابهة. يصير عنده وسيلة لبث شعارات «عهد جديد». وللدفاع عن الأدب الواقعي 
«المتفائل» الملائم لمرحلة البناء الاشتراي. 

والخلاصة أن النقد الأيديولوجيء عند مندورء يكف عن أن يكون وسيلة فعالة للكشف. ولوضع القضايا 
موضع التساؤلء وللتجاوز والتغييرء فيغدو صيغة مكرسة لنموذج يجب أن يتحققء, لا عن طريق النقد 
التاريخي والأيديولوجي الشاملء بل عن طريق الإعلاء من شأن التقنيات والمذاهب الأدبية» مما يدل على 
وجود مفاهيم آلية عند مندورء تخفق في استيعاب تعقيدات الظاهرة الأدبية. 

على امتداد هذه المراحل النقدية, التي تعكس تطور الخطاب النقدي عند محمد مندور.ء ظل مشروعه 
النقدي محكوما بالأيديولوجية الضمنية لخطاب النهضة العربية التي تسلم «بضرورة مزدوجة: بعث التراث 
والأخذ عن الغرب. المسلمة الأولى تستجيب لحاجة قومية هي ضمان الاستمرارية» والمسلمة الثانية, لتدارك 
التأخر وتحقيق إيقاع سريع للنهضة» (ص54). لذلكء لم يستطع محمد مندور أن يتحرر من هذه الرؤية 
ا مزدوجة في منهجه النقدي والنظري. 


المنهج .. تشييد الحقل الثقافي 
انسجاما مع التقييمات العامة التي خلص إليها محمد برادة, في تشريحه لواقع النقد العربيء والتي تؤكد 
انخراط هذا الخطاب في الدينامية الاجتماعية. يحدد محمد برادة اختياره المنهجي في البنيوية التكوينية 


136 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


كود 1ق كو د جم سوج وو وول 





عنونافمفع عدمدتلهعتطءدئ: لقد آثرناء فيما يخصناء استيحاء المناهج الصادرة عن البنيوية التكوينية كما 
بلورها كل من جورج لوكاش ولوسيان كولدمان وبيير بورديو» (ص20). 

ويبرر هذا الاختيار ا منهجي للبنيوية التكوينية بتحديد مزايا هذا المنهج: 

- الأهمية القصوى التي يعطيها هذا المنهج للتاريخ بمفهومه الواسع والمعقد, بالإضافة إلى مرونته 
المفهومية «لكل هذه الاعتبارات توخينا الاستفادة, في دراستناء من المناهج والأبحاث المنجزة في مجال علم 
الاجتماع الأدبي وتطبيقاته النقدية, لأنها تعطي الأسبقية للجدلية التاريخية» (ص19). 

- إن البنيوية التكوينية باعتبارها منهجا اجتماعيا يصدر عن رؤية تاريخية جدلية: ويرتبط بالقوى 
الاجتماعية وصراعاتها وانعكاساتها الأدبية والفنية «يسهم في تخليص دراساتنا من هالات التقديس والتبرير 
القائم على أحكام مسبقة. خاصة أن معظم الدراسات المتصلة بالمجتمع العربي وثقافته مطبوع بإضفاء 
القداسة على حساب التحليل الموضوعي» (ص21). 

- حاجة الأدب والفكر العربي إلى الدراسات الموضوعية التي تسعف على وعي المشكلات المتميزة لثقافتناء 
وعلى تعميق الفكر النقدي اللازم للتجديد, عبر المواجهة والتفاعل «ولأن دراستنا هذه موجهة أساسا إلى القارئ 
العربيء فإنها تنطلق من المنظور الذي نعتبره ملائما لإعادة طرح بعض القضايا والمشكلات في النقد» (ص21). 

يستقي المنظور المعرفي والفكري في دراسة محمد برادة خلفياته النظرية وأدواته الإجرائية من البنيوية 
التكوينية. ولذلك يتخذ التحليل منحى سوسيولوجيا يركز على فهم الشروط الاجتماعية والثقافية التي تحكمت 
في تكون المشروع النقدي لمحمد مندور. في ضوء منطلقات هذا الاختيار السوسيولوجي الجدلي يرسم محمد 
برادة الحدود المنهجية لدراسته. بشكل حاسم., فهو لا يدرس الخطاب النقدي لمحمد مندور دراسة بنيوية 
محايثة. بمعزل عن سياقه التاريخيء كما أنه لا يهتم بالتأريخ لسيرة محمد مندور, ولا يعنى بالتحليل النفسي 
لشخصيته ولواقفه النقدية. يتوافق هذا القصد المنهجي مع الفرضية الأساسية التي تنطلق منها البنيوية 
التكوينية»ء وهي أن «الكشف عن هذه البنى (البنى الذهنية)» في أغلب الأحيانء وفهم النتاج الأدبيء ضمن 
ذلك هو أمر يتعذر بلوغه على الدراسة الأدبية المحايثة,» وعلى الدراسة المتجهة نحو النيات الواعية للكتاب, 
أو نحو علم نفس الأعماقء ولا يمكن أن يبلغه سوى بحث من النمط البنيوي والسوسيولوجي»12. 

سيتيح المنظور السوسيولوجي للحمد برادة تفادي مثالية التحليل السيكولوجي الذي هيمن على الفكر 
النقدي العربيء ذلك أن معظم السير المكتوبة بالعربية عن الشعراء والأدباء تتخذ من وعي الذات العامل 
الحاسمء وتغفل التاريخ والعلائق الاجتماعية والاقتصادية «مادام الشاعر أو الزعيم هو الذي يقرر مصيره بل 
يحدد قدر قبيلته أو أمته» (ص24). 

ويتأكد هذا الاختيار السوسيولوجي في الممارسة النقدية عند محمد برادة» من الأسئلة التي توجه مسار 
الدراسة. وتتوخى فهم التحولات الثقافية والسياسية في مسار محمد مندور: 

- كيف نفهم كتابات مندور؟ 

- ما الشروح التي يمكن إعطاؤها لتحولاته الثقافية والسياسية؟ 


137 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





في ضوء هذه الأسئلة/ الأهداف يعمل التحليل على كشف العوامل الاجتماعية والأيديولوجية التي 
ساهمت في تكون الخطاب النقدي عند محمد مندورء وأثرت في ممارسته النقدية والثقافية, وإبراز اللحظات 
الأساسية التي يرتكز عليها مشروعه النقديء وتفسير ما طبع مساره التاريخي من تحولات منهجية: استنادا 
إلى شروط الحقل الثقافي التي تتحكم في تكون الخطابات الفكرية والفنية» وفي تحديد إمكاناتها وحدودها. 

هكذاء تتحدد أولوية المنهج بالنسبة إلى محمد برادة في البحث في تكون ع5غمعع البنية» ويشير هذا 
المفهوم «إلى أن ما هو مطروح ليس دراسة البنيات من حيث هي كذلكء بصورة سكونية ولازمنية» بل 
العملية الجدلية لصيرورتها ووظيفتها»77!). في سياق هذا الفهم الجدليء يدرج محمد برادة بنية الخطاب 
النقدي عند محمد مندور. من منظور بنيوي تكوينيء في بنية أوسع, هي بنية الواقع التاريخي الذي 
تكونت فيهء بمختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بهدف استحلاء العلاقات الاجتماعية» ورصد 
الأيديولوجيات التي تحرك الخطابات وتوجه مقصديتها الجمالية والثقافية. وهنا نجده يستحضر مفهوم 
الحقل الثقافي في سوسيولوجيا عام الاجتماع الفرنسي «بيير بورديو» لتفسير أثر هذه العلاقة المعقدة. ويعني 
هذا المفهوم «القطيعة مع الإشكالية التقليدية... لنتساءلء ليس عن الكيفية التي تمكن بها أحد الكتاب من 
أن يؤول إلى ما أصبح عليه, بل لنتساءل عما يلزم أن تكون عليه مختلف فتئات الفنانين والكتاب في عصر 
ومجتمع محددين, من زاوية الوصف الخارجي للعلاقات الاجتماعية؛ ليتسنى لهم أن يشغلوا المواقع التي 
تسمح بها وضعية معينة داخل الحقل الثقافيء وتتيح لهم بالتاليء اعتناق المواقف الجمالية أو الأيديولوجية 
ا ملتصقة موضوعيا بهذه المواقع» (ص24). 

يقود مفهوم الحقل الثقافي إلى تفادي تقييم أعمال مندور النقدية, بمعزل عن شروط تكونها الاجتماعية 
والسياسية, لأن هذا العزل يحولها إلى ممارسة مغلقة. متعالية على الشروط الموضوعية التي تكونت فيهاء 
وهذا ما يسقط التحليل في نزعة لاتاريخية. لتجاوز هذه النزعة اللاتاريخية في التقييم. يعيد محمد برادة 
تشييد المسار الذي قطعه محمد مندورء في سياق استكشاف علاقاته بالحقل الأدبي, المرتبط بدوره بحقل 
السلطة باعتباره خاضعا لتكوينات اجتماعية طبقية تؤدي الدور الأساسي في تحديد الاتجاهات والاختيارات. 

وما يسهل عملية التفسير, أي إدراج البنية العامة للخطاب النقدي محمد مندورء في بنية أوسع مرتبطة 
بالحقل الثقافيء هو تجربة محمد مندور النقدية والثقافية «فهو لمم يكن مجرد ناقد متخصص منغلق على 
نفسه. كانت نشاطات واهتمامات أخرى تضفي عليه طابع «المثقف العضوي»». ومن ثم لا يمكن موضعته أو 
فهم أعماله من دون اعتبار المرحلة التاريخية المتأججة التي عاشتها مصر خلال الفترة من 1940 إلى 1965, 
أي طوال سنوات الفعالية في حياة مندور» (ص23). 

لا شك في أن تفكيك العناصر المكونة للحقل الأدبيء والتحليل الموضوعي للفاعلين فيه, انطلاقا من 
وضعيتهم الطبقية. ومن تأثيرهم ووزنهم الوظيفيء سيتيح فهما أحسن لأعمالهم: لأنه يمكن من ربط 
المقتضيات الداخلية للخطاب, بالإرغامات الاجتماعية, وبمدى ملاءمة الخطاب للرؤية الحياتية. وهذا ما يفسر 
اهتمام محمد برادة بتحليل بنيات العلائق الموضوعية داخل الحقل الأدبي. حتى يتجنب التأويلات الجزثية 


138 


نقد النقد .. جدلية 0 ا 


كك عم 1 جورب وج 





التي نصادفها في كثير من الدراسات المتصلة بهذه الحقبة. ومن أجل ذلك يتجه التحليل السوسيولوجي عند 
محمد برادة إلى تفكيك مكونات الحقل الأدبيء واستكشاف الأيديولوجيات المتنافسة فيه. بهدف استجلاء 
العلاقة بين أعمال محمد مندور والبنية التاريخية التي تحرك فيها منذ كتابته الأولء وتحديد نمط الرؤية 
للعالم 520206 ندل ه15وة؟ التي تحكم أعماله النقدية والثقافية والسياسية. ومفهوم الرؤية للعام في البنيوية 
التكوينية هو مفهوم اجتماعي يتعلق بالطبقة والجماعةء وليس بالفرد. بمعنى أن الرؤية للعالم واقعة 
اجتماعية وليست واقعة فردية» تنتمي إلى مجموعة أو طبقة, وترتبط بالبنيات الذهنية للطبقات. «إن 
الرؤية للعالم هي بالتحديد هذا المجموع من الطموحات. من المشاعر والأفكار التي تضم أعضاء مجموعة 
(وفي الغالب طبقة اجتماعية) وتواجهها بمجموعات أخرى... إنها تعميمية لتيار حقيقي لدى أعضاء مجموعة 
يحققون جميعا هذا الوعي الطبقي بطريقة واعية ومنسجمة إلى حد ماه©1). 

إذا كانت «سوسيولوجيا المضامين»2!7 التي ميزت المناهج الاجتماعية التقليدية تعمد إلى مطابقة 
مضمون الأعمال الأدبية والثقافية ممضمون الوعي الجمعي «أي مضمون طرق التفكير والسلوك التي يقوم 
بها الناس في حياتهم اليومية»2!27. وبالتالي ما تنتجه من فهم لا يخرج عن نظرية الانعكاس. فإن البنيوية 
التكوينية تقوم بتحويل جذري لهذه العلاقة» لأنها تنطلق من مقدمات ليست فقط مغايرة لتلك. بل 
ومعارضة لها. فالعلاقة الجوهرية بين النتاج الأدبي والثقافي والواقع التاريخيء لا تقوم على مطابقة المضامين 
بين هذين المجالين «ولكنها تهم فقط البنى الذهنية. وهي ما يمكن تسميته با مقولات التي تنظم في وقت 
واحد الوعي التجريبي لفئة اجتماعية معينة, والكون التخييلي الذي يبدعه الكاتب... لذلك فمن الممكن أن 
يحصلء من هذا المنظور - وهذا يحصل في أغلب الأحيان - أن تكون المضامين متنافرة تماماء بل ومتعارضة 
متماثلة بنيويا أو توجد في صلة وظيفية على صعيد البنى المقولاتية»09. 

انطلاقا من هذا المبدأ البنيوي التكوينيء التناظر البنيوي أ1اءمتةعدماد أنه ه[مصوط الذي يرى أن 
العلاقة بين الخطاب والواقع تمر عبر وساطة البنى الذهنيةء وليس عبر علاقة مباشرة آلية, بما لا يجعل 
الخطاب مجرد انعكاس للواقع التاريخي» يعيد الباحث بناء الحقل الثقافي الذي تكونت فيه الممارسة النقدية 
محمد مندور. 

ينتمي محمد مندور إلى جيل 1936 في تاريخ النقد الأدبي بمصر. الذي أعقب جيل 1919: أي جيل الرواد 
مع طه حسين ومحمود عباس العقاد ومحمد حسين هيكلء وتبلورت مفاهيمه من خلال المناخ ا محموم 
المضطرب للسنوات من 1936 - 1964. 

ويكشف محمد برادة المعام البارزة للحقل الأدبي الأسامي خلال هذه الفترة الزمنية بترابط مع حقل 
السلطة والخطاب الأيديولوجي للطبقاتء ثم يعمد في خطوة ثانية إلى موضعة محمد مندور داخل الحقل 
الثقاء من خلال البحث في الدور الاجتماعي الذي اضطلع به في تحقيق تجانس الوعي الطبقي طوال 
السنوات الجوهرية من نشاطه (1936 - 1964): وهي السنوات التي شكلت رؤيته الأيديولوجية والنقدية, 
وأتاحت له أن يؤدي دورا معينا في الحياة الأدبية والسياسية لبلاده. 


139 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


در 





إن أهم المكونات الفاعلة في الحقل الأيديولوجي بمصرء. خلال هذه الفترة. كان الاحتلال البريطاني» ورد 
الفعل الوطني ضد الاستعمارء وتسريع التمايز الطبقي بفعل الاستعمار.ء عن طريق مساندته البورجوازية 
الأرستقراطية. وكبار الملاك. والموظفين السامين. كما شكل الدين عنصرا موجها لكل الاتجاهات. غير أنه أهم 
ما بميز هذه الفترة التاريخية هو تبلور التمايز الأيديولوجيء خاصة على الصعيد النظريء حيث برزت ثلاثة 
اتجاهات أساسية, توجه الكلية الاجتماعية: 

- أيديولوجيا ليبرالية - قسرية: اعتنقتها الأرستقراطية والبورجوازية الصناعية وفثات الوسطاء المستفيدين 
من التبعية للأجنبي. هذه الأيديولوجيا كانت تقوم بدعم مصالح هذه الفئة وتضفي عليها طابع المشروعية, 
من خلال سن التشريعات والقوانين السياسية. 

- أيديولوجية وطنية إصلاحية: تبلورت عند الفئات الطامحة إلى تحقيق مشروع وطني يتصدى 
للهيمنة الأجنبية, وللاستغلال الذي كان يمارسه حلفاء الاحتلال الأجنبي في 0 رغم رفضه الاحتلال 
الأجنبيء لم يكن هذا المشروع الوطني يتبنى القطيعة مع الغربء ولا مع «فعالية» نموذجه السياسي. 
ويلاحظ محمد برادة أن معام هذه الأيديولوجيا لمم تكن محددة. بل وم تكن قابلة للتحديد بسبب 
اختلاط الفئات والقوى الاجتماعية التي تنتسب إليهاء وبسبب انعدام تنظير واضح عند قادتها يسمح 
بتتبع تطوراتها. هذا ما كان يجعلها أيديولوجيا «تلحم» العناصر المنضوية تحت مظلتها نتيجة تسيبها 
وعدم تحديدها. ويمكن اعتبار حزب الوقد الذي كان ينتمي إليه محمد مندور بمنزلة التعبير السياسي 
عن هذه الأيديولوجيا. 

- أيديولوجيا طوباوية: تتميز على خلاف الأيديولوجيات الأخرى بطابعها الكلي والجذريء الرامي إلى 

تجاوز جميع العينات المجربة من قبل. ورغم الاختلاف القائم بين الاتجاهين الممثلين لهذه الأيديولوجيا 
الطوباوية (الإخوان المسلمون والشيوعيين). فقد كانتا تحتلان الساحة وتستقطبان جماهير الشباب الغاضب. 

بعد إبراز مختلف العناصر المكونة للحقل الأدبي للمرحلة الزمنية 1936 1952-, في المجالات السياسية 
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية» ينتهي محمد برادة إلى موضعة محمد مندور داخل النسيج 
الاجتماعي باعتماد مقولة «المثقف العضوي». لتفسير الدور الذي مارسه في الصراع الاجتماعي. فهو لمم يكن 
مجرد ناقد أدبي متخصصء بل مثقف عضويء اضطلع بدور أيديولوجي في تحقيق تجانس الوعي الطبقي. إلى 
جانب دوره الأدبي في تجديد الخطاب النقدي العربي الحديث. بحكم انتمائه إلى الطبقة الريفية المتوسطة 
التي أسهمت في الكفاح من أجل الاستقلالء سواء عن طريق الفلاحين في البادية, أو بوساطة أبنائهم في المدن. 
وكان خطابها السياسي يلتقي مع تطلعات البورجوازية الصغيرة ومع الطبقة المتوسطة في المدن. هذا الدور 
الأيديولوجي الذي اضطلع به لم يبق في حدود الانتماء الثقافيء بل تحول إلى التزام سياسي حين ارتبط محمد 
مندور بحزب الوفد. ويمكن تمييز مرحلتين في هذا الارتباط: في المرحلة الأولى عبر عن تعاطفه معه من خلال 
المقالات التي نشرها في الصحف الفرنسية مؤيدا إلغاء المحاكم المختلطة. وفي المرحلة الثانية التحق بحزب 
الوفد الذي عهد إليه بإدارة صحيفة «الوفد المصري». 


110 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


وبع مي كو تومه 





تكتسب هذه المرحلة أهميتها في حياة مندور ومساره الأيديولوجي والنقدي. لأنها تمثل فترة تبلور الوعي 
السياسي لمندور الذي أصبح يضطلع بدور أساسي داخل يسار حزب الوفد. من خلال ممارسته العمل السياسي 
الصحافي. وأيضا عندما أصبح عضوا بالبرلمان باسم حزب الوفد ورئيسا للجنته التعليمية. 

إن فترة العمل السياسي والصحافي أتاحت للندور أن يتجذر بعمق في ممارسة اجتماعية تنصهر عبرها 
ثقافته النظرية بمواقفه النضالية والسياسية. وهذا ما يفسر أن الاهتمام بالأدلجة عند مندور أصبح أكثر 
وضوحا بعد خوضه تجربته السياسية, ويظهر ذلك في دعوته إلى ضرورة ممارسة «التفكير ا مذهبي» (التفكير 
الأيديولوجي)» باعتباره التفكير الوحيد القادر على أن يعطي للصراعات أبعادها ا لموضوعية. 

ما ينبغي تأكيده هناء أن محمد برادة يتعامل بمرونة مع ال منهج السوسيولوجي البنيوي التكويني. فهو لا 
يطبق مفهوم المثقف العضوي على حالة محمد مندور بشكل آلي, ذلك أنه يرى أن «عضوية» مندور تتصل 
بحركة مكونة من فئات اجتماعية متعددة, أكثر مما هي متصلة بطبقة واحدة محددة ومتميزة. كما يذهب 
إلى ذلك تعريف غرامشي. لقد تشكل الوعي النقدي والأيديولوجي لمحمد مندور في أحضان فكر وتطلعات 
الحركة الوطنية الاجتماعية المصرية؛ ولا يكتسب هذا الوعي أهميته في هذا التحليل السوسيولوجي من 
وظيفته الفردية, أي من نوايا الكاتبء ولكن من السيرورة الاجتماعية الجدلية الموجهة للوعي وللفاعلين, 
خلال الفترة الممتدة من 1936 إلى 1956 والتي تحدد فيها دور محمد مندور باعتباره مثقفا عضويا يعبر عن 
الوعي الممكن للطبقة المتوسطة المصرية المتطلعة إلى الاستقلال والحرية. من هذه الزاوية السوسيوتاريخية 
يخلص الباحث إلى «اعتبار مندور بمنزلة انعكاس مبدع لصفوة مثقفة كانت تبحث عن ذاتها عبر خليط من 
الاختيارات والإمكانات. وكان الجزء الكبير من الرهان خلال هذه الفترة التاريخية, يتمثلء قبل كل شيء. في 
بلورة وعي ممكن يسمح للحركة الوطنية - الاجتماعية» بإرساء دعائم تفكير متحرر من الظلامية الماضوية 
ومن الاستلاب الاستعماري» (ص114). 

تؤكد حالة مندور الترابط بين الفعالية الأيديولوجية, وبين العلاقة العضوية للمثقف بطبقته. فكتاباته 
السياسية والاجتماعية طوال الفترة من 1940 إلى 1952 تنتصب لتأخذ شكل «إسمنت اجتماعي» وفق تعبير 
غرامشيء لتلحم صراع طبقة (أو فئات من الطبقات بالنسبة إلى حالة مندور) متطلعة إلى تغيير المجتمع. 
و«بذلك كان دور مندورء طوال هذه الفترة. وكما وجهته عناصر موضوعية واختيارات واعية. هو الاضطلاع 
بمهمة «العاكس المبدع». مع آخرينء لوعي طليعة وطنية قومية» (ص266). 

في سياق هذه الإرغامات السياسية والأيديولوجية.ء ساهم محمد مندور باعتباره ناقداء في «تجسيد» 
التفكير الأيديولوجي السائد خلال فترة تاريخية معينة. فمن خلال النظرية الأدبية, استطاع أن يبلور ملامح 
أيديولوجيا كانت تتشكل وتنمو ضمن شروط اجتماعية - اقتصادية, وكان هو بكتاباته يعبر من خلالها عن 
رؤيته للعام. وسيلته الأساسية في ذلك إعطاء صياغة مفهومية للآثار الأدبية التي كان ينطلق منها في تحليلاته 
النقدية. وهذا ما يفسر أن المصطلحات والناهج الأجنبية التي تأثر بها مندورء وفهمها على نحو خاصء قد 
قادته. في كثير من الأحيانء إلى اختزال الأعمال المنقودة. وإلى تحويلها إلى مجرد سجلات أيديولوجية. 


141 


نقد النقد .. جدلية النظرية وال ممارسة 


موده 





يخلص محمد برادة إلى أن هذه الرؤية للعالم التي تجمع بين فكرة الاشتراكية وفكرة الديموقراطية هي 
التي تنتظم مفاصل المشروع النقدي والفكري لمحمد مندور في إطار بنية دالة منسجمة. وقد تشكلت في 
صيرورة الوضع التاريخي الذي عرفته مصر منذ الثلاثينيات إلى حدود العام 1964. وإن تغير عوامل ومكونات 
هذا السياق التاريخي طوال هذه الفترة الزمنية هو الذي يفسر ما عرفه مشروع محمد مندور من تحولات 
منهجية ونظرية وفكرية؛ فقد انتقل من المنهج التأثري الجمالي إلى النقد الاجتماعي. تحث التأثير السياسي 
والاجتماعي» لينتهي إلى الواقعية الاشتراكية مع ثورة يناير 1952. 

يبرز أثر الوضع التاريخي بشكل جلي في بنية الخطاب عند محمد مندورء مع نجاح ثورة 1952: وما 
ترتب عنها من تصنيف طبقي جديد. بفعل نتائج الأدلجة التي قامت بها الأيديولوجية الناصرية. حيث 
«أصبح محمد مندور مثقفا «تقليديا» (بالمعنى الذي يعطيه غرامشي) ينضم إلى النظام الجديد. ومن ثم 
فإن كتاباته لم تعد تتوافر على الفعالية الأيديولوجية نفسها. لقد غدا انعكاسا متلقيا بعد أن كان انعكاسا 
مبدعا» (ص266). 

فإذا كان محمد مندور مثقفا عضوياء يعبر عن الوعي الممكن للطبقة المتوسطة المصرية طوال الفترة 
الممتدة من 1936 إلى 1952 أي أنه كان «انعكاسا مبدعا» لوعي جماعي طبقيء فإنه في مرحلة الثورة 
الناصرية خضع ليكانيزم التكييف. بفعل عملية الأدلجة التي باشرها النظام الناصري الجديد, وانتهى به الأمر 
إلى مجرد انعكاس للميكانيزم المتحكم في الحقل الثقافي الجديد سنة 1952., وبذلك فقد وظيفته العضوية 
النقدية. وأصبح وعيا متكيفا مع الأيديولوجية السائدة, ذلك أن مسار الأدلجة الذي قام به النظام الناصري 
الجديد للمجتمع «قد انتهى إلى تحديد دور آخر للمثقفين المصريينء هو دور «موظفي البنيات العليا»ه وفق 
تعبير غرامشي. كان باستطاعة المثقفين أن يساهموا في نشر هيمنة النظام الجديد. ولكن لم يكن لهم حق 
انتقاد الأيديولوجيا السائدة» (ص236). وم ينج محمد مندور من عملية الأدلجة الناصرية؛ ولم يكن يخفي 
تحوله إلى المذهب الاشتراي ودفاعه عنه ضد الرجعيين والثيوقراطيين. ولذلك يخلص محمد برادة «إلى اعتبار 
المنهج الأيديولوجيء عند مندور, بمنزلة صدى ل «العصر الأيديولوجي» الذي ساد مصر في الستينياتء أكثر 
مما هو نتيجة تفكير تركيبي متميز عن بقية المناهج التلفيقية» (ص237). 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 

من خلال ما تقدم من تحليل للمنهج النقدي عند محمد برادة» يتضح لنا التلازم بين النقد والأيديولوجيا 
والثقافة عنده, في تشريح الخطاب النقدي لمحمد مندور. كيف تتحدد إستراتيجية الربط بين هذه الحقول 
الثلاثة؟ وكيف تتفاعل فيما بينهاء نظريا وإجرائياء في الممارسة النقدية لمحمد برادة؟ 

إن مشكلة النقد العربيء في تصور محمد برادة» لا تطرح فقط من منظور الابستيمولوجياء لأنها لا تقتصر 
على مشكل الصلاحية واطلاءمة. والسعي إلى إضفاء الطابع العلمي على النقد. بقدر ما تنتج عن انشغال 
نظري وعمليء ينيني على تشخيص سوسيولوجي لواقع النقد العربيء من حيث هو واقع مطبوع بالمأزق 


142 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


1ل جا 





التاريخي لثقافة قومية تتطلع إلى التحرر من الاستلابء وإلى ايجاد حلول للشكلات التأخر التاريخي منذ 
عصر النهضة العربي. هذا «الأثر التاريخي» هو ما يوجه إستراتيجية نقد النقد عند محمد برادة. ويحدد 
وظائفها وأدوارها: 

- وظيفة أيديولوجية: إذا كان النقد خطابا اجتماعياء يستند في تكونه إلى السيرورة الاجتماعية التي 
توجه مواقف الفاعلين ومواقفهم الفكرية والأيديولوجية» فإن دور الناقد لا يقف عند حدود العمل النظري 
المتخصص. بل يضطلع بدور مهم في الجدلية الاجتماعية بحكم المأزق التاريخي للثقافة العربية. وهذا ما 
يجعل من الناقد العربي منخرطا في الكلية التاريخية للمجتمع؛ ففي سعيه إلى بناء نظرية أدبية يكون مشغولا 
بالتفكير في نموذج قادر على بلورة حلول للعضلات المجتمع. لذلكء فإن الموقف الأيديولوجي محمد برادة 
واضح. إنه لا يدعي الحياد الموضوعي «ولا يمكن الزعم بأن منهجنا هو منهج علمي أو موضوعي بإطلاق: بل 
هو منهج يصدر عن رؤية أيديولوجية ولا يتحايل في إخفائها. لكن, بين التفضيل الأيديولوجيء وبين موضوع 
التطبيق» هناك إمكان القيام بتحليل موضوعي نسبيا. وهكذاء فإن دراسة الحقل الأيديولوجي من 1936 
إلى 1952» ثم الحقل الأيديولوجي من 1952 إلى 1965 ترمي إلى تحديد الشروط الاجتماعية - الثقافية التي 
تولدت عنها الإنتاجات الأدبية والنقدية خلال هذه الفترة, متأثرة ومستجيبة لعلائق معينة بين القراء وبين 
المنتجين الأدبيين» (ص265). 

يصدر نقد النقد, إذن» في ممارسة محمد برادة عن رؤية أيديولوجية. ولذلك يندمج فيه التنظير الأدبي بالممارسة 
الاجتماعية» بمعنى «ينبغي أن يقوم بمهمة دنيوية 702008 (0:101. ليست عائمة في وجود ذهني» !20 

إن نقد النقد عند محمد برادة هو مشروع نقدي أيديولوجي. أولاء يهدف إلى كشف الأيديولوجيات التي 
تتنافس وتتنازع في السيرورة الاجتماعية, وتحكم بالتالي مواقف الفاعلين. وتؤطر شكل استجابتهم للتاريخ. 
ثانياء يهدف إلى ممارسة نقد نظري للبنيات الثقافية التقليدية. وهذا يستدعي من الناقد أن يتموضع ثقافيا 
في مجال الحقل الثقافي والأيديولوجي. وهذا ما يتضح من ممارسة محمد برادة, حين يعلن تموقعه في صف 
ثقافة الطليعة والحداثة في مواجهة ثقافة الجمود وال ماضيء التي تضع المسلمات وال موروثات موضع التساؤل 
وإعادة النظر بكيفية جذرية. «وجوهر المشكل النقديء في رأيناء لا يتمثل بإضفاء الطابع العقلاني على نقدنا 
الأدبي بوساطة مصطلحات «علمية»... إن معركة «علمية النقد» بهذا المفهوم لن تخرجنا من الحلقة المفرغة. 
على العكسء نعتقد أن المأزق التاريخي الذي توجد فيه الثقافة العربية» يقتضي تجاوزا مبنيا على العمل 
الثقافي - السياسيء الرامي إلى تحويل كلي لبنيات المجتمع العربي وللعلائق السائدة فيه. من هذه الزاوية, 
فإن النقد النظريء باعتباره إعادة نظر مستمرة «مستقلة ومرتبطة» بالحقل الأيديولوجيء سيتيح له الإسهام 
في عمل أولي وضروري. هو تقويض «الدليل» الثقافي القائم. وتفجير المقاييس والقيم المستمدة من شرنقة 
الماضي التقليدي». (ص274). 

على خلاف ما ينتقده محمد برادة بالتحليلات اللثالية اللاتاريخية» يطرح فكرة التموضع /ؤذلهه05110م 
في الحقل الثقافي - الأيديولوجي. فالنقد بالنسبة إليه تتحدد ممارسته وإشكالياته النظرية داخل السياق 


143 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





التاريخي. وهذا ما يفسر تبني محمد برادة منهجا أيديولوجياء في دراسة الخطاب النقدي عند محمد مندور, 
هو البنيوية التكوينية التي تستلهم مرجعيتها من المادية التاريخية «إن البنيوية التكوينية للوسيان غولدمان 
تتضمن, بداهة. أيديولوجياء تصورا للعالم هو من دون شك تصور اطادية الجدلية التاريخية. ولكنها قبل كل 
شيء دليل منهجي لقاربة النتاج»(21. 

تلح البنيوية التكوينية باعتبارها منهجا أيديولوجيا على العلائق الوطيدة بين الأدب والأيديولوجياء وتعتبر 
الخطاب الأدبي - بشكل خاص - والخطاب الثقافيء بشكل عام, «أحد مكونات ومظاهر ال معمار الأيديولوجي 
المجسد للبنيات الفوقية لمنظومات الأفكار, وأن أنماط الوعي التي هي بدورها تعبير عن علائق اجتماعية 
محددة. ومن ثم فإن الأدبء منظورا إليه ككل نظري وتطبيقيء يصبح سيرورة تتشيد داخلها الأيديولوجيات 
وتتناقد وتتحول» (ص265). 

- وظيفة تنظيرية: لا يستهدف نقد النقد عند محمد برادة فقط نقد الواقع النقدي الأدبيء بل إن ما 
يحفزه هو تغيير الابستيمولوجيا القائمة. بمعنى التفكير انطلاقا من التشخيص السوسيولوجي لمشكلات الواقع 
النقديء في صياغة حلول لمشكلات النقد العربيء بحثا عن نموذج ممكن للنقد العربي لا يظل رهين نموذجية 
الغرب. في هذا السياق يرى محمد برادة أن أبرز مظهر لأزمة النقد العربي هو غياب نظرية للأدب العربي 
ولذلك يقترح أن المخرج من هذا المأزق الابستيمولوجي يتمثل في الدعوة إلى ما يسميه النقد النظري «لأجل 
ذلك ألححنا في هذه الخاتمة على ضرورة ممارسة نقد نظري للأدب العربي. ونحن نقصد بهذه الصيغة إبراز 
اقتناع قوي عندناء أكثر مما هي دعوة برنامجية. ذلك أن القصور «النظري» الذي عايناه في مختلف مجالات 
الحياة اليومية للمجتمع العربيء قد تأكد لنا من خلال إنجازنا لهذه الأطروحة, ومساءلتنا لكتابات فكرية 
وأدبية... إلا أن ما زاد اقتناعنا به هو ضرورة الاعتماد على ما أسميه مؤقتا بالنقد النظري» (ص272). 

والتنظير الأدبي بالنسبة إلى محمد برادة لا يختزل في فعل النظرية المجردة: لأنه يستمد ديناميته من 
جدلية الممارسة الاجتماعية «النظري مرتبط بالملموس الذي يتكون في مجال النقد الأدبي من أعمال الإبداع 
ومن التاريخ ومن الأيديولوجيات المتصلة بفترة العمل الأدبي أو مادته» (ص273). 

ينطلق هذا النقد النظريء بحكم وظيفته السوسيولوجية» من تصور أيديولوجي لفهوم العمل الأدبيه 
ينظر إليه باعتباره يمثل «بنية دالة» يتلاحم فيها الشكل بالمادة «إن التباعد: مضمون - شكلء لا يمكن لحمه 
إلا من خلال ممارسة نقدية للعمل الأدبي. ولتكون هذه فعالة. لا مناص من التسليم» بأن الشكل هو دائما 
أيديولوجياء وأيديولوجيا فعالة» (ص274). 

هذا الفهم الأيديولوجي لوظيفة التنظير هو ما يجنب النقد العربي - في رأي برادة - النزعات اللاتاريخية 
الميالة إلى إضفاء طابع المثالية على الإنتاجات والظواهر الأدبية. خاصة عندما يتعلق الأمر بالأشكال الأدبية 
وبتكونها وتطورها باعتبارها ممارسات ثقافية. 

ولذلك يرى أن مشكل النقد العربي لا يختزل إلى إشكال ابستيمولوجيء يتمثل في إضفاء الطابع العقلاني 
على النقد الأدبي بوساطة مقاربات علمية, أو بجعله حقلا للتدليل على نظريات أثبتت «صحتها» في مجالات 


144 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 
:5:1 تح نا تج ليت ب اطق لق طق 7ج اظات ا ااا 

معرفية أخرى. إن معركة علمية النقد بهذا المفهوم الابستيمولوجي الصوريء تحول النقد إلى مقاربة مثالية 
تفتقد البعد التاريخي. على العكسء يرى محمد برادة أن مشكل النقد العربي هو مسألة تتعلق بسوسيولوجية 
المعرفة وتاريخيتهاء لأن اللأزق التاريخي الذي توجد عليه الثقافة العربية. جعل الناقد العربي منذ النهضة, 
يولي وجهه باتجاه الغرب للبحث عن حلول بلشكلات التأخر التاريخي. ولذلك لا يمكن أن نفصل مشكلة 
النقد العربيء عن الرؤية المزدوجة التي تعانيها الأيديولوجية العربية المعاصرة, بفعل أثر المثاقفة المتفاوتة مع 
الغرب. مازال النقد العربي محكوما إلى اليوم بالأيديولوجيا الضمنية لخطاب النهضة. 

- وظيفة ثقافية: تتحدد وظيفة نقد النقد عند محمد برادة ضمن سياق محدد. هو الثقافة العربية 
المعاصرة. من جهتين: أولاء اعتبار النقد خطابا اجتماعياء ينتج في سياق مكونات الحقل الأيديولوجي الخاصة 
بثقافة محددة «أي يحمل سماتها ويعبر عن طموحاتها ويواجه مآزقها في الآن نفسه»22. ثانياء باعتبار 
النقد خطابا اجتماعياء فإن البحث في أزمة الخطاب النقدي العربي الحديث يستدعي أسبقية إعادة النظر 
في أسس الثقافة القومية, بقصد تخطي مشكلة المثاقفة المتفاوتة. ذلك أن حل أزمة النقد لا يمكن أن يتم 
من دون تحليل شامل وجدلي لمكونات الحقل الثقافي وامتداداته السياسية والأيديولوجية. وبالتاليء فإن 
نقد النقد عند برادة يمثل في أحد أدواره الأساسية نقدا ضمنيا للثقافة, يتم بوساطة تحليل النصوص, وليس 
مباشرة, لأنه يستهدف تفكيك الأنساق المضمرة الأيديولوجية والثقافية للخطاب النقدي «نلح بأن مشروعنا 
يندرج في سياق محدد. يستوحيه ويتوجه إليه» ومن ثمة, فإنه يصبح, بغض النظر عن طريقة التعبير. حوارا 
مع «ثقافتنا» كما تتبدى لناء وكما «نتحمل» مسؤوليتنا تجاهها. قد يقول البعض بأن الحوار مع الثقافة 
يمكن أن يتم مباشرة. ووجها لوجهء ليكون أكثر فعالية. لكننا نعتقد أن محاورة الثقافة في شكل انتقادات 
مباشرة وعامة؛ كثيرا ما تفضي إلى نوع من الحديث العصابي الخاضع للإسقاطات والرغائب والتجريد. في حين 
أن الحوار بوساطة تحليل نصوص حاملة لرؤية أيديولوجية ولشروط تاريخيةء تتيح درجة أكبر من الفهم 
اموضوعي» (ص263). 

إن نقد النقد بحكم وظيفته الثقافية لا يقف عند مستوى البنيات الظاهرة للخطاب النقديء بل يتجاوز 
مستوى المقولء إلى المستوى المسكوت عنه في الخطاب. بهدف تفكيك مكونات الحقل الثقافي للخطاب, 
ليكشف الأنساق الأيديولوجية المضمرة التي تتحكم في بنيات الخطابء في ضوء علاقات السلطة,. وتكشف 
الأسئلة المسكوت عنها في الثقافة العربية المعاصرة «إن كتابات محمد مندورء بما تعبر عنه. من منهجية وقيم 
وصراعات سياسية وثقافية» تجنبنا الوقوع في علاقة أسطورية مع ثقافتنا: فبدلا من أن نبحث بين ثناياها عن 
جواب عن أسئلة تصوغ اهتماماتنا الذاتية, فإننا نولي الاعتبار للأسئلة والأجوبة الكامنة في جزء من ثقافتنا 
القومية. ونساهم في الوقت ذاتهء من خلال تجليتنا لمنهجية مندور ولخلفياته الأيديولوجية» في إبراز تنظيره 
للنقد العربي على ضوء ممارسته» (ص263). 

- وظيفة تفكيكية: لا يكتفي نقد النقد عند محمد برادة بالتحليل الوصفي لبنية العمل المنقودء استنادا 
إلى ما تقرره الابستيمولوجيا من معايير الملاءمة والصلاحية, لأن جوهر المشكل النقدي لا يتمثل بالنسبة إليه 


145 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 





في إضفاء الطابع العلمي على نقدنا الأدبيء بواسطة مصطلحات «علمية». بحكم أن الخطاب النقدي العربي 
الحديث غير معزول عن المأزق التاريخي الذي توجد فيه الثقافة العربية. لذا يتحتم على نقد النقد أن يتخذ 
موقفا أيديولوجيا من هذه الثقافة. يتحيز لثقافة الطليعة والحداثة. باعتبارها ثقافة نقدية تخضع التصورات 
المهيمنة عن الذات والتاريخ والهوية للنقد والفحص. بامتلاك إواليات النقد السوسيولوجي. في سياق هذه 
المعركة الثقافية يتحتم على نقد النقد أن يسعى إلى تحديد موقف, أو تصفية حساب مع التراث النقدي 
السابق أو المعاصر... وهي عملية لا تبدأ إلا لتنتهي... يسعى إلى تحديد موقف من الأعمال ال مدروسة: لاسيما 
تلك التي تتحول إلى سلطة مهيمنة في التقليد الأدبي» بشرط أن يجري بناء هذا الموقف بطريقة موضوعية. 

إن ما يجعل الوظيفة النقدية الدنيوية لنقد النقد ملحة في حقلنا الثقافي. هو نزعة المحافظة التي تغرق 
فيهاء والتي تتجلى إضفاء نزعة القداسة على الأعمال المؤسسة الرائدة «ويخيل إل أننا للم نحدد موقفنا بعد 
بكيفية موضوعية. من الكتابات النقدية العربية «الرائدة» فظل ثقلها يلفنا في دوامة الالتباسات, وسهولة 
الاجترار. وليس ما أعنيه هنا هو «التمرد» على طريقتهم النقدية أو تعويض منهجيتهم بأخرى أكثر فعالية أو 
ألصق بالحداثة» وإنما تحليل مناهجهمء وتظهير الأسس النظرية التي ترتكز عليهاء محدوية نتائجها التطبيقية. 
ومثل هذا النقد للنقدء من الزاوية المشار إليهاء هو ما يتيح التجاوز ويجعله ممكنا وحقيقيا» (ص262). 

يتضح إذنء أن نقد النقد عند محمد برادة, لا ينحصر في مجرد النقد الابستيمولوجي الخالص للنقد 
العربيء أي رسم حدوده وضبط أشكال توظيفه للنظريات ولمناهج في المستوى المعرفي المجردء بل يعنى 
بالنقد ممارسة دالة تتولد عن الحاجة النظرية والعملية إلى الفهم النقدي لواقع الثقافة العربية الراهنة, 
وتتأسس «على التسليم بالمشروطية الاجتماعية للنظرية كما للممارسة, ذلك أن المسلك النقدي الواعي ينتمي 
إلى تطور اللجتمع»(23). 

بهذا المفهوم التفكيكي يمثل نقد النقد «إعادة نظر مستمرة. مستقلة ومرتبطة بالحقل الأيديولوجي» 
تتخذ من النقد الأيديولوجي مسلكا منهجيا لتفكيك «الدليل الثقافي القائم». وتقوم على جدلية النظرية 
والممارسة, «النظري مرتبط با ملموس الذي يتكون في مجال النقد الأدبي من أعمال الإبداع ومن التاريخ, ومن 
الأيديولوجيات المتصلة بفترة العمل الأدبي أو مادته» (ص273). 


نقد النقد .. حدود الأيديولوجيا والابستيمولوجيا 

مما يلفت النظرء في نهاية هذه الدراسة. أن العنصر الأيديولوجي عصرهعو[ه740:06, أي وظيفة النقد 
داخل الحقل الثقافي العام التي يمكن تحديدها على مستوى تكونه وعلاقته بالسيرورة الاجتماعية مانحة 
إياه معطياته التاريخية والاجتماعية. يشكل نقطة الارتكاز في نقد النقد عند محمد برادة, أولا عبر تفكيكه 
لمكونات الحقل الأيديولوجي الذي يتكون فيه النقد كخطاب. ثانيا عبر موقعة النقد في النص الاجتماعي» أي 
الحقل الأيديولوجي العام الذي ينتمي إليه كخطاب. ثالثا عبر موقعة الناقد في حقل الصراع الثقافي كمثقف 
عضويء من خلال الدور الاجتماعي الذي يضطلع به في السيرورة الاجتماعية. 


146 


نقد النقد .. جدلية النظرية والمما 


د 


رسة 





إن النقد في تصور وممارسة محمد برادة يخضع في تكونه لشروط السيرورة الاجتماعية التي يتكون فيها, 
ويسهم فيها كخطاب. لهذا يأخذ التنظير كوظيفة جوهرية لنقد النقد شكل الممارسة الاجتماعية,» داخل 
مجتمع محدد وثقافة محددة. ولا يمثل مجرد تأمل تجريدي يتعالى على شروط سياقه المادية والتاريخية. 
لكن ما نلاحظه هناء على مستوى الممارسة النقدية عند محمد برادةء هو هيمنة التحليل الأيديولوجي على 
حساب التحليل الابستيمولوجي. ويتجلى ذلك في أن المنهج امتد أفقيا ليلتقط أقصى ما يمكن من الإواليات 
والعناصر الاجتماعية المتحكمة في تكون الحقل الأيديولوجي بأبعاده المتعددة الاجتماعية والسياسية 
والاقتصادية, للبرهنة على دور هذا الحقل في تكييف رؤية محمد مندور للعالم» وفي تحديد شكل استجابتها 
للوضع التاريخي الذي عاش فيه وذلك على حساب التحليل العمودي الذي يبحث في البعد الابستيمولوجي 
للخطاب النقدي عند محمد مندور. من حيث صلاحية المناهج وال مفاهيم التي يوظفها في قراءة النص العربي. 

وإذا كان التحليل الأيديولوجي قد ساهم في كشف الرؤية للعام التي حكمت المشروع النقدي والفكري 
لمحمد مندورء واستجلاء أثرها في ممارسته النقدية والتنظيرية, وتفسير ما عرفته من تحولات منهجية 
وأيديولوجية, فإن المشكل المنهجي عند محمد برادة يتمثل في عدم التوازن بين التحليل الأيديولوجي 
والتحليل الابستيمولوجيء ذلك أن العلاقة بينهما في ممارسته النقدية تتميز بالتراتبية, التي يحتل بموجبها 
التحليل الأيديولوجي مركز الصدارة, ويأخذ مساحة كبرى. وهذا ما جعل تحليله للخطاب النقدي عند محمد 
مندورء من حيث البنية المنهجية ونظام ا مفاهيمء على ال مستوى الابستيمولوجيء» يتسم بالاختزال. 

وإذا كان للبعد الأيديولوجي دور أساسي في إضاءة وكشف الاتجاهات الأيديولوجية المتنازعة والمتنافسة 
في المجتمع المصري في الفترة الممتدة من 1936 إلى 1964 التي تمثل الكلية الاجتماعية في هذه الفترة, وتحقق 
لها نوعا من التوازنء فإن منحه الأولوية الكلية في التفسيرء قد أسقط محمد برادة في «حتمية متنكرة»(23, 
تربط بنية الخطاب النقدي عند محمد مندور بالسيرورة الاجتماعية التي تتحكم - في نظر برادة - في 
صياغة وطرح الأسئلة. بحيث «تبدو مواقف العناصر الفاعلة مستجيبة لوظائف عملية - اجتماعية: أكثر 
منها تصورات وطرائق معرفة وتحليل المجتمع في كليته» (ص174). وهذا ما يقلص دور الأفراد إلى مجرد 
استجابة للدينامية الاجتماعية» التي يفهم من تحليل برادة لهاء أنها هي التي توجه البنية (خطاب مندور) 
وتنظمهاء وتتحكم بالتالي في مواقف الفاعلين. وهذا ما عرض التحليل للانتهاء إلى «رؤية ميكانيكية للحتمية 
الاجتماعية». والمشكلة هنا ترتبط با منهج البنيوي التكويني الذي ينطلق من مسلمة أساسية تعتبر 
«المجموعات الاجتماعية هي الذوات الحقيقية للإبداع الثقافي. لذلك. فإن نقطة انطلاق سوسيولوجيا الأدب 
هي البحث عن تماثل بنيوي بين أيديولوجية الجماعة وفكر العمل الأدبي» 077 

لقد ظل الهدف الأساسي لمحمد برادة. على امتداد فصول الكتاب. هو موضعة محمد مندور في الحقل 
الأيديولوجي للفترة التي عاش فيهاء واستنادا إلى هذه الموضعة التاريخية يفسر بنية خطابه النقديء ويربطها 
بمواقفه الأيديولوجية والسياسية» بحيث تبدو الفعالية الاجتماعية لمحمد مندور, باعتباره مثقفا عضوياء هي 
المحددة للفعالية النقدية له باعتباره ناقدا أدبيا. وهذا ما أدى إلى تعويم الممارسة النقدية لمحمد مندور 


147 


نقد النقد .. 


5-0 


جدلية النظرية والممارسة 





في الحقل الأيديولوجيء نتيجة التركيز على دوره الاجتماعي والسياسي. كما أن التحليل الأيديولوجي هيمن في 
تفسير البنية امعرفية والنظرية للخطاب النقدي عند محمد مندورء وتحليل ما عرفه من تحولات في مسار 
تطورهء وما اعترى بنيته الخطابية من اختلالات نظرية ومنهجية. 

إن ارتهان نقد النقد عند محمد برادة بالتفسير الأيديولوجي هو الذي يوضح لناء على مستوى التحليل 
هيمنة صورة «المثقف العضوي» لمحمد مندور على صورة «الناقد الأدبي». وهذا ما ترتب عنه تفصيل 
الحديث عن مكونات الحقل الأيديولوجيء والتوسع في رصد العوامل السياسية والاجتماعية والتاريخية: على 
حساب التحليل الابستيمولوجي ل «نظام الخطاب» عند محمد مندور. من حيث البناء النسقي. 

والسبب في هذا «الفائض» الأيديولوجي في التفسير, يرجع إلى أن محمد برادة. وبسبب ضغط حماسته 
الأيديولوجية, ظل مرتهنا لدراسة «كتابات مندورء باعتباره «ذاتا» جابهت هذه الوضعية الثقافية والتاريخية», 
أي مثقفا عضوياء «ناشطا» اجتماعيا وسياسيا. وهذا ما ترتب عنه تغليب الدور الاجتماعي والسياسي لمحمد 
مندور على حساب الدور الأدبي والنقدي لممارسته النقدية. وتغليب الدينامية الأيديولوجية لفكره السياسي 
والاجتماعي على حساب الدينامية المعرفية لخطابه النقدي. بحيث تبدو هذه الأخيرة على مستوى الفعالية 
ثانوية وملحقة, وتابعة للأولى. 

إن الجهد الكبير والمهم الذي بذله محمد برادة في الكشف عن مكونات الحقل الأيديولوجي, لكشف 
جذور الأيديولوجيات الكامنة وراء انطلاق النهضة العربية المعاصرة. في ترابط مع الأنساق الاقتصادية 
والاجتماعية والسياسية, يبدو مضاعفا بالمقارنة مع الجهد الذي بذله في التحليل الإبستيمولوجي لبنية 
الخطاب النقدي عند محمد مندور. وهذا النقد الأيديولوجي يدخل في الحقيقة: وكما يشير محمد برادة 
نفسه. في اختصاص الباحثين الاجتماعيين والمؤرخين والفلاسفة. وقد كان في إمكان محمد برادة أن يستثمر 
هذا الجهد ال مضاعف في التحليل الابستيمولوجي للخطاب النقدي عند محمد مندورء بما يفيد في إبراز دوره 
النقدي بصورة جلية وموسعة. وليست مختزلة. 

ينبغي ألا يفهم من هذه الملاحظة. أننا نقلل من أهمية التحليل الأيديولوجيء ولكن نؤكد فقط على 
وضعية الهيمنة التي احتلها في بنية الخطاب. على حساب التحليل الابستيمولوجي للبنية. مما جعل العلاقة 
بينهما تنتظم وفق تموذج المركز والهامش. وهذا ما فوت على محمد برادة التدقيق في الإشكاليات الخطابية 
والنسقية للممارسة النقدية عند محمد مندورء وجعل الحدود بين الأيديولوجيا والابيستمولوجيا متفاوتة. 
وعلى الرغم من هذا التفاوت, فإن أهمية نقد النقد عند محمد برادة تكمن في وظيفته النقدية التفكيكية, 
التي تجعل منه قوة سالبة لا تخضع للضرورة الاجتماعية» بل إعادة نظر مستمرة في الوضع القائم للثقافة, 
بحثا عن نموذج أفضلء إنه نقد مفتوح على المستقبلء لا ينتهي إلى التكيف مع الواقع. لأنه يتشكل ويعمل 
في مسافة التوتر الجدلية بين الضرورة والحرية. 


148 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 
> وج ورور سووجووو جر 33 


الغوامش 


الدكتور محمد برادة» محمد مندور وتنظير النقد العربيء دار الآدابء بيروتء الطبعة الأولى. 1979. 
محمد الدغموميء نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصرء منشورات كلية الآداب الرباطء الطبعة الأولى. 1999 ص10. 
د. حميد لحمداني. سحر الموضوع, مطبعة آنفو برانت, الطبعة الثانية, 22014 ص7. 
د. محمد الدغموميء نقد الرواية والقصة القصيرة بالمغرب, شركة النشر والتوزيع المدارس, الدار البيضاء. الطبعة الأولى» 
6؛», ص15 و16. 
المرجع نفسه. ص15. 
غ6 وعنلنطة لقتهمامء - غدمم عغطآ' صذ ولوعم5 مععغلوطن5 عط مهت علدطام؟ اعم حدس تقطن درن 
4 :2 ,1995ج1هملا لء71 هته 1.0200 رععلع 101 ,متكا معاع1ط ,رطاعمة0 ,لمعطكة للنظ رط 
نقد الرواية والقصة القصيرة بالمغرب. ص20. 
عبدالحميد عقار, أفق الخطاب النقدي بالمغرب, ضمن كتاب النقد الأدبي بالمغرب, منشورات رابطة أدباء المغرب, 
الطبعة الأولى. 2002, ص107. 
نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصرء ص11. 
بلهع8 عط مغ عوعمععق4 بورع[ مد صمعط1 لمعنات0: عداو م0 04 عناوتم0 عط : نمنلة8 مندلةق 
-ا2-ة-5ة- ممع طا- لمء نايع ناوناقي-)0-عناوناى-عطغ/2014/01/09/دمء. موعدم عه تلن تاممع صنل //:وصغط 
الهعء-عط-ه-قوعععة 
نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصض, ص11. 
نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصرء ص336. 
فولفغانغ إيزر. نظرية الأدب من منظور تحقيبي, ترجمة: عز العرب لحكيم بنانيء مكتبة المناهلء الطبعة الأول 1997, 


ص8. 
لوسيان غولدمانء المنهجية في علم الاجتماع الأدبيء ترجمة: مصطفى المسناويء دار الحداثة, الطبعة الأولى» 1981, 
بيروت» ص12. 


بون باسكاديء البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان» ترجمة: محمد سبيلاء ضمن كتاب البنيوية والنقد الأدبيء مؤسسة 
الأبحاث العربية: الطبعة الثانية. 1986: بيروت» ص43. 
.6 :1956,2رققة5 ,لم ةتصتللة ,غطءفق نعتط ع نممددصمة1ه0 معءسآ 
.7: م,1973, لم ةدستللمع, مقددمء تنلل عنههأم50 عصنا عنامم: مسمصسل 1ه مع نكس 
لوسيان غولدمانء المنهجية في علم الاجتماع الأدبيء ص10. 
لوسيان غولدمان. المنهجية في علم الاجتماع الأدبيء ص10 و11. 
ميلى ستيلء النفي أم التجذر؟ ترجمة: مصطفى بيومي» مجلة فصولء العدد64, صيف 2004 ص162. 
بول باسكاديء البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان. ص43. 
سعد البازعيء استقبال الآخرء المركز الثقافي العربيء الطبعة الأولىء 2004, ص12. 
ماركس هور كهايمرء النظرية التقليدية والنظرية النقدية, ترجمة وتقديم: ناجي العونليء منشورات الجملء الطبعة 
الأولىء 2015, بغداد/ بيروت. ص10. 
جوليا كريسطيفاء علم النصء ترجمة: فريد الزاهيء دار توبقالء الطبعة الأولىء 1991. الدار البيضاء. ص21. 
بول باسكاديء البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان. ص42. 
بول باسكاديء البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان, ص44. 
مك4آ505 نآ '81 41115 !"1.11 ظآ هذ ,عناونعه1مت506 عمنه6 6 1آ عناوناتكت عصنا عناه8 بوأمطنآ1 عناهعودر 
,5:59 ,1970 ,411011 تفاع 


149 





المراجج 


0ذ1 


نقد النقد .. جدلية النظرية والممارسة 


م 


أولا: المراجع العربية والمترجمة 

- جوليا كريسطيفاء علم النصء ترجمة: فريد الزاهيء دار توبقالء الطبعة الأولىء 1991, الدار 
البيضاء. 

- حميد لحمدانيء سحر ا موضوع, مطبعة آنفو برانتء الطبعة الثانية, 2014. 

- سعد البازعي» استقبال الآخرء المركز الثقافي العربيء الطبعة الأولى. 2004. 

- عبدالحميد عقار وآخرونء أفق النقد الأدبي بالمغرب. منشورات رابطة أدباء المغربء الطبعة 
الأولى» 2002. 

- فولفجانج إيزرء نظرية الأدب من منظور تحقيبي, ترجمة: عز العرب لحكيم بنانيء مكتبة 
ا مناهل, الطبعة الأولى. 1997. 

- لوسيان غولدمان وآخرون. البنيوية والنقد الأدبيء مؤسسة الأبحاث العربية: الطبعة الثانية, 
6, بيروت. 

- لوسيان غولدمانء المنهجية في علم الاجتماع الأدبيء ترجمة: مصطفى المسناويء دار الحداثة, 
الطبعة الأولىء 1981. بيروت. 

- ماركس هور كهاير. النظرية التقليدية والنظرية النقدية, ترجمة وتقديم: ناجي العونلي» 
منشورات الجمل. الطبعة الأولى. 2015., بغداد/ بيروت. 

- محمد الدغموميء نقد الرواية والقصة القصيرة با مغرب شركة النشر والتوزيع المدارس, الدار 
البيضاء. الطبعة الأولى. 2006. 

- محمد الدغموميء نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصرء منشورات كلية الآداب الرباطء 
الطبعة الأولى. 1999, ص10. 

- محمد برادة. محمد مندور وتنظير النقد العربيء دار الآدابء بيروت» الطبعة الأولى. 1979. 

- ميلى ستيل: النفي أم التجذر؟ ترجمة: مصطفى بيومي. مجلة فصول؛ العدد64. صيف 2004. 


ثانيا: المراجع الأجنبية 
2620 530165 لقتدمامء - 56مم ع1" نصككةط' دعلاء21 ,طاععة,مععطعة للزظ - 
.ملا م216 لسة دملمهم.اآ رعو لعلتهم] 
0 [141101ش .21 .[4آ505 18.آ 81 11خ !"111 رآ :قتهطنا0آ عتسهعو2ر[ - 
, 20ةتسصتللدع, عسقحده؟ تال عنعه1من50 عتتنا عنامم نممةتصل01) دعاعند][ - 


.1956 ,ونه ,راقة تتتلله ,قاعم ناء01آ ع.آ :نمسسةتمك01© دعاعتا] - 


ثالثا: المواقع الإلكترونية 
-10116-01-1110116ألسء-عطغ/22014/01/09/حصمء.دوع رمه .ع1 ن1م مع صنل / /:ومغط 


للدء:-عطا-ه]-دوععء2-جعم-ه-موة- معطا - لمع نالك 


عالم الفك 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية العدد: 169 (يوليو - سبتمير 2016) 





اق ا 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


(نماذج من المعجمية والعلوم الإنسانية والنقد الأدبي) 


د. عياد بومرزاق * 


يطرح مصطلح «هوية» إشكالية اشتقاقية في اللغة العربية؛ 
فاللفظة مولدة وذات استعمال مخصوص. لذلك لا تسندها المعاجم 
اللغوية العامة المعاصرة إلى جذر لغوي عربيء فالمعاجم العربية 
القديمة خلوٌ من هذه المفردة, والمعاجم المعاصرة تفردها بمدخل 
خاصء وتعرض لها تعريفات مختصة. وبعض هذه المعاجم المعاصرة 
تردها إلى الموروث الصوفي في الثقافة العربية الإسلامية, في حين أن 
بعضها الآخر يعرض مفهومها المعاصر من دون إحالة على تاريخها أو 
حتى على صيغتها الصرفية. 

ورغم ذلك فإننا نعتقد أن هذا المصطلحء كما تشهد بذلك 
شهرته في استعمال العامة ويشهد به حضوره في كتابات النقاد 
العرب المعاصرين كأدونيس وجابر عصفور, مم يكن مُسقطا إسقاطا 
لغويا أو مفهومياء بل له مرجعية لغوية ومصطلحية عربية قديمة 
وأجنبية. فما محله في التعريف اللغوي العام؟ وما متصوراته في 
السياقات ال مختصة؟ 





* باحث في النقد الأدبي وال مصطلحية - الجمهورية التونسية. 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 





١‏ - متصور الهوية بين «الثابت» و«المتحول» 

تجمع بعض المعاجم العربية الحديثة, في اللغة العامة, بين متصورين في تعريف مفردة «الهُوية», في 
حين تفرد أخرى لها متصورا واحدا؛ ف «المعجم الوسيط». معجم مجمع اللغة العربية بالقاهرة. جعل لها 
متصورا ماديا هو «بطاقةً يُنْبَثُ فيها اسم الشخصٍ وجنسيئَهُ ومولدُهُ وعمَلهُ, وتُسمى البطاقَةٌ الشخصيةٌ 
أيضالا». كما جعل لها متصورا فلسفيا في قوله: «الهُوِيةٌ (في الفلسفة): حقيقةٌ الشيء أو الشخصٍ التي تميزه 
عن غيره»2. وهذا المتصور الثاني هو الشائع في أغلب المعاجم اللغوية العربية العامة؛ ففي «المنجد في اللغة 
والأعلام» تُعرف «الهُويةٌ» بكونها «حقيقة الشيءء أو الشخصء المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية»23. 
ولئن شاعت بعض مصطلحات الفلسفة في تعريفيْ «المعجم الوسيط» و«المنجد في اللغة والأعلام», فإن بعض 
المعاجم الأخرى تميل إلى المزج بين المصطلحات الصوفية وا مصطلحات الفلسفية. وفي الانتقال بين الميدانين 
المعرفيين وبين الحقلين ا مصطلحيين تشتت للمتصورات؛ ففي معجم «الألفبائي القاموس الجديد»» المعجم 
الذي صنفه وشارك فيه أعضاء من جمعية المعجمية بتونسء تعرف الهوية ب «باطنُ الشخصٍ الدال على 
حقيقته. واتجاهاته» . فانتقل بنا هذا التعريف من «الحقيقة الدالة على الشخص» إلى «باطن الشخص 
الدال على الحقيقة». 

لا تبدو لنا إشكالية هذا المصطلح اللغوية محصورة في تشتت متصوراته بين «الجوهر» و«المظهر»». أو بين 
«الحقيقة» و«الباطن», بل تتجاوز ذلك إلى جذورها الاشتقاقية التي أثرت تأثيرا واضحا في فوضى التعريف» 
فما صيغة «الهوية» الصرفية؟ وما علاقتها ب «هو». ضمير الغائب المفرد المذكر؟ وهل من سديد التعبير 
اللغوي أن أعوض مصطلح «إنيتي». المصطلح الذي يشتمل على ضمير يعود عليء ب «هويتي». المصطلح 
الذي يشتمل على ضمير يعود على غيري؟ أم أن المصطلخ عومل معاملة الأفعال الجامدة التي لا تنصرف 
مع تغير العوامل؟ ويم عبر العرب القدامى عن المتصورات التي يحيل عليها مصطلح «الهوية»؟ وإذا كان 
المصطلح معربا حديثاء فلم اختاروا له دالا إشكاليا؟ ثم ما متصوراته في ثقافته الأم؟ 

يرد معجم «المنجد في اللغة والأعلام» مصطلح «هوية» إلى ضمير الغائب المفرد المذكر «هو» ففيه: 
«وذلك [المقصود «الهوية»] منسوبٌ إلى هُو»0©. وورد في «المعجم الوسيط» ضمن مادة (الهُو). غير أن 
الضمير المجرد من أداة التعريف تعريفا عهديا (ال)» في «المنجد في اللغة والأعلام». غير الضمير المتوج بهاء في 
«المعجم الوسيط». فالضمير الأول يحيل على كل شيء مفرد غير المتكلم, والاسم الذي يُشْتَق منه للدلالة على 
معنى مجرد مطلقء وصيغته الحديثة «المصدر الصناعي», هو «الهوية», ولذلك تصبح «الهوية», في منطق 
التعريف اللغوي. مصدرا صناعيا دالا على كل تعريف يعبر عن حقيقة الآخر في معزل عن حقيقتي إجابةٌ عن 
سؤال دما هو؟». وهي أيضا التعريف الذي مبدؤه «هو (أو هي)... ». كقولك في تعريف (الخيال): «الخيال 
هو ما تشبة لك في اليَفَطة والحُلم من صورة... »©), ولكن الضمير ا مستعمل في «المعجم الوسيط» (الهُوّ) هو 
ضمير/ مصطلح, مرجعيته صوفية, وهو يعود على الذات الإلهية (الله). وبذلك تكون «الهوية». كما تُفهم من 
أدبيات الصوفية. هي مصدر صناعي يدل على حقيقة الذات الإلهية التي «هي الحقيقة المطلقة المشتملة 


152 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ال مصطلحية 


اب 





على الحقائق»77, ولا تدرك إلا بالقلب وإن أدركت آياتها بالأعيان2. فهي لا تتحقق إلا بتجرد من الحواس 
المعلومة. ومن البراهين الملموسة, فلا استدلال عليها بالأشياء ولا بسلطان بعض الأشياء على بعض؛ لأن 
الأشياء تراجع في الاعتراض على التعرفء وا معترض للمتعرف من وراء الأشياء يُراجِعه في الوسوسة, كما يقول 
النفري. كما أنها لا تتم إلا باستبطان وغوص في أعماق الذات» وإن كان المقصود بالتعريف غير المتعرف. 
وتفرع عن التعريف الصوفي تعريف آخر نقَلَ ا لمصطلح من مجال «الإلهيات» إلى مجال «المخلوقات». 
فتنكب مصطلح «الهوية السارية في جميع الموجودات»19) الذي يحيل على متصور فلسفي هو «اكتساب 
حقيقة الوجود». ويدل عليه ما ورد في «تعريفات» الجرجاني الذي عرف «الهوية» بقوله: «الحَقِيقَةٌ المطلقةٌ 
المُشتمِلَةُ على الحقائق اشتمالٌ النواة على الشجرة في الغيب المُطلق»!!!2, وعرف «الهوية السارية في جميع 
الموجودات» بقوله: «ما إذا أَخَذَّ حقيقةٌ الوجود لا بشرط شيء ولا بشرط لا شيء»(12, فكأن «الهوية». هنا 
لفظ دال على «الكينونة» أو ما يصطلح عليه قديما ب «التعين» ومقابل ل «العدمية» أو «اللاتعين». 

بقي أن نتساءلء في هذا الموضعء عن الفرق بين «الهوية» المعجمية و«الهوية» الصوفية ا مختصة. فبقطع 
النظر عن الاختلاف التأثيلي بين المتصوريّنء وعن الاختلاف بين مكوناتهماء نعتقد أن الفرق الأهم كامن فيما 
يمكن أن نصطلح عليه «عملية التواصل التعريفي», فالهوية المعجمية «تعريفٌ» يقتضي مُتَعرفا وموضوعا 
للتعريف ووسيطا (كأن يكون معجما لغويا). أما الهوية الصوفية فهي «تعرّفٌ» لا يقتضي إلا مُتَعرّقًا وموضوعا 
للتعرف, فالإلحاح على ضرورة انتفاء الوسيط؛ بين المتعرف وموضوع التعرّف. مشهور في أدبيات المتصوفة. 
وأكمل وجوه التعرّف هو «الحلول»». فلا تعرّف إلى الذات الإلهية إلا بالحلول فيها وتطابق الذات مع 
الموضوع. وبعبارة أخرى لا تعرّف على الموضوع إلا بالتعرف على الذات. 

يتحصل لديناء إذن. أن «الهوية» تعريفٌ بالشخص أو الشيء 7!'وتعرّفٌ على الذات الإلهية وهي «وجود 
الذات» الذي نقف عليه بخاصيات عدة كخاصية «التفكير» في الكوجيتو الديكارتي الشهير. لكن ما تفاصيل 
التعريف والتعرّف؟ ما متصوراتهما المكونة لهما؟ 

تشير المعاجم. وهي تفصل معنى الهوية: إلى جُملة من ال معلومات والصفاتء الظاهرة والباطنة, الخاصة 
بالشخص أو الشيء اراد تعريفه (كالاسم والجنسية والمولد والعمل وما يمثل الباطن من حقائق... ). فالهوية, 
بما هي تعريف, بسّط للأعراض الثابتة الظاهرة والخفية: المميزة للجواهرء كما يقول الفلاسفة. وهذه 
التفاصيل التي يعتقد واضعو المعاجم العربية الحديثة أنها تحدد هوية «الهوية», منقول أغلبها عن المعاجم 
اللغوية الغربية العامة, بل إنهم لم يلتفتوا لا إلى المصطلح الفرع الذي أورده علي الجرجاني في «التعريفات», 
وهو «الهوية السارية في جميع الموجودات»» لما له من شأن في العدول بالمتصور الرأس, ولا إلى تعريفه الذي 
يقترب من تعريفات الغربيين» قديمهم وحديثهم: رغم تداوله في قواميس لاحقة به2!)؛ إذ ورد في «القاموس 
ا لموسوعي» (ع601011م10علإء2ع عملة10111022).: الصادر عن دار «لاروس» (13201556) الفرنسيةء ما نصه 
في تعريف لفظة الهوية (016اهع10): «اسم مؤنث (من أصول لاتينية قديمة كهاناهمء14. ونُقلت إلى العصور 
الكلاسيكية بمعتى «الشيء ذاته» «رءل1) وَهيّ جغلٌ الشيء مُوَافِقًا في طبيعته لنَيءِ آخرّ ومُطابقًا لَه ومثاله 


153 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا لمصطلحية 
وا 1130137 انهه ند ٠‏ .. 
في الفرنسية 0:5مع عل 6ؤنهمءل:!7!) (واللفظة. هناء مرادفة ل «التماثل», وضد ل «المخالّفة»). وهي صفةٌ 
الشخصء أو المجموعة. الدائمَةُ والعَمِيقَةُ ومثاله في الفرنسية 16نلهعكذ ههه «عممرةعج 9 !)(واللفظة, هناء 
ترادف «الشخصية»). وهي مجموعَةٌ من المعطياتٍ الحقيقية والقانونية بحيثُ يكون الاسم واللقبٌ وتاريحٌ 
الميلاد ومكانه قادِرَةٌ على التمييز بين الأشخاصء ومانِعَةٌ لكل خلْط مُمْكِن بينهمء ومثاله في الفرنسية ,761656 
صو عل 6انأدعل1"1 و6اتادء10 12101556 عاكلا 50105 2عالء165م 56 و «6ا ع1" عات2 وه نصوط(17) 0150 

وقد يميل الدال الفرنسيء عند الوصف نعتاء إلى متصوريْن أساسيين هما «التطابق» وداتحاد ما بين 
مختلفين»7”'). وفي وضعية «الحالية» بميل الدال إلى التعبير عن متصور كمي هو «التساوي»(00. 

وهذه المتصورات عينهاء مع إضافات بسيطة. ينص عليها المعجم الإنجليزي «أكسفورد: معجم القراء 
المتمكنين» (!2(تمقههناء21 5*:عدمدمآ لعءمة 0خ 0<40:0). فهو ينص على «ما يجعل من الشخص أو 
الشيء هو ما هوء كما في قولهم: يسعى عون الشرطة إلى معرفة هوية المجرمء أو في قولهم: بقيت هوياتهم 
مجهولةً, أو قولهم: هي بريئة؛ لقد وقع خطأ في تحديد الهوية» أو في قولهم: هل لديك ما يدل على هويتك؟ 
أو قولهم: استعمل السارق هوية مزيفة. أو قولهم: عاشت أزمة هوية طوال فترة مراهقتها (بمعنى أنها م 
تتأكد من ماهيتها أو من موقعها في المجتمع). والهوية هي جملة الخاصيات أو المشاعر أو الأفكار التي تميز 
الشعوب عن غيرهاء وهو ما يشرع الحديث عن هوية وطنية أو ثقافية أو شخصية أو جماعية؛ كما في قولهم: 
هذا مشروع لتوطيد هوية الدولة المتماسكة, والهوية هي الحالة أو الإحساس بالتماثل التام والقدرة على 
التفاهم مع شخص ما أو شيء ماء كما في قولهم: «قاقعمعاصذ 0 بوؤنادعف1 مو(03(4)22, 

لقد أجمل أحد الدارسين ما ورد مفصلا في المعاجم الغربية العامة لتعريف لفظة «الهوية»» قال: «[...] 
يوجد مظهران أساسيان لهوية شخص ماء أولهما اسمه الذي يميزه عن غيره من الناس, وثانيهما ذاك الشيء 
غير ا ملموس والأكثر تعقيدا وعمقا الذي يشكل ماهية المرء. والذي لا نملك كلمة دقيقة تصفه»0©9. 

إن هذا التعريف الذي يقدمه الباحث جون جوزيف (8م1056 2ط10) سنة 2004 يكشف عن مستوى 
الانحسار المفهومي الذي نأى باللفظة من استعمالها المعجمي العام إلى استعمال مخصوصء فمتصورات 
ك «التماهي» الذي يحيل عليه لفظ (10650)» أو «الموافقة» و«التماثل» و«التطابق» بين الأشياء على الإطلاق 
(من ذلك الأذواق). وهي المتصورات التي كانت تحيل عليها لفظة «الهوية». أصبحت خاصة بالشخص 
وأعراضه الظاهرة والباطتة. وقد وجد المعجميون العرب المعاصرون في هذا الانحسار المفهومي خلاصا من 
إشكاليات صرفية ومعجمية كثيرة. فالتعامل مع اللفظة مصطلحا جاهزا محصورّ المعنى يجنبهم المأزق 
الاشتقاقي حين تسند إلى الذات المتكلمة (فنقول «هويتي»). كما يجنبهم المأزق الدلالي الذي يمكن أن يقع 
فيه المترجم حين يضطر إلى تعويض اللفظة بأحد متصوراتها الدالة عليها لا تعريبها عن اللغة الفرنسية أو 
الإنجليزية مثلاء فلا تستعمل اللفظة في العربية إلا في سياق مخصوص وبمعنى محدود. ومتصوراتها التي 
تحيل عليها في اللغات اللاتينية لا تعوضهاء في العربية. تعويضا تاما وقد لا توحي بها لا من قريب ولا من 
بعيد. فمتصور «الموافقة», مثلا في قولهم «وَاقَقَ شن طَبَقَه» لا يجعل من هوية «شن» هويةٌ «طبقه». 
1" 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


2 ا 





وإذا حصرنا المتصورات العامة للمصطلح. على اختلاف اللغات المستعملة فيهاء نجد: التماهي» والتماثل. 
والتطابق, والموافقة, والتساوي. والكينونة/ التعين. وما به يكون الشيء/ الشخص شيئا/ شخصاء وحقيقة 
الشيء/ الشخصء وباطن الشخص ومشاعره وأفكارهء والفوارق المميزة للشيء أو الشخص. 

إنه التشظيء إذنء ثم الانحسارء وكلاهما من نتائج تقلقل المصطلح. ومع انزلاق المتصور إلى العربية 
أفرغ مصطلحٌ قديمٌ من شحنته الدلالية الصوفية الأصلية وألبس لبوسا دلاليا مستجدا يجد جذوره في كتابات 
الفلاسفة العرب الذين ولدوا مصطلح «الهوية السارية في جميع الموجودات». 

ولهذه البلبلة المفهومية نظير من البلبلة الأسمائية. فالأسماء. حديثاء تعددت كما تعددت المتصورات. فلا 
يذكر المصطلح دون تخصيص بالنعت. إذ شاع في كتابات المعاصرين الحديثُ عن «الهوية الثقافية» و«الهوية 
القومية» و«الهوية الإبداعية» و«الهوية السياسية» و«هوية جماعية» و«هوية فردية» و«هوية فاصلة» 
و«هوية واصلة»... وغيرها من ا لمصطلحات التي تتنوع بتنوع المجالات والمواضيع المستهدفة بالخطاب. وهذا 
التنوع يعقّد الإشكال المصطلحي ويعمّق التسيب ويوسّع الفوض. 

لكن. هل للمصطلح مرادفاتٌ لغوية أو مصطلحية في العربية القديمة. عامة ومختصة. تُوضح غامضّه 
مادامت متصوراته لا ترقى إلى مستوى المرادفات المفهومية؟ وهل له. في المقابل, أضداد ترسم حدوده الواسعة؟ 

كثيرة هي المصطلحات القدية والحديثة التي تقترب متصوراتها العامة من متصورات الهوية؛ بل وتكاد 
تعريفاتها تتطابق تطابقا تاما مع تعريفاتها اللغوية» إذ نقع في «تعريفات» الجرجاني على مصطلح ات ك 
«التشخص» الذي عرفه بقوله: «هو المعنى يصير به الشيء ممتارًا عن الغير بحيثُ بميز لا يشاركُه شيءٌ آخر». 
وهو أيضا عنده: «صفةٌ تمنعٌ وقوع الشركة بين موصوفيها» 3©. ومنها أيضا مصطلح «التعين» الذي عرفه 
بقوله: «ما به امتيازٌ الشيء عن غيره بحيثٌ لا يشاركه فيه غيرة» (026, 

وا لمصطلحانء التشخصٌ والتعين. يشتركان مع مصطلح «الهوية» في متصور «التميز» الذي ألحت عليه 
معظم المعاجم اللغوية العامة العربية والأجنبية. وقد يضاف إليها جميعا مصطلح «الذاتي لكل شيء» الذي 
عرفه الجرجاني بقوله: «ما يخصه وَجِيرُهُ عن جميع ما عداه. وقيلٌ: ذاتُ الشيءٍ نفْسُهُ وعيئه. وهو لا يخلو 
عن العَرَضِء والفرقٌ بين الذاتِ والشخْصٍ أن الذاتَ أعم منّ الشخصء لأن الذات تُطلقٌ على الجسم وغيره» 
والشخصّ لا يُطلقٌ إلا على الجسم» 7©. 

وقريب من بعض متصوّرات الهويّة ما يحيل عليه مصطلح يورده الجرجاني هو «السَّوِيٌ» الذي يحدّه 
بقوله: «هو الغينٌ وهو الأعيّانُ من حيثُ تعيُنائها» (20. 

وأقرب تلك المصطلحات إلى «الهويّة» مصطلح «ماهيّة الشيء» الذي يعرّفه الجرجاني بقوله: «ما به 
الشيءٌ هو هوء وهيّ من حيثُ هي هي لا موجودةٌ, ولا معدومة؛ ولا كي [كذا]ء ولا جزق. ولا خاصٌ ولا عام. 
وقيل: منسوبٌ إلى ماء والأصلٌ المائيّةُ قُلبَثْ الهمزةٌ هاءً لئلاً يشتبه بالمصدر المأخوذ من لفظة ما [رتما تكون 
«ماء»]ء والأظهرٌ أنّهٌ نسبةٌ إلى «ما هو» جُعِلتْ الكلمتان ككلمة واحدة» 7©). ومصطلح «ماهيّة الثشيء» يردّنا 
إلى متصور «الكينونة». 


155 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


0 





ورغم هذا الاتساع في ذخيرة ا مصطلحات القريبة من متصوّر «الهويّة» تبقى بعض ال مصطلحات الأخرى 
قرب إليها لأنها تتعاقد معها تعاقدا «تبادليًا». أي أن متصوّرّها يظل واحدا ولكنّ أسماءه تتغيّر بتغيّر ميدان 
البحث ومواضيعه. والجرجاني يسرد تلك المصطلحات في تعريفه لمصطلح «ماهيّة» (/07نل0نندايو/ 6انلل1ني 15) 
الذي فصله عن المصطلح السَابق «ماهيّة الشيء». يقول: «الماهيّة تُطلقٌ غالبًا على الأمر المْتَعَفُلٍِ مثلّ المُتعقلٍ 
من الإنسان, وهو الحيوانٌ النَاطِقُ مع قطع النْظَرِ عن الوجود الخارجيٌء والأمرٌ المتعفّلُ من حيتٌ إِنّهُ مقول 
في جواب ما هوّ يسمّى ماهيّةٌ ومن حيثُ ثُبوتّهُ في الخارج يسمّى حقيقةً. ومن حيثٌ امتيازه عن الأغيارٍ 
هويّةٌ. ومن حيثُ حمل اللوازم له ذاتاه ومن حيثٌ يُستنبطٌ من اللفظ مدلولاً ومن حيث إِنّهُ محل الحوادث 
جوهراء وعلى هذا» (00. 

فلئن بدت «الماهيّة». وفق هذا التعريف. مصطلحا عامًا يُطلق على كل تصور متعفّل من جواب يعرّف 
بذات مجهولة سُئْل عنها ب «ما هو؟». سواء كانت تلك الذات شيئا أو شخصاء فإنّ «الهويّة» تتّخذ أفقا أقلّ 
اتساعا لأنْها تتلبّس بمتصوّر مقارني هو «التمييز»؛؟ إذ لن تكتمل «هويّة الشخص/ الشيء». وفق الجرجانيء إلا 
إذا توافرت ذات أخرى تحقّق التمييز. وبذلك يكتسب هذا التعريف قيمته. فالجرجاني تعامل مع العائلة 
المصطلحيّة تعاملا علائقيًا مدفّقا. ففصل بين عناصرها فصلا سياقيًا. ونعتقد أن مجهوده. في هذا الموضع. 
منصبٌ على ضبط المتسيّب من ال مصطلحات التقاربة أكثر ممّا هو مجهود حجاجي منصبٌ على الإقناع بأصالة 
النسب بينها. وإلاً ما الحجّة على ارتباط متصوّر «التمييز» ب «الهويّة» دون «الماهيّة»؟ أيمكن أن تُعْرّفَ كُنْة 
الشيء دون معرفة أعراضه الخاصّة المميّزة له عن غيره؟ لا يبدو الأمر ممكنا في الثقافة الفلسفيّة العربيّة ذات 
المرجعيّة اليونانيّة التي تشترط في ضبط الحدود ذكرّ الجنس والنوع والفصول وغيرهاء وإن أوهمنا الغزالي 
بخلاف ذلك في قوله: «والمخلصون إتّما يطلبون من الحدّ تصوّر كنه الشيء وتمثّل حقيقته في نفوسهم لا لمجرّد 
التمييزء ولكن مهما حصل التصوّر بكماله تبعه التمييز»017©. وفي المقابلء قد يكون الجرجاني أوقع نفسه فيما 
حاول التخلّص منه؛ إذ رَبْطُ «الهويّة» بمتصوّر «الامتياز عن الأغيار» يجعلها معوّضة لمصطلح فلسفي قديم 
هو «الرّسم» الذي يعرّفه الغزاللي بقوله: «وقد يفهم الشيء مما يتميّز به عن غيره بحيث ينعكس على اسمه 
وينعكس الاسم عليه ولا يتميّز بالصفات الذاتيّة المقوّمة التي هي الأجناس والأنواع والفصول, بل بالعوارض 
والخواصء فيسمّى ذلك رسما» 2©, 

ومع هذا الإشكال الإجرائي في مجهود الجرجانيء نعتقد أنَّ الفصل بين «الهويّة» و«الطاهيّة» ضروري لا 
لاحظناه من تسيّب مفهومي خاصٌ بهذين المصطلحين في كتابات المعاصرين؛ لأنّ توظيف مصطلح «الهويّة» 
دون ربطه بمتصوّر «امتياز الذات عن الآخر» يوقع في إشكالات مفهوميّة. وهذا الضبط مهمّ جدًا في دراسة 
«هويّة المبدع» كما تنص عليها كتابات الحداثيين العرب المعاصرين. والاتفاق المبدثئي على متصور محدد 
للهويّة يساعد على تتبّع إشكاليّات المصطلح الهدف في هذا البحث. وا مصطلح في تركيبه الإضافي يستبطن 
متصوّر «الامتياز». فدلالة «هويّة المبدع»», مثلاء تتميّزء بفعل التخصيصء عن «هويّة المتقبّل» مثلا. وإذا 
استقامت الحجّة المؤكدة لهذه الفرضيّة تقصى فرضيّات أخرى وتعرّى من منطقها ودلالتها. إذ كيف نفترض. 


156 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


ل 1 





مثلاء وجود «هويّة واصلة» (بين الأنا والآخر). في مقابل «هويّة فاصلة». بِلَهَ «هويّة عاليّة/ كونيّة»؟ وكيف 
نفترض وجود «هويّة غير مكتملة» في الوقت الذي يحيل فيه مصطلح الهويّة عن الكينونة والوجود التَامَيْن؟ 

إن هذا الإقصاء منطقي وضروري حتّى تتّضح لنا الطريق التي سنسلكها بين عشرات الدّراسات التي 
مَثّل الهاجس الأنثروبولوجي هم أصحابهاء ويعتبرونه علّة الكلام في «الأدب». فالوعي الحدائي اقتضى احتكاكا 
بالآخرء وعودة إلى الذاتء وتبصًرا بالوضع الثقافي العام والخاضٌ. ووضعنا الثقافي العربي المعاصر يجرّنا جرًا 
إلى معالجة موقعنا ضمن المنظومة الثقافيّة العالميّة. كما يجرّنا جرًا إلى الاحتكاك بمتصوّرات مُثل فهمنا لها 
جزءا من تلك المعالجة. ومصطلح «الهويّة». في متصوّره العام. يقترن اقتران تقارب مع بعض المصطلحات 
رأينا بعضها وأغفلنا بعضها الآخر الذي يعقّد البحث أكثر ممًا يوضّحه 3 ©. وفي الوقت ذاته يقترن اقتران 
تقابل وتضادٌ مع مصطلحات أخرى نختار منها ما نعتبره مهما في توضيح متصوّر «هويّة المبدع» عند النقاد 
العرب ال معاصرينء عامّة. وعند أدونيس وجابر عصفور خاهضة. من هذه المصطلحات «الغيرية» 
(1”216116 /بإاذءغلة). وهذا ا مصطلح مهم عند مناصري الحداثة الإبداعيّة العربيّة ليقيم الحجتة على 
التمسك ب «الأصول» و«الأخذ عن الأسلاف» والإقناع بضرورة الاختلاف والانزياح عن تلك الأصول. ومثل 
هذا المصطلح نعتبره من المصطلحات ال مجاورة لمساهمته في ضبط المصطلح الهدفء لكنْه يصنّف ضمن 
«المصطلحات اللقابلة» لا المصطلحات الأضيق أو الأقرب. 

وقد يكون من التجئي على مصطلح «الغيريّة» اعتباره مقابلا لمصطلح «الهويّة» في عرف علماء الإناسة 
ومنظري الثقافة, فالمتصوّرات التي تحيل عليها المصطلحات جواهر متمايزة بحكم تمايز أجناسها وأنواعها 
وفصولها وأعراضها. وهي لا تتمايز بحكم تقابلهاء إل في مجالات مخصوصة. فالعلاقات بين المصطلحاتء في 
الغالب: علاقاتٌ تجاور يجِسّد التنوّع. لا علاقاتُ تقابل يكرّس الاختلاق. غير أن للاستعمال الشائع سلطته 
وإن كانت جائرة. فقد وضعت قوانينُ الاستعمال الشائع مصطلح «الغيريّة» في الخانة المقابلة لمصطلح 
«الهويّة». فأصبح مشحونا بدلالة الضدّيّة التي ستغذيها المشاحنات السياسيّة وتقؤيها الاختلافات الثقافيّة 
ويساندها التنافس الاقتصادي. وقد تسرّبت هذه الشحنة الدّلاليّة الجديدة التي حشرت في متصور «الغيريّة» 
حشراء إلى تعريفات المعجميّين المعاصرينء بل اكتسبت تلك الشحنة السلبيّة شرعيّتها من تزكية «مجمع اللغة 
العربيّة بالقاهرة» فأثبتها في معاجمه, وعنه أخذت مجامعٌ عربيّة وجمعيّاتٌ معجميّة وأصحابٌ معاجم 
تلك الدلالةًء فأصحاب «الألفبائي القاموس الجديد» نقلوا عن «المعجم الوسيط» وجعلوا «الغيريّة - خلاف 
الأنانيّة» 04). وحافظ «المنجد في اللغة والأعلام» على هذا التعريف الضدّي مع إضافة تعريف ضدّيّ آخرء 
فقال: «الغيريّةُ خلافُ العيْنيّة: [...] وهيّ خلاف الأنانيّة» (”0. وبقطع النّْظر عن كون أصحابه عبّروا خطأ عن 
«الإنيّة» ب «الأنانيّة», التي شاعت شحنتها السلبيّة الدّالٌة على حبّ الات فإنّهم أثبتوا لفظة «خلاف» التي 
تحيل على «التقابل» و«التّباين» و«التضادُد» 36 

والحقيقة المعجميّة التي يتضمّنها تعريف «الغيريّة» وتثبتها معلومات التحديد (201 6م500), تقوم 
على متصوّريْ «الانفصال» و«التحوّل» في بعض قواميس الفلاسفة العرب القدامى, ويمكن أن تقوم على 


4 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 

١ -<- <1 00 77777112171‏ 2 
متصور «التمايز» في معاجم المعاصرين؛ ففي المعاجم اللغوية العربيّة المعاصرة تعرّف «الغيريّة» 
ب «كؤن كل منّ الشَّْئيْنِ غيرَ الآخر»77©. فإذا جرّدنا «غير» من دلالة «التضادد» التي شحنها بها لاحق الكلام 
في التعريف. وأوردناه نحن أعلاه. أمكننا تعويضها ب «مُمايز». وهذا التعويض منطقي إذا عرّفنا «الغيريّة» 
ب «كونها هويّة الآخر». فيستقيم تعريف «الهويّة» ب «الحقائق التي تميّزنٍ عن الآخر وتثبت كينونتي» 
كما يستقيم تعريف «الغيريّة» ب «الحقائق التي تميّز الآخر عنّي وتثبت كينونته». و«التّمايز» لا ينفيني ولا 
يقصيه. في حين أن «التضادْدّ» إقصائ بالضرورة» فكينونتي تقتضيء ضدَيًاء عدميّة الآخر وإنسانيّتي تستوجب 
لا إنسانيّته وهلم جرًا. ونعتقد أن هذه الشّحنة الدلاليّة السَلبيّة التي خُلعت على متصور «الغيريّة» ناتجة 
عن قراءة غير فاحصة ولا متمعّنة في تعريفات بعض الفلاسفة العرب القدامى, وفي الأمثلة التي ضربوها 
لتعريف هذا ا مصطلح. ولئن عر تداول المصطلح في معاجم الفلاسفة فلم يذكرهء فيما بين يدينا من مراجع, 
غير الكندي في «الحدود والرّسوم» فإنّنا نظفر بتعريف يؤكّد متصور «التمايز». من طريق «الانفصال» 
و«التحول», رغم إيهامه ب «التضادد». فهو يعرّف «الغَيْرَه بقوله: «الغيرُ ما يعرضصٌ فيما انفَصَلَ بالعقل 
الجؤهري؛ مث 0 غيرٌ «لا ناطق», و«الإنسان» غيرٌ «الفرس». ويعرّف «الغيريّة» بقوله: «هيّ العَارِضةٌ 
فيما انفَصَلَ بِعَرَض؛ إمًا في ذات واحدّة وإمًا في ذاتئن, أمّا الشَّيْءٌ ع العارش في ذات واحدةء فكالذي كان حار 
فصارٌ باردًا؛ ةل عرّضثٌ له غيريّةٌ لتغايُر أحواله» وهو في جميع الحالتين لم يتبدّل. وأا العارش في شيئين 
فكالماء الحارٌ والماء الباردء فإِنّ كل واحدٍ منهما بِالطْبْع غيرٌ صاحِبه: لاكهما جميًا اك ولك عرضث: هما 
الغيريّةٌ فإنَّ أحدّههما باردٌ والآخرٌ حادٌ»(08, 

فما يوهم ب «التضادد» هو قوله: «ناطق» و«لا ناطق»», وقوله: أيضاء «حارٌ» و«بارد». غير أن هذا التضادد 
يزول في قوله: «إنسان» و«فرس». فهويّة الفرس تتميّز عن هويّة الإنسان بعرض من الأعراض والعكس 
صحيح, وإن كانا يشتركان في الجنس العام وفق التعريف الفلسفي القديم. والهويّتان ليستا متقابلتين مقابلة 
«الكون» ل «العدم». و«التمايز بصفة» يتأكّد في كلام الكندي بحضور فعل الصيرورة الدّال على تحؤل الماء 
من صفة «البرودة» إلى صفة «الحرارة» دون انتفائه وحلول غيره محلّه. وقس على ذلك «تواجد» اماء البارد 
واماء الحار. 

إن تعريف الكندي لمصطلح «الغيريّة». في مقابل التعريف المجمعي المعاصرء يؤكّد حقيقة أنثروبولوجيّة 
ستمثّل محور كثير من المدارس الفكريّة الحديثة, مفادها أن تعريف الذات والآخر محكوم بشروط بعضها 
عرقي وبعضها لغوي وبعضها سياسي - اقتصادي وبعضها جغرافي. ولا تمثّل تعريف الفلاسفة لهذين الجوهرين 
إل تعريفا تجريديًا مثاليًا خاليا من الحقيقة الواقعيّة. 


- متصور الهوية بين الماهوية والبنائية 
مثّلت «الهويّة». منذ زمن ليس بعيداء موضوعا مشتركا بين علوم إنسانية ولغويّة عدّة. فقد تسابق 
علماء من معارف. قد تتباعد وقد تتقارب» في مضمار هذا ا موضوع مستندين إلى مقولات نظرية مختلفة 


158 


قٍ خطاب «الهوية» وإشكالياته ١‏ 


0# 





ومسخَّرين أدوات بحث متنوّعة؛ إذ تعدّدت مناهج التناول بين نظريّ وتطبيقيء تحليلي وإحصائيء مخبري 
وميداني. كما تنوّعت مداخل الموضوع بتنوّع العلوم والمناهج. ولعلّ أكثر المداخل تداولا بين تلك العلوم 
وأوفرها حجّة وأقدرها على الإقناع, ثلائة هي: اللّغة والمكان والثقافة 7). وهذه المداخل الثلاثة إذا ما 
عقدت صلة بالسّياسة أصبح وثاقها بالهويّة عضويًا. وعلى خلاف ما ذهب إليه بعض الدّارسين العرب 80 
م تثبت الدّراسات الغربيّة» التي كان لأصحابها باع طويل في بحث هذا الموضوع تنظيرا وممارسة. تراتبيّة, 
سواء أكانت تاريخيّة أو قيميّة. بين هذه المداخل الثلاثة, فالوعي بعلاقة كلّ واحد منها بالهويّة وعي متزامنٌ 
(إذ نشط وتعمّق في القرن العشرين خاصّة).: ومتكافيٌ (إذ استطاعت البحوث المتخصّصة في كل مدخل من 
تلك الممداخل أن تؤسّس أو تعرّز علوما قائمة الذات تتفاعل معرفيًا مع بقيّة العلوم تفاعلا تبادليًا يقوم على 
التغذية والتغذية الرّاجعة). فالبحث في علاقة «اللغة» بالهويّة عزّز «علم اللغة الاجتماعي» وفرّع عنه «علم 
اللغة الاجتماعي التطوّري», والبحث في علاقة «المكان» بالهويّة أفرز «معرفة فرعيّة» نشأت من تزاوج «علم 
الجغرافيا» مع «علم الإناسة» وأطلق عليه اسم «الجغرافيا الثقافيّة» (عنطمهععم6ع /لإامدرعم06) لةعتطلدت 
ولاعءنة[نه) (!*». ما البحث في علاقة «الثقافة» بالهويّة فقد تكفّلت به «الأنثروبولوجيا». ولكل علم من هذه 
العلوم أنصاره وأعماله وفلسفته وغاياته. 

ولهذه المداخل الثلاثة علاقة وطيدة بالإبداع: عامّة, وبهويّة المبدع, خاصّة. فقد ألحّت دراسات عدّة 
على ذلك حتّى تأسّس ما أصبح يعرف اليوم ب «النقد الثقافي». وهو علم مَرْجِيّ وجوده واجب للوقوف على 
خفايا الخطاب النقدي الصرف. 

والشبكة التصوريّة التي تربط بين مصطلحات «اللغة» و«المكان» و«الثقافة» و«الإبداع» و«الهويّة» 
مطروحة في كثير من كتابات النقاد العرب المعاصرينء عامّة, وكتابات أدونيس وجابر عصفور, خاصّة42, بل 
هي التي تشدٌّ نسيج تلك الأعمال شدًاء الأمر الذي يعرّز الاقتناع بضرورة الوقوف على مختلف العلاقات بينها 
وعلى دورها في تشكيل متصور «الهويّة». في خطوة أولىء وتشكيل متصور «هويّة المبدع»», في خطوة ثانية. 

وقد يكون ما توصّل إليه علماء اللغة والفلاسفة وعلماء الاجتماع وخبراء الإناسة وغيرهم., أثناء تنقيبهم 
داخل العلاقة بين الهويّة واللغة والمكان والثقافة. شأن في تفسير ما يبدو متعارضا في كتابات أدونيس وجابر 
عصفور حول «الهويّة الإبداعيّة الفرديّة» و«الهويّة الجماعيّة» و«الهويّة الثقافيّة المحلّيّة» و«عاليّة الثقافة 
والإبداع», فالواحد من الدّارسيّن يدعو إلى «تفرّد المبدع وتميّزه» ترسيخا لاستقلاليّة الإبداع وتميّز الذات. 
ويدافع, في الوقت نفسه. عن «الهويّة الثقافيّة العربيّة» إذا ما استهدفت بغزو أو نظام عالمي جديد. إِنّْها 
مفارقة الجمع بين «الفردي» و«الجماعي» وبين «الثابت» و«المتحؤّل». 

والقارئ للخطاب النقدي العربي المعاصر عامّة. ولخطاب أدونيس وجابر عصفور خاضة. كثيرا ما يطرح 
أسئلة أساسيّة محورها المبدع والإبداع هويّة متجسّدة في الثقافة واللغة والمكان. من ذلك: هل للإبداع لغة 
ثابتة أم لغته متحوّلة؟ وهل المبدع ملتزم بلغة الجماعة أم يصنع لغته الخاضّة؟ وهل هو ملتزم بروح المكان 
كما تشكلها الجماعة أم يخلق للمكان روحا مختلفة؟ ثمّ هل هو مسكون بثقافة العامّة أم أن للمبدعين 


159 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 





ثقافة خاصّة مقصورة عليهم؟. لن يتمكن القارئ؛, ضرورة. من الإجابة عن هذه الأسئلة أو فهم ما يطرحه 
الاقدان من مقولات تجيب عن هذه الأسئلة إلا بالاطلاع عمًا اقترحته الدراسات الغربيّة, بتناغمها وتعارضهاء 
من إجابات ومقولات حول الثقافة واللغة والمكان في علاقتها بالهويّة عامّة. ومن ثم يمكن مقايسة الخاص 
على العام. 

والمدخل الأقدم إلى «الهويّة». من بين هذا الثالوث. هو المدخل اللغوي. وقد طرحت العلاقة بين 
«اللغة والهويّة» تحدّيات جوهريّة لدرس اللغة كما عالجه التقليديّونء وإنّه ليمتدٌ حنّى يبلغ مفهوم 
اللغة ودورها في الحياة البشريّة وفي التطوّر. فالذي اتفق عليه كثير من علماء اللغة والفلاسفة وعلماء 
الاجتماع والأنثربولوجيّين والنقّاد هو أن «اللغة فعل هويّة»؛ فلا فصل بين لغة المرء وشخصيّته. غير أن 
الاختلاف بينهم دار حول حدود إرادة الشخص في تعامله مع لغته. وموازاة لذلك اختلفوا حول علاقة 
الشخص بهويّته. وطبيعة تلك الهويّة. وقد اشتهرت مقاربتان: إحداهما «ماهويّة» ()5نله)مءووه) «تعدٌ 
فيها أمور مثل الجنسيّة والطبقة والجنس والجنوسة أشياء معطاة وفي ضوئها يمكن أن يحلل سلوك 
الناس اللغوي». والأخرى «بنائيّة» (0وذهدهناءدهادههه) و«تهتم أكثر بالهويّة بوصفها عمليّة يشكل الأفراد 
فيها انتماء فئويًا لأنفسهم ولآخرين يحتكون بهم على حدّ سواء»47. وقد وجدت كل مقاربة منهما 
دعما منهجيًا ومعرفيًا من علوم مختلفة في عصور مختلفة7/). ولئن عرفت اللقاربتان في الدّرس اللغوي, 
فإِنّه يممكن سحبهما على كلّ مدخل من مداخل دراسة الهويّة ك «المكان» أو «الثقافة», كما نجد لكل 
مقولة من مقولات هاتين المقاربتيّن صدى في كتابات أدونيس وجابر عصفورء وإن م يشر التّاقدان إليهما 
إشارة واعية. 

ولعلّه من نافل القول أن نشيرء بدءاء إلى أن النتائج التي توصلت إليها تلك العلوم المختلفة دقيقة, 
ولا يتسئّى لغير ا مختضٌ الوصول إليها دون الرجوع إلى مصادرها الأصول والاطلاع على تواريخها الطويلة 
والوقوف على خلفيّاتها المعرفية» ودون الخوض في تفاصيلها وتحليل مضامينها. ولا كان الوقت والجهد 
اللذين تقتضيهما طبيعة المقال لا يسمحان بذلك اخترنا ثلاثة مراجع رئيسيّة تقصّر علينا طريق الأهداف 
المرصودة, كل مرجع يعالج مسألة «الهويّة» من مدخل. هذه المراجع هي: 

- كتاب «اللغة والهويّة: قومية - إثنيّة - دينيّة» لجون جوزيف. وقد اختار «اللغة» مدخلا. 

- كتاب «العويلة والثقافة» لجون توملينستونء وقد اختار «الثقافة» مدخلا. 

- كتاب «الجغرافيا الثقافية» ,ايك كرانجء وقد اختار «المكان» مدخلا. 

وقد أرفدناها ببعض ال مراجع الأخرى التي تؤكد نتائجها وتساعدنا على دراسة الظاهرة في الفكر العربي 
المعاصرء عامّة. وفي فكر ناقديّن مشهورين من نقاد الحداثة العرب خاصة؛ لذلك سيكون حضور تلك المراجع 
حضورا مباشراء سواء بالتضمين أو بالاقتباس. وسهل على القارئ رصد مواقعها. أمَا المراجع الأخرى الثانوية 
فستقع الإشارة إليها في حينهاء وتبقى إضافتنا محصورة في مقايسة واقع التفكير العربي على نتائج العلوم 
الغربية. وما العلم إلا «عقل الآخر تزيده في عقلك» كما أثر عن السلف. 


100 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 


ا 





- الماهويّة وتسييج المتصوّر 

الدخل اللغوي وسمة «التماثل» 

إن التجاور بين المقاربتين «الماهوية» و«البنائيّة» في أثناء معالجة موضوع «الهويّة في علاقتها باللغة»» 
قديم ظهرت بوادره مع أرسطو وأبيقور؛ فإذا كان أرسطو يربط بين «الصوت» ودانفعالات الذهن». جاعلا 
من الكلام إنجازا فرديًا مستقلاً عن الآخرين الذين ينفعلون انفعالات مختلفة: إن أبيقور «يزعم أن مشاعر 
وانطباعات متميّزة قوميًا أو عرقيًا تنشأ من أجساد أعضاء إثنيّة 05هطاه ماء وأنّ هذه المشاعر والانطباعات 
تشكل مباشرة اللغة لهذه الإثنيّة»(”. وقد عزّز رجال الدين في القرون الوسطىء المقاربة ا ماهويّة حين 
اعتقدوا أنّ التصوّرات المجرّدة: بما فيها أسماء الأشياءء هبة فطريّة. بل إِنَّ بعض علماء القرن الثامن عشر 
المتأثرين بالرؤية الدينيّة ك «كونديّاك» (00241118©). كرّسوا هذه المقاربة لتناغمها مع رؤية الكتاب 
المقدّسء فقد حاول كنديّاك تبرير اختلاف اللغات, القضيّة التي ارتبطت عضويًا باختلاف الهويّات, معتقدا 
أن الله وهب الإنسان «أفكارا فطريّة». ولكن عقل ما بعد الهبوط (مقنتعةدم12 -051م): هبوط آدم وحواء 
من الجنّة إلى الأرضء فَقَدَ الاتصال بهذه الهبة الإلهيّة من الأفكار الفطريّة. ومن ثم كان لزاما أن يعيد بناءها 
على أساس تجربة الحواس. إن الهويّة اللغويّة. وفق هذا التفسير. فطرة فُقدت ويُعاد بناؤها وفق قوانين 
عنصر آخر معطى هو الجسد©. وكان لهذا الرأي صدى في القرن التّاسع عشر. مع فريديريش ماكس مولر 
(116ن1 ه81 طءعضلءء) خاصّة. فهو يعتبر اللغة هبة ماديّة وشيئا حيّا يشكل الثقافة والفكر لشعب من 
الشعوب فيدفع به نحو الأفضل أو الأسوأ(47. 

لقد مهّدت هذه الآراء لاقتناع معرف وحّد بين الماهويّين اللغويّينء في القرن العشرينء يتمثل في اعتقادهم 
أن وظيفة اللغة العميقة والحقيقيّة تتمئّل في أن تجد مكانا لها خارج إرادة الإنسان. وليس هذ الاقتناع 
إل نتيجة ما توصّلت إليه معارف بعينها كعلم الاجتماع, بفروعه. وعلم النفس. بتشغباته. والأنثروبولوجيا 
وبعض الاتجاهات الفلسفيّة التي عالجت مسألة «اللغة» أو مسألة «الهويّة» أو العلاقة بينهما. 

وهذه العلوم التي سارت في الاتجاه الماهوي التوقيفي شحنت مصطلح «الهبة» ببعد اجتماعي أو نفسي 
أو سياسي. متخلّية عن بعده الإلهي. فلم تعد اللغة هبة إلهيّة بل هيء عند البعضء معطى اجتماعيٌّ يرثه 
الفرد عن جماعته الضيّقة أو الموسّعة. في حين أنّها عند البعض الآخر شكل من أشكال نفسيّتنا الباطنة 
اللاواعية التي لا سلطة لنا عليها. وقد ذهب شق ثالث إلى أنّْ السَلطة بكل أنواعهاء والسياسيّة منها خصوصاء 
هي التي تنتج اللغة, وتشكل الهويّة. ولعلّ الخطاب الإبداعيء بما هو لغة مخصوصة داخل اللغة العامّة, 
لا يقطع عندهم مع هذه التصوّرات. كما أن المبدع, ذاك الذي يستعمل اللغة استعمالا مخصوصاء لا يخرج 
عن هذا الإطار. 

ورغم ما أحدثه فرديناند دي سوسير (ععناة5د52 06 1مدمنلءع15) من تطوّر في تاريخ الدّراسات 
اللغويّة, فإِنّه ترك ما عرّز رأي الماهويين فاستثمروه وبنوا عليه واحتجّوا له وهو اعتباره «اللغة حدثا 
اجتماعيًا». فقد أعلن سوسير أنْ اللغة عدههد! «حدث اجتماعي وأنْ القوّة الاجتماعيّة تعمل على تماسك 


آَ16 


فقي خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 





النسق اللغوي بقوّة شديدة إلى درجة لا يستطيع فيها الفرد تغيير اللغة. ولكن يرد التغيير في الكلام 
عاوئوم 2 والثّابت أنَّ دي سوسير توصل إلى نظريّته اللغويّة بتوفيقه بين ما نادى به ماكس مولر وما 
نادى به ويليام دويت وتني (لإعصافط/7 غطعذ<2 دمهنا1ة18) الذي زعم أنّ اللغات مؤسسات ونتاجات 
تاريخيّة جرى ابتكارها من لدن الشعب لترميز فكر كان موجودا من ذي قبلء وأنَّ تلك المؤسسات 
ديمقراطيّة دافع عنها الشعب وتخضع لإرادته(””. ورغم أنَّ النموذج الذي قدّمه دي سوسير لا يعقد 
صلة مباشرة بين اللغة والهويّة فإِنّه مئّل قاعدة استند إليها أنصار الفكر الماركسي والبعض من أنصار 
المقاربة الماهويّة بشتّى اتجاهاتهم الفرعيّة ومختلف ميادينهم المعرفيّة!0"). وقد حاول ميخائيل باختين 
(سناطعلهد8 انه 1ز84) تعزيز البعد الاجتماعي للغة الذي أشار إليه دي سوسير متجاوزا ما اعتبره ضعيفا في 
طرحه. وقد فسّره قائلا: «كلّ علامة, كما نعلمء بناء بين الأشخاص المنظمين اجتماعيًا خلال عمليّة تفاعلهم. 
ومن ثم. فإنّ أشكال العلامات مقيّدة, أوّلا وقبل كل شيء. بالنظام الاجتماعي للمشاركين ثم بالشروط 
المباشرة لتفاعلهم»7!©. واعتبر الدّارسون موقف باختين يعمل على فصل النّاس بعضهم عن بعض خلافا 
لوقف دي سوسير الذي يربطهم على نحو متماسك62. 

وقد أوحت آراء الماركسيّين وبعض اماهويين حول البعد الاجتماعي للغة بأهمّيّة الدّافع الأيديولوجي 
في إثبات الهويّة أو نفيها؛ فقد ولّدت الباحثة لزلي ملروي (لامما3861 'إ16دع.1) مصطلح «الشبكة الاجتماعيّة» 
للتعبير عن تلك «العلاقات الاجتماعيّة غير الرسميّة التي يعقدها فرد ماء وبما أنّ جميع المتكلمين في كلّ 
مكان يعقدون علاقات اجتماعيّة غير رسميّة. فإن مفهوم الشبكة. من حيث المبدأء يمتلك القدرة على تطبيق 
عموميء ومن ثم فهو مفهوم أقلّ عصبيّة عرقيّة من مفهوم الطبقة أو الطائفة»07. لقد وسّعت ملروي 
مفهوم الجماعة, فلم تحصرها في طبقة داخل مجتمع محدود أو طائفة في رقعة معيّنة بل جعلت الحدود 
مفتوحة على الجماعة الأيديولوجيّة لتستقطب المفاهيم التي ولّدها التقسيم الاقتصادي العالمي ك «العالم 
الرأسمالي المتقدّم» و«العام الاشتراي» و«العام الثالث». وعن مصطلح «الشبكة الاجتماعيّة» تذكّب مصطلحا 
«الجماعة التأويليّة» عند ستانلي فش (1155 لإءاهةغ5) و«الجماعة المتخيّلة» عند بنديكت أندرسون 
(هه5مع0 دص 1ء1لعم8) للتعبير عن المجموعة التي تشترك في عدد من الضوابطء وقد ينعدم أي اتصال مادي 
مباشر بين أعضائهاء وقد لا يلتقي أعضاؤها أبدا بعضهم بعضا6#. 

وليست الأيديولوجيات منفصلة عن السياسات, ولهذا السّببء ربماء ربط عام اللغة البريطاني ج. ر. فيرث 
(طلرةة1) وبعض تلامذته بين «اللغة» و«السّياسة»2©70. وقد انصبٌ مجهود فيرث على تأسيس تحليل سياسي 
للغة ضمن الإطار الأساسي للتحليل البنيوي2. وستجد هذه الرؤية دعما فلسفيًا مع مجهودات ميشال 
فوكو الذي ميّز عن نظرائه ا ماركسيّين بإيمانه بأنْ مواضيع المعرفة - بما فيها اللغة والتصوّرات التي تشكل 
مدلولاتها - لا تُنتَجٍ بواسطة الفاعلين الذين يفكّرون, ويتكلّمون. وينفذون الفعل بطريقة ذاتيّة تبادليّة(67, 
نما هي إنتاج سلطوي. وإذا كانت اللغة محكومة في تشكلها بقوانين السياسة فإنَّ الفرد ذاته لا هويّة له 
خارج السلطة السياسيّة وهو مظهر لهاء وإبداعه ما هو إلا نتاج ثقافة السّلطة. ولهذا الطرح تأكيد في كتابات 


102 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 











أدونيس وجابر عصفورء ومجهوداتهما كبيرة. كما تبدو في خطابهما النقديء من أجل تخليص الفكر العربي 
والإبداع من ربقة السلطة وهيمنتها ومن أجل الفصل بين الإبداع المؤسساق والإبداع الحقيقي. 

غير أنْ السلطة قد تتّخذ أشكالا أخرى كسلطة التنشئة الاجتماعيّة. فمنذ الصّغر تُغرس في الفرد طباعٌ 
توجّه الفاعلين في أفعالهم وردود أفعالهم بطرق معيّنة, وتولّد ممارسات منتظمة دون أن يُسيطر عليها 
من قبل أيّ قانون. واستنادا إلى هذه الحقيقة التي أثبتها الاختبار الاجتماعي يعتبر بيير بورديو 
(ناءنلعناه8 عمرءنط) الأفراد الاجتماعيين «نماذج للخاصيّة البيئيّة التكوينيّة»90”, فقد سعى بيير بورديو إلى 
إيجاد أرضيّة تلتقي فيها كل من الحرّيّة, حرّيّة الأفراد الذين يشاركون في تبادل السَّلطة الرمزيّة مع فاعلين 
آخرينء والتقييد الذي تجسّده تلك الطباع المكتسبة بيئيّاه وقياسا على ذلك تكون اللغة والإبداع نشاطيّن 
نشوئيين وفي ذات الوقت يساهم الفرد في تكوينهما والتصرف فيهما في إطار قوانين الجماعة. 

ويبدو لنا أنّ هذه النظريّة الاجتماعيّة للّغة مفيدة لنا في قراءة جزء من الخطاب الثقافي النقدي العربي 
المعاصرء وفي تبيّن إشكاليّات متصوراته. لأنّ معظم الكتابات تنضح بثنائيّات متعارضة تتعلّق بالهويّة وبالثقافة 
وبالإبداع عند العرب؛ إذ يسعى أصحاب تلك الخطابات. حيناء إلى الإفلات من قيود النشأة الاجتماعيّة 
والثقافيّة والإبداعيّة ولكنْها تتأ عليهم: ثم يعودون إليهاء حينا آخرء فيمعنون النّظر فيها ويتبيّنون مواطن 
الفرادة فيها فيلتقطونها. فهم بين الرغبة في التحرّر والعجز عن تحقيقه بإغراء وغواية من الهويّة المحلَيّة59. 
ولعلّ عجزهم ذاك لم يكن بسبب داخليء بل كانت أسبابه خارجيّة رسّختها نظريّات أنثروبولوجيّة وسياسيّة 
واجتماعيّة غربيّة تشترط شروطا فاصلة لتشكل الهويّات. من ذلك شروط العرق والانتماء وشروط الحدود 
الجغرافيّة وشروط وحدة الثقافة. وهذه النظريّات لا تخرج عن الصنف «الماهوي» في تعريف الهويّة. 


المدخل الجغرافي وسمة «التوطين» 

ويعتبر شرط المكان أكثر حضورا في الخطاب السياسي المعاصرء وكذلك في الخطاب الإبداعي والنقدي 
والأنثروبولوجي عامّة. وللمكان حضور كبير في كتابات أدونيس وجابر عصفور, وله رمزيّات كثيرة في علاقة 
وطيدة بالهويّة عامّة وهويّة المبدع خاصّة. ولعل هاجس «الهويّة». في علاقتها بالمكان والثقافة والحداثة 
هو الذي دفع بأدونيس إلى أن يختار «المحيط الأسود» عنوانا لأحد كتبه «الثقافيّة» في إيحاء رامز إلى كتاب 
غيلرو (لا01120) .8) الموسوم ب «اطلحيط الأطلسي الأسود: الحداثة والوعي المزدوج» : عناهداءخ عله8120 ء1) 
(0022101151655) 1001516 لمة 6001 

لهذه الأسباب لا نرى داعيا إلى التغاضي عن دور المكان في تحديد الهويّة, عامّة. وتحديد هويّة المبدع, 
خاصّة. فالمبدع ليس مفصولا عن صفته التي تحيل على مكان نشأته, وكثيرا ما نعرّف ال مبدعين بإحالتهم 
على جنسيّاتهم المرتبطة بتلك الأماكن. وفي ذلك مغزى سيحاول الحداثيّون. غربيّون وعرب, تجاوزه من أجل 
بناء هويّة جديدة ترقى باللغة إلى مراتب تفوق التعبير عن الهويّة ا لمتخندقة. كما ترقى بالمكان من المحليّة 
العنصريّة إلى العالميّة ا منفتحة. وترقى أيضا بالثقافة من تجسيد الخصوصيّة إلى التعبير عن التنوّع الخلأق. 


ل" 


في خطاب «الهوية» وإشكائيا» المصطلحية 
ا 1110| 
والذي يتبئاه دارسو العلاقة بين المكان والهويّة. وهم الجغرافيّون عادة. هو أن «الأماكن هي اير من 
مجرّد بقع على الأرض؛ [إذ] يرمز المكان إلى مجموعة من الصفات الثقافيّة المميّزة. ويقول شيئا ليس عن 
أين تقطن أو من أين أنت. وإِمما مَنْ أنت»17). إِنّه المرور من «المكان» إلى «روح المكان». فالمكان هو الذي 
يجمع التجارب المشتركة بين الناسء وللئاس علاقات عاطفيّة مؤثرة مع الأماكن. وكلّ تعرية لخاصيّة المكان 
هي إفقار للتجربة الإنسانيّة وإفراغ لهاء بل إنْ تقويض تلك العلاقات هو تقويض الجماع ات وهويّات 
الناس. ولا تتوقف أهميّة المكان على المساهمة في تحديدنا الشخصي لهويّاتنا بل تتجاوز ذلك إلى المساهمة 
في تحديدنا هويّات الآغرية: فكثيرا ما تدخل الجغرافيا في تحديد هويّة الآخر؛ لأنّ هذه ا مجموعات اللمتكونة 
من «نحن» و«هم» يتم في الغالب. تحديدها إقليميًا. واختلاف أماكنهم عن أماكننا يصنع اختلافنا عنهم؛ لأنَّ 
مميّزات المجموعات الأخرى يتم تحديدها بالمكان الذي تعيش فيه. وهي بدورها تحدّد هذا المكان. بتعبير 
آخرء إن الروح التي بعثناها في موطننا ليست هي الروح التي بعثها الآخرون في مواطنهم. وكل مجموعة, 
سواء كنا «نحن» أو «هم»». تحدّد أعضاءها من خلال إحداث المنتمين إلى المكان والمستأنسين بروحه والغرباء 
عنه والمستوحشين من روحه؛ لذلك نرى كل فرد يسعى إلى امتلاك المكان وروح المكان لإثبات الهويّة 
الشخصيّة والتعبير عن الانتماء إلى الهويّة الجماعيّة. 
وامتلاك روح المكان الذي كان شرطا من شروط اكتساب الهويّة. في مقابل فقدانها الذي يمثل شرطا 
من شروط الغيريّة. أمر مرهون بتوافر ثلاثة معطيات حدّدها الجغرافيُون متأثرين بالفلسفتين الظواهريّة 
والوجوديّة وبعض المذاهب التي تعطي نفوذا أكبر للحياة التجريبيّة. وتتمثّل تلك المعطيات في توافرء ما 
يسمّيه هوسرلء «صفة المتعمّد». أي القصديّة, وتوافر مبد| «الجوهر وصفة الموثوق به»». والقدرة على 
تحقيق «اللمعرفة المثبتة»؛ فالمكان ليس مجرّد معطيات متراكمة. بل هو يتضمُّن المقاصد البشريّة(62) وكل 
ظاهرة, فيما يزعم الظواهريّون. لا تكمن فقط في الشيء المدرك ذاته. وإتما في كيفيّة معالجتنا له والقصد 
الذي نحدّده له3©). والقصد هو الذي يُكسب المكان العمق والمغزى الثاويين وراء هذه الحقائق البسيطة 
وتلك المعطيات الماديّة المتراكمة. ويضفي عليه صفة الموثوق به فالمقاربة الظواهريّة تزعم أنّْ هناك علاقة 
حقيقيّة واحدة بالمكان موثوقا بها والعلاقات الأخرى هي إمّا ناقصة وإما غير موثوق بها"). ومتانة الصّلة 
اليه والعمق, اقترح بعضهم قائلا: «لكي تكون إنسانا عليك أن تعيش في عالم مملوء بأماكن ذات مغزى, 
لكي تكون إنسانا عليك أن تملك وتعرف مكانك»2©2. والغاية من ذلك هي التعبير عن أنّ الئاس يجرّبون شيئا 
يتجاوز خصائص الأماكن الطبيعيّة أو الحسّيّة. ويستطيعون الإحساس بارتباطهم بروح المكان؛ فللمكان معنى 
يمتدٌ وراء المرئي ووراء الواضح إلى عواطم العاطفة والإحساس 97 . نه ظاهرة مكسؤة على نحو ثقيل بالقيم؛ 
ويمثّل الأدب والفنْ أداتين رمزيتين فريدتين للتعبير عن هذه المعاني؛ فالإبداع والمكان متلازمانء كما أن الهويّة 
والإبداع متلازمان. أمَا ما يخضٌ الشرط الثالث المتعلّق بقدرة المكان على تحقيق المعرفة المثبتة. فإنّ الذي 
اعتقده الجغرافيُون هو أنّ «معرفتنا عن العالم هي دانما موضوعة في المكان, 1 دائما من الأماكن. وترتكز 
حولهاء كمراكز لعنايتنا بالعالم [...] فلا تدس الأشياء المدركة في استقلالها عن سياقاتها»77). ولا وجود لوعي» 


104 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 


1 <ز :معز ب 717 خم 7ط ع طق سس وماك 





أو معرفةء دون وعي بالشيء أو معرفة به. فالمكان مختبر مادّي حقيقي للنّاس الذين يؤمنون بدور التجربة 
في اكتساب المعرفة. بل ينزعون إلى التفكير والفعل من خلال الأشياء الماديّة ا لمتموضعة في المكان. 

بهذه الشروط يكتسب المكان مغزاه ونُكسب هويّاتنا مغزاها. وبهذه الشروط تعبّر الأماكن عن الذوات 
عند تعبير هذه الذوات عنها. وهذه العلاقة بين المكان والهويّة هي أوضح معام في الخطاب الأدبي الذي يعتبر 
خطابا تنظم فيه الجغرافيا تنظيما قصديًا. فالكتّاب أبدعوا معنى المكان ومغزاه بالوصف أو البناء بشكل 
مختلف. وبا مغزى الأدبي لتجربة المكان نصل إلى حقائق ثقافيّة واجتماعيّة وأيديولوجيّة وعاطفيّة وغيرها 
حول هويّة الذات المبدعة لها وحول نظرتها إلى العالم؛ فالمكان يسهم في ضبط هويّة العامّة وهويّة المبدعين؛ 
لذلك نجد الجغرافيين يتحدّثون عن اكتساب الهويّة لا إنتاجها كلّما ربطوا بين المكان والهويّة. واكتساب 
الهويّة يسهم فيه المكان أكثر مما تسهم فيه المعطيات الطبيعيّة (كاللون والجنوسة) والرغبات الشخصيّة. 

غير أن شدّة الارتباط بالمكان تعرّز الاعتداد به وبالذات, في الوقت الذي تعرّز فيه إقصاء الآخر ونفيه. وإذا 
كان الأمر بهذا الخطرء فإِنْ المكان يصبح؛ في رأي كثيرين» متورطا في تشكيل العلاقات بين الفرد ومجموعته 
وبين هذه المجموعة وتلك. فهو يغلّب, من جهة. الهويّة الجماعيّة على الهويّة الفرديّة بدعوى «العضويّة» 
و«الانتماء». ومن جهة أخرى يشرّع «الاختلاف» بين هويّات المجموعات67؛ فقد أثبتت الدّراسات أن النّاس 
لا يحدّدون أنفسهم مميّزات منفردة. بل هم يربطون مميّزات وأوضاعا قد تكون متناقضة أحيانا ستصئّفهم 
على أَنّهم جزء من مجموعة واحدة وجزء من مجموعة أخرى على حدّ سواء. كما أثبتت أنَّ «جزءا من 
الانتماء إلى مجموعة ما هو إسقاط التخوّفات والكره على أناس آخرين»9©). وقد يتعرّز هذا ا بما توصّل 
إليه بعض علماء اجتماع اللغة الذين اعتقدوا «أنّ هويّة المجموعات. خصوصا الهويّات القوميّة والعرقيّة. 
سلاح ذو حذّيّْن: فهي من جهة. تؤدّي وظيفة إيجابيّة بمنحها الشعب الشعور بماهيّته. والشعور بالانتماء 
إلى مجموعة ما [...]» ومن جهة أخرى يُبنى هذا الانتماء دانئما عبر الاختلاف عن «الآخرين». وهذا الاستبعاد 
الفئوي يمكن له أن يتحوّل بسهولة أكثر ممًا ينبغي إلى رغبة في التمييز العنصري والكراهيّة»79. ولهذا 
الإقصاء تجليّات ليس تقسيم العام إلى شرق وغرب وشمال وجنوب في منأى عنها. 

وطبيعة النّظرة العربيّة إل المكان في علاقته بالّات طبيعة ماهويّة, مرجعها النصٌ الدّيني في الأساس. 
وخصوصيّة تلك النظرة أنْها تختزل الهويّات في علاقات احتوائيّة (لا تتضمّن إلا المنسجم معهاء أمّا غيره 
فتقصيه). وترمز إليها مجازا ب «دوائر الهويّة». وتعتقد أنّها تنعكس على المكان وكيفيّة التصرّف فيه. فقد 
رد العرب «الهويّات» إلى محتوى الآية الكريمة ايا أيّها النّاسُ إِنَا خَلقْناكُم من ذَكَرٍ وأنثى وجَعَلْناكُمْ شُعويًا 
وقبائل لتعارفوا إِنّْ أَكْرَمَكُم عندّ الله أَنْقَاكُمْ إِنّ الله عَلِيعٌ خبي!7, فمن هذه الآية استخلصوا «دوائر 
الهويّة». فاعتقدوا أنْ «الله خلقنا من ذكر وأنثى (الهويّة الإنسانيّة). وجعلنا شعوبا (الهويّة الثقافيّة)» وغالبا 
ما تكون هذه الهويّة مشكلة من «سحابة» من دوائر الهويّة [...]. ومن الواضح أنْ الهويّة الثقافيّة يمكن 
تفكيكها إلى دوائر أصغر ذات بعد «جهوي». وبعد ذلك جعلنا الله تعالى قبائل» وهي «الهويّة الاجتماعيّة», 
فغالبا ما تتشكل ا مجموعات البشريّة من أفراد تربط بينهم رابطة الدّم والقرابة والنّسبء ولو عدنا إلى ا مدن 


ج10 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


لله 





القديمة لوجدنا أنْها مشكّلة من مجموعة من القبائل أو الأسر الكبيرة التي أوجدت لنفسها مكانا فيزيائيًا 
وحافظت عليه مع مرور الزّمن. ومع تزايد حجم الأسرة أو القبيلة وتباعد السب ورابطة الدّم بين أفرادها 
تتفكّك الرّابطة الاجتماعيّة الكبيرة إلى روابط أصغر (الهويّة الأسريّة). [...] أمًا «الهويّة الشخصيّة» فيمكن 
فهمها من قوله تعالى «لتَعارَفُواه. فالمبدأ هنا هو المعرفة والتواصل مع الآخرء فالخطاب القرآني يخاطب 
الإنسان الفرد بصفته التكليفيّة. وقد جعلنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف, والتعارف هو أساس الهويّة, 
إذ لا يمكن أن يكون هناك شعور بالهويّة من دون مقارنة «الأناه ب «الآخر»»72. والذي أفضت إليه 
قراءتهم للآية الكريمة هو أن «دوائر الهويّة الكبيرة تحتوي الأصغر منها وتطبعها بطابعها»””. ما يرسّخ مبدأ 
«الاندماج». كما أنْها أفضت إلى اقتناعهم ب «أنَّ الهويّة تعتمد على مبد| الاختلاف»9). وبحثوا لذلك عن 
سند شرعيٌ, فوجدوه في ثلاث آياتء منها قوله تعالى: #وما كَانَّ النّاسُ إلا أمّةَ واحدةٌ فاختلّفوا ولؤلاً كَلِمَةٌ 
سبقثٌ من رَبُكَ لَقضي بيْتَهِمْ فيمًا فيه يختلفون 738 

وفي الإلحاح على «الاختلاف» إلحاح على مبدأ «الإقصاء» الذي استبدلوه بممصطلح أقل إيحاء بالدّلالة 
السلبيّة هو «التدافع الحضاري». والمقصود بالتدافع هو «الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأمثلء فالتدافع 
والتنازع من أجل البقاء هما جزء من الدّفاع عن الحقٌ. وهو ما يقتضي بقاء الأفضل»©7. وقد يتجلى ذلك 
«التدافع» في مستوى العمارة, الشكل الثقافي الأعمق دلالة على التحكّم في الفضاء. ف «في واقع الأمر أن 
الأشكال المعماريّة تتدافع, أو هي في حالة تدافع [...] وتدافع الأشكال هنا أو انتخابها لا يعبّر فقط عن عمق 
العلاقة بين الإنسان وما ينتجه من عمارة, بل يؤكّد التداخل العميق بين الشكل والهويّة البشريّة [...] فهو 
عندما ينتخب الأشكال ينتخب هويّته أو ما يعبّر عن هويّته, وبالتالي التدافع الإنساني غالبا ما ينتج عن تدافع 
للأشكال المعماريّة»077. 

والولوج إلى الهويّة العربيّة من خلال مُدنها كَشَفْء عند بعض الذارسين العرب. عن «هويّة مترددة» 
تعكس قيما مشؤّهة «أو غرائبيّة صنعتها أشكال مستوردة قلّدنا فيها الغرب من دون أيّ هدف واضح»!79,ٍ 
فالمدن العربيّة «متناقضة». و«تبطن عكس ما تظهرء ويعيش فيها ناس غير مرتبطين بشكل كامل بالفضاء 
المادذي لهاء وبالتالي تظهر فيها التحوّلات غير متزنة» ويبدو فيها النموَ غير منطقي ولا يعبّر عن أيّ إرادة 
مجتمعيّة»”7. ويُرَدُ جميع ذلك إلى كون هذه المدينة «مُسيّسة. وحركيّة الشكل المعماري مبتسرة ومقحمة 
على الفضاء الثقافي للمجتمعات العربيّة»2*). وبعبارة أخرىء تكون المدينة العربيّة «متناقضة» نتيجة خرقها 
مفهوم «المحلّيّة» بأبعاده الماديّة والرّوحيّة؛ ف «التحديث» و«القيم الماديّة المستوردة». كشكلين من أشكال 
الخرق» يعتبران. عند بعض الدّارسينء سببين من أسباب «العطالة» و«تراجع المجتمع بشكل عام وتراجع 
التنمية فيه وتقلّص المساحات الإبداعيّة وموت المواهب [...] وتضمر لديها الموهبة مع الوقت ويظهر 
المجتمع خاملا خاليا من أي إبداع»61, 

يبدو «التهجين المعماري», في اعتقاد البعضء صورة من صور «التدافع الحضاري» الذي يهدّد «الهويّة 
المحلّيّة». لا ميسما من مياسم «التفاعل الخلآق» وعلامة من علامات «التّمو» و«الانفتاح». وربما يفسّر هذا 


166 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 
0 :ابت فانط 1 اطاط 131ل ا 





الاعتقاد سعي الإنسان العربي إلى «توظيف التراث العمراني في العمارة العربيّة المعاصرة» ك «آليّة نقديّة» 
غايتها البحث عن «الهويّة المفقودة». إذ «إِنْ البشر غالبا ما يتوقون إلى استعادة بعض هويّاتهم التاريخيّة 
حتّى لو كانت تلك الهويّات واهمة»682, 

وما يهمّنا من كلّ هذا إِا هو قدرة هذه «الهويّة الحضريّة المتردّدة», ذات المسعى الاسترجاعي. على 
استيعاب «التحديث الإبداعي»», وقبولها المفاهيم الجديدة التي يشحن بها الحداثيون مصطلح «ال مبدع» 
أساساء والذي تفضي إليه المقدّمات أنْ هويّة مسجونة في الزمن الماضي وتركن إلى سلطة القيم والتقاليد. لا 
بن أن تحصر رؤيتها للعالم والإبداع وال مبدعين في زاوية الماضي وضمن الرؤية الجماعيّة المحليّة. إذ إنْ «الهويّة 
القيميّة الفرديّة لا بدٌ لها من أن تخضع للهويّة القيميّة الجماعيّة, ولا بد لها من أن تستجيب للأطر الفلسفيّة 
والعقائديّة التي تفرضها»7؟). فما من اعتراف ب «مبدع». في إطار العمارة أو غيرهاء إلا باعتراف الجماعة به, 
ولا قيمة له خارج عيار الجماعة؛ فمن «تفردن» أقصِيَء ومن استوحد تُفِيَ. 


المدخل الثقافي وسمة «التضمين» 

والثقافة مدخل آخر من مداخل الهويّة الماهويّة. سواء في تصورها المحلي التقليدي أو في تصوّرها العولمي 
المعاصر؛ فالدّارسون لا يتحدّثون عن ثقافة شخصيّة, بل الثقافة. عندهم.ء نتاج جماعي لا يستوي كيانها 
إلا بتوافر أربعة شروط أساسيّة هي: «الدمٌ والانتماء» ووجود «جماعة متخيّلة» و«اختراع تقليد جماعي» 
و«التمييز الثقافي»20”). والهويّة التي تحدّدها الثقافة هويّة جماعيّة, دائماء تقوم على ثنائيّة أساسيّة طرفها 
الأؤل: «التضمين» (دهزوداعمهذ ادمننةدسدعها اأمعصنلوطصء). أو «الإدماج» أو «الاحتواء» (وكلّها تكفل 
الانكفاء والانفصال والتّمايز). وطرفها الثّاني: «الإقصاء», إقصاء الآخر غير المماثل. وينصٌ تعريف الثقافة ذاته 
على البعد الزمني الضارب في التاريخ والممتدٌ إلى المستقبل937. وعلى البعد الجمعيء أمّا البعد الفردي فلا 
أهميّة له إلا في اتصاله بذلك البعد الجمعي. والعلّة في ذلك أنّ الثقافة تقوم على متصوّريْ «المعنى/ المغزى» 
و«التمثيل الرمزي» اللذين لا يكونان إل اصطلاحيّين جمعيّين. فقد عرّفها البعض قائلا: «من الممكن أن تعرّف 
الثقافة في المقام الأول كنظام للحياة يبني فيه البشر المعنى من خلال ممارسات التمثيل الرمزي ءذاهصلاة 
20م |[...]. وإذا كنا بصدد مناقشة البعد الثقافي. فنحن نعني الطرق التي يجعل الناس من خلالها 
حياتهم ذات مغزىء بشكل منفرد وبصورة جماعيّة. عن طريق التواصل بعضهم مع بعض»©. وتفسير هذا 
«أنّ الثقافات هي مجموعة من المعتقدات أو القيم التي تعطي معنى لطرق الحياة, وتُنتَج ويُعاد إنتاجها 
من خلال أشكال ماديّة ورمزيّة [...] فالجماعات المختلفة لا تتحدّد باللباس المختلف والزخرفة وأساليب 
الحياة فقطء بل توجّه كذلك ب «نظرتها الاعتباريّة إلى العام» وأولويّاتها وأنظمة اعتقادها وطرقها المختلفة 
لفهم العام»2”0 والذي يهمّناء هناء أن هويّة الفرد من منظور ثقافيء هي هويّة الجماعة, فثقافتهم ثقافته. 
كما كانت لغتهم لغتّه. وموطنهم موطنّه. وانتماؤهم انتماءه. أليست الثقافة - من بعض الزوايا - «طريقة 
التعبير عن الهؤيّة بلغة الجنسيّة»2*؟ لأنّ الجنسيّة ليست وضعيّة سياسيّة قانونيّة فقط - فهي كذلك 


107 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


تب د 





حول ما نعتقد أنّها خصائصنا الاجتماعيّة المميّزة السّمات التي نتقاسمها مع المواطنين المماثلينء كما يقول 
مايك كرانج؟2”0 2 ثم ألم يصل كثيرون بين القوميّة العرقيّة والثقافة والفضاء والنّاس مشكلين «منطقا دائريًا 
بواسطته يعتبر حقّ المرء في الانتماء إلى الفضاء متوقّفا على امتلاك الثقافة التي تُستعمل لتعيين الإقليم»؟!0, 
لقد توصّل الدّارسون إلى أنّه لا فكاك بين ما اتصل من هذه العناصرء الهويّة الفرديّة والجماعيّة والثقافة 
واللغة والفضاء. بل كان سؤال الهويّة عندهم منطلق البحث الثقافي ومنتهاه. وساندهم في ذلك دارسون من 
غير المجال الأنثروبولوجي. وقد تردّد هذا السؤالء أيضاء في كتابات النقّاد واللغويين والأسانيين(1©, 
يضف 

تبدو هذه المقولات التظريّة السّابقة. رغم ما يطرأ عليها من تجاذباتء ملائمة لدراسة الثقافة العربيّة 
السّائدة؛ فالذي يجمع عليه الدّارسون هو أنّها ثقافة تقليديّة. ومن سمات الثقافة التقليديّة أنّها ماضويّة(12©» 
أي أنّها «تجعل من الماضي إطارها الأوحد في القيمة, بمعنى أنْها لا تستحسن أو تستقبح شيئا إلا إذا كان 
له نظير قبيح أو حسن في الماضيء وفي الوقت نفسه. لا تقبل في حاضرها أي جديد إلا إذا كان له شبه 
في الماضي»7”. إِنّْها منعزلة عن زمنها. منفصلة عن «روح عصرها». تتهؤس بماض متخيّل «لا تك عن 
استعادته, محاكاة وتقليدا واتباعاء وتبالغ في تقديسه بما يجعل منه إطارا مرجعيًا في كل شيء قائم وكل شيء 
قادم, فيغدو هذا الماضي معيار القيمة الموجبة لا يمكن أن يحدث في الحاضر والمستقبلء بل إِنْ المستقبل 
نفسه يغدو صورة لهذا الماضي الذي يستدير إليه الزمن في تعاقبه»”. وهي بهذه الرؤية التي تقوم على 
جهاز مصطلحي مخصوص قوامه متصورات «الاستعادة» و«المحاكاة», أو «التشابه»/ «التقليد»/ «الاتباع», 
و«الألفة». تؤسّس سياسيًا لمتصوّر آخر هو «الأمّة الواحدة ال منسجمة» يقوم على متصوّرين فرعيين هما 
«الاحتواء» و«الانسجام» (أو «التجانس»)» كما تؤْسّس دينيًا لمتصوّر «التعضّب». وهو مصطلح. وإن كان من 
مصطلحات «الطعن». فَإِنّه يحيل على متصوّر «الانشداد إلى أصل». سواء كان دينيًا أو إبداعيًا أو سياسيًا 
أو اجتماعيًا. كما أنّهاء في المقابل. استحدثت جهازا مصطلحيًا مضادًا يستهدف كلّ اختراق لرؤيتها الماضويّة, 
وهو يقوم على متصوّرين أساسيين هما «البدعة» و«الغرابة», وغايته «تكفير» المبتدع: و«استئصال» الجديد, 
و«خنق» كل إمكان تحديثيء و«عرقلة» كلّ محاولة للتحرّر من ربقة الماضي وكلّ محاولة لمعانقة المستقبل 
المنفصل عنه(5”). ف «الخوف من الجديد الغريبء أو التجريب الذي يناقض اللمألوفء أو العلم الذي ينطلق 
من الاختلاف. هادفا إلى اكتشاف ما لم يسبق اكتشافه. أمور مرفوضة في هذا الوعي الذي يعادي كل مغايرة 
جذريّة ويستأصلها معنويًا أو ماديّاء كي يعود كل شيء إلى سابق عهده. فلا جديد تحت الشمس في مدى 
هذا الوعيء وما نقول إلا معادا مكروراء فقد ذهب الأقدمون بالفضل كلّه, ولم يتركوا للاحقين سوى الرّقص 
في سلاسلهم. أو الدّوران في الدّوائر المغلقة المحدّدة من قبل»©”. إن «عمود القيمة». وفق هذه الرؤية, 
منغرس في تربة «التقاليد». ومرهون بالقدرة على «الانسجام». ومن زاوية النظر هذه اعتبرت «التجربة 
الفرديّة غريبة حتّى تُسبك في نار التّظام والتقاليد. وكان مظهر النبوغ هو ذلك الالتحام الفريد الذي تنسجم 
فيه الشخصيّة مع التقاليد انسجاما يجلي نْضرة الجميع وقوّته» 67 


ا" 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 








وطبيعي أن تكون الثقافة الماضويّة «سلطويّةٌ - واحديّة» تؤمن برأي الواحد الذي يختزل الجميع (وغالبا 
ما يكون ساكنا في «الماضي» بين صفحاتٍ صحائف صُفرء أو يكون متربّعا على عرش السّلطة مجسّدا نظاما 
تراتبيًا بطريركيًا ثابتا لا سبيل إلى تغييره حتّى على سبيل الهزل20”. ساعيا في المقابل إلى استنساخه اجتماعيًا 
بترسيخه في النْظام الأسري حيث ينفرد «ربٌ الأسرة». أو «كبير العائلة». برأيه في الأسرة المحافظة مكرّسا 
إرادته المطلقة) في الوقت الذي لا تؤمن فيه بالرأي المخالفء رأي الواحد «المتفردن» الذي يكرّس «التمايز» 
و«الكُثاريّة» ويعيش «الحاضر» المعاين» ويهفو إلى «المستقبل» الواعد, ولا يعود إلى «الماضي» إلا للتمحيص 
والاستبصار لا للتقديس والتعظيم. من البيّن. إذنء أن «الأحاديّة» التي تكرّسها الثقافة المحافظة «هي في 
المقام الأؤل سياسيّة: أحاديّة سطوة وسلطان. تُصبح فيها السياسة التي هي جزء. كلا - يُلحق به كلّ شيء. 
ويُراد به كل شيء»7””! فالأفراد. إذا كانوا من العامّة, ليسوا سوى «رعيّة» يسهر عليها «راع حكيم مسؤول», 
أمَا إذا كانوا أفرادا في عائلة, فما هم إلا «أضحيات» وجبت عليهم طاعة «الأب - ول الأمر» الذي يطرحهم. 
الواحد تلو الآخرء على مذبح الآلهة. وخضوعا للبنية الثقافيّة والفكريّة ذاتهاء داخل العائلة, يُفرّق بين الأفراد 
«إناثا» لا يتجاوزن مرتبة «الجواري»», وبين الأفراد «ذكورا أسيادا»90). وإذا كانوا من طلبة العلم» فليسوا 
غير «مريدين» أسماعهم مشئّفة نحو واحد من «أرباب القلم» هو «وليّ اللّه/ الفقيه» يفيض عليهم من 
علمه”!19). وإذا كانوا من الشعراء. فليسوا إلا «حقاقا» يقودهم «فحلٌ». وقد تنعكس هذه التراتبيّة على 
أجناس «النصوص الإبداعيّة» ذاتها؛ إذ «الشعر». والمصطلح اسم ذكوري مرتبط في الثقافة العربيّة بصورة 
«اللسان (السّليطء أحيانا)» رمز «المعرفة» و«الحكمة» و«الفصاحة البدويّة» و«سلاح المقاومة القبليّة», مبرّز 
على «الكتابة», الاسم المؤنّث المرتبط بصورة «القلم» رمز الخدمة والوظيفة02'. إنّ «السّلطان - الرّاعي» 
و«الأب - ول الأمر» و«الذّكر - السيّد» و«رب القلم - ول الله/ الفقيه» و«الشاعر - الفحل» و«الشعر - 
المعرفة/ السّلاح1920», كل ذلكء تجلّياتٌ للمتصوّر/ الصورة: «الأصل الذي تعود إليه جميع الفروع»004, 
بكل ما يختزنه المتصوّر/ الصورة من إحالات على متصوّر «سلطة». وبعبارة مختصرة. إِنّْ «الثقافة العربيّة 
آلة لاختراع الآلهة» (قياسا على مقولة الأنثروبولوجي الفرنسي جان بيار دو بويء التي ينقلها أدونيس. 
«الجماعات البشريّة آلات لاختراع الآلهة»(27)). والثقافة السلطويّة التي تخترع «الآلهة» لا بد أن تكرّس 
متصوّر «السّلطة» في مختلف المجالات ومتنوع الميادين. فلا حقيقة خارج السلطة2"99. ورتما لهذا أعثير 
الشاعر. مثلاء «سلطة موازية لسلطة شيخ القبيلة أو السلطة العليا في القبيلة التي كانت [...] نموذجا لمجتمع 
مركزي يدور حول قطبه الأعلى. أو البطريرك الذي ترتدٌ إليه - في التّهاية - خيوط المصالح والعلاقاتء با معنى 
الاجتماعي والسياسي والاعتقادي والإبداعي»7"'). وبناء على ذلك شاعت. في مجال النّقد الأدبيء مصطلحات 
من قبيل «سلطة اللغة» و«سلطة الإيقاع» و«سلطة الكلمة» و«سلطة النحو»999! و«سلطة النضّ»(199) 
و«سلطة النُقد»9!!... أمَا في المجال الثقافي العام فشاع مصطلح «سلطة الأصل»!!111). 

لذلك تقتضي الثقافة «الماضويّة - السَّلطويّة» أن تكون «احتوائيّةَ - انسجامويّةٌو12!, ذات رؤية خاصّة 
للفرد والمجموعة. بمعنى أن «الفرد في هذه الثقافة ولغتها: لا فرديء عضو في جسم هو »الأمّة «. مثقّف 


1069 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 





عضوي قبل التسمية الجرامشيّة المعروفة. ويُفترض في أفكاره وآرائه أن تكون انبثاقا ما من هذا الجسم [...] 
إنّها ثقافة لا تمحو العام الدّاخلي الاق للإنسان (لا تؤمن بوجود هذا العالم). ونا تمحو كذلك الفروق بين 
الفرد والفرد [...] تحوّل الكثير إلى واحد»37!!). ومن نتائج ذلك أن يجرّد الإنسان الحرّ في إطار هذه الثقافة, 
من المسؤوليّة, ويغدو تابعا وخاضعا!!). أو هو «مجرّد نبرة في صوت كليّ هو صوت الأمّة أو بدا كأنّه مجرّد 
وظيفة: أو مجرّد دور عابرء تتحدّد أهمّيته في موقعه وفعله - لا بذاته» أو بما هو فرد»(015, 

ومن بديهيّات الأمور أن تُفرز هذه الرؤية جهازا مصطلحيًا خاصًا يتفجّر فيه الثنائي «احتواء - انسجام» 
إلى متصوّرات فرعيّة, تنتشر في ميادين متنوّعة, قد تختلف دالا ولكنّها تتّحد مدلولا. ويقوم ذاك الجهازء دينيًا 
على متصوّر «الإجماع». ويقوم سياسيًا على متصوّر «وحدة الأمّة». ويقوم اجتماعيًا على متصوّر «الجماعة 
(العصبيّة القبليّة)», في حين يقوم إبداعيًا على متصوّر «النموذج»؛ ف «وحدة الجماعة. وحدة النصّء وحدة 
الحقيقة. وحدة السَّلطة: تلك هي الأسس التي تقوم عليها بنية الفكر العربي السّائد»9!!) الذي يعكس 
طبيعة الثقافة الرّائجة. وفي المقابل. استحدثت جهازا مصطلحيًا مضاذا وظيفته «الطعن» في كلّ محاولة 
انبتات عن «الجماعة». وهو جهاز يدور على متصوّر «الخروج»؛ فقيل «الخروج على اللّة والجماعة» 
و«الخروج على السلطان» و«الخروج على عمود الشعر» و«الخروج على الوزن»... وقد عومل «الخارج»», 
في تاريخ هذه الثقافة, معاملة «البعير المعبّد». وقد انخرط «التفكير النقدي». ضمن هذه الرؤية» فرأى أن 
«الانفراد عن جماعيّة اللغة عمل شيطاني من بعض الوجوه»117). الانفراد تعدّد, والتعدّد تهديد للواحديّة؛ 
ف «كأنْ تعدّد الرأي يضمر نوعا من القول بتعدّد الرؤوس, أي بتعدّد الآلهة» ممًا يتناقض مع مبد! الرأس 
الوحيد - الأوحد»(15!), 

وقد صاحبت هذا الجهازٌ المضادٌ «وسائلٌ مقاومة» (يسمّيها جابر عصفور: «آليّات دفاعيّة») غايتها 
الحفاظ على «الوحدة» و«الانسجام» و«النموذج». وأبرز تلك الوسائل اثنتان هما: «القمع (الذي كثيرا ما 
يتحول إلى «إرهاب مادّي داخلي» أو «إرهاب لغوي داخلي»7”!! قبل أن يكون «إرهابا خارجيًا بنوعيه المادّي 
واللغوي»). و«الرّقابة»(20 . وجوهر القمع هنا لا يكمن في الحيلولة دون الكلامء وَإِنا يكمن في فرض طريقة 
معيّنة من الكلام(!2!؛ ف «النّظام الثقافي العربي» يسعى إلى مصادرة الحرّيات المؤسّسة للهويّة المتحركة 
الخلأقة «تارة باسم ذاكرة دينيّة جامدة وماضويّة. وتارة باسم حاضر سياسيّ لا يرى من الثقافة إلا ما يخدمه, 
أي حاضر يقوم عضويًا على القمع والرّقابة» حاضر لا تعني له كلمة الحريّة أي شيء خارج حرّيّته هو أو 
حرّيّة القائمين عليه. سياسيًا»1220). ويعتقد جابر عصفور أنّ ثقافة «احتوائيّة - انسجاميّة», بهذا الشّكلء لا 
بدّ أن تكون أكثر العناصر فاعليّة وتأثيرا فيها هي «الأمن الداخلي الذي يحمي التراتب ويحافظ عليه ويبقيه, 
مدعوما بأجهزة إعلام وتثقيف تؤكّد لوازم الإجماع والطاعة»(0123), 

ومن النتائج الحتميّة «للاحتواء والانسجام»» بالمتصوّر السّلبِي الذي بِيّئَاه. أن تكون الثقافة «إقصائيّة» 
بالمعنى الذي يحيل فيه «الإقصاء» (الذي قد يتحول إلى «إلغاء»2*!)) على «الانطواء على الذّات/ التقوقع» 
وعلى «معاداة الآخر». فهي ثقافة «معادية للآخر ال مختلف, لأنّ الأصل فيها هو التشابه لا الاختلاف, والهويّة 


100 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 


يي ا 





[الماهويّة؟] لا الغيريّة. والآخر تتعدّد صوره في هذا السّياق» فهو المختلف عنا في المذهب الدّينيء أو الوضع 
الطّبقيء أو نوع الجنس. أو اللُونء أو العرق. ويمتدّ أمر العداء للآخر إلى الثقافات الأجنبيّة التي تتحوّل إلى 
مصدر خطر داهمء. خصوصا حينما تقترن بالغزو العسكريء ومن ثم التبعيّة الاقتصاديّة التي تتحؤل إلى 
اتباع فكري»27'". بل هي ثقافة «إقصائيّة عمياء»©22, لا تميّز «بين أوجه الآخر المستعمر الغازي ونظيره 
المتقدّم الذي يمكن أن نفيد من علمه. ونأخذ عنه أخذ الواثق من قدرته على المساءلة وإعادة الإنتاج» 027 
و«الإقصاء». في منطق هذه الثقافة, رهين «الاختلاف»؛ إذ الاختلاف تهديد للانسجام والواحديّة الفكريّة 
«لذلك لا يستطيع الفرد الذي يخضع لهذا المنطق أن يقرٌ الاختلاف. لأنه لا يستطيع أن يتصوّر أن ما يؤمن 
به خطأء أو قابل للنقد أو للتغير» (125), 

وقد أفرزت النزعة الإقصائيّة جهازها المصطلحي الذي لا ينفصل عن بقيّة الأجهزة التي ولّدتها النزعات 
والرؤى والخيارات الأيديولوجيّة السّابقة. وقوام ذاك الجهاز مصطلحان رأسان قدمان. متضاذان معنّى» 
متفقان وظيفةً. وهما: «الأصيل» و«الدّخيل»؛ إذ رسخ في الدّلالة العامّة أنَّ «الأصيل», المحيل على متصؤرئ 
«الحسب» و«الثبات», مقابلٌ تقابل الضدّ مع «الدّخيل», الذي يحيل على متصوّريْ «الإضافة» و«الإنزال». 
و«الثابت - القارٌ» ضدٌّ ل «المتحول - العابر». وعن هذين المصطلحين الرأسئن تنكّبتء قديما. مصطلحات 
مجاورة من قبيل «على خلاف ما قالت العرب/ على خلاف ما قال الفقهاء»». أو «على غير ما قالت العرب/ 
على غير ما قال الفقهاء» و«الحوشيّ (حوشيّ الكلام الذي يُتَعمّد إدخاله في الشعر)» و«المُجْنة (هجنة 
الألفاظ)». غير أنَّ للمصطلحين الرأسين المتنافرين نقطة تقاطع, فيها يلتقيان التقاءَ تعاضدء وعندها يتلامسان 
تماس تسائد, ممثّلها متصوّر «الإقصاء» الذي لا يخلو من «وظيفيّة». وذاك ما دفع أدونيس إلى أن يجرّدهما 
(أقصد مصطلحي «الأصيل» و«الدخيل») من كل قيمة. يقول: «الأصيل والدّخيلء كما استّخدما في الماضي 
وكما يستخدمان اليوم. مصطلحان أيديولوجيّان. وليست لهما أي قيمة معرفيّة أو علميّة. إِنْهما سلاحان 
يحرسان نض السلطة. الذي تكتبه سلطة النضٌ»2!229. ويقول في موضع آخر: «إنّ ثنائيّة الأصيل/ الدّخيل 
ثنائيّة زائفة, ومضلة. إِنْها لغة السياسة السياسيّة - الأيديولوجيّة وليست لغة الإبداع والمعرفة»130). 

وفي وقتنا الحاضر, لازم «الإقصاء». ببعده الوظيفي الأيديولوجيء ثنائيّة مصطلحيّة أخرى من تبعات 
الثنائيّة المتنافرة الأولىء هي ثنائيّة «التراث» و«الحداثة»», فالماهويّونء الذين يعاملون النصوص الترائيّة 
معاملتهم النصوص «الأصيلة». ينفرون من «الحداثة» التي يعتبرونها «دخيلة» تهدّد الوحدة وتخلخل 
الانسجام وتزعزع التماسكء وبذلك تعبّر الثقافة الماهويّة عن استمرارها وعن سلطتها. 

وللإقصاء أوهامه التي تفرزها أوهام الرؤية الماضويّة والنزعة التسلّطيّة والتوجّه الانطوائيء لتتخذ شكل 
المبرّرات التي تستند إليها الثقافة الماهويّة. ومن أوهام الإقصاء ادْعاء «تملك الحقيقة الكاملة». فالواحد من 
أفراد هذه الثقافة ليس في حاجة إلى معارف الآخر التي لن تضيف شيئا إلى «المعنى الكامل والتّهائي» الذي 
زوّدته به «المعرفة الدينيّة», أساساء بالشكل الذي أرادته «السّلطة». وتقوم تلك المعرفة على مبد| أنّْ الأشياء 
والأفكار لا تكتسب دلالاتها الحقيقيّة ومشروعيّتها إلا بدءا من ذاك المعنى الكامل والنّهائي وفي ضوئه 131 


171 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 


2 
ا 





إن «الحقيقة» سابقة علينا وجاهزة. وما تفكيرنا وتأويلنا وتأمّلنا إلاّ شروح لتلك الحقيقة وإعادة صياغة 
لها وما قاله أسلافنا عنها؛ إذ «كل شيء. في هذه الثقافة, مقَكّر به [كذا] سلفاء وقدّمت له الحلول النهائيّة 
والعادلة»32!). وموضع الحقيقة هو «النضٌ/ الأصل» الذي يمتلك سلطة المعنىء ف «النصٌ [...] يقين كامل 
ونهائ» والمعرفة هي اكتشاف ما ينطوي عليه. وتفسيره. ليس دور العقلء هناء أن يبحث عن المعرفة خارج 
النض. وإِنما ينحصر دوره في تدبّر الطرق التي تكفل فهمه ومعرفته. من دون تحريفء ومن دون إقحام رأيه, 
أو قول شيء من عنده»132). 

و«أفكارنا» حول «الحقيقة»» و«آراؤنا». تخضع وَحاهئُها لموقعنا «نحن» في الزمن» من النصّ/ الأصل 
الذي يتضمّن تلك الحقيقة. فكلّما تأخَّر زمننا عن ذلك النصٌ, نقّص إدراكنا للحقيقة فيَدُوي نورها. وكلّما 
كنا أقرب إلى النصٌء زمانيّاء كنا أكثر أمانة في نقل الحقيقة وأكثر دقّة في شرح معانيها واستنباط أحكامها 
واكتشاف أسرارها©7!). وعلى ثنائيّة «البعد / القرب» من النصٌء وثنائيّة «القدم/ الحداثة» يتأسس متصور 
يسمّيه أدونيس «تابعيّة معياريّة تراتبيّة»777'). ويوضّحه قائلا: «معياريّة, لأنّ النص حَكَم فاصلء وتراتبيّة, 
لأنّ الأكثر قربا وأمانة للنصٌء هو الأكثر صحّة في آرائه وأحكامه»©13). واستنادا إلى هاتين الثنائيّتين تُشرّع 
الثقافة الماهويّة لمتصوّر «التقل». نقل «الحقيقة المكتملة» من «السشلف» إلى «الخلف». وضمن «الفهم 
النّقلي» تكون المواقف محصورة في «الاستيضاح» و«الاستلهام» غير مشرّعة على «التساؤل» و«التقد» 137 
نه في العموم ترسيخ ل «ثقافة المعلوم» و«ثقافة الظاهر»؛ فالفهمء خاصّة؛ والمعرفة عامّة, في هذه الثقافة, 
«تراكم» و«تمثل» و«ارتداد مستمرٌ». 

واستطاعت هذه الثقافة «اليقينيّة ‏ المكتملة» أن تنعكس على تصور «الكتابة الأدبيّة» و«الئّقد» 41380 إخ 
«لًا كان الإسلام» في فهمه السّائدء هو الرّسالة الأخيرة التي أرسلتها السّماء إلى أبناء الأرضء وخاتم الكلام الإلهي. 
فإنَ كل كلام يجيء بعدهاء خصوصا كلام الإنسانء لا يمكن أن يقول جديدا»37!)؛ ففي رحاب «التكرار» 
تتنقل «الكتابة», وفي أفق «التفسير» و«القراءة المعلقة» يتحرّك «النقد». وعلى خلفيّة ذلك نشطت. في تاريخ 
النقد العربيء التفاسير والشروح والحواشي. وبتأثير منه هيمن جهاز مصطلحي رأسه «البيان» الذي تنكبت 
عنه مصطلحات «الوضوح» ودالإصابة في الوصف» و«المقاربة في التشبيه». وما خالف ذلك هو «إفساد 
للشعر» و«غموض ف المعنى» و«مشكلٌ»؛ ف «الكتابة في هذا الإطار هي تحديداء الإيضاح. والشعر [...] 
سيأخذ قيمته وأهمّيته. وفقا لدرجات وضوحه. ينبغي أن يكون الشعرء استنادا إلى ذلك سهلا بوصفه أداةٌ 
تشرح وتعلّم, وهي سهولة تجعله أكثر انتشاراء وأقوى تأثير»(140. 

هكذاء تتنافذ الميادين» في هذه الثقافة المحافظة. وتحيل ا مصطلحات بعضها على بعضء ويتشكل جهاز 
مصطلحي حلقاته مترابطة» في الواحدة رنين من الأخرى. وميزة هذا الجهاز أنه «وظيفي»» مهمّته تأكيد 
«ثبات الهويّة», وتعزيز «الانغراس» في تربتها. ومن هذا الوجه يبدو المصطلح مكنز شواغل هذه الثقافة, 
وحصيلة مخاوف السّلطة المجسّدة لها. إنّه سيمياء «رؤيتها» للكون. وعلامة فلسفتها في الوجود. وهي 
فلسفة. إذا ما ردت إلى خطاب الهويّة. تتلخص في أنه لا أهمّيّة للفرد إلا إذا كان عنصرا منغرسا في مجموعة, 


12 


في خطاب «الهوية» ا الملصطلحية 


اي اي 0 








ولا قيمة للمثقّف إلآ إذا كان «عضويًا» يفكّر بعقل الجماعة. وينطق بلسانهاء ويعبّر عن مشاغلهاء ويدور في 
فلك آمالهاء ولا مزيّة للمبدع إل إذا استلهم معاني القدامىء وحاى ألفاظهم, وتمثّل عالمهم المتخيّل؛ فقرّب إذا 
شبّه. وأصاب إذا وصفء كما قرّبوا وأصابواء وحافظ على «عمود الشعر» كما حافظواء مع يقينه بأنّه لن يرقى 
إلى طبقتهم مصداقا لأفضليّة «السّابق» على «اللأحق»», و«السّلف» على «الخلف». 

قياسا على المنطق السابقء أيمكن أن نقول إِنّ ثقافة المبدع: عامّة. من ثقافة ال مجموعة؟ وإِنّ هويّته 
الثقافيّة هويّة متخندقة على عادة الهويّات الماهويّة ا منغلقة؟ لا شك في أنْ الإبداع شكل من أشكال التمثيل 
الرمزي, وأنّه ممَثّل ما يعرف عند البعض ب «الثقافة العليا» (المتجاورة مع «الثقافة الشعبيّة والحياة اليوميّة»). 
ولذلك هو غير منفصل عن ثقافة الجماعة. ويعلل أهل الاختصاص ذلك بأنّه «إذا درسنا أي مجتمع وجدنا 
أنشطته ذات الدور الأوّلي رمزيّة. مثل المسرح أو الأوبرا أو الأدب أو الشعرء ويمكن اعتبارها عامّة نتاجا أو 
تعبيرا عن ثقافة ذلك المجتمع»(!*1). وم يقف أمر الاعتراف بتوالج البعد الاجتماعي والأدبي عند المنظرين 
من ذوي المرجعيّة الماركسيّة. بل تجاوزهم إلى منظري الجغرافيا الثقافيّة الذين توصّلوا إلى أن «القول بذاتيّة 
الأدب يغفل نقطة أساسيّة؛ فهو نتاج اجتماعي بالفعلء في ترويجه الأفكار. فهو عمليّة اجتماعيّة للتعبير. 
نه وسيلة اجتماعيّة؛ فأيديولوجيّات ومعتقدات [كذا] الشعوب والعهود تشكّل هذه النصوص وتتشكّل 
بها على حدّ سواء؛ فهي تشكل ما يحسٌ المؤلفون بأنّهم قادرون أو مرغمون على التعبير عنه. كما تشكّل 
طريقة تعبيرهم. في هذه الحالة سيعتمد كل نضّ على نصوص أخرى إلى حدّ ماء يقرأ الن بصيغة التقاليد 
التي إِمًا أنه يستخدمها أو يقلبها. ويحاول النصٌ أن يتكلم إلى جمهور ماء ولهذا يجب أن ينشغل بتوقعاتهم 
وهمومهم»142). لا تخفى مصطلحات الإلزام والالتزام في هذا القول الذي تعمّدنا إدراجه كاملا رغم طوله. 
كما لا تخفى المساندة غير المباشرة لما توصّل إليه باختين في المجال الأدبي وحصره في مصطلح «الحواريّة». 

إِنْ هذا الطرح: الذي يبدو وجيها في ظاهره. وجد معارضة متفاوتة ممّن يؤمنون بالفرادة والتميّز 
والخصوصيّة والاستقلاليّة. وهي المعارضة التي وجدتها المقاربة الماهويّة, عامّة. من أنصار المقاربة البنائيّة. وقد 
وجد البنائيّون ما يدعم طروحاتهم في البحث اللغوي والبحث الجغرافي والبحث الأنثروبولوجي, وفي البحوث 
الهجينة كعلم اجتماع اللغة. وعلم النفس الاجتماعي» وعلم النفس اللغويء وعلم اللغة الأنثروبولوجي... كما 
وجدوها في مقولات الأدباء المؤمنين بفردانيّة الذات المبدعة وخصوصيّتها. 

- البنائيّة والبحث عن منافذ العبور 

انطلاقا من الإجماع على كون البنائيّة مقاربة تهتمٌّ أكثر بالهويّة بوصفها عمليّة يشكل الأفراد فيها انتماء 
فئويًا لأنفسهم ولآخرين يحتكون بهم على حدّ سواء. اجترح كلّ مبحث لنفسه مصطلحا يعبّر عن تلك البنائيّة, 
أو اقترض مصطلحا من ميدان آخر. وفي إطار المباحث التي اخترناهاء انحصرت تلك المصطلحات في ثلاثة: 
فقد احتل مصطلح «التصنيف الذاتي» محل المحور في الدراسات اللغويّة الاجتماعيّة تدور حوله مصطلحات 
أخرى ك «التمثّل» و«التواصل» ود«القراءة». واحتلٌ مصطلح «اللاتوطين» مكانة بارزة في الدراسات الجغرافيّة 
ذات الاهتمام بالهويّة. ونشأت له علاقات بمصطلحات مجاورة ك «الفضاء العولمي» و«الفضاء الثالث» 


1/13 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


د 





و«الفضاء المجرّد» و«العوالم الهجينة» و«تآكل المكان» و«اللامكان» و«المكان المتخيّل» و«الكوزموبوليتانيّة» 
و«الجغرافيا المتخيّلة». أمّا المصطلح الأبرز في الخطاب الأنثروبولوجي المعالج لمتصور الهويّة معالجة بنائيّة 
فهو «اللاتضمين» وله في الإطار الثقافي. علاقات بمصطلحات أخرى ك «العوللة» و«الحداثة» و«الثقافة 
المعوءمة» و«الثقافة العالميّة» و«الثقافة الهجينة». وتكتسب هذه المصطلحات أهميّة كبرى في الخطاب 
النقدي العربي المعاصر على الأقلّء لأثها مثّلت أجهزة مصطلحيّة .ا أصبح يعرف ب «النقد الثقافي» الذي 
شاعت مقولاته في كتابات أدونيس وجابر عصفور. 


المدخل اللغوي ومفهوم «التصنيف الذاتي» في متصور «الهويّة» الحديث 

والمقاربة اللغويّة البنائيّة» شأنها شأن المقاربة اللغويّة الماهويّة. مصطلح معاصر ولكنْ متصوّره قديم قدم 
المعالجة اللغويّة ذاتها. لذلك لا يرد الدّارسون هذه المقاربة إلى مدرسة بعينها أو شخص بعينه. غير أن بعض 
الأفراد. من ميادين معرفيّة متنوّعة, اعتبروا معاطم في تأسيس هذه المقاربة. من بين هؤلاء سماتس (5انام5) 
الذي كان في مطلع العام 1926 «يجادل في فكرة أن الذات بناء»430!). وكان لمجهوده دور في تأسيس تقليد 
بنائي من منظور اجتماعي لغوي. وقد سار دارسون آخرونء من علم نفس الطفل وعلم اللغة' وغيرهماء على 
نهجه منذ العشرينيات إلى مطلع القرن الحادي والعشرين. فعالم نفس الطفل بياجيه 
(/2138 هدء1) وعام النفس ليف فيجوتسكي (51ا5.1/8/80 1.67) قاما بخطوات مهمّة نحو البنائيّة رغم 
تفاوت مجهوداتهما؛ إذ وصف بياجيه فكر الأطفال وكلامهم بكونه أنويًا في معظمه. واعتبر الجوانب الاجتماعيّة 
تطوّرات ثانويّة1*2. أمّا فيجوتسكي فقد كان ينتقد هذا الرأي عند بياجيه معتبرا أن «الوظيفة الرئيسيّة للكلام 
لدى الأطفال والبالغين» على السّواء. هي التواصلء وبالضبطء التواصل الاجتماعي»477!, بالمعنى الذي يحيل 
فيه التواصل على التشكيل الذاتي للهويّة عبر الاحتكاك بالآخر لا على استقبال هويّة جاهزة ومفروضة فرضا. 
ومنذ الثمانينيات إلى مطلع القرن الجديد. وظف الفيجوتسكيون الجدد بقيادة جيمس لانتولف (13:065 
ماهنهمة) هذا الموقف ليكون «الأساس في بناء نظريّة تعلم اللغة غير الماهويّة لا تعتمد على أي نوع من 
موهبة عقليّة في الفرد, وإِا تهتمّ بدلا من ذلك بالتبادل والتفاوض الاجتماعيين»1460. 

وبالتوازي مع هؤلاء جميعا سار علماء البحث اللغوي. مثل رومان جاكبسون (2هوطمعلة1 .1) الذي 
اهتمّ بلغة الطفل وبأبعادها الاجتماعيّة والذاتيّة. بل إن مساهمته في توسيع وظائف الكلام كرست منهجه 
البنائي في علاقة الفرد بلغته. ورغم نصاعة رؤية جاكبسون وانتشارها الواسع, فإِنْ رؤى أخرى استطاعت 
أن تبرز وتكسب أنصارا تقدموا بها خطوات إضافيّة. من هذه الرؤىء تلك الخاصّة بجيروم برونر (16060 
6هنم8). وتقوم رؤيته على فكرة «أنّ اللغة طريقة نسقيّة لتشكيل الحقائق, وهذا هو النهج الذي استمرٌ 
عمله في تبنيه خلال الثمانينيات وبعدهاء مستقصيا الكيفيّة التي نشكّل بها الحقائق لأنفسنا عبر اللغة 
ليكون اكتساب هذه اللغة منفصلا عن الكيفيّة التي يتسنّى لنا بها تشكيل إدراكنا الحسي وفهمنا للعالم 


من حولنا» !0147 


1744 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 
ع --12ن] خنفلانقت ل[ ةن لط قن ا ف 10117179370717 1152979909091297979177037 

تشترك هذه الرؤى جميعا في الاعتقاد بسيطرة الفرد على اللغة في أثناء عمليّة التواصل؛ فالفرد يتصرّف 
في كلامه استجابة لمقتضيات تواصليّة. وهو بذلك يشكل لذاته هويّات متنوّعة من خلال «تصنيفها ذاتيّا» 
ضمن فئات متنوّعة هي الأخرىء كما يشكّل للآخرين هويّات متنوعة بتنع مقتضيات التواصلء غير أن هذه 
الهويّات التي شكلها للآخرين لا تعبّر عن هويّاتهم الحقيقيّة بقدر ما تعبّر عن هويّته هو. 

ومصطلح «التصنيف الذاتي» (122000,مع5615-206) اتّضح مفهومه بعد أن ساهم عام النفس 
الاجتماعي هنري تاجفيل (1919 - 1982 61/ز18 1ئه116) في تطوير النظريّة الاجتماعيسة للهويّة 
(دمعط1 'وانادء11 لدء50). فقد عرّف الهويّة الاجتماعيّة تعريفا خلّصها من البعد الماهويّ الذي يدل عليه 
ظاهر اللفظء وشحنها ببعد بنائي يقوم على وعي الفرد بعلاقته بالمجموعة التي انتسب إليهاء وعلى أهمّيّة 
الجانب الانفعالي الشخصي في صلته بها؛ إذ يعرّفها بكونها: «ذلك الجزء لمفهوم الذات لدى الفرد التي [كذا] 
تشتقٌ من معرفته لعضويّته في مجموعة (أو مجموعات) اجتماعيّة, إضافة إلى الأهميّة القيميّة الانفعاليّة 
ذات الصّلة بهذه العضوئة»(048, 

اعتبر عمل تاجفيل محطة مهمّة لتغيير مسار التفكير في الهويّة من تركيزها على الرؤية الموضوعيّة 
للمحلّل إلى التجربة الذاتيّة للفرد المعني بالأمرء ومن حس بالهويّة بوصفها تصنيفا مفروضا إلى حسٌ آخر 
بوصفها تصنيفا ذاتيًا منجزا”*!. غير أن السؤال المهم, في هذا الموضع, هو: كيف تتم عمليّة التصنيف الذاتي؟ 

لقد أعتبرت وظائف اللغة. التقليدي منها وا مستحدث, المدخل ال مناسب للجواب عن هذا السؤال عند 
علماء اجتماع اللغة, فمنذ العهد اليوناني رأى الفلاسفة أنّ غاية الكلمات تمييز الأشياء بعضها عن بعض» 
وتلقين بعضنا بعضا هذه الأشياء. وتمييز الأشياء بعضها عن بعض يقصد به «التمثيل»». أمّا تلقين أحدنا الآخر 
هذه الأشياء فيعني «التواصل»2!7”0. وفي هذا الإطارء يمكن أن تكون «الذات» واحدة من تلك «الأشياء» 
القابلة للتمييز. أي يمكن أن تكون الذّات «موضوعا» للغة القصد من معالجته هو «التمثّل» الواعي لإدراك 
الوجود الحقيقيء أو يكون القصد «بناء تواصل واع» مع الآخر. فتختٌ اختبار العقلء قد تجرّد الذات من 
نفسها ذاتا (متجسّدة في المستعمل من كلامها) تضعها موضع معالجة وتمحيص من أجل الإحاطة بها والتعمّق 
في معرفتها وَتَثْلِها تمثلا شاملاء أو لتشخيصها تشخيصا دقيقا من أجل عرضها أمام الآخرين لتحقيق غايات 
تواصليّة, فلغتنا الدّارسة قد تعرّفنا على ذواتنا من خلال لغتنا المدروسةء وتساعدنا على التواصل مع الآخرين 
وتشكيل هويّاتنا المتناسبة معهم بتوجيه لغتنا المستعملة. 

وموازاة مع معالجة العلاقة بين اللغة والعقلء عالج اليونانيون القدامى العلاقة بين اللغة والوجدانء 
فوصلوا إلى أن الأشياء المعبّر عنها هي في علاقة بالمشاعر والعواطف والانفعالات. سواء صدرت عن فرد أو 
عن مجموعة, ولذلك ترسخ لديهم متصور «الوظيفة التعبيريّة» التي تتولآها اللغة. ووجدت هذه الوظيفة 
التعبيريّة أو الانفعاليّة. اهتماما متزايدا في علم الجمال المعاصر وفي بعض فروع علم النفس وفنّ الخطابة, 
وحتّى فنْ الدعاية والإشهار. وتلتقي كلّ هذه المعارف حول أهميّة اللغة في التعبير عن العواطف المطلقة 
للإنسانء وعن مشاعر ثقافيّة خاصّة. كما تلتقي حول قدرة اللغة على التعبير عن الذات الفرديّة ومن 


175 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


بجا دن 





ثم عن الهويّةء وقد تقدّم الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة برونيس لاف مالينوفسكي 
(111884-1942ممنلة384 /138كنمه:8) خطوة تأسيسيّة جديدة في تفسير وظيفة اللغة الوجدانيّة التي 
اعتبرها الأكثر بدائيّة. فهو يعتبر «أنَّ الشعور المتبادل جزء من كلام الثاس ويشكل النموذج البدائي الأصلي للغة 
الإنسان»21317 غير أن النتيجة العامّة التي توصّل إليها هذا الباحثء وصاغها في قوله: «هل تستعمل الكلمات 
في المشاركة الوجدانيّة لإيصال المعنى في المقام الأوّلء ذلك المعنى الذي يعتبر رمزيًا ملكا لها؟ بالتأكيد لا. 
إنها تنجز وظيفة اجتماعيّة. وهذا هو هدفها المبديء ولكنها ليست نتيجة التفكير العقلاني ولا هي بالضرورة 
ممًا يوقظ تفكير المستمع. ومرّة أخرىء قد نقول هنا إِنْ اللغة ليس من وظيفتها نقل الفكر»72!', إِنَّ هذه 
النتيجة العامة بقيت محل جدال لأنّْها تمثّل قانونا عامًا مم يُبْن إلا على ملاحظات جزئيّة. ولأنها عقدت الصلة 
بين الوظيفة التعبيريّة الوجدانيّة بالتواصل لا بالتمثّل. 

وقد وجد هذا الجدل مناخه المناسب مع بعض اللسانيين وفلاسفة اللغة الذين عالجوا وظائف اللغة 
معالجة تداوليّة من أمثال بوهلر (162طنا8) وجاكبسون وأوستين (هناةنالخ) وسيرل (56216), منطلقهم في 
ذلك قول الباحث هامبولت (0600101ن11 ده77.70) منذ النصف الأول من القرن التّاسع عشر: «ليست اللغة 
مجرّد وسيلة للتواصلء بل هي تعبير عن فكر الذات المتكلّمة وإدراكه للعالم؛ فالحياة ضمن مجتمع تعتبر 
مساعدا مهما لتطوّر اللغة, ولكنّه ليس الهدف الذي تهفو إليه على الإطلاق»(153), 

وبقدر ما استند بوهلر إلى فكزة هامبولت حول دور اللسان الذي اعتبره طريقة لنشاط العقلء في إشارة 
إلى وظيفة التمثّلء حاول أن يلائمها مع مبادئ اللسانيات السوسيريّة التي لا تقصي وظيفة التواصل4”!). وقد 
وجد الحل في الفصل بين العمل اللساني (عناوا5ندعهنا همناءة'.آ) والفعل اللساني (عناونادندومنا عاعة .1). 
والعمل اللساني هو نشاط توظف فيه اللغة لأداء رسالة معيّنة. وهو بهذا شبيه بمصطلح الكلام عند دي 
سوسير, أمَا الفعل اللساني فيقرّبه بوهلر من عمل إحداث ال معنى عند لغويي القرون الوسطى. وهو عمل 
ملازم تلحدث الكلام نفسه وليس هو هو. لقد لاءم هذا الثنائي بين وظيفتيْ التمثّل والتواصل من جديد. وفتح 
على وظيفة ثالثة بناء على تصوّر مخصوص لعمليّة التخاطب. فكلّ ملفوظ لسانيء عند بوهلرء هو إشارة 
ثلاثيّةء وعمل إحداث المعنى هو دوما موجّه في اتجاهات ثلاثة. فهو يحيل إلى: 

- المضمون المبلّغ, وهو بهذا المعنى يكون تمثيلا للعام (140206 ناك ههننهامء65:م126) [ويحقّق الوظيفة 
المرجعيّة (©1اعنادعء6]6: «مناعءعهم6). لأنّ اللغة تحيلنا على أشياء نتحدّث عنها]. 

- المرسل إليه. وهو المقصود بذلك المضمون. ومعه تتحقّق وظيفة النداء (1عمم4'3 «مناعدم6) [كما 
تسمّى الوظيفة الإفهاميّة (2)05دمء «مناعهه؟)]. 

- المرسل. وهو الذي يظهر الموقف النفسي أو الأخلاقي. ومعه تتحفٌّق الوظيفة التعبيرة 
(«منووع رمع 0 ومنع ده )2155 [وتسمّى أيضا الوظيفة الانفعاليّة (650096 همناعمم))]. 

إن أصالة طرح بوهلر تكمن في إعطائه هذه الوظائف الثلاث سمة مستقلة ولسانيّة محضة. كما يقول 
ديكرو©”1). ويفسّر ذلك من خلال اعتماد الوظيفة التعبيريّة نموذجاء بقوله: «إنّها لسانيّة بالمعنى الذي 


176 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته الملصطلحية 


م 1 للج فت بد بعر ووم 





لا تكون فيه التنغيمات (08201005غ10) والصياغات (720021165) [التي تحسد الوظيفة التعبيريّة] نتائج آليّة 
للحالات النفسيّة ولكنّها طريقة ما للتعبير عنها»””!2. لقد فتح بوهلر نوافذ جديدة في عمليّة التخاطب, 
وجعل للغة وظائف جديدة؛ إذ لم تعد لغة التخاطب تدور على «مضمون الكلام». بل انفتحت على عناصر 
أخرىء. كانت مغيّبة. لا تقلّ أهمّية عن ذلك المضمون. وقد لا يكون المضمون ذا قيمة إذا كان مجرّدا من 
«مرسل» و«مرسل إليه». وكان لهذا أثر كبير في تطوير النظريّة التداوليّة التي تقوم على ثنائيّة «اللسان 
والعمل» (دهناءة أء ءع28ع30.آ)ء من خلال إثراء الوظائف اللغويّة بإضافة الوظيفة المعجميّة (-ع105 12 
عوماع عل هو). أو اما وراء لغويّة (عناونادذداعمتلهاكم «دمناعمم60 12), والوظيفة الانتباهيّة (دمناعمم8 12 
عناو23طم) والوظيفة الشعريّة (©06)100م عم 0155()14, ووجدت هذه الوظائف قبولا كبيرا عند علماء 
الاجتماع المهتمّين بالهويّة. في شكلها البنائي خاضّة. لأنّها أولت أهميّة كبرى. كانت مغمورة, للبعد الإرادي 
في تحقيق الدلالة في أثناء عمليّة التخاطب. ولأنّ بعضها يتضمّن متصوّرا مرغوبا فيه عند مختلف البنائيين 
في ميادين شتّى هو متصور «الاستقلاليّة». وقد اقتربت وظائف اللغة خطوة أخرى نحو الهويّة البنائية مع 
الفيلسوف ج. ل. أوستين الذي ميّز بين الملفوظات الأدائيّة (220:03015عم 205665 6) والملفوظات التقريريّة 
(15نهنكدمه ومعوووة)1771. والفرق بينهما أنْ الأولى غير مجرّدة من تأثير المتكلّم في حين أن الثانية لا تميل 
إل إلى وصف مجرّد للحدث دون ادّعاء بتغيير الأشياء. والتقف علماء الاجتماع مصطلح «الخطاب الأدائي» 
ووظفوه في مبحث «الهويّة» ليخلصوا إلى أنْ مطالب الهويّة هي في الحقيقة نوع من أنواع «المنطوق الأدائي» 
الذي يهدف إلى فرض تعريف جديد للحدود وللهويّات الفرديّة والجماعيّة. 

لقد كانت مجهودات الفلاسفة واللغويين وعلماء النفس والاجتماع مهمّة في الكشف عن علاقة اللغة 
بالتمئل والتواصلء أو بهما معاء وفي ربطها بالهويّة ربطا مباشرا أو غير مباشر و«الذي يهم هو أن ندرك أنه 
إذا اختّزل استعمال النّاس للغة بطريقة تحليليّة في كيفيّة تشكيل المعنى وتمثيله في صوت. أو في كيفيّة إيصاله 
من شخص إلى آخرء أو حتّى فيهما معاء فإن ثمة شيئا حيويًا قد استُخلص: إِنْهم النّاس أنفسهم. إِنْهم حاضرون 
دوما في ما يقولون وفي الفهم الذي يبنونه على ما يقوله غيرهم. إنْ هويّتهم تتأصّل في صوتهم ويكون ذلك 
ملفوظا أو مكتوباء أو موقّعا»9'. وتبدو هذه النتيجة مهمّة جدًا في تقضي «هويّة المبدع»؛ فالمبدع وفق 
هذا التصوّر حاضر في خطابه, به يتمثّل العام الإبداعي وعبره يرّره إلى المتقبّل. وهو في كل ذلك بمارس عمليّة 
إراديّة مستقلّة: بمعنى أنه غير ملزم بقوانين الثقافة السائدة ولا بروح المكان الضيّق. غير أنّ الهويّة» من هذا 
المنظورء قد تكون مضمرة لا يتفطن إلى تفاصيلها كلّ متقبّل, أي أنْ المبدع يمكن أن يصنّف ذاته وفق رغبة 
غير معلنة وبإنتاج لا يحيل مباشرة على الفئة التي استُهدفت. ثم هو قد يصنّف ذاته ضمن فئة» في حين أن 
إنتاجه يحيل على فئة أخرىء فكيف نتعرّف إلى هويّته الحقيقيّة؟ 

لقد حاول علماء اجتماع اللغة, وعلماء اجتماع اللغة التطوّري بالخصوصء أن يبحثوا عن جواب مناسب 
لهذا السؤال ووجدوه في مصطلح «القراءة». ف «علم اللغة الاجتماعي يهتم بكيفيّة قراءة النّاس بعضهم 
لبعض من خلال معنيين: يتمثّل المعنى الأول في كيفيّة تأويل ا معاني المنطوقة [...]. أما المعنى الثانيء فينصبٌ 


177 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 





على كيفيّة قراءة الغير للمتكلّمين أنفسهم انطلاقا من معاني الهويّات الاجتماعيّة والشخصيّة التي يشكلها 
المستمعون عنهم بناء على ما يقولون وعلى الكيفيّة التي يتمّ بها هذا القول»7!؟'). وقياسا على ذلك» فنحن 
نتعرف إلى هويّة المبدع لا من خلال إنتاجه فقطء بل من خلال قراءته لغيره من المبدعين ومواقفه منهم, 
ومن مواقف القرّاء منه وآرائهم فيه. وبمنطق القياس ذاته نتعرّف. بشكل أكثر خصوصيّة, إلى هويّة أدونيس 
وهويّة جابر عصفور, إذا اعتبرناهماء كما فعلا بنفسيهما وفعل غيرهما بهما2؟*. مبدعين في الخطاب النقدي» 
إضافة إلى إبداع أدونيس في الخطاب الشعري. من خلال كتابتهما النظريّة وآرائهما النقديّة في غيرهما من 
المبدعين وآراء الباحثين والنقّاد فيهما ومواقفهم من كتابتهما. 

إلى هذا الحدّء يبدو بحث الهويّة. من منظور لغوي اجتماعي وبمقاربة بنائيّة, متحيّزا إلى «هويّة الذات», 
وهو تحيّز يجد مبرّراته التاريخيّة فيما سمّي ب «مرحلة الوعي بالذات». وقد مثّل ذلك التحيّز مطعن هذه 
المقاربة لأنْ الإنسان. مهما انكبٌ على ذاته يستبطنها ويعيد بناءها ثمّ يؤمن بقدراتها ولا يثق إلا بها. هو 
غير معزول عن الآخرين. وتجاوزا لهذا الإشكال حاول أحد علماء التفس الاجتماعيينء وهو ميكائيل هشت 
(0اء6آ8 اعدطءنة8): التوفيقٌ بين مصطلحات. تبدو متضاربة لتضارب المقاربات التي أبدعتهاء من قبيل 
«هويّة شخصيّة» و«هويّة مشتركة»». واعتبر عمله محاولة في تحويل تحليل الهويّة من مفهوم الذات نحو 
فهم كيفيّة بناء طبقات متنوعة من الهويّة خلال التفاعل مع الأخرين127). فما كان من المصطلحات يُعتبر 
مقابلا أصبح مجاورا يحيل على طبقة من بين طبقات الهويّة الأربع التي ضبطها هشت منذ بداية تسعينيات 
القرن العشرين في(164): 

- هويّة شخصيّة, أو مفهوم الفرد للذات. وهي تضبط تعريفا للشخص عِثّل وجوده. 

- هويّة مُعبّر عنها. وتحيل على هويّة الشخص., كما يعبّر عنها في اللغة والتواصل وتتحصّل في تصور 
الاخرين. 

- هويّة علائقيّة. أو هويّات يشير بعضها إلى بعض. 

- هويّة مشتركة, أو هويّات تُعرف من قبل الجماعات. 

إنْ تجاور هذه الطبقات مهم في تحرير التصوّر العام للهويّة من الرؤية الفرديّة الانفصاليّة إلى الرؤية 
المشتركة التواصليّة. وهذا الانفتاح, على أهمّيّة الآخر ودور التواصل في بناء الأفراد لهويّاتهم, لا يقتصر على 
ا منظور اللغوي الاجتماعي بل تجاوزه إلى المنظوريّن الثقافي والجغرافي اللذين اهتممنا بهما اهتماما خاصًا. 
وكل إضافة يفيد بها ميدان من هذه الليادين مهمّة في فهم «هويّة المبدع» من منظور تحديثي. 


- المدخل الجغرافي وسمة «اللاتوطين» في متصور «الهويّة» الحديث 

ويتّخذ متصور التواصل في كتابات الجغراثقافيين دوال أخرى ك «اللاتوطين» (دمنلهدتلةضم؛نسعاعل), 
أو «اللامكان» (106م-000). واللاتوطين مصطلح حدائي بديل مناقض لمصطلح «المكان الأنثروبولوجي» 
الذي يخلق البعد الاجتماعي عضويًاء أي الذي يوفر الهويّة الثقافيّة والذاكرة. والذي يربط سكانه بتاريخ 


1768 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


دج وو به 





الناحية المحليّة من خلال عمليّات التكرار اليوميّة للتفاعل الاجتماعي العضوي/195). وكلّ الصفات والوظائف 
المسندة إلى المكان يلغيها اللامكان. واللامكان هو المعادل الضدّي للحيّز المحأي الذي تتخندق فيه الهويّة 
التقليديّة متمترسة وراء أقنعة التاريخ الخاضٌ والثقافة القوميّة. ويعرّف اللاتوطين تعريفا مباشرا ب «فقدان 
العلاقة الطبيعيّة بين الثقافة والأقاليم الجغرافيّة والاجتماعيّة»99). ولا يعني ذلك أنَّ متصوّر اللاتوطين 
ومتصور اللامكان ينفيان الهويّة. بل يشحنانها بمتصوّر جديد هو «الانفتاح» ويضيفان إليها طبقة أخرى. 
تنضاف إلى الطبقات التي ضبط ميكائيل هشتء هي : «الهويّة الكونيّة». وتختلف عن «الهوية المشتركة» 
بكون الأخيرة محدودة بالجماعة القوميّة, أمَا الهويّة الكونيّة فهي منفتحة على الإنسانيّة جمعاء. 

واللاتوطين تجربة جغراثقافيّة فرضتها عوامل التطور البشري؛ فمنذ نهاية القرن الثامن عشر سبّب عصر 
التنوير ظهور كلّ من «النزعة الإنسانيّة» و«العلم العقلاني» معبّرا عنه في الاعتقاد بأنْ البشر يستطيعون 
تشكيل الأرض والتحكّم فيها وإخضاعها متخلصين من هيمنتها الروحيّة عليهم. وقد تعزرّزت تلك النزعة 
الإنسانيّة في القرن التّاسع عشر مع الشعراء الرومانسيين الذين بحثوا عمًا هو أسمى في المشهد الطبيعي 
فركّزوا على تجربة المكان الروحيّة عوضا عن حقائق المشهد المعايّن7؟1). وساهمت الحداثة الرأسماليّة 
المعاصرة بأشكالها الماديّة (من امتداد السكك الحديديّة المختزلة للأماكن إلى توافر أفضية عاليّة حرّة للسلع 
والبضائع وتوافر نقاط عبور عالليّة, إضافة إلى توافر أفضية محاكية تستنسخ الأماكن المشهورة عايّاه مرورا 
بكلّ وسائل الاتصال والتنقّل المتطورة التي ألغت المسافات) وبأشكالها المعنويّة (عولة الذوق الأمريكي 
خاصّة) في تقديم وسائل الفرار من التقيّد ب «الأماكن المحليّة»» وفي الشعور بضيم التعريف الذاتي للهويّة في 
غياب الآخر الذي أصبح جزءا من الذات حاضرا فيها حضورا يتجاوز سلطة المكان. لذلك لم تعد الأماكن قوام 
هويّاتناء ولا عليها يعتمد تحديدها؛ فالحداثة أفرغت المكان من مغزاه وحرّرت العلاقات الاجتماعيّة من 
تقييدات التفاعلات المباشرة التي كانت موجودة في النواحي المحليّة لمجتمعات ما قبل الحداثة. مما يسمح 
بتمديد العلاقات عبر الزمان والمكان. وهو ما يمثّل جوهر العولمة بالنسبة إلى الباحث جيدنز 
(ومء )950 1). ويعود الفضل إلى جيدنز ذاته في تمييز مصطلح «المكان» عن «الفضاء». فهو يلاحظ أنّه 
غالبا ما يستخدم «الفضاء» و«المكان» مترادفين في اللغة الدّارجة, ولكن يمكننا التمييز بينهما عن طريق النّظر 
إلى المكان على أنه «ناحية». أي إطار مادّي للنشاط الاجتماعي. كما هو محدّد جغرافيًا99!). أمّا الفضاء فهو 
مجرّد. لا احتوائيء بل هو «كوزموبوليتاني». مفرغ من أبعاده المحليّة الحميمة. وهو في مظهره الأكثر سلبيّة 
استلابي وتغريبي. ولكنّه في مظهره الأكثر إيجابيّة بمَثّل البعد الأرحب لإثبات الهويّة وشحنها بقدر أكبر من 
الحقائق المغيّبة عنها. 

ويبدو متصور «اللاتوطين» متناسقا مع تعريف الأدب في تصؤره «المتعالي»؛ إذ يكاد الأدباء يجمعون 
على أنْ الأدبء في العمومء تجاوز للحدود وأنْ حقيقة الخيال هي حقيقة فوق الزمان والمكان. بل ويجمع 
العارفون بالأدب على أن تيمة «المكان» في الأدب تعدّت حقيقتها المرجعيّة إلى حقيقة تخييليّة. إذ لم يعد 
المكان الأدبي تشخيصا وتصويرا انطباعيّاء بل أصبح إبداعا وبناء. والمكان المبتدع هو مكان قابل للحركة وغير 


119 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 





معلوم الحدود, يتّسع حينا ويضيق حينا آخر, ولكنّه في جميع الأحوال يستجيب لتطلعات المبدع ويمثّل له 
نقطة الأصل المفقودة. ولهذه الخاصيّات سعى ال مبدعون وراء هذا المكان المنفلت, فاخترعوا مواطن وشحنوها 
بمعان وقيم يفتقدونها في مواطنهم المرجعيّة, أو أفرغوا مواطنهم المرجعيّة تلك من معانيها وقيمها السّائدة 
وشحنوها بمغزى آخر. وفي النصوص الأدبيّة تيمات كثيرة تبرهن على ذلك السعي إلى الحلول في «اللامكان», 
مثل تيمة «الرحلة» وتيمة «السير على غير هدى» و«ركوب الطريق» و«التجول في شوارع المدينة» وغيرها. 
فالرحلة ارتبطت بمتصور إبداع الموطن. وارتبط «سير الأبطال على غير هدى». عند الجغراثقافيين» ب «الهرب 
إلى الحريّة وإثبات الذات»» فالأبطالء والرجال منهم خاصّة: لا يبحثون في الغالب عن موطن مستقرٌء ولا 
يمثّل لهم «المنزل», مثلما يفعل بالنسبة إلى النساء. موطنا يوحي بالأمن والتربية وفضاء للإبداع. لذلك كثيرا ما 
يجري «حبس النساء في إبداع المنزل»» ويتمٌ «قذف الرّجال إلى الطريق»17”9). أمّا تيمة «التجول» فاكتسبت 
أهمّيتها في النصوص الأدبيّة مع التجربة الحضريّة الحديثة. فالمدينة الحديثة أصبحت عاما من الغرباء 
وانتفى فيها الإحساس بالجماعة» وهي رمز لللامبالاة والعزلة والتجدّد. وموازاة مع ذلك «أصبح المتجوّل 
أحد النماذج الشعبيّة للمدينة الحديثة؛ يمتّع عينيّه بتدفق السلع في أفضية التسوّق الجديدة (أروقة مغطاة 
ومتاجر تنويعيّة) ويستمتع بمراقبة الشاحنة ومقايض الشارع»1717). إن المتجوّل لم يعد يمتلك المكان ولا 
يسيطر عليه. كما كان يفعل في أفضية التخندق. لأنَّ المدينة مكان مشاع. لكن هل يشعر فيها المتجوّل بضياع 
الهويّة والتيه الوجودي؟ إن فعل التجوّل في الأفضية المفتوحة والمختلطة. رغم ما يوحي به من فراغ, هو فعل 
وجودي بمارسه المتجوّل متعاليا على السرعة المتزايدة للحياة الحديثة التي تتعارض مع خطواته المتأنّية, كما 
بمارسه مراقبا جموع المارّة جاعلا من لامبالاتهم به فعل تسلية لا فعل استلاب وإحساس بالضياع. إن التجوّل 
في المدن الحديثة, إذن. تواصل مقصود, كما كانت «الرحلة» إليها تواصلا مقصوداء وكان «السير على غير 
هدى» بحثا عقيما عن تلك المدن التي جارس فيها التواصل المقصود, فالتضحية بالحميم فيها كسب جديد. 
وفيها مستوى جديد للهويّة ميزته «الانفتاح» و«الاتساع» و«التجريد» (تجريد من خصوصيّات السياق). 
على أن المكان ليس العنصر الوحيد الذي يستبطن متصوّر «الانقتاح». إذ الأفراد أنفسهم ميّالون بطبعهم 
إلى الاحتكاك بالآخرين من أجل إثبات هويّاتهم من خلال اكتشاف موقع الأجانب فيها. وقد عبّر جيدنز عن 
ذلك بقوله: «إنّْ التّاس عوام تجريبيّة وعلى الرّغم من أنّهم موجودون محليًاء فهم. على وجه العموم: عاللَيّون 
بحقٌّ»172). والثابت أنْ وسائل الاتصال الحديثة. أو ما يسمّيه توملينتسون «المرتبطيّة المعقّدة» (:16اممم» 
اذلاناءعمهمء). ساهمت في ذلك الانفتاح لأنها وحّدت مصدر الثقافة. ولا يبدو أنْ هذا الانفتاح كان يهذد 
هويّة البنائيّين بقدر ما كان يهدّد هويّة الماهويّين. فالعولمة بكل تجلياتها الماديّة والمعنويّة التي أنتجتها 
الحداثة «تربك الطريقة التي ندرك بها الثقافة, لأنّ الثقافة كانت تمتلك دوما دلالات تربطها بفكرة وجود 
ناحية ثابتة»(2173 كما أن وجود «ناحية ثابتة» ومتخندقة كثيرا ما يُربط ب «الثقافة النقيّة والمتجانسة داخليًا 
والأصيلة والمحليّة»79'. فالعولمة, وفق هذا المنظور, انتهاك لحرمة «الهويّة التقليديّة» وإحساس بعدم 
الانتماءء لأنْ كل اختراق لحوزة المكان هو تعد على خصوصيّة الثقافة وإفراغ للهويّة من معناها التمييزي. 


0ظ16 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 

١‏ 7 اماما ام لزلز بوب رول لط ع متسس سود 
غير أن مناصري العولمة والبنائيّين من دارسي الهويّة يرون «أنّ الثقافات قابلة للتغيير والمناقشة»[2!753, كما 
أنها شبيهة بالكائنات الحيّة قابلة للتطوّر وفق شروط وغايات تختلف من واحدة إلى أخرىء كما أنّهم 
راجعوا العلاقة المقدّسة بين «المكان» و«الثقافة» و«الهويّة» بناء على واقع عولمي جديد يقوم على العلاقات 
المتماسفة. وقد أشار ميروفيتش (746[/107/12)» سنة 1985. إلى التحؤّل من ثقافات تقطن مناطق محدّدة 
إلى مجتمع متحرّك أكثر؛ إذ في الوقت الذي تعوّد فيه الناس على التفاعل في منطقة ثقافيّة. أصبحت العلاقات 
الآن متباعدة على نحو متزايد©7!)» بل اعتبر ميروفيتش أنّ هناك قلّة قليلة من الثقافات, في العالم الحديث, 
مقيّدة بالمكان» بل شكّك في وجود ثقافات. وإن كانت قديمةء منغلقة على ذاتها ولا تتميّز بانفتاحهاء وما 
انفصال تلك الثقافات عن بعضها إلا بقصور في الاتصالء وليس مرتبطا برغبة جوهريّة في الانقطاع”2!7. ولهذا 
فإنّ «فقدان المكان» لا علاقة له بضبط الهويّة. 


المدذخل الثقافي وسمة «اللاتنضمين» في متصور «الهوية» المقاصر 

وسواء كانت خاصّيّة «الانفتاح» صفة جوهريّة من صفات الثقافة, أو كانت صفة لاحقة بها استحدثتها 
الحداثة, فإنّ هناك إجماعا على أنْها خاصيّة لا كتسب إلا ب «اقتلاع العلاقات الاجتماعيّة من السّياقات 
المحليّة للتفاعل وإعادة تشكيلها في نطاقات غير محدّدة من الزمان - المكان»799!). وهذا الشرط يُعرف 
عند الأنثروبولوجيين بمصطلح «اللاتضمين»77 !2 (دومة دعم اكنك 1أمعم1لوطده015). ولللاتضمينء في رأي 
جيدنزء شرطان أساسيّان هما «التجريد». أي التجريد من خصوصيّات السياقء و«الثقة في الحداثة». «وتتعلّق 
الثقة هنا بصورة مفهوميّة بالتماسف الزماني - المكاني واللاتضمينء حيث إِنّه. وكما يجادل جيدنزء «لن تكون 
هناك حاجة إلى الثقة في أيّ إنسان ذي أنشطة مرئيّة بصورة مستمرّة... أو الثقة في أنظمة فُهمت وعرفت 
طريقة عملها بصورة كاملة «. فالثقة هي «وسط للتفاعل مع الأنظمة المجرّدة. والتي تفرغ الحياة اليوميّة 
50". والثّابت الذي لم يختلف فيه الأنثروبولوجيّون هو أنّ 
وسائل الإعلام وأنظمة الاتصالات تبدو أمثلة واضحة على آليات اللاتضمين؛ فقد ساهمت هذه الوسائل في 
نشر ما سمّي «ثقافة عاليّة». وحقّقت أحلاما في «الاستيعاب» ورغبة في «التثاقف». واعترافا طوعيًا بأحقّيّة 
«الاختلاف»(!15). غير أن متصوّر «الثقافة العالميّة» فرض واقعا ثقافيًا غير مرغوب فيه؛ إذ حلّت «الثقافة 
الغربيّة». عامّة. و«الثقافة الأمريكيّة». خاصّة. محل «الثقافة العالليّة» المأمولة. مسخّرة لذلك وسائل الإعلام 
الحديثة والمتطوّرة. وبسطت الطريق أمام «إمبرياليّة ثقافيّة» تتميّز بكونها «أحاديّة رأسماليّة عايليّة»152). 

وم يكن «الأدب» بمنأى عن متصوّر «اللاتضمين» ولا عن مشكلاته. وإن غاب هذا المصطلح وعوّضه 
مصطلح «العاليّة» (52116رء0٠1ه]]‏ الزائلهورء0زه0]). و«العاطيّة» في المعاجم الأدبية والنقديّة المختصة هي: 
«خاصيّة في العمل الفئّي تتيح له مجاوزة حدود موقف بعينه. أو مكان, أو زمان. أو شخصء أو حادثة. وذلك 
بطريقة يمكن أن تهمٌ وتمتع وتفيد (ليس بالمعنى التجاري) كلّ الثاس في أي زمان وأيّ مكان. وكما أوضح 
لونجينوس في رسالته عن الجليل «فإنُ الرفعة والعظمة الحقيقيّة في الفنّ تبهج الثاس جميعا في كلّ العصور», 


من محتواها التقليدي. وتحدث تأثيرات مُعورمة» 


151 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا لمصطلحية 


ل 





ولذلك فإن الكاتب الذي يطمح إلى العاميّة يشغل نفسه. ابتداء. بجوانب الطبيعة الإنسانيّة والسلوك الذي 
لا يتغيّر. أو يندر أن يتغيّر. هكذاء يركز الهجّاء الجيّد على الأمراض الرئيسة للعقل والرّوح, كالكبر والجشع 
والحسد والتّفاق وشهوة القوّة. الأمر الذي يفسّر نجاح هجّائين من أمثال أرستوفاتيس وجوفينال وإراسموس 
وبن جونسون وموليير ودرايدن وسويفت وفولتير وبوب وصمويل بتللر»(193). 

ووفق ما نض عليه كدّن (000008) في هذا التعريف. فإنْ «هويّة المبدع العاليّة» تقوم على تجريد 
إبداعه من سياقه المحلي الحميم ليتجاوز إلى فضاء موضوعات إنساني أرحب متحرّر من قيود الزمان والمكان 
والأشخاص والأحداث. ولا يبدو هذا المتصوّر جديدا على الفكر الأدبي رغم التصاقه حديثا ممصطلح «العوللة»؛ 
فمنذ القرن الثامن عشر عرف في الفلسفة ما يسمّى «خاصيّة التفكير العالمي» (1لرمدء مدكل عمغاعدمه) 
[عومهوزون)2*!). كما عرف ضمن الاتجاهات الشعريّة في بداية القرن العشرين, تيّار «النزعة الجماعيّة» 
م سنصسنصة )!0155 

والجايّ أن مناصري النزعة «العاليّة». دون إقصاء أفراد التيّارات «الإنسانيّة» السّابقة لها يفهمون 
«الإبداع الأدبي» على أنه «ترويض للمجتمع والطبيعة. وجهد من أجل إعادة الابتكار. بل هوء. قبل هذا 
وذاكء علاقة خاصّة بالفضاء تناهض العنصريّة وكره الأجانب. وأنّه فعل تحضّر وتجاوز لحواجز التفاهم 
التي تفصل بين الشعوب والثقافات»©96!). وظلّ هذا التعريف, على أهمّيته عند الأدباء والمفكّرينء هدفا 
عصيّ التحقيق وجوده وجود قوّة دونه والفعلّ واقعٌ ثقاف عالمي تهيمن عليه الثقافة الأوروبيّة والأمريكيّة. 
وهذا الواقع هو الذي عدل بتعريف «الإبداع الأدبي» إلى اعتباره مرادفا ل «الأمركة» (000ةونهدء 66 سم) 
أو «الأؤربة» (دهنةدنصة»6ممع8). خاصّة, و«التغريب» (ه0)ة115هامء0610). عامّة7*'). وبين التعريف 
المتعالي والتعريف الواقعي ضياع لهويّة المبدع التي تجند لها الماهويّون والبنائيّون على السواء. 


ختاما 

أفادنا «خطاب الهويّة» كثيرا في الكشف عن مقاربات ذات مرجعيّات متباينة لتعريف «الهويّة», 
المصطلح الاحتوائيء وبسط جهازه المصطلحي؛ فتبيّنًا شبكة متصوّرات عامّها يدل على خاصضّهاء عُفّدها المفصليّة 
الإنسان (المبدع) واللغة (الإبداع) والمكان (الفضاء) والثقافة. وإذا كان لكل «عقدة شبكيّة» من هذه العقد 
مقولاتها المائزة فإنّها تتنافذ على بعضها بعضاء وتُسحب بخيط الأنثروبولوجيا نحو نقطة ضمّ واحدة هي 
تعريف الهويّة. نه إذن. «نظام التنافذ»1997) الذي لا استغناء عنه في تحديد «هويّة المبدع» عتبة «الخطاب 
النقدي»؛ أليس نظام التنافذ «من السّمات الأساسيّة للخطاب النقدي»9؟!) عامّة؟ 


152 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا لمصطلحية 


الهوامش 


المعجم الوسيط. القاهرة: المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع. ط2, 1972,ج2, ص998. مادة (الهُو). 

م. ن» ص. ن. 

المنجد في اللغة والأعلام, بيروت, دار المشرق, ط39, ص875, مادة (هو). 

الألفبائي» تأليف: الجيلاني بن الحاج يحيى وبلحسن البليش وعلي بن هادية. تونس - بيروت, الأطلسية للنشر 
والأهلية للنشر والتوزيع, ط10: شارك فيها عبدالقادر المهيري ومحمد اليعلاوي وإبراهيم بن مراد. 1997, ص1014. 


مادة (هوية). 

المنجد في اللغة والأعلام, ص875. 

يراجع: الألفبائي, القاموس الجديد. ص271, وفيه إلحاح غير معهود في بقية المعاجم على تصدير تعريف الأسماء 
بضمير الغائب المفرد مذكرا أو مؤنثا. 

الجرجانيء التعريفات. وضع حواشيه وفهارسه محمد باسل عيون السود, بيروت؛ دار الكتب العلمية. طاء 22000 
ص252. 


يميز الصوفيون بين مدلولات مختلفة للدال «هو». ف «هو هو» تختلف عن «هو الحرفية» التي هي «هو إشارية». 
و«هو تدائية» و«هو علمية» و«هو حجابية» و«هو عندية». وقد تدرك هذه المدلولات بواسطة. إلا إدراك «هو 
هو» فيكون بلا واسطة. يقول النفري في [موقف رؤيته 58]. «فأوقفني في هو وتعرف إلي هو التي هي هو ليس من 
قبل هو الحرفيةء ومعنى هو الحرفية إرادتك هو إشارية وهو بّدائية وهو علّمية وهو حجابية وهو عندية, فعرفت 
التعرف من قبل هو التي هي هو ورأيت هو فإذا ليس هو هو إلا هو ولا ما سواه هو يكون هوء ورأيت التعرف 
لا يبدو من سواهء ورأيت سواه لا يتعرف إلى قلبيء فقال لي: إن اعترض قلبك من دوني شيء فلا تستدل بالأشياء 
ولا بسلطان بعض الأشياء على بعض فإن الأشياء تراجعك في الاعتراض, والمعترض لك من وراء الأشياء يراجعك في 
الوسوسة, واستدل علي بآياتي لعينها التي هي تعرفي إليك؛ فإنك ترى الأشياء كلها لا تعرف لها إلا لي وتراها مشهودة 
الأعيان. وترى أن لا تعرف إلا لي وتراني لا مشهودا بالعيان». عن: هيفرو محمد علي ديري. معجم مصطلحات 
النفري. دمشق. دار التكوين. ط1, 2008 ص274 و275. 
يراجع: هيفرو محمد علي ديري. معجم مصطلحات النفري. ص274 و275. 
الجرجاني, التعريفات, ص252. 
و نء ص. ن. 
م. ن» ص. ن. 
وتأكيدا لهذا التطابق بين المتصورين, يُعوض في تونس مصطلحٌ «بطاقة تعريف» مصطلحّ «بطاقة هوية» في المشرق 
العربي. 
يراجع: الجرجاني. التعريفات. ص252. 
وتعريبه: تمَاثلُ الأذواق. 
وتعريبه: أَنْبتَ هُوِيتة. 
وتعريبها على التوالي: تبين هُوِية فلان/ حصّر مُنتَحِلاً مَخصيةً/ الأؤرَاقَء والبطاقة الشخصية. 

.779 ,2001 ,1آنا/ا - عودودامممآ ركوط ,عناوتك»6مماء رعمء عمتقمدمناء11 
وكل ما ورد بين قوسين موجود في الأصل. 


183 . 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 


ل يد 





11 

.اط 

.نالل 75 بجعم رووعع لزازويع اندلآ لره0:4 ,طائتاعمظ أمعصيه 04 تقدمناء1ن! 5 عسمع[ لعءعمة 40 لروى:0 
وتعريبه: تمَاثلُ المصالح. 






585 





1 
ان 0 
با ا 


2 
010 


.8 - 5737 ,لإتقومتاء1(آ 01010 
جون جوزيفء اللغة والهوية» قومية - إثنية - دينية, ترجمة عبدالنور خراقي» الكويت, المجلس الوطني للثقافة 
' والفنون والآداب. سلسلة عام المعرفة, العدد 2342 أغسطس 2007: ص18. 

٠‏ الجرجانيء التعريفات. ص62. 

| م. نء ص66. 


م نء» ص110. ١‏ 

ام. نء ص126: وقد يكون الأصل «السّوى أو السُوّى» لا «السويٌ» وأخطآأ المحقّق. إذ مم نقع على معنى «الغير» 
ال «السوي» في بقيّة المعاجم اللغويّة العامة,. 

م. نء ص195. 


١ 1-1 2 َّ‏ وخزذاء ا 3 0" 
8 8 #ا جع ع هه 
0 0 0 3 0 5 : 
اع 5 .م ا + 


١ 0‏ الجرجاني» التعريفات,. ص195. 
ُ 231 الغزاليء الحدود. ضمن المصطلح الفلسفي عند العربء دراسة وتحقيق وتعليق: عبد الأمير الأعسم, تونس - الجزائر, 
"20٠‏ الدار التونسية للنشر - المؤسسة الوطنية للكتاب. 1991. ص301. 

32 م. نء ص300 و301. 

33 ' عرض الباحث جون جوزيف بعض تلك المصطلحات كما تبيّنها في بعض البحوث المعاصرة. وهي مصطلحات تكشف 
30 عن تباين الاتجاهات الفكريّة في دراسة موضوع ما يسمّى «الهويّة», لمزيد من التوسّع. يراجع: جون جوزيفه اللغة 
' والهويّة: قوميّة - إثنيّة - دينيّة». ص27 - 29. 

١‏ 34 ' الألفبائي القاموس الجديد. ص586 مادّة (الغيريّة)» ويُنظر: المعجم الوسيط. ص668 مادّة (غَارَه). 

35 | المنجد في اللغة والأعلام, ص564. مادة (غير). مدخل (الغيريّة). 

36 حول علاقة هذه المتصوّرات بلفظة «خلاف» يراجع: الألفبائي القاموس الجديد. ص265. 

37 م. نء ص586. و«المنجد في اللغة والأعلام». ص564, مع تغيير طفيفء إذ عوّضت «غير» ب «خلاف». حفاظا على 


0" العبارة المجمعيّة التي أوردها «المعجم الوسيط» (ص668). 
38 | الكندي, الحدود والرسوم. ضمن: المصطلح الفلسفي عند العرب. ص221 و222. 
39 )| ضبط عبدالسلام المسدّي. ثلاثة مداخل أخرى للهويّة [اعتبرها «أركانا تاريخيّة»] هي «الانتماء» و«اللغة» 

3032 و«ال معتقدات»». يراجع كتابه: نحو وعي ثقافي جديد. كتاب دبي الثقافيّة, العدد 34, مارس 2010 ص70. 

00 يقول عبدالسلام المسدّي: «إنّ موضوع الهويّة أصبح يستلزم طرحا جديداء وذلك في ضوء سببين اثنين أولهما تغير 
المشهد الثقافي الإنساني بما أفضى إلى انقلاب مرجعيّاته وعلى اضطراب سلم أولويّاته. وثانيهما تصدّر العامل اللغوي 
4 أمام سائر المقوّمات التي منها تتكوّن منظومة قيم الانتماء الحضاري». م. ن» ص70. 

١‏ لمزيد من التوسّع, يراجع: مايك كرانج, الجغرافيا الثقافيّة, ترجمة: سعيد منتاق» الكويت, سلسلة عام المعرفة, العدد 
317 يوليو 2005, ص13 - 16. 


2 








184 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته ا مصطلحية 





وقد اهتمّ بعض الدّارسين بهذه العناصر في كتابات أدونيس خاصّة, ولا تخلو تحليلاتهم من إحالة على البعد الذاقي 


الوجودي. يراجع مثلا: 
') - إبراهيم اليوسفء شعريّة المكان في ديوان «فضاء لغبار الطلع» [لأدونيس]. مجلّة دبي الثقافيّة, العدد 66: نوفمبر 
2010 ص90 - 92. 


' - عبده وازنء وجود ذاتي وروحي في علاقته مع المدن» أدونيس تخطى فكرة الصراع بين القرية وامدينة» مجلّة دبي 
' الثقافيّة, العدد 75, أغسطس 2011, ص96 - 99, 
' التعريفان وردا في: جون جوزيفه اللغة والهوية» ترجمة: عبدالنور خراقي, الكويتء سلسلة عاط المعرفة, العدد 
342 أغسطس 2007, ص122. 


: فيه أثار العرب قدما هذه القضيّة وانقسموا إلى مذهبين أحدهما يقول ب «التوقيف»»: معتبرا «أنَّ الله القديم وضع 


اللغات وضعا قديما م يشارك فيه الإنسان». ونادى أكثر مسلمي السئّة بهذا الرأيء والآخر يقول ب «الاصطلاح»» 


ا : ٠‏ معتبرا «أنْ القرآن كتاب مخلوقء أي نزّل بلغة مخلوقة: أي بلغة إنسانيّة اصطلح عليها النّاس», ونادى المعتزلة بهذا 


الرأي. يراجع في هذا مقال: أندري رومانء وضع اللغة العربيّة في رأي نحاتها الأوؤلين» حوليّات الجامعة التونسيّة. 
العدد 28, 1988. ص29 - 43. وما ورد هنا بين مزدوجتين منقول عنه ص29 و31. 

جون جوزيفه اللغة والهوية» ص69. 

ا يراجع: م. ن» ص71. 

م. ن» ص 74. 

' يراجع: م. نء ص76. 

يراجع: م. ن. ص74 و75. 

' يراجع: م. ن» ص77. 

ا عن: م. ن» ص78. 

' عن: م. ن» ص80. 

5 عن: م. ن» ص97. 

م. نء ص99. 

يجد هذا الطرح صدى له عند العرب المعاصرين إلى مطلع العشريّة الثانية في القرن الحادي والعشرين. يراجع: 
عبدالسلام المسدّيء نحو وعي ثقاقي جديد. ص142. ويثّل الفصل المعنون «الوعي بآليّات الخطاب» ضمن هذا 
الكتاب معالجة مباشرة للعلاقة بين اللغة والسياسة. 

' جون جوزيفء اللغة والهويّةء ص87. 

5 م. ن» ص 109. 

' يراجع: م. ن» ص110. 


0 ] بهذه الخلفيّة النظريّة يمكن أن نفهم توظيف جابر عصفور مصطلح «الخواية» في كتابه «غواية التراث», الكويت. 
١0١٠‏ كتاب العربيء العدد 62 أكتوبر 2005. 





- .1993 ,113 ,عع لقطسةن) ,ووععط نوع اندنآ لمة موز 
ْ مايك كرانج, الجغرافيا الثقافيّة ص140 و141., وسنعتمد في جميع معلوماتنا عن علاقة الهويّة بالمكان على هذا 
المرجع. 


1055 


فق خطاب «الهوية» شكالياته المصطلحية 


و سح جع تو :نز د 1لا دا 1 ١١‏ + 1 


156 


يراجع: ع. نء ص 146 و147. 

يراجع : م. نء ص 147. 

م. نء» ص148. 

عن: م. ن» ص148. 

م6. ن» ص. ن. 

م. ن» ص150. 

يراجع: م. ن» ص88 و89. 

م. نء ص90, 

جون جوزيفء اللغة والهويّة» ص74. 

سورة الحجرات. الآية 13. 

مشاري بن عبدالله النعيم, الهويّة والشّكل المعماري .. الثّابت والمتحوّل في العمارة العربيّة. مجلة عام الفكر, 
الكويتء العدد 3, المجلد 37): يناير - مارس 2009,. ص219 و220. 
مع. نء ص220. 

م. نء ص220. 

سورة يونس, الآية 19. 

مشاري بن عبدالله النعيم, الهويّة والشكل ال معماري.... ص220. 
م. ن» ص. ن» 

م. ن» ص214. 

م. ن» ص213. 

م. نء ص211. 

م. ن» ص213. 

مشاري بن عبدالله النعيم» الهويّة والشكل المعماري.... ص222. 
م. نء ص224. 

تراجع هذه الشروط في: مايك كرانجء الجغرافيا الثقافيّةء ص216 - 224. 


يراجع في هذا: 

تقددهتأمسعاما عدوهلامء غ2 ندال جعاعة ,ععنط ادن هك عداوةعزه2 نما رعاتلهعله انحمعامذ أء ممنلة 06 :5عممقن0 أععم1140 - 

ع0 5عممعنع5 مع عطععطعع عل عمنامم)) غ1 اء عدوققزمط عل علقدمممعام[آ اماع50 18 عقم 6متمدقعره عناوتاءزمم عل 

6 امقعتف , (ع1كنهنا1) عنة51 - كتئة ,عم قطائةن) ف 1991 1133 05 نة 01 ندل قدعلنا؟ له أزع8 عل ممتنةعن) ها عل اع ترق '[ 
.16م , 1994 ,نمسز8 - 


جون توملينسونء العوللة والثقافة» تجربتنا الاجتماعيّة عبر الزمان والمكان» ترجمة: إيهاب عبدالرحيم محمّد. 
الكويتء سلسلة عام المعرفة, العدد 354 أغسطس 2008, ص31. 

مايك كرانج. الجغرافيا الثقافيّة. ص14 و15. 

م. ن» ص216. 

م. ن» ص216. 

م8 ن» ص. ن. 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


سامت 





يراجع: عبد السلام المسدّيء نحو وعي ثقافي جديد. ص106 و107. 
دأب المعاصرون على توليد مصطلحات جديدة بزيادة حرف «الواو» قبل حرف/ حرق النسبة («الياء المضاعفة» 
و«الثّاء» في حال التأنيث) إلى مصطلح مشهورء والغاية هي توليد معنى سلبي. إذ ولدوا «حداثويّة» من «حدائيّة», 
و«رئاسوي» من «رئاسي». و«ماضويّة» من «ماضية», وينسب أدونيس توليد هذا المصطلح إلى نفسه. إذ يقول: 
«[...] في هذا شيء مما يفسّر هيمنة ما أسمّيه بالماضويّة على الذهنيّة العربيّة السّائدة. وتعني الماضويّة في سياق 
بحثنا رفضٌ المجهول وغير المألوف. والخوصٌّ فيه». النصٌ القرآني وآفاق الكتابة» بيروت. دار الآداب. طاء 1993, 
ص63. ويوظف جابر عصفور المصطلحَ عند وصفه للثقافة العربيّة السائدة أيضاء يراجع: نقد ثقافة التخلف. 
القاهرة, دار الشروق. ط1, 2009 ص92. 

جابر عصفور, نحو ثقافة مغايرة: القاهرة, الدار المصرية اللبنانية. ط1. 2008, ص8. 
جابر عصفور. نقد ثقافة التخلف. ص19. 
في خصوص هذه الأجهزة المصطلحيّة والمتصوّرات المحيلة عليها والغايات منهاء يراجع: جابر عصفور, ضدّ التعصّب» 
الدار البيضاء - بيروت؛ المركز الثقافي العربيء ط1. 2001. 

جابر عصفورء نقد ثقافة التخلّف. ص19. 

مصطفى ناصفء النقد العربي نحو نظريّة ثانية, الكويتء عام المعرفة, العدد 255, مارس2000, ص226. ولمزيد من 
الاطلاع حول متصوّر «التقليد» في التفكير النقدي العربي القديم وعلاقته بمتصوّر «المجموعة» ومتصوّر «الانسجام». 
يراجع: الفصل (12) «نظام الشعر», م. نء ص 225 - 233. 

حول علاقة «السياسة» ب «الثقافة». يراجع خاصّة: 

- أدونيس» النظام والكلام, دار الآداب. ط1, 1993. 

- أدونيسء المحيط الأسود. بيروت» دار الساقي» ط1ء 2005, قسم. تديّن السياسة. دنيويّة اللأهوت. 

وحول علاقة «السياسة» بالثقافة» وانعكاس ذلك على «بنية الأسرة», يراجع: 

- جابر عصفور, نقد ثقافة التخلف, المقدمة. ص16. 
أدونيسء موسيقى الحوت الأزرق» بيروتء دار الآداب. ط1اء 2002, ص189. 

حول مكانة «الأنثى» في الثقافة العربيّة القديمة, يراجع: جابر عصفورء نقد ثقافة التخلف, قسم «اضطهاد الأنثى» 
من: م. ن» ص39 - 72,. 

وفي الإطار ذاته يراجع: أدونيسء النظام والكلام, ص50, وص143 و144. 

يراجع: أدونيس, المحيط الأسود. ص43 و44. وموسيقى الحوت الأزرقء ص65. 
حول علاقة «الشعر» ب «الذكورة» و«الكتابة» ب «الأنوثة», يراجع: جابر عصفورء نقد ثقافة التخلّف. ص42 و43. 

- وحول علاقة «الشعر» ب «اللسان» و«الكتابة» ب «الوظيفة», يراجع: جابر عصفور, غواية التراث في أكثر من 
موقع. 

- وف العلاقة التراتبيّة بين «الشعر» و«الكتابة», يراجع: جابر عصفور, غواية التراث. ص189. 
تحضر صورة «الشعر/ السّلاح» عند أدونيس: ضمن: المحيط الأسود. ص47. 
حول متصوّر «الصّورة - الأصل» وانعكاسها على السياسة والآداب والقيم والثقافة والحقوق» يراجع: أدونيسء ريشة 
السّديم, مجلة دبي الثقافيّة, العدد 53: أكتوبر 2009, العمود الثاني. 
أدونيس, التماثل امّحاءء مجلّة دبي الثقافيّة, العدد 48, مايو 2009 ص17, العمود الأوّل. 


157 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


ول و تي بجت بج و بج وس سك سات و1 و1 د 1ج كر ج3٠13‏ 1 + ٠.1‏ 


١‏ أدونيس» النظام والكلام» ص86. 
' جابر عصفور, غواية التراث. ص17 و18. 
أ1آ ١‏ المصطلحات لمصطفى ناصفء. وردت ضمن فصل «النحو والسّلطة» من كتابه: «النقد العربي .. نحو نظريّة ثانية», 
0 الكويت, عام المعرفة, العدد 255 مارس2000, ص23 - 37. وفيه يقول: «الكلمة والنحو والإيقاع سلطة مثاليّة». 
ص34. 
' يقول أدونيس: «و تعني أُوَليّة النصّ هنا وسلطته أنّه رمز الأصول». المحيط الأسودء ص53 
]أ يقول مصطفى ناصف: «عماد النقد العربي من بعض النواحي هو السّلطة», النقد العربي .. نحو نظريّة ثانية. ص23 
0022 فصل «النحو والسلطة». 
١ 1‏ 4 خصٌ أدونيس هذا المصطلح بفصل ضمن: المحيط الأسود. ص37 - 60. 
11 يطلق أدونيس على «الانسجامويّة» مصطلح «الانسجاميّة المستوهمة لفظيّا». يراجع: موسيقى الحوت الأزرقه 
ص211. 
113 أدونيس, موسيقى الحوت الأزرق, ص211. 
11 أدونيس, النظام والكلام, ص42. 
1 ' أدونيس, ها أنت أيّها الوقتء بيروت. دار الآداب. ط1ء 1993» ص97. 
11 أدونيس, المحيط الأسود. ص55 والنضٌ موجود مع فوارق بسيطة: في: التنظام والكلام. ص86. 
| ] مصطفى ناصفء النقد العربي .. نحو نظريّة ثانية, ص27. 
1 أدونيس. النظام والكلام, ص143. 
119 حول «القمع» يراجع: تمثيلا: أدونيس: زمن الشعرء بيروت. دار الفكر, طكى 1996, فصل «القمع/ النظام, الرّغبة/ 
020" الفنّ». ص305 - 310, ومقال جابر عصفور: الإبداع والقمعء دبي الثقافيّة. العدد 48, مايو 2009, ص100 - 102. 
20 وحول «الإرهاب الداخلي» بنوعيه, يراجع: أدونيسء موسيقى الحوت الأزرقء ص149 - 156» وكتاب جابر عصفور: 
00٠‏ مواجهة الإرهاب .. قراءات في الأدب العربي المعاصر, بيروت - الجزائرء دار الفارابي - المؤسسة الوطنية للاتصال 
2035 والنشر والإشهارء طاء 2003. 
ل | حول «الرقابة» وعلاقتها ب «الهويّة», يراجع: أدونيس, موسيقى الحوت الأزرق. ص160, 178, 223 - 226. 
' أدونيس, النظام والكلام. ص191. 
2 أدونيسء موسيقى الحوت الأزرقه ص310. 
3 جابر عصفور, نقد ثقافة التخلّف. ص17. 
1 ' ءْ [| يراجع: فصل «بلاغة الإلغاء». من كتاب: أدونيس. النّظام والكلام. ص40 - 60. وعنه يتولّد مصطلح «بنية إلغائيّة». 
|٠١٠١‏ يراجع: أدونيسء موسيقى الحوت الأزرقء ص128. 
125 ) جابر عصفور, نحو ثقافة مغايرة, ص9. 
2 صفة مستنبطة من قول أدونيس: «أصبحت الثقافة [العربيّة بده من الخمسينيات]. أكثر من أيّ وقت مضى. تابعة 
0 للسياسة. وهي سياسة كانت. غالباء عمياء», النُظام والكلام. ص51. 
(ام. ن» ص. ن. 
| أدونيس, النظام والكلام, ص46. 
' أدونيس, المحيط الأسود. ص40 و41. 





18 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


ل ملي نوج حصو حي وز 111 


| م. نء ص42. 
. يراجع: أدونيس, النظام والكلام, ص50. 
3 : م. ن» ص51 
3 ام. نء ص21. 
1 يراجع في ذلك: أدونيس, المحيط الأسود. ص21, العدد 4. 
' أدونيس. المحيط الأسود. ص54. 


1 م6. ن» ص. ن. 
(13ام.ن.ءص.ن. 
| حول علاقة «الثقافة اليقينيّة - المكتملة» ب «الكتابة» و«النقد», يراجع: أدونيس, موسيقى الحوت الأزرق ص22. 
' أدونيس, النصّ القرآني وآفاق الكتابة, ص62. 
ذ( م.ن.ءص63. 
| مايك كرانج, الجغرافيا الثقافيّة. ص16. 
2 14 م. ن. ص83. 
14 | م. ن. ص122. 
14 يراجع: جون جوزيفء اللغة والهوية. ص124 و125. 
6 4ل عن: م. ن. ص125. 
1 م. ن» ص. ن. 
4 م.ن. ص128 و129. 
|| أع.ن.ص112و113. 
8 م. ن» ص114. 
١‏ 3 م. ن» ص35. 
1 م.ن.ص39. 
52 0 عن: م. ن» ص39. 
.778 ,عوقعمها نل مععمعامة دعل عناوت كمه 1ء زعم عمتهمومتاء تك نمع ج710 :66 أعقطء5 .121 )ع معد 0 
.9م ,لاطا نكت 
,780 - 779م :قلط 
.780م :قلط 
.80م :قلط 
1م :فاط 
1٠ ١‏ :زط 
جون جوزيفه اللغة والهوية. صهه. 
161 م. نء ص54 و55. 





159 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


110 


يراجع في ذلك: مقال جابر عصفور عن نفسه بعنوان: للاذا أكتب؟ مجلة دبي الثقافيّة, العدد 56 يناير 2010, ص100 
- 102: كما يراجع قول عبدالسلام المسدّي عنه في كتابه: نحو وعي ثقافي جديد. ص122 وما بعدهاء كما يراجع 
مقال صلاح الدين بوجاه: المعرفة العاقلة والمعرفة الذائقة. مجلّة ا مسار (مجلّة اتحاد الكتاب التونسيين). ع86/ 87, 
يناير - فبراير/ مارس - أبريل 2009, ص66 - 64. ويراجع: أيضا كتاب أدونيس: ها أنت أيّها الوقتء م. م. أمّا ما قيل 
عن أدونيس في هذا الباب فأكثر ممًا يحتجٌ به. 

جون جوزيفه اللغة والهويّة. ص118. 

يراجع: م. ن» ص. ن. 

جون توملينسون. العولة والثقافة: ترجمة: إيهاب عبدالرحيم محمد., الكويت. سلسلة عام المعرفة: العدد 354 
أغسطس 2008, ص149. 

التعريف ل «كانكليني» (نمناءههه). أورده توملينسون. م. ن. ص. ن. 

يراجع في هذا: مايك كرانجء الجغرافيا الثقافيّةء ص142 و143. 

جون توملينستونء العولة والثقافة. ص146. 

م. نء ص74, ويُلاحظ أنّ تعريف «الفضاء» في اللغة العربيّة لا يخلو من بعد مادّي تحيل عليه المسافة. إذ ورد في 
«المعجم الوسيط»: الفضاء ما اتسعَ مِنَ الأَرْضِء والخالي من الأَرْضِء ومن الدّارِ: ما انَسَعَ من الأرض أمامّها. وما بين 
الكواكبٍ والنجوم من مسافات لا يعلمها إلا الله». ص694. وهذا التعريف موجود بنصّه ضمن: الألفبائي القاموس 
الجديدء ص613. 

مايك كرانج. الجغرافيا الثقافيّة ص72. 

م. نء ص79. 

جون توملينستونء العوطة والثقافة. ص46, وقد ورد في ترجمة إيهاب عبدالرحيم لفظة «استثنائيّة» عوض 
«تجريبيّة»: وأورد أمامها اللفظة الإنجليزيّة لقمعتمممعطام. 

جون توملينستونء العولمة والثقافة. ص43. 

م. ن» ص176. 

مايك كرانج: الجغرافيا الثقافيّة» ص20. 

م. ن» ص154. 

م. نء ص155. 

جون توملينستونء العوللة والثقافة» ص78. 

يراجع: م. ن»ء ص78. 

م. نء ص81. 

يمثّل «الاستيعاب» و«التثاقف» و«الاختلاف» المتصوّرات الأساسيّة لما يسمّى «ديناميّات الثقافة». يراجع: 

بريان باري, الثقافة والمساواة .. نقد مساواتي للتعدّديّة الثقافيّة, الجزء 1, الكويت, سلسلة عام المعرفة, العدد 2382 
نوفمبر 2011, الفصل الثالث. ص111 - 184 

أخذت هذه المصطلحات من: جون توملينستونء العولمة والثقافة. الفصل الثالثء «الثقافة العالميّة, الأحلام 
والكوابيس والشكوكيّة». ص 99 - 144. 


في خطاب «الهود بة» وإشكالياته المصطلحية 
١ن‏ جسم موص ص يي و ين و و 102159992222222 ا 


.56م ,لرمعطا بموععانا لهة عصمعا بمدععان! 4ه مقدمناء11 منسجمعط :مه0100. 18 


والترجمة لجابر عصفور وردت ضمن: النقد الأدبي والهويّة الثقافيّة ص226 - 227. 

,عفتمومدع عدومها 12 عل ععتاتقم 1 عنامم عنوتة6مماء زعي عتتقممممء21 نمز « قاتتقد تمن » واعتمة'1 تى 
7 ...اك .م0 ,عسضتةدممتسعنمم نع عناوتذفقاء عسذتيهء 
.21م ,ععنهمكنانا عسوض عل عتتقمهمناء 1 بأرعط د11 علسها عنسد]/1 ,عمنسة] - دعلمة0 علا18 .كك 
ويعرف عن هذا التيّار أنه مناهض للنزعة الفردانيّة (عصدنلهدف4:؟نم]ة'.1)ء ولجماليّات الانفصال (ناك دعداونمط:18 
داسةادهءدنة) ويقف في مواجهة التهديدات التي تنذر بها الحياةٌ المعاصرة الإنسانَ ويرى في الشعر قدرةٌ على خلق 
رابط بين البشرء ويؤمن أعضاء هذا التيّار بِالعْصْبَةَ وبإمكان وجود «روح جماعيّة», ومن أعلام هذا التيّار بيار - جان 

جوف (06د30 مدو - عمعذ2): وجورج شونُوفيار (©:2ذاعصمعك وععومء6).: وجول رومان (كمتقده8 دعلنة). 
.6 - 215م ,.ألء.مه ,ععتطلنك اء عدوعز20 نمز ,قاتلسة أنعععامذ ك ومققكي :دعممهب0 ؤعممه11 
.م ,1ط ,قعممقت0 كعممه]/7 نهذ بوطتفطيه8 طقطة بو [ع0م 


مصطلح لتوفيق الزيدي. جدليّة المصطلح والنْظريّة النقديّة. تونسء قرطاج 2000 1997,» ص545. 


م6. نء ص. ن. 


1541 





فى خطاب «الهوية» وإشكالياته الملصطلحية 


المصادر والمراجع 


1/2 


راعيناء في هذا الجرد. ترتيب المصادر والمراجع وفق تواريخ الطبعات التي بين أيدينا 
بعد ترتيب أصحابها هجائيًا. 


1 - العربية والمعرّبة 
أ- الكتب 

© القرآن الكريم. 

© أدونيس (علي أحمد سعيد إسير). 

ها أنت أيها الوقتء بيروت. دار الآداب. ط1ء 1993. 

- النظام والكلام» بيروت. دار الآداب. طلء 1993. 

- النص القرآني وآفاق الكتابة, بيروت. دار الآداب. ط1, 1993. 

- زمن الشعرء بيروتء دارالفكر. رك 1996. 

- موسيقى الحوت الأزرقء» بيروت. دار الآداب. ط1ء 2002. 

- المحيط الأسود, بيروت. دار الساقي. ط1, 2005. 

© الأعسم (عبد الأمير)ء المصطلح الفلسفي عند العربء. تونس - الجزائر, الدار التونسية 
للنشر - المؤسسة الوطنية للكتاب. ط1, 1991. 

© باري (بريان)» الثقافة والمساواة. نقد مساواتي للتعدّديّة الثقافيّة. ج1, الكويت, 
سلسلة عاط المعرفة, العدد 382, نوفمبر 2011. 

© توملينسون (جون).» العولة والثقافة. الكويت. سلسلة عاط المعرفة, العدد 354, 
أغسطس 2008. 

© جوزيف (جون». اللغة والهويّة. الكويت. سلسلة عاط المعرفة, العدد 342, أغسطس 
7. 

© ديري (هيفرو محمد علي)ء معجم مصطلحات النفّريء دمشقء دار التكوين, ط1. 
8. 

© الزيدي (توفيق). جدليّة المصطلح والنظريّة النقديّة. تونسء» قرطاج 2000. طاء 
98.. 

© عصفور (جابر). 

ضد التعصب. الدار البيضاءء بيروت, المركز الثقافي العربيء ط1ء 2001. 

- مواجهة الإرهابء قراءات في الأدب العربي المعاصرء بيروتء الجزائرء دار الفارابي 
والمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار. ط1ء 2003. 

- غواية التراث. الكويتء وزارة الإعلام. كتاب العربيء العدد 62 أكتوبرء 2005. 

- نحو ثقافة مغايرة. القاهرة. الدار المصريّة اللبنانية. ط1ء 2008. 

- نقد ثقافة التخلّفء القاهرة, دار الشروق. ط1ء 2009. 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 


ر 5 2222255 اتااُْسْتْ5ئ ا 2222225225 


© كرانخ (مايك)» الجغرافيا الثقافيّة, الكويت. سلسلة عام المعرفة, العدد 317, يوليو 
05. 

© المسذّي (عبدالسلام). نحو وعي ثقافي جديد. دبي, كتاب دبي الثقافيّة. العدد 34, 
مارس 2010. 

- فضاء التأويلء دبي. كتاب دبي الثقافيّة, العدد 68, سبتمبر 2012. 

© ناصف (مصطفى). النقد العربي نحو نظريّة ثانية» الكويت. سلسلة عاط المعرفة. 
العدد 255, مارس 2000. 


ب - المقالات 

© إبراهيم اليوسفء شعريّة المكان في ديوان «فضاء لغبار الطلع» [لأدونيس]. مجلّة دبي 
الثقافيّة, العدد 66. نوفمبر 2010, ص90 - 92. 

© أدونيس. التماثل امّحاءء دبي الثقافيّةء س5. العدد 48 مايو 2009. 

© بوجاه (صلاح الدين». المعرفة العاقلة والمعرفة الذائقة, مجلّة المسار (مجلّة اتحاد 
الكتاب التونسيين), العدد 86/ 87, يناير - فبراير/ مارس - أبريل 2009. 

© عصفور (جابر). 

النقد الأدبي والهويّة الثقافيّة. دبي سلسلة كتاب دبي الثقافيّة العدد 21, فبراير 2009. 

- الإبداع والقمع: دبي الثقافيّة. س5, العدد 48 مايو 2009, ص100 - 102. 

- ماذا أكتب؟ دبي الثقافيّة. س6). العدد 56 يناير 2010, ص100 - 102. 

© النعيم (مشاري بن عبدالله), الهويّة والشكل المعماري .. الثّابت والمتحؤل في العمارة 
العربيّة. مجلّة عالم الفكر. الكويتء العدد 3: المجلد 37» يناير - مارس 2009. 

© وازن (عبده)» وجود ذاتي وروحي في علاقته مع المدن» أدونيس تخطى فكرة الصراع 
بين القرية والمدينة, مجلّة دبي الثقافيّة. العدد 75, أغسطس 2011. 


2 المعاجم والقواميس 

أ - المعاجم والقواميس اللغويّة العامّة 

© بالحاج يحيى (الجيلاني) بالاشتراك, الألفباني القاموس الجديد, بيروت - تونس, 
الأطلسيّة للنشر. ط10., مزيدة ومنقحة. 1997. 

© مجمع اللغة العربية بالقاهرة, المعجم الوسيطء اسطنبولء المكتبة الإسلامية, 
ط2 1972. 

© المشرقء دار (بيروت).» المنجد في اللغة والأعلام, ط39, 2002. 

© المنجد في اللغة والأعلام, ط41: 2005 (نسخة عن الطبعات السابقة). 

ب - المعاجم والقواميس ال مختصّة 


123 


في خطاب «الهوية» وإشكالياته المصطلحية 





144 


2 


© الجرجاني (علي)» التعريفات. وضع حواشيه وفهارسه: محمد باسل عيون السود. 
بيروتء دار الكتب العلميّة. ط1ء 2000. 

© ديري (هيقرو محمد علي)ء معجم مصطلحات النفّريء دمشقء دار التكوين 
للتأليف والترجمة والتّشرء ط1ء 2008. 

© ديكرو (أوزوالد) بالاشتراك» القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسانء ترجمة: 
منذر عياشيء بيروتء المركز الثقافي العربي. ط2 (منقّحة). 2007. 

© سعيد (جلال الدين).» معجم المصطلحات والشواهد الفلسفيّة. تونسء دار 
الجنوب للنشر. 2004. 


ج - الأجنبية 

: قعاء اعمط - 1 

كلما" -وعكلةطنام8 : مذ ,عاللدعنة[تعععاما أء ممنغدعءن) : #ععهه81) معسسمد0 
262021 عنان0110ء 28 نال 5عاع32 ,ععنا1نان أء عناو 2016 , .عتك (دل1لطعة1) 
أء 20161116 ع0 106202002314 6ا6ز50 13 عدم 56تنمدعده ع16ا16)10ه0م عل 
الع عل مم دمن د[ عل أء أتث'! 06 5ععمعكء5 مه عطءرعغطء: عل عم0200 16 
,(1516قنا1) عنه51 -دقههظ ,عع تطامدن) 3 1991 833 05 ناد 01 نال جدك لآ لد 
4 ,تمتماظ - عع اموعءىم 
: 10160100132135 - 2 

: عله «مضقع عناعسها ع0 دععتدمده3ء 1ل ٠١‏ 

,ع5 ج22 عناعمة! 12 عل عنال1ل6م10علزعم2ء عتتقمممء1ل لسويع ع.آ : (آ) عمصحرا0 

.6 ,ولعو 

ألعكتناء 01 01630036 2*5عممدع1 لععهة؟20 021010 : لزازويع نولا لرمكى:0 

طخ7 ,. نآ 0:10:0) ,امتاومظ 

3 عل عدتكاتقته 13 عتامم عناولل6م10علإعمء عتتقعدمناء01آ[ : 770111 /عوقناومهآ 

201 ,ع013182م0216503© أ 135510116 ع5تالتاء 13 رع5نهج 1320 عناعقة| 

: قع56 1 لوأع6م5 ععناعسها! ك0 دعست هسدمتاء01 - 

008هم1آ ,رمعت بممعانا 200 5ممعا بموعع)1! 01 مقدماءتل : ىل [) 010008 
.1999 ,له عنمة 6 ,لأناولاع7 

0 لالدء017ا0م : (عتقة]/طا-مدع[) عع#عقطءذ : (055210) معنا[ 
.5 ,لع عدوة 2 ,1تناعذ 5اعة8 رععق3عمة1 نال قععمعلء5 دعل عنداوتلعمماء زعم 

ع0 10108203156 : (ع01200) عتعمدكا) أرعطن1] أء (كعل0عةن) علاغه0ل) عصتصدة1؟ 
.1998 ,روغر6 ل .60 ,كلمنا! رععتدعة]]! عداوتاتن 


عالم الفك 


السرقة الشعرية العدث: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


:مدقو ادق 1ه 


السرقة الشعرية 
المفهوم وآليات الاشتغال 
(من ابن سلام الجمحي إلى حازم القرطاجني) 
أ. المختار حسني * 
«الكلامٌ من الكلام وإن خَفيت طرقه وبَعْدت مَناسبه»20. 
إضاءة 
إذا نظرنا إلى «التناص» كممارسة من قبل الشعراءء والنقاد, 
فإننا لن نجد أمة من الأمم إلا وقد خاضت فيه؛ فكل شعراء العامء 
منذ القديم» يمتحون من غيرهمء» ويستعينون بهم ويأخذون من 
إنتاجاتهم المختلفة لتجويد صناعتهم وتعميق إبداعهم. وكل النقاد 
منذ القديم,» أيضا تتبعوا مواطن اللقاء والاختلاف في أخذ اللاحق 
عن السابق. ووضعوا لذلك مصطلحات متقاربة في مفاهيمهاء إن 
مم تكن هي نفسها في كثير من الأحيان. ومن بين هذه ال مصطلحات 
المحاكاة أو «الاحتذاء»: والاستشهادء والتلميح» والسرقة, والتضمين... 
وغيرهاء مع عناية خاصة بمصطلح السرقة. هذه العناية المستمدة من 
زيادة تفشي «السرقة» بمرور الزمن منذ ظهورها أول الأمر كقضية 
نقدية عادية» إلى أن صارت سلاحا رئيسا في الخصومات المعروفة بين 
القدماء والمحدثين. 





* باحث في الأدب العربي - المملكة المغربية. 





السرقة الشعرية 





فالأمر يتعلق مبدئيا بنوعين من التناص؛ نوع متفق عليه شرعي (التلميح: والعقد والحلء والاستشهاد. 
والاقتباس... إلخ). ونوع آخر أقل شرعية. على حد تعبير جيرار جنيت2. وهو السرقة. وهذا ما يفهم, أيضاء 
من مجمل إنتاج النقد والبلاغة العربيين قديها. أقولء مبدئياء لأن «السرقة» كمصطلح م يُلتزم فيه دوما بمبدأ 
عدم الشرعية هذا عند العرب. 

انطلاقا من هذا التحديد سيتمء أسفله. الاهتمام بهذين النوعين من التناص كما وردا عند بعض النقاد 
والبلاغيين العرب المختارين هنا كنماذجء للاقتراب من الكيفية التي عولج بها المفهوم قديما بدءا من 
مصطلح «السرقة». 

السرقة: من «سرق الشيء يسرقه سَرَقا وسَرقا... والاسم: السّرق والسرقة بكسر الراء فيهما... والسارق 
عند العرب من جاء مستترا إلى جرز فأخذ عنه ما ليس له. فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب 
ومنتهب ومحترس. فإن مَنَعَ مما في يديه فهو غاصب»20. فالسرقة لا تطلق إلا على عملية «أخذ مال معتبر 
من حرز أجنبي لا شبهة فيه خِفيّةٌ وهو قاصد للحفظء في نومه أو في غيبته»». وحدّه في الشريعة قطع 
اليدء إذا بلغت قيمة المال المسروق مقدار عشرة دراهم: وهناك من يرى حد القطع في أقل من ذلك 
أما «السرقة» كمصطلح مهاجر إلى مجال الأدب عموماء والشعر على الخصوصء فهو أن ينسب الشاعر 
شعر غيره أو مضمونه إلى نفسه 9 ويسمى سارق الشعر سراقة. وهي وإن كانت من جنس سرقة المال 
معفاة من القطع, وهي أفضل السرقة كما كان يقول الفرزدق: «خير السرقة ما لا يجب فيه القطعء يعني 
سرقة الشعر»8, 

وقد تتبع د. الشاهد البوشيخي ورود هذه الكلمة في نصوص الجاهليين والإسلاميين فوجد أنها: «م يُوقَف 


لها على ذكر لدى الجاهليين»©, 
أما قول د. بدوي طبانة بأن طرفة بن العبد هو أول من استعملها في قوله: [البسيط] 
ولا أغيُر عَلَى الأشْعَار أَسْرِقُهَا عَنْها غَنِيتٌ وشَرٌّ النّاس مَن سَرَق 09 
فلا يصح الأخذ به لأن هذا البيت ورد. مع آخر ثانء في ديوان طرفة وهو: 
وَإِنَّ أَحْسَنَ بيتٍ أنْتَ فَائِئُه بيت يُقَال - إذا أنشَدْتةُ - صَدّقا 


ضمن الشعر «المنسوب» للشاعر17؟. كما أن هذا البيت الثاني يوجد في زيادات شعر حسان بن ثابت 

برواية و«إن أَشْعَرَ» مع بيت آخر سابق عليه هو: [البسيط] 
وَإِنْما الشّعرٌ لَب المزهِ يَعْرِضُه عَلَى امجآلس إِنْ كَنْسًا وَإِنْ حُمُقَ02. 

وأغلب الظن أن بدوي طبانة نقلء في هذه القضية. قول غيرهء فقد ورد هذا الرأي لعبدالرحيم العباسي 
في «معاهد التنصيص»». قال يذكر السرقة «وأول من ذم ذلك طرفة بقوله:... »(13!) وساق البيت أعلاه. 

ومن النتائج التي توصل إليها د. الشاهد البوشيخي في تتبعه ذاك: 

1 - أن الشعر الذي يسرق لا يكون إلا جيدا. 

2 - أن الشاعر المسروق منه أعلى درجة في الشاعرية من السارق. 


156 


السرقة الشعرية 


ل 





3 - أن السرقة فاشية بين الشعراء 14 

4 - أن مصطلح السرقة عرف تطورا ملحوظا في الفترة المدروسة: 

أ- من عدم الاستعمال لدى الجاهليين إلى قلته لدى المخضرمينء إلى كثرته لدى الإسلاميين. 

ب - من الاستعمال الفعلي لدى حسان والنابغة الجعديء إلى الاستعمال الاسمي في نص الفرزدق(15). 

ج - من الأخذ حرفيا إلى الأخذ مع ضرب من التحوير, ومن القبح المطلق. 

لدى المخضرمين إلى القبح الذي يمكن أن يخالطه إحسان لدى الإسلاميين المتأخرين©1). 

وقد تطورت مشكلة السرقات بعد ذلك حتى أصبحت من القضايا النقدية المهيمنة باستفحال 
الخصومة بين القدماء والمحدثين217. وصارت على الخصوصء وسيلة من وسائل الحط من قدر شعر 
الخصوم وتجريده من سمات الإبداع في كثير من النقد المنحازء كما نجد مثلا عند «مهلهل بن يموت» 
في تعامله مع سرقات أني نواسء أو عند «الحاتمي» في «حلية المحاضرة»», و«الرسالة الحاتمية», أو عند 
«ابن وكيع» في «المنصف»... إلخ. وربما كان هذا الانحياز في النقد الدافع لبعض النقاد. والبلاغيين على 
الخصوص, لإعادة النظر في مشكل السرقات مميزين فيها بين عدة مستويات. باحثين لا عن الأصل الذي 
يستقي منه الشاعر 2 ولكن عن مكامن الجودة والرداءة في أخذه. ومواطن التشابه والاختلاف بين 
اللاحق والسابق7؟). وقبل النقاد كان الشعراء واعين بتداول المعاني واعتماد اللاحق فيها على السابقء قال 


امرؤٌ القيس [الكامل): 
عُوجا على الطّلل الْمُحِيلٍ لأنّنا تَبْكي الدّيَارَ كَمَا َك ابن خِدَّاه!20. 
وقال عنترة [الكامل]: 
هَلْ غتادر الشّعَرَاءٌ مِنْ مُترَدُم أمْ هَلْ عَرَفْتَ الدارَ بَعْدَ توهه!21. 
وقال كعب بن زهير [الخفيف]: 
مَاأرانا نَقُولُ إلا رجيعًا ومُعادًا منْ قَوْلنَا مَكْرُور(22, 


ويرجع وعيهم ذاك إلى طبيعة البيئة الشعرية العربية التي كانت تعتمد على الرواية. بمختلف طبقاتها 
وأغراضها”. وأولى هذه الطبقات, وأولاها بالتقديم طبقة الشعراء الرواة!2. وهم إما: 

1 - شعراء يلزمون شاعرا بعينه يحفظون ويروون عنه حتى تتفتح قرائحهم. فيكون لمحفوظاتهم أثر ما 
في إنتاجهم مثل «المدرسة الأوسية», كما نعتها بذلك طه حسين(20. حيث نجد سلسلة متصلة من الشعراء 
يروي فيها الواحد عن الآخرء أستاذها الأول أوس بن ع 68 قال أبو الفرج الأصفهاني في نسب جميل 
وأخباره: «جميل شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية» كان راوية هذبّة بن خَشْرَمء وكان هُذْبَة شاعرا 
راوية لزهير وابنه... وآخرٌ من اجتمع له الشعر والرواية كُكبر»(7©. 

2 - أو شعراء لا يختصون شاعرا بعينه بهذه العناية فيرون كل ما يشاءون من شعر غيرهم من سابقيهم 
ومعاصريهم كما فعل أبو تمام» فقد وعى من الشعر ما جعله قادرا على اختيار غرره وجمعها في اختيارات 
أشهرها «ديوان الحماسة»., و«الحماسة الصغرى»» فهذه «الاختيارات تدل على عنايته بالشعرء وأنه اشتغل 


7غ1 


السرقة الشعرية 





به. وجعله وَكْدَهِ وغرضّه. واقتصر من كل الآداب والعلوم عليه؛ وإنه ما فاته كبير شيء من شعر جاهلي 
ولا إسلامي ولا محدث إلا قرأه وطالع فيه. ولهذا ما أقول: إن الذي خفي من سرقاته أكثرٌ مما ظهر منها 
على كثرتها»(28). 


وقد قال الفرزدق في هذا المعنى [الكامل]: 

1 - وهب القصائد لي النُوابِعٌ إِذْ مَضَّوا 
2 - والقحلُ عَلْقَمةٌ الذي كانث لَه 
3- وأَحُو بَني قيس وهُنْ قَقَلْنَهُ 
4 - والأعْمَيَانٍ كلامُمًا وَمُرَفَشٌ 
5- وأَحُو بتني أَسَدٍ عبي دٌإِذْ مَضَى 
6 - وابنا أبي سُلْمى رُمَيرٌ وابِئُهةُ 
7-- والجَعْ فَرِيٌ وكانّ بشَرٌ قَبْلَهُ 
8 - ولقد وَرِنْتُ لآل أوس مَنطقًا 
و - وَالحارقي أَحُو الحِمَاسٍ وَرِنْثُهُ 
0 - ذَفَعوا إِليّ كتابهُنْ وَصِيَةٌ 


وأبو يَزيدَ وذو الفُروح وجَرُولُ 
حُلَلُ الوك كللمُةهُ لآ يْلْحَلُ 
ومَْلْهلُ الشّعَرءِ ذاك الأول 
وأحُُو فُضاعَةً قولئه يد مُتَمثِلٌ 
وأبو ذؤاد قَوْلُهُ يَُبَخْلُ 
وابنُ الفرّئعة حين جد القُوَلُ 
في من قصائده الكتابٌ المُجِمَلٌ 
كلسم خخاتطجِانِبَيْه الحَنظَّلٌ 
صَدَْا كما صَدعَ المُفاةً المعموّل 


قَوَردٌ 06 كاد 37 ا جد وَل (29) 


-ٍ 


فكأن الفرزدق يريد أن يقول بأنه لا يعجز عن القول في أي موضوع وأي موقفء مع هذا المحفوظ 
الواسع لشعراء مختلفة مواقفهم وأشعارهم ممن ينسج على منوالهمء ويستمد منهم ما يقتضيه الحال من 
«تمثل» أو «تنحل» أو «جد» أو «قذع» في الهجاء. 

على أن الأمر لا يقتصر على الشعر وحده كما يفهم من هذه الأبيات, فانفتاح الشاعر على جميع 
الثقافات أمر معروف تم التنبيه إليه في التراث النقدي العربي0. واتخذ حسب تقسيم د. محمد علي 
الرباوي في رسالته الجامعية, مسارين؛ مسار «تعليمي يتضمن توجيهات النقاد للشعراء لتثقيف أنفسهم بما 
يلزم من شعر وأخبار وأحساب... إلخ. والمسار الثاني معياري يتعلق بتنظيم استعمال هذه الثقافة. وطرق 
الاستفادة المحمودة وغير المحمودة من الآخرين»7!© مما يُدخل كثيرا منه في صميم التناص. 

ونشير إلى أن هذا الوضع ليس مقصورا على العربء وإن كانوا أشهر من غيرهم بالرواية, وإنما هو من 
طبع جميع الشعراءء بل إن أخذ اللاحق عن السابق من طبيعة كل إنتاج بشريء إذ لا يمكن الانطلاق من فراغ. 
وفي هذا الموضوع, وفي ما يشبه ما أشرنا إليه أعلاه من وعي الشعراء بأهمية إنتاج بعضهم بعضء والانطلاق 
منه. تقول «جوليا كريستيفا»في فقرة بعنوان «الخطاب الخارجي [الغريب] في فضاء اللغة الشعرية: «التناص 
وجناس القلب» 2©): «إن الممارسة الشعرية التي تربط بين بو 508 وبودلير 881727281.8188 ومالارمي 
2118341 هي من بين الأمثلة الحديثة الأكثر وضوحا لهذا التلاقي المتحول للخطاب همهناعمهز41]6 
(07)وعن#زومداءوقك. فبودلير يترجم بوء ومالارمي يكتب قائلا بأنه سيستأنف المهمة الشعرية كَوارث لبودلير, 
فكانت كتاباته الأولى تقتفي أثر هذا الشاعرءكما أنه ترجم أيضا لإدغار ألان بو وحذا حذوه في كتاباته. وبو 
1_8 


السرقة الشعرية 


١د‏ انود بز جه وج 





بدوره ينطلق [فيما يكتب] من دوكينسي :01717701 88... ومن الممكن أن تتضاعف الشبكة لتؤكد, دانماء 
القانون نفسه؛ وهو أن النص الشعري يتم إنتاجه ضمن الحركة المعقدة, الجامعة؛ في الوقت نفسه. بين إثبات 
ما ونفي ما لنص آخر» 04 

هذا ما وعاه النقاد أيضاء عربا كانوا أو غير عرب7”©. بيد أن مهمة النقد تأت دانما بعد تراكم النصوص وما 
تطرحه من إشكاليات. وبعد استكمال الآلة القادرة على فعل المقاربة. خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع كموضوع 
السرقات, فقد: «وعى النقد العربي الصعوبات الجمة التي تعترض كل من حاول دراسة هذا الموضوع؛ فاشترط 
فيمن رام ذلك حصافة في الرأيء وتمكنا من الأدوات إذ السرقات باب لا ينهض به إلا ناقد بصير وعالم مبرز»(36, 


1[ - اين سلام 

ولعل محمد بن سلام الجمحي - على الأقل فيما وصلنا في الموضوع - كان أول ناقد - وهو مؤرخ أدبي 
أيضا - توافرت فيه هذه الشروطء وعملء في غمرة اشتغاله بقضايا أخرىء على استجلاء الموضوع, والتفريق 
بين ما يمكن اعتباره سرقة وما لا يمكن اعتباره كذلك. ويبدأ ذلك عند الحديث عن بيت مشهور يروى للنابغة 
الذبياني [الطويل]: 

قلست بمستبق أخَا لا تَلمُهُ إلى شَعَتْ أي الرْجال المُهَرْبْ؟07. 

حيث نفهم من كلام ابن سلام أنه لا يستبعد أن يكون هذا البيت مما ضمّنه النابغة شعرّة. بعد أن ساق 
ادعاء بني سعد «البيتَ لرجل من بني مالك بن سعد يقال له شِقّة»2©. وأكد وجود هذا الرجل اعتمادا 
على ما أخبره به «خَلَفُ الأحمر» من أنه سمع من أعراب بني سعد لهذا الرجل7”. ورغم أنه من الممكن 
استخلاص مجموعة من الدلالات من سياقة هذا الخبر عند ابن سلام مثل: 

- فضيلة السبق والريادة. 

- تعقّد مهمة الناقد إذا كان الشاعر المأخوذ منه. مثل «شقة». مغمورا. 

- إشكالية «حق الملكية» تبعا لذلك» أو بسبب اللمبالغة في إخفاء اللأخوذ كما في حال النابغة... إلخ. 

إلا أن الناقد. لا يبتغيء في الأغلب. غير تقرير: أن اعتماد الشعراء بعضهم على بعضء أمرٌ بدهي ينبغي 
ألا يكون مدعاة للطعن في قدراتهم, فهذا النابغة ذاته. تعرض لنفس ما «اقترفه» في حق «شقة», لأن بيته 


[البسيط]: 
تعدو الذَّتَابُ عَلى مَن لا كلاب له وتَنّقي مَرِبِضَ المستثْفر الحامي 00 
يُروى للزُيْرقان بن بَذْر على الوجه التالي [البسيط]: 
إن الذَّنَابَ تَرى مَن لا كلاب له وتحتمي مَريِضصٌ الْسْعَثْفِرٍ الحامي(41. 


وقد سأل ابن سلام يونس بن حبيب عن البيت فقال له: «هو للنابغة» أظن الزْبْرقَانَ استزاده في شعره 
كالمّثل حين جاء موضعه لا مُجتلبا له». ثم عقب ابن سلام على ذلك مقررا: «وقد تفعل ذلك العربء لا 
يريدون به السرقة»(42. خاصة إذا كان الشعر «المسروق» مما هو معروف لدى الجميع صاحبّه؛ ككلمة 


9ظغ1 


السرقة الشعرية 





النابغة التي استزادها الزبرقان» أو كلمة أمية بن أبي الصلت [البسيط]: 


تلك الَكَارم لآ فَعْبَانِ من لَبنِ شيبا بماء فَعَادا بَعْد أبوالا(42. 

التي ضمنها النابغة الجعدي قصيدة له [البسيط]: 
فإن يَكُن حَاجِبٌ مِمّنْ فَخرْتَ به قَلَمْ يَكُنْ حَاجبٌ عَم ولا خَالا 
ملا فَخَرْتَ بِيَوْمَيْ رَحْرحَانَ وقَدْ ظَنثْ هَوَازِنُ أنّْ العزّ قَدْ زالاً 
تلك المَكَارِم لآ فَعْمَانٍ من لَبَنٍِ شيبًا بماء قاد بَعدُ نوالا( 


«وقال غير واحد من الرجاز: 
عِنْدَ الٌباح يَحمَدُ الهم الشرى 45 

إذا جاء موضعه جعلوه مثلك 46 

فالظاهر إذنء أن ابن سلام أراد أن يصرف المهتمين بالشعر عن الاتهام العشوائي للشعراء بالسرقة؛ 
فالذي يفهم من هذه الاستشهادات والتوضيحات التي ساقهاء أن المتلقي كان يتجه آنذاك وجهة غير سليمة 
في تقويم الشعر, وأن الاهتمام والاتهام بالسرقة كان آخذا في التزايد”*. فاستدعى منه هذا الوضع. العناية 
بضبط المفاهيم, وتنظيم الدراسة النقدية وفق معايير موضوعية تراعي مقتضى الحال ومقصدية الشاعرء 
قبل أن تنفلت الأمور. 

وهذه نظرة متقدمة جدا إلى مشكل السرقات بالنظر إلى العصر الذي طرحت فيهء رغم أن ابن سلام لم 
يخصص لها مبحثا واسعا في كتابه الذي ألفه لأهداف أخرىء وهكذا طرح مصطلحين آخرين للتداول هما: 
الاستزادة والتمثل ليقابلا «السرقة» ولِيَحُدا من الاستعمال المطلق لها ولمصطلح «الاجتلاب» و«الإغارة»(48, 
التي يُقُصَدُ منها جميعها الحَطّ من شأن الآخذ. والاستزادة والتمثل والتضمين, بمعنى واحد. تكون في حال 
شعور الشاعر بالتقصير فيما عبر عنه فيضمن مثل هذه الزيادة أو المثل في شعره لتقوية قصده وتأكيده, وهو 
مقصد شريف يرفع من قدر الشعر المأخوذ ويتلاقح معه. 


2 - ابن طباطبا 

وإذا كان ابن سلام قد ركزء في التفاتته هذه. على وضع الحدود الأولى لمصطلح السرقة, وعلى تبرير 
ما يقوم به الشعراء من أخذ معاني سابقيهمء ذإن الأمر تطور مع «ابن طباطبا» في دعوته إلى وجوب 
الاعتراف بفضل الشاعر الذي يتناول المعاني التي سبق إليها من قبل غيره فيبرزها بطريقة أجمل مما 
كانت عليه . ومن أجل تحقيق أي شاعر هذا الهدف يشترط عليه ابن طباطبا ألا يعيد المعنى نفسه 
الذي أخذه وبالطريقة نفسها «فالشاعر الحاذق... يتوقى الاختصار على ذكر المعاني التي يغير عليها 
دون الإبداع فيها والتلطيف لها؛ لئلا يكون كالشيء المعاد المملول»... وسبيل الإبداع والتلطيف عنده 
يتحقق عبر: 


200 


السرقة الشعرية 





أ - الزيادة في المعنى المأخوذ أو الحذف منه مع مراعاة الوزن الملائم لهذه العملية وبشرط: «أن تكون 
الزيادة والنقصان يسيرين غير مُخْدِجِين لما يستعان فيه بهماء وتكون الألفاظ المزيدة غير خارجة من جنس 
ما يقتضيه. بل تكون مؤيدة له وزائدة في رونقه وحسنه»!60©, 

ب - إخفاء أو تلبيس المعاني المستعارة على نقادها والبصراء بها حتى يُظن أن آخذها هو صاحبها وأبو 
عغذرتها السايق المنفرد بشهرتها. 

ج - تحويل المعنى المأخوذ؛ بأخذه من حقل دلالي معين ودمجه في حقل آخر مغاير أو مضاد. وهو نوع من 
الإخفاء: «فإذا وجد الشاعر معنى لطيفا في تشبيب أو غزل استعمله في المديح» وإن وجده في المديح استعمله في 
الهجاءء وإن وجده في وصف ناقة أو فرس استعمله في وصف بهيمة... فإن عكس امعاني على اختلاف وجوهها غير 
متعذر على من أحسن عكسها واستعمالها في الأبواب التي تحتاج إليها»!!©). ويدخل في هذا الباب من «التحويل» 
بالمفهوم الطُباطبائي ما يعرف بالعقد والحل ونظم المنثور ونثر المنظوم «فالشعر رسائل معقودة والرسائل شعر 
محلول»2”, وعلى الشاعر أن يعمد إلى المنثور من الكلام في الخطب والرسائل والأمثال فيعيد صياغته شعرا: 
«ويكون ذلك كالصائغ الذي يذيب الذهب والفضة المصوغين فيعيد صياغتهما بأحسن مما كانا عليه»07. ومن 
ذلك ما قاله أرسطاطاليس حين ندب الإسكندر بعد موته: «طاما كان هذا الشخص واعظا بليغا وما وعظ بكلامه 
موعظة قط أبلغ من وعظته بسكوته... أخذه أبو العتاهية فقال راثيا أخاه علي بِنّ أبي ثابت الأنصاري [الوافر]: 

وَكَانَث في حََاتِكَ بي عِظَاتٌ نت اليم أوعَظ مِنك حَي(5. 

د - أخذ الشاعر ل معنى م معانيه السابقة, وهو ما يعرف ب «التناص الذاتي». وإعادة صياغته مرات 
عديدة «في شعره على عبارات مختلفة وإذا انقلبت الحالة التي يصف فيها ما يصف قلب ذلك المعنى وم 
يخرج عن حد الإصابة»/”©. 

وكل هذه الصور من التناص وغيرها الغايةٌ من ذكرها والتمثيلٍ لها من قبل ابن طباطبا هي توجيه 
الشاعر إلى سبل الإبداع بالدرجة الأولى. أما وظيفة التناص فلا تكون مكتملة إلا بتدخل المتلقي ووعيه بما 
يحمله النص اللاحق من نصوص سابقة عليه وإلا فإن جهله سيؤدي به لا إلى الصعوبة في فهم النص فقطء 
بل وإلى إمكان إصدار أحكام جائرة عليه؛ فلربما كانت الأبيات من الشعر «تعرض في حالات غامضة. إذا م 
تكن المعرفة بها متقدمة عَسْر استنباط معانيها واستبرد المسموع منها كقول أبي تمام [البسيط]: 

تسعون ألفا كآسَاد الشّرى نَضجَتُ جُلُودُهُم قَبْل ضج الَّينِ وَالعتَب 66 

وكان القوم الذين وصفهم يتواعدون الجيش الذي كان بإزائهم بالقتال. وأنَّ ميعادَ فنائهم وقثٌ نضج 
التين والعنب. وكانت مدة ذلك قريبة في ذلك الوقت فلما ظفر بهم حك الطانئي قولهم على جهة التقريحع 
والشماتة. ولولا ما ذهب إليه في هذا الممعنى لكان ما أورده من أبرد الكلام وأغثه» 677 

فالتناص يكون سيبا في الغموض وسوء الفهم. ولكنه غموض لا بد منه لأن مقصدية الشاعر لا تتحقق 
بالعمق المتوخى إلا به. فلولا استغلال أبي تمام أقوال المنجمين في الحادثة السابقة لا حقق التأثير البليخ 
في نفوس الأعداء بالتقريع والشماتة» ولّما حقق ما يسميه ابن طباطبا «الابتهاج» في نفسية المتلقي؛ ذلك 


201 


السرقة الشعرية 





أن المتلقي في حال معرفته السابقة بالنص الغائبء. سيغمره هذا الابتهاج: «فليست تخلو الأشعار من أن 
يُقْتَضٌ فيها أشياءٌ قائمة في النفوس والعقول فتحسن العبارة عنها وإظهارها ما يكمن في الضمائر منهاء فيبتهج 
السامع لما يرد عليه مما قد عرفه طبعه. وقبله فهمه فيثار بذلك ما كان دفينا وييرز به ما كان مكنونا 
فينكشف للفهم غطاؤه, فيتمكن من وجدانه بعد العناء في تُشدانه»680©, 

ومع ذلك فإن الناقد ينصح الشاعر بألا يغرق في الغموضء و«أن يجتنب الإشارات البعيدة والحكايات 
العَلِقَةَ والإماءَ المُشْكل09؛ حفاظا على التواصل, وتجنبا بلا قد يحيل الشعر إلى مجرد ألغاز وعمليات ذهنية 
صرفء وعليه, بدلا من ذلكء أن يعمد إلى ما هو مستقر في الخيال العام ومركوز في النفوسء بغرض تحسين 
القول وتأكيده وإقناع المتلقي به؛ كأن يشير مثلا إلى شخصيات أعلام مشهورة في التاريخ بصفة أو خصلة ما 
من الخصال29», فالأعلام كما تقول كريستيفا تكثيف لخطاب كامل تقوم مقام السياق الذي أخذت منه(!6. 

يمكن القولء إذنء إن التناصء كمفهوم: لدى ابن طباطبا هو إدخال الشاعر لنصوص ماء قد تكون له أو 
لغيره. من شعر أو نثر. أو خبر أو حكاية أو عَلَمِ تاريخي في نصه (الجديد) عبر تغييرها (بالزيادة والنقص) 
وتحويلها (بقلب ا معاني) مع مراعاة انسجامها مع السياق الجديد. والعمل على إخفائها للكد في طلبها. وذلك 
كله بغرض التأثير الجمالي وتعميق المعنى وتغيير المواقف. 

ويبقى أن ننبه إلى أن ابن طباطباء في كل ما سبق, يتحاشى استخدام مصطلح «السرقة» أو أي مصطلح 
آخر يُشْتَم منه هذا المفهوم. وهذا بخلاف القاضي الجرجاني الذي عقد فصلا كاملا للسرقات2 2 يعتبر بمنزلة 
مدخل لدراسة سرقات المتنبي. 


3 - القاضي الجرجاني 

يبدأ القاضي الجرجاني هذا المدخل باستصعاب الخوض في باب السرقاتء وأن استجلاءها لا يقوم به إلا 
عالم مبرزء أما من يريد أن يكون عامًا وناقدا فلن يكون كذلك حتى بميز «السرقة» عن غيرها من المصطلحات؛ 
فهناك السرّق, والغصبء والإغارة, والاختلاس, والإلمام, والملاحظة, والمشترك والمبتذل..(63). 

ويقرر القاضي الجرجانيء بعد ذلك. أن هناك معاني مشتركة مستقرة في النفوس متعارَفًا عليها لا يمكن 
ادعاء السرق فيها على أحدء لأن الجميع يتناقلها عبر الزمنء كما هي؛ كتشبيه الطلل بالخط والبّرد والوشم, 
والظعن بالنخل... وغير ذلك مما سبق إليه شعراء الجاهلية» وهذه المعاني المشتركة جميعا صنفان: 

أ - مشترك عام الشركة: كاتصاف موصوف ما بصفة معروفة فيه أصلا (مضاء السيف بلادة الحمار... ). 

ب - مشترك خاص: يرجع الفضل إلى السابق في تثبيت قيمته ثم تدوول بعد ذلك بين الشعراء حتى صار 
كالأول في شيوعه. كتشبيه الطلل بالكتاب والبٌرد والفتاة بالغزال...20. كقول المتنبي [الخفيف]: 

فاستعارٌ الحَدِيدٌُ لَوْنَا وألقى لَوْنَهُ في ذَوائَبٍ الأَطْقَالي3, 

الذي «وإن كان مأخوذا من قول العامة: هذا أمر يشيب الطفلء وكانت الشعراء قد تداولته وابتذلته 

حتى أخلق ورثء فقد زاد فيه الزيادة المليحة»6©9). وإذا عرف الناقد هذا فقد تجنب الإفراط في إطلاق 


202 


السرقة الشعرية 
الأحكام العشوائية باتهام كل متشابه بالسرق. وعلى أنه ينبغي ألا يتبع سبيل التفريط فيرى السرقة فيما 
تشابه لفظه ومعناه فقطء من مثل قول النابغة [الكامل]: 


ولو أنها عَرَضتْ لأَشمَطّ راهب عبدالإلة صَرورَة ممْعَعَبّد(67). 
وقول ربيعة بن مَفْروم: 

ولو أنها عَرَضْتٌ لأشمّط راهب عبدالإلة ص ورّة مُتبتل .م068 
بل ينبغي أن يفطن إلى السرقة التي تشمل الأغراض والمقاصد. بصرف النظر عن اختلاف اللفظ, كتناسب 

قول لبيد [الطويل]: 

وما المَال والأهلون إلا ودَائٌ ولا بُنّ يَوْمًا أن تَرَدّ الودائعغ!9». 
وقول الأَفْوَه الأودي [الرمل]: 

إنمانِعْمَةُ قوم ُنعَة وحياة ره قورة ا 0/1 


«وإن كان هذا ذَكّر الحياة. وذلك ذكر اال والولدء وكان أحدّهما جُعلَ وديعةً والآخرُ عاريةٌ»(!27. 

وإمعانا في الاستدلال على مقولة الاتفاق في الغرض دون اللفظ يذهب القاضي الجرجاني بعيدا في إيجاد 
العلاقة التناصية بين كل بيتين: 

أ- قد يختلفان اختلافا كليا في ألفاظهماء كقول أبي الطّمّحان القيْني [الطويل]: 


نُجِوم سَماءٍ كُلما غار كَوْكَبٌ بدآ كوكبٌ تأوي إليه كواكبة72. 
في علاقته المعنوية ببيت أوس بن حجر [الطويل]: 
إذا مُقْرَمٌ نا ذّرا حدّ نابه تَخَمّطَ مِنَا نابُ آخرّ مُفْرَه2. 


ب - أو يختلفان من حيث الغرض (الموضوع): 
«كأن يكون أحدهما نسيبا والآخر مديحاء وأن يكون هذا هجاء وذاك افتخارا» 72 فإن الشاعر الحاذق 
يقلب هذه الأغراض مع تغيير الوزن والقافية حتى يصير أخفى من أن يكتشفه المتلقي العادي, فقول «كثير» 


في الغزل [الطويل]: 
أريد لأنسى ذكرها فكأنها تَمَئْلُلي لَيْلى بكلٌ سبيلي73). 
نقله أبو نواس إلى المديح فقال [الكامل]: 
َلِكَ تَصوَرَ في القلُوب مثاله فكانه تم يَخْلُ مِنْهُ مكان79, 
ج - أو يتناقضانء بأن يقلب الشاعر معنى البيت «المسروق» كقول المتنبي [الكامل]: 
أأْحِبّه وأحبٌّ فيه مَلامَةٌ إن الامة فيه من أغدائه77©. 
الذي يعتبر نقضا لقول أبي الشيص [الكامل]: 
أجِدٌ الملامة في هوّاك لَذيدَةٌ حُبا لذكرك فَليَلْمْنِي الوه 79 


وفي الأخير يذكّر القاضي الجرجاني بصعوبة البحث في قضية السرقات. لا با يتطلبه من التأمل وكثرة التنقيب 
فقطء بل وأيضا لما يقتضيه من تجرد وموضوعية وبعد عن العصبية التي تعمي البصيرة7””, كصنيع أحمد بن 


203 


السرقة الشعرية 





أبي طاهرء في دراسته لسرقات أبي تمام(9*, وبشر بن يحيى في تتبعه سرقات البحتري (!*ومهلهل بن يموت في 
دراسته لسرقات أبي نواس62)... فإن آثار الهوى والعصبية بادية فيما ادعوه من سرقة على هؤلاء الشعراء8, 

يقول القاضي الجرجاني ملخصا آراءه. مراعيا في ذلك تطور أساليب السرقة عبر التاريخ بقوله: 
«والسَّرَقُ - أيدك الله - داء قديم» وعيب عتيقء ومازال الشاعر يستعين بخاطر الآخرء ويستمد من قريحته 
ويعتمد على معناه ولفظه؛ وكان أكثره ظاهرا كالتوارد... وإن تجاوزنا ذلك قليلا في الغموض م يكن فيه غير 
اختلاف الألفاظ ثم تسبب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلبء. وتغيير امنهاج والترتيب, وتكلفوا جبر ما فيه 
من النقيصة بالزيادة» والتأكيد والتعريض في حالء والتصريح في أخرى, والاحتجاج والتعليل... ومتى أنصفت 
علمت أن أهل عصرناء ثم العصر الذي بعدنا أقرب فيه إلى المعذرة, وأبعد من المذمة؛ لأن من تقدمنا قد 
استغرق المعاني وسبق إليها وأق على معظمها»(62, 

في هذا النص, للقاضي الجرجانيء تقدير لعدة أمور؛ منها: 

- أن اللاحق محكوم عليه بالأخذ من السابق. 

- أن مجال الخوض في المعاني المبتكرة أوسع لدى السابق منه على اللاحق. 

- أن اللاحقء لشعوره بهذا الضيقء يلجأ إلى التفنن في إعادة هذه المعاني. 

- أن اللاحق بعيد عن المذمة لأن أقصى ما يستطيعه هو هذا التفنن. 

وبهذا يصير موضوع السرقة واقعا لا بد منه. ومكونا رئيسا من مكونات الشعر, لا ينبغي التفكير في أمره 
إلا من جهة خدمته فنيا. 

فهل كانت هذه بداية إبعاد مشكل السرقات من ساحة النقد ليلحق بأواخر كتب البلاغة؟ 

إن الملاحظات التي سطرها القاضي الجرجاني لا تقود في الحقيقة إلا إلى هذه الوجهة» وإن كان بعض النقاد 
م ييأسوا فواصلوا البحث في مشكل السرقات في إطار النقد. حتى بعد إقرارهم بما توصل إليه القاضي الجرجاني. 


4 - ابن وكيج 

فهذا ابن وكيع في المنصف يردد الملاحظات السابقة نفسهاء فيقول: «إن مرور الأيام قد أنفد الكلام, فلم 
يُبْق لمتقدم على متأخر فضلا إلا سبق إليه. واستولى عليه»(227, إلا أنه يرى الحل كامنا في اتجاه الشعراء 
إلى تخطي المنظوم للأخذ من المنثور, لأنه منجم شبه عَفْلِ؛ العارف به قليل والجاهل به كثيرء و«لأن المعاني 
المستجادة والحكّم المستفادة إذا وردت منثورة كانت كالنوادر الشاردة, وليس لها شهرة المنظوم السائر على 
ألسنة الراوين... وقد أبقى قائل الحكم ال منثورة لسارقها من فضيلة النظم ما يزيد في رونق ماتها... فإذا جلاها 
النظم نسبت إلى السارق» واستّحقت على السابق» 66 

وهذا الذي اقترحه ابن وكيع لا يعدو أن يكون فتحا لباب جديد يتغذى منه النقد الذي كاد يستنفد 
غرضه من موضوع السرقات في هذا العصرء ونتذكر في هذا الباب تلك الرسالة التي ألفها الحاتمي الموسومة ب 
«الرسالة الحاتمية»27. في سرقات المتنبي من أقوال أرسطاطاليسء فهي ليست مجرد سرقة من النثر العربيه 


204 


السرقة الشعرية 





بل فوق ذلكء من نثر اليونان. فما قاله ابن وكيع تنظيرا كان قد قام الحاتمي بتطبيقه في دراسته هذه. ومن 
أمثلة ذلك: «قال الحكيم: إذا كانت الشهوة فوق القدر. كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة». 
قال المتنبي [الخفيف]: 
وَإذاً كانت النْفوسٌ كبّارا تَعبَتُ في مُرادها الأَجْساةٌ»!89, 
ويذكر ابن وكيع عشرين وجها للسرقة, عشرة 5 للسرقة المحمودة, والعشرة الأخرى للسرقة المذمومة, 
لا تزيد ولا تنقصء فأوجه الجودة عنده هي: 
1 - الأول من ذلك استيفاء اللفظ الطويل في الموجز القليل. 
2 - والثاني نقل اللفظ الرذل إلى الرصين الجزل. 
3 - والثالث نقل ما قبح مبناه دون معناه إلى ما حسن مبناه ومعناه. 
4 - والرابع عكس ما يصير بالعكس ثناء بعد أن كان هجاء. 
5 - والخامس استخراج معنى من معنى احتذي عليه وإن فارق ما قصد به إليه. 
6 - والسادس توليد كلام من كلام لفظهما مفترق ومعناهما متفق. 
7 - والسابع توليد معان مستحسنات في ألفاظ مختلفات. 
8 - والثامن مساواة الآخذ المأخوذ منه في الكلام حتى لا يزيد نظام على نظام: وإن كان الأول أحق به لأنه 
ابتدع والثاني اتبع. 
9 - والتاسع ممائلة السارق المسروق منه في كلامه بزيادته في المعنى ما هو من تمامه. 
0 - والعاشر رجحان السارق على المسروق منه بزيادة لفظه على لفظ من أخذ عنه69©, 
وبعد استيفاء الأوجه العشرة الأولء يمثل لكل وجه بما يراه مناسبا من الشعرء فمما أورده. مثلاء في الوجه 
الأول قول طرفة بن العبد [الطويل]: 
أَى قَبْرَ تَحًام بَخِيلٍ بماله تبر غَوي في البتطالة مُفسدٍ0". 
ويرى أن «ابن الزبعرى» اختصره فقال [الرمل]: 
والعغطيّاتٌ خساسٌ بِينَهُمْ وسواء قَبْرُ مُثْر وَمُقِل'”. 
«فقد شغل صدر البيت بمعنى» هماة ربت طرفة وعجر بيت افص ينه معن لالم ولفظ واي 
وأما العشرة المذمومة فهي ببساطة معكوسات الأوجه السابقة وأضدادها: 
- الأول: نقل اللفظ القصير إلى الطويل الكثير. 
2- 0 نقل الرصين الجزل إلى المستضعف الرذل. 
3 - والثالث: نقل ما حسن مبناه ومعناه إلى ما قبح مبناه ومعناه. 
- والرابع: عكس ما يصير بالعكس هجاء بعد أن كان ثناء. 
5 - والخامس: نقل ما حسنت أوزانه وقوافيه إلى ما قبح وثقل على لسان راويه. 
6 - والسادس: حذف الشاعر من كلامه ما هو من تمامه. 


(92) 


205 


السرقة الشعرية 





7- والسابع: رجحان كلام المأخوذ عنه على كلام الآخذ منه. 

8 - والثامن: نقل العذب من القوافي إلى المستكره الجافي. 

9 - والتاسع: نقل ما يثير على التفتيش والانتقاد إلى تقصير أو فساد. 
0 - والعاشر: أخذ اللفظ المدعى هو ومعناه معا(3©, 

فمن أمثلته على القسم الرابع مثلا قول أبي نواس [مجزوء الرمل]: 


قَهْوَ بامَالٍ جَوَادُ وهو بِالعِرْضٍ شَحِيخ0. 
عكسه ابن الرومي فقال [مجزوء الكامل وفق القصيدة في الديوان]: 


شئتَ من مَالٍِ حمىّ 2 يأوي إلى عِرْض مُباح 

وقد أورد أمثلة هذا القسم دون تعليق منه. كما يفعل في بعض الأحيان, وإذا تأملنا الوجه الرابع» تبين لنا 
أن ابن وكيع لا ينظر إلى جمال الشعرء بل تحكمه نظرة مسبقة ترى كل «مدح» جميلا وأي «هجاء» قبيحا. 
فهو يربط الجمال با مضمونء ومن هنا لا يمكن الاتفاق معه على رداءة بيت ابن الرومي. كما يمكن اعتبار 
جميع الأحكام التي أوردها على كثير من الأوجه المذكورة مجرد انطباعات يخطئ فيها ويصيبء مما يجعله 
بعيدا عن الموضوعية التي لاحظناها جليا فيما كتبه ابن سلام وابن طباطبا والقاضي الجرجاني. فإن كان هذا 
هكذا في ديباجة الكتاب» وإزاء شعر بعيد عن الغرض الذي يستهدفه. فكيف سيكون تعامله مع هذا الغرض. 
وهو شعر المتنبي الذي لا يكن له الاحترام» في سائر الكتاب؟ 

هذا ما نبه إليه أحدهم بهامش مخطوط المنصف منتقدا ابن وكيع بقوله: «اعلم أنه نبه أهل علم البديع 
أن ما يكثر دورانه بين الشعراء مثل تشبيه القد بالغصن واللحظ بالسيفء ونحو ذلكء لا يسمى سرقة» وهنا 
قد جعل ذلك من السرقاتء ولهذا تراه عطل المتنبي من الشعرء وبخسه حقه... بل جعل وجود لفظة واحدة 
في بيت من شعره سرقة. وإذا تأملت لم تجده كما أخذ نفسه من الإنصاف»©. والملاحظة نفسها كانت لابن 
رشيق حين قال عنه: «قدّم في صدر كتابه... مقدمة لا يصح معها لأحد شعر إلا الصدر الأول إن سلم ذلك 
لهم. وسمى كتابه «المنصف» مثلما سمي اللديغ سليماء وما أبعد الإنصاف منه»77. 


"95 


5 - ابن رشيق 

وصفه ابن رشيق بذلكء في كتابه «العمدة». في معرض حديثه عن السرقة في مقدمة الباب الذي خصها 
به. وهو باب كما يقول: «متسع جدا لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه وفيه أشياء غامضة إلا 
عن البصير الحاذق بالصناعة. وأخرى فاضحة لا تخفى على الجاهل اللغفل»72. غير أن ابن رشيق م يأت 
بأي جديد في هذا الباب. واكتفى بعرض أفكار غيره منتقدا ومؤيدا أو لازما موقف الحياد؛ فابن وكيع حاد 
عن الصوابء وأستاذه عبدالكريم لا يهم ابن رشيق غير عرض آرائه» والقاضي الجرجاني عنده أصح مذهباء 
والحاتمي في حلية ا محاضرة يستعملء في نظره. مصطلحات متقاربة في ا لمفهوم. ومع ذلك يستعيرها ابن رشيق 
ويستخدمها على علاتها أو «كما خَيّلّت» وفق تعبيره(9©, 


206 


السرقة الشعرية 
222222222222220 سس 

ويعرض ابن رشيق أغلب المصطلحات قبل التمثيل لكل منها: 

1 - فالاصطراف: أن يصرف الشاعر بيتا أعجبه إلى نفسه إما اجتلابا وإما انتحالا. 

2 - والاجتلاب والاستلحاق: أن يأتي به على سبيل التمثل. 

3 - والانتحال: أن يدعي البيت لنفسه إن كان شاعرا. 

4 - والإغارة والغصب: أن يأخذ الشعر من غيره غلبة. 

5 - والمرافدة والاسترفاد: أن يأخذه هبة. 

6 - والاهتدام (النسخ): سرقة ما دون البيت. 

7 - والنظر والملاحظة: خفاء الأخذ مع تساوي المعنيين دون اللفظ 020 

8 - والإلمام: تضاد المعنيين ودلالة أحدهما على الآخر. 

9 - والاختلاس (نقل المعنى): تحويل المعنى من غرض إلى آخر. 

0 - والموازنة: أخذ بنية الكلام وحدها. 

1 - والعكس: جعل مكان كل لفظة ضدها. 

2 - والمواردة: أن يتفق قول الشاعرين من دون أن يسمع أحدهما الآخر. 

3 - والالتقاط والتلفيق (الاجتذاب والتركيب): تأليف البيت من أبيات قد ركب بعضها من بعض. 

4 - وكشف اللعنى (101), 

5 - وال مجدود من الشعر. 

6 - وسوء الاتباع. 

7 - وتقصير الآخذ عن المأخوذ منه. 

8 - وتساوي السارق والمسروق منه 

9 - والاشتراك في اللفظ المتعارف. 

0 - ونظم وحل الشعرء وهو أجل السرقات في نظر ابن رشيق 2103 

ويظهر من خلال هذا الجرد مقدار الأزمة التي كان يتخبط فيها النقد في مجال المصطلح باتجاهه إلى 
الاستكثار. غير المبرر. من ا مصطلحات وبعدم الاتفاق على مفهوم ثابت لكل مصطلح. كما فهمنا من كلام 
ابن رشيق عن الحاتميء وكما يفعل ابن رشيق نفسه عندما يورد مفهوما جديداء وهو الاستلحاق. على سبيل 
التمثيل 179 , أثناء حديثه عن الاصطراف (بمعنى أن يصرف الشاعر بيتا لغيره إلى نفسه على سبيل المثل لا 
على سبيل الانتحال والسرق)»: فيقول ابن رشيق تعقيبا على قول جرير للفرزدق [الوافر]: 

سَتَعْلَمُ مَنْ يَكُونُ أَبُوهُ قبن ومّن كَانَتْ فَصَائِدُه اجتلابا 

بأن الشاعر «وضع الاجتلاب موضع السرق والانتحال. لضرورة القافية»2950!, فالانتحال بمعنى السرق» 
عند ابن رشيقء شيء» والاجتلاب» بمعنى الاستلحاق شيء آخرء ولهذا نراه يحمل على إيراد ابن سلام مصطلحّ 
«الاجتلاب» على أنه السرق99). وتناول هذا المصطلح, بعد الدكتور الشاهد البوشيخي في أطروحته1977) 


)102( 


207 


السرقة الشعرية 





ا 


بتوسع؛ فخلص إلى القول بأن ابن رشيق يحمل هذا المصطلح ما لا يحتمل بالنظر إلى مجال استعماله وظروف 
عصره؛ لأنه لم يكن يعني غير السرقة: «ولو أن ابن رشيق وضع في حسابه احتمال التطور الدلالي للمصطلح 
ا قال ما قال, ولو أنه فهم المصطلح وفق استعمال قائله وعصره له. مما انطرح عليه هذا الإشكالء والله 
أعلم»!99!). فمثال الاجتلاب عند ابن رشيق هو ما قام به عمرو بن كلثوم من «استلحاق لبيتي عمرو ذي 


الطوق [الوافر]: 
صَدَدْتٍ الكأسّ عَنَا م عَمْرِو وكان الكأسٌُ مَجراهاً الْيَّمِينَا 
وما هَرٌ الألآقة أُمْ عَمْرِو ِصَاحِبِكِ الذي تَصْبّحينا0”". 
أما الانتحال فمثاله قول جرير [الكامل]: 
إن الذين عَدَوا بلسْبّك غادّروا وشلا بعينِكَ لآيزال مَعينا 
عَيْضْنَ مِنْ برآتِهنَ وظُلْنَ يي اذا لقِيت مِنّ الى ولقينا؟ 


«فإن الرواة [يقول ابن رشيق] مجمعون على أن البيتين للمعلوط السعدي انتحلهما جرير»119) 

والذي يدل عليه المثالان في الواقع إنما هو اضطراب مفهوم المصطلح في ذهن ابن رشيقء فليس في 
المثالين أنفسهماء ما يدل لا على استلحاق ولا على انتحالء فقد يدلان على التضمينء مثلاء أو على غير ذلك» 
أما الحكم بالاستلحاقء أو الانتحال فحكم على «نية» الشاعر المضمرة, لا على النص؛ إذ كيف نيرئ ذمة عمرو 
بن كلثومء مع أنه لم يشر إلى مصدر البيتين؛ ونتهم في المقابلء جريرا بانتحال ما هو مشهور بين الجميع أنه 
لغيره؟ أم كيف نوفق بين اتهام جريرء بالسرقة والانتحال في (العمدة). وبين تبرئته من قبل الناقد نفسه. بعد 
ذلك في «قراضة الذهب»!!!!. وعند الحديث عن البيتين أنفسهما وعن المصطلح ذاته؟! قال: «الاجتلاب 
يكون لغير معنى السَّرّقه وهو أن يرى الشاعر بيتا يصلح لموضع من شعره فيجتلبه. وقد فعل ذلك جرير في 
بيتي المعلوط السعدي... البيتين»(12!). 

فيكفي هذا دلالة على تحكم المزاج الخاص للناقد أحيانا في تحميل المصطلح ما شاء من دلالة فيستعمله 
للطعن تارة والإطراء أخرى. أو عساه يكون من ابن رشيق تطويرا وتعميقا لرؤيته إزاء السرقات في القراضة. 

والذي يرجح هذا أن الناقد في «العمدة» كان همه عرض موضوع السرقة كما فهمه النقاد قبله. خاصة 
الحاتمي في «حلية المحاضرة», فلم يدّع بذلك لرؤيته الخاصة أن تتسرب إلى الموضوع إلا ماماء فكانت مجرد 
خطرات وانطباعات سريعة إن لم نقل متسرعة: ما تلبث أن تخلي السبيل للغرض الأساس الذي هو التعريف 
بالموضوع كما وصله تعريفا «شاملا». 

أما «قراضة الذهب» فكانت مجالا للتطبيق والتحليل المتأني الذي يفسح في المجال واسعا لإظهار قدراته 
ومهارته النقدية. ويتأكد هذا الغرض إذا علمنا أن القراضة بأكملها رد على خصم ادعى السَّرّق على ابن رشيق 
في بيتين من الشعر؛ فقد كان ابن رشيق يرثي المعز بن باديس (ت 438ه) بكلمة منها [الطويل]: 


1 ألم تَرَهُمْ كيف اسْمَةَ ابهذ 2 إلى كد في من رَحَمَة الله واسع 
0007 ع واو مع اه وه ْ : لمتد 
2 أمآمَ خَمِيسٍ ماج في الب بَخْرَُهُ سير كمّتن | ب للجة ١‏ ل افع 


208 


السرقة الشعرية 





3 إِذَا صَرَبَثْ فيه الطبولٌ تقاتعث به عَدّبٌ تخي ارتعادٌ الأصابع 
4 تَجَاوْبَ توح بَاتَ يُنْدَبُ شَجْوُهُ مادق نكال فُوجِنَتْ بالقوآجع نل 


واستحسن منها أبو الحسن علي بن القاسم اللُواقْ البيتين الأخيرين فعارضه. في ذلك بعضهم بأن ادعى 
عليهما السرقة من بيتين لأستاذ ابن رشيق يق عبدالكريمٍ النُهشلي حيث يقول [المنسرح]: 
قد صا فيه العَمامٌ أدمعّه ذُرَّا ورؤَاهُ جَذوَلٌ غَهمْرُ 
يَجيش فيه كنا رَعَمَتْ إلينك مِنْهُ أنآملٌ :01 
فكتب ابن رشيق هذه الرسالة إلى علي القاسم اللّواق يرد بها على المعترض. 
ويمكن تقسيم الرسالة/ الكتاب, الذي جاء نصا واحدا مسترسلاء إلى أربعة محاور نختار لكل محور منها 
عنوانا مناسبا: 
أ - الأول جاء في إطار الرد على المعترضء ويوضح فيه ابن رشيق الفرق بين المعنى العام واللفظ المشترك 
من جهة؛ وبين المعنى الخاص من جهة أخرى9!!). 
ب - الثاني يتحدث فيه عن ضرب خاص من ضروب الأخذ أو «السرقة» ينعته ب «فتح المعاني». وهو أن 
يتناول الشاعر لفظا لمعنى شاعر ماء وينقله إلى معنى آخر مخالف لذلك المعنى ©0116 
ج - الثالث يبين فيه محاكاة الشعراء لامرئ القيس في معنى خاص بو(117), 
د - أما الرابع فيتحدث فيه عن أهم ضروب الأخن9؟!!). وسنتناول أسفله كل محور بشيء من التفصيل: 


أ- المعنى العام والخاص 
يميز ابن رشيق في رده على المعترض بين المعنى العام, - ويسميه أيضا «اللفظ المشترك» 2!179- وبين 
مجموعة من المعاني الخاصة ال مختلفة فيما بينهاء رغم أنها جميعها تؤولء في النهاية» إلى ذلك المعنى العام؛ 
فبيتا ابن رشيق وأستاذه النهشلي. يقرر ابن رشيق بأنهما متشابهان في المعنى الذي هو «الارتعاش». ولكن 
القصد غير واحد: «فما الذي يُشبه أنامل شيخ قائمة تَرتَعِشُ كرا حتى شبّه عبدالكريم بها ذلك الزَّبَد المْقَببِ 
منبَعثًا عن مَسقط النهرء من أصابع ثكالى مبسوطة ترتعدٌ طيشا وجزعا عند مفاجأة المصيبة على عادات 
النساء. شَبّهِتٌ أنآ بها تلك العَرَّتَ الخافقة»120), 
ويذهب ابن رشيق إلى أبعد من هذاء في سرده لمجموعة من الأبيات تشتمل على المعنى العام نفسه 
(الارتعاش. الارتعاد. حركة اليد... ) بمقاصد مختلفة, ليؤكد أن التفاضل إنما يقع في هذه المقاصد الخاصة. 
ويتتبع في هذه العملية «شجرة نسب المعنى» بأنْ ردّه إلى أصله الأول: «امرئ القيس». وفي هذا يقول للذي 
ادعى عليه السرق: «وهلا نظر إلى قول إمام الشعراء امرئ القيس [الطويل]: 
كُلَمْعٍ التَدين في حَبِيّ مُكلْلٍ 
قَعَلِمَ أن الأخذ منه أقرب والوقوع تحته أشرف؟ ولو عد مثلُ هذا سرقة لم يسلم من الكلام شيء»(121). 
فدل بذلك على أن شعر امرئ القيس هو النص الأصل 046<16م7[ط الذي تتفرع عنه جميع النصوص 
209 


السرقة الشعرية 





يلظ لاله 1 1ع .. 


الأخرى 6167]65مبإط. (إذا جاز لنا أن نستعمل مصطلح جيرار جنيت). سواء في معنى (حركة اليدين) السابق 
أو في المعاني الأخرى. 

وهكذا قدم ابن رشيق عشرات الأمثلة لتوضيح كيفية تعامل الشعراءء في «سرقاتهم» من امرئ القيسء 
مع المعنى «المسروق»؛ ففي معنى (حركة اليدينء أو الارتعاش) وحده. والذي تناوله امرؤٌ القيس بطريقته 
الخاصة. ذكر حوالي اثني عشر مثالاء أو اثني عشر معنىء كلها معان خاصة تفرعت عن المعنى الخاص الأصل 
في «شطر» امرئ القيس السابقء مثّلّها الشعراء (أبو نخيلة أبو نواس. ابن المعتزء أبو الشيص, ابن المُغَلْس 
عبدالله بن العباس الربيعيء عبدالكريم النهشليء ابن رشيق. ابن المفلس). فمن ذلك قول عبدالله بن 
العباس الربيعي يصف برقا [المتقارب]: 

كن تَقَنْبَهُ في السمًا يدا كاتب أو يَدَا حَاسِبٍ 
وقول أبي نُخَيلةَ في وصف الشمس [الرجز]: 
وَالشّمْسٌ كالمرآة في كَفٌ الأشل(0123. 
وقول الحسن بن أحمدّ بن الْكَنْسِ يذكر الشمع [المتقارب]: 


)122( 


كأن الشموع وقد أطلعغتث مِنّ الار في كُلّ رُمْحٍ سنانا 
أتَامِلٌ أغدائكَ الخائفينَ تَصَرّعٌ تطّبُ منك الأّان(024. 


فهؤلاء وغيرهم: بينهمء في الموضوع والقصد. من الاختلاف ما لا يخفىء إن اتفقوا جميعا في اتخاذ (حركة 
اليدين) بعضا من السبيل إلى التعبير عن ذلك؟ والسرقة لا تكون إلا فيما هو خاص, و«أهل التحصيل مجمعون على 
أن السرقة إنما تقع في البديع النادر والخارج عن العادة وذلك في العبارات التي هي الألفاظ»(7*!). فلا تكون السرقة 
محمودة إلا إذا تصرف فيها السارق تصرفا حسنا بالزيادة وغيرهاء والمجيد له فضله والمقصر عليه تقصيره!0126), 

وما كان الأمر كذلكء. فإن البحث ينبغي أن يتجه. في نقد السرقة. لا إلى المعاني العامة, بل إلى المظهر 
اللغوي للنص؛ أي إلى ناحيته الشكلية القابلة للقياس2!*7. وحتى في هذه الحالة ينبغي التمييز بين 
الألفاظ المشتركة (بين جميع الناس). وبين البديع النادر والخارج عن العادة الذي يختص به شاعر دون 
آخر. ومن هنا عمد ابن رشيق إلى تنويع الأمثلة من بديع ونادر امرئ القيس الذي نجح الشعراء أو 
أخفقوا في أخذه والتصرف فيه. أو تحاموه وعجزوا عن الإتيان بمثله. وهكذا اتجه إلى التمثيل بالأوجه 
البلاغية متمماء ربماء ما سبق وإن أشار إليه القاضي الجرجاني 79!“من ضرورة النظر إلى الناحية الفنية 
في السرقة, حاصراء بشكل واضح. موضوع السرقة في هذه الناحية البلاغية, فذكر أمثلة للاستعارة129) 
والتشبيه1390), وابمجاز21317. والمبالغة 2132 والتتميم والاحتراس 21337 والإشارة والتتبع (الإرداف). 
والإيج]ز(134), والالتفاف139), والمحاورة 036 

وكانت شخصيته في كل هذا حاضرة في انتقاء الأمثلة من شعر امرئ القيسء والبحث عن نظائرها في 
شعر الجاهلية والإسلام: وفي الشرح وإصدار الأحكام المبنية على التحليل والتعليل... فقد وجد أن من المعاني 
الخاصة بامرئ القيس137, ما لم يستطع أحد لا الزيادة عليها ولا احتذاءهاء ومنها ما كانت فيها الزيادة 


210 


السرقة الشعرية 


1 رمو جه 





الحسنة أو المقصرة1780, ومنها ما احتذى فيه الشعراء امرأ القيس في الطريقة. أو الوجه البلاغي دون المعنى» 
ومنها ما أتوا فيه بالمعنى دون اللفظء ومنها ما قصروا فيه عنهء ومنها ما وقع فيه اللبس!139), 
وعموما فإن وجوه التقصير والوقوع دون مرتبة المأخوذ منه هي المهيمنة على هذه الأمثلة في نظر ابن 
رشيق. ومن تطبيقاته في هذا المجال قوله: «ومن مبالغته [يقصد امرأ القيس] المشهورة قوله [الطويل]: 
مِنَ القاصراتٍ الطَرْفٍ لو دَبٌّ مُحولُ 2 من الذَّرٌ فوق الإِنْب منها لأثّر21401. 
أخذه حسان رضي الله تعالى عنه فقال [الخفيف]: 
لوْيَدِبُ الحولي من ولد الذّرْ ر عليه لأنْدَبَنَه الكُلُوة !0141 
فقصر عنه كثيرا لأن امرأ القيس قال «فوق الإتب» وهو ثوب كالبقيرة, وأيضا فإن في بيته معنى متقدما 
وهو قوله «من القاصرات الطرف»». أراد أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة إلى ما بعد. ولا ناظرة 
إلى غير زوجهاء كما قال أهل التفسير*!. ويجوز أن يكون من القاصرات الطرف بمعنى طرف الناظر إليها 
أي لا يتجاوزها بالنظر... وتناول ابن المعتز ما تناوله حسان بن ثابت من بيت امرئ القيس وتجاوز الحد 
فقال [السريع]: 
رَقَكَلوْمرتْ ب هدر في جلها تغلٌ مِنَ الوَزه 
تمسزرّقت دِيسبَاجَقَِي خَده مِنْ غَيْرِ أنْ جَارَثْ على الجَدّ1!431. 


ب - فتح المعاني 
بدأ ابن رشيق هذا الفصل القصير بقوله: 
ارو يورد لفظا لمعنىء فيفتح به صاحبه معنى سواه. لولا هو ثم ينفتح 
ثم أورد أمثلة لأربعة عشر شاعرا يوضح بها قصده. منها قول دليل آل المهلب لا هربوا من سجن الحجاج 
بن يوسف [الطويل]: 
تفيرٌ فرارٌ الشّمس مما وَراءَنًا وَنُدْلِحُ في دَاج مِنّ الليلٍ غَيْهَبِ 
الذي فتح به لأي الطيب قوله [الوافر]: 
وألقى الشَّرقٌُ منها في ثيابي 2 5نانيراتَفِرٌ منَالبنان01459. 
حيث نقل' صورة «قرار النمس» من مجال إل متجال آخر مخالق قاما: وقد :تبه اين رشيق ق ختام 
حديثه عن هذا النوع من الأخذ أو «التناص» على أنه أول من أشار إليه. قال: «وم أر من المؤلفين من جميع 
من رأيته من نبه على هذا النوع». بيد أن هذا من الممكن إدخاله في النوع الذي نبه عليه اين طباطبا 
والقاضي الجرجانيء وهو نقل المعنى من غرض إلى غرض 2146 


,)144( 


والمقصود بالثنائيات, ما أورده ابن رشيق من أبيات لامرئ القيس وغيره. يجمع فيها الشاعر بين حالين 


211 


السرقة الشعرية 





متعارضتين تقعان مرة واحدة؛ إما على سبيل المجاز والمبالغة وإما على سبيل الحقيقة والواقع. 
فمن السبيل الأولى أَؤْرَدَ مثالين لامرئ القيس: 
- الأول قوله [السريع]: 
نطَْعَنُهُمْ لق ومَخلوجَةٌ كَرْكَ لآمَيْنٍِ على نابل!14, 
قال: «أراد أنه يطعن طعنتيه كأنهما طعنة واحدة من السرعة. كما يناول التلميذ أستاذه من الريش لامين 
في المرة لثلا ينشف الغرا... ». 


- والثاني قوله [الطويل]: 
مِكرٌ مقر مُقبلٍ مُدْبرٍ معنا كَجُلْمودِ صَخرٍ حَطْهُ السيلُ مِنْ عَلٍ0480. 


قال ابن رشيق: «ذلك أنه أراد السرعة فجعله كارا فارا مقبلا مدبرا في حال واحدة على سبيل المبالغة» وإن 
استحال ذلكء ثم شبهه تشبيه عيان بالحجر إذا تدهدى فإنك ترى منه الوجه ونقيضه. وهو في حال واحدة 
من الانحدارء وهذا ما لا يُلحق»049, 
وكان الكميت والمتنبي قد حاولا اللحاق بإجادة امرئ القيس, دون جدوى؛ الأول في قوله يصف 
الثور [البسيط]: 
وَعَاتَ في غابر منها بِعَفْعَتَة نَحْرَ الْمُكاف والْمَكْتُورٌ يَهْتبِلُ1501), 
والثاني في قوله [الكامل]: 
مَازْلْتَ تَضربِهُمْ دراكًا في الذّرى طَربًا كن السّيف فيه اثنان(151". 
«أراد السرعة وقد أجاد وإن لم يبلغ صاحب الاختراع»(152) 
ومن السبيل الثانية ضرّبَ أمثلة منها قول ابن دراج القسطلي [الطويل]: 
إذا غَرْبَ الحادي بهم قَرْقَتْ بنا 2 توي يَومُها يَوْمانٍ والحِينُ أحيان153. 
«وهو حقيقة لا مجاز... لأن كل طائفة تقطع يوما فتكون المسافة بينهما يومين»159). 
غير أن هذا لا يدخل في إطار التناص؛ بقدر ما يندرج تحت ما يسمى التأثرء أو اقتفاء الطريقة دون 
الاستعانة بلفظ المقتفى أثرُهء ودون أخذ معناه في الغرض نفسه. وقد أورد منه ابن رشيق هذه النماذج. 
ومنها ما ذكره في بدائع امرئ القيس السابقة. وقد جاء منها في التشبيه [الطويل]: 
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْبًا ويابسًا لدي وَكْرها العُنّابُ والْحَشَفْ البالي(155). 
الذي اقتفاه بشار بقوله [الطويل]: 
كأنّْ مُكَارَ القع فَوقَ روُوسِهِمْ وأسْياقا َيْلُ تهاوى كواكية©15. 


د-ضروب الأخذ 
يصرح ابن رشيق في بداية كلامه عن هذا الموضوع بأنه يريد التمثيل فقط لا الاستقصاءء. وأن ما سيقوله 
لا جديد فيه إذ سبق له أن فرغ في «العمدة», كما يقول. «مما يراد أو أكثرم»(21”7, ولكنه في الحقيقة يضيف 


212 


السرقة الشعرية 





:آم 7س7سُْسسس 1 


كثيرا من النظراتء الجديرة بالتأملء إلى مشكل السرقاتء وإنما كان قصده من كلامه ذاك ما يتعلق بضروب 
الأخذ. ومن هذه النظرات تأكيده باستمرار أن «الكلام من الكلام وإن خفيت طرقه وبعدت مناسبه»(058, 
وانتباهّه إلى جمع بعض الشعراء بين عدة نصوص أو أبيات لشعراء مختلفين في بيت واحد؛ كما فعل الشريف 
الرضي يصف قوما بالشجاعة [الطويل]: 
لهم وَرَقّ من عَهِدٍ عَادِ وتُبّع حديدُ الظّبا إلا اْثلامٌ المَضارب 1599 
«فتناول من ابن هاني الورق» وجمع بين روا البحتري. وأشار إلى بيت النابغة»(160), 
حيث قال ابن هاني [الكامل]: 


وجَنئِتُمُ كَمَرَ الوقآئع يانِعًا بالنضر من وَرَقِ الحَديدٍ الأخضر 0161 


وقال البحتري [الكامل]: 
حَمَلَهْ حَمائلُهُ القدمَةٌ بَهْ تكََّ من عَهِدٍ عاد 1 ةم قذبُلِ062, 
وقال النابغة [الطويل]: 


ولآعيبَ فيهم غيرَ أن سيُوفَهِمْ بهن فُلُولٌ من قراع الكتائب 2193 
فضلا عن هذاء يؤكد ابن رشيق أن الشاعر قد يُضَمّن شعرّه شعرٌ غيره دون أن يكون واعيا بذلك. 
فقد: «يمر الشعر بمسمعي الشاعر لغيره فيدور في رأسه. ويأتي عليه الزمان الطويل فينسى أنه سمعه 
قدبها»9؟1). كما أن ذلك قد يحدث له بمجرد توارد الخواطر(157, خاصة إذا كان الشاعران متعاصرين 
وتَقاربَ موضوعاهما6©؟. بل إن ابن رشيق يؤكد بقوة أن: «الصانع إذا صنع شعرا في وزن ما وقافية ماء 
وكان لمَن قبْله من الشعراء شعرٌ في ذلك الوزن وذلك الروي وأراد المتأخر معنى بعينه فأخذ في نظمه. أن 
الوزن يحضره والقافية تُضْطَرُه وسياقٌ الألفاظ يَحْدُوه حتى يُورِدَه كلام الأول نفسّه ومعناه, حتى كأنه سمعه 
وقصد سرقته, وإن م يكن سمعه قط»167. 
أما ضروب الأخذ التي ذكرها فهي على التوالي: الزيادة في المأخوذ أو اختصارهء ونقل المعنى والصفة» 
والعكس. ونقل الصفة وحدهاء والتضمين وا مناقضة, والاهتدام, والنسيانء والاجتلابء والتوليد, والتوارد, 
ونظم املنثور, والتلفيي (168), 
ونختار هنا مثالا من نظم المنثور؛ فقد ذكر ابن رشيق أنه «كان لأبي الأسود جيران من قُشيرء وكانوا 
يؤذونه ويرمونه في الليلء فإذا شكاهم قالوا لسنا نرجمكء وإنما الله تعالى يرجمك... فيقول: «كذبتم يا فسقة, 
لو رجمني الله تعالى ما أخطأني وأنتم تخطئون». فنظمه حبيب [أبو تمام] فقال [البسيط]: 
رمى بك الله بُرْجَيْها فَهَدْمَها 2 ولو رَمى بك غير الله لم يُصِبٍ(069. 
انشغل ابن رشيقء إذنء في العمدة بتلخيص الآراء وعرض الموضوع., وما يتصل به من مصطلحات 
وشواهدء كما وصل إليهء مع تعليقات قليلة ومقتضبة قد لا تخلو من بعض التسرع. إلا أنه في «قراضة 
الذهب» وجد المجال واسعا للتحليل والتعليل فأبان فيه عن ذوق وذكاء رفيعين أثناء تتبعه وتحليله لعملية 
التناصء خاصة في تحديده العناصر أو الخصائص الذاتية لكل من النص السابق والنص اللاحق لإدراك أوجه 


213 


السرقة الشعرية 





التشابه والاختلاف في الأساليب والمقاصد مما لم يستطعه كثير من دارسي التناص في العصر الحاض 0170 
وربما كان ابن رشيق الناقد الأكثر وضوحا في ربطه عملية السرقة, التي هي تقنية من تقنيات التناص, 
بالمظهر اللغوي والجانب البلاغي باعتباره المجال الذي تظهر فيه خصوصية كل شاعر وقدراته الإبداعية. كما 
أنه تتبع؛ في إشارات عميقة تحولات المعنى وتشابكه وسفره عبر العصور متنقلا متقلبا من صورة إلى أخرى. 
وهو ما سيعير عنه عبدالقاهر الجرجاني بطريقته الخاصة في «دلائل الإعجاز». ليضع بذلك يده على أساس 
جوهري من أسس الإبداع؛ فغدا موضوع السرقة عنده هو موضوع الإبداع ذاته. حيث يوجه الشاعر إلى 
الطرق المثلى في الاستعانة بالآخرين ويحثهمء. بطريقة غير مباشرة. على إخضاع المأخوذ للمقاصد الجديدة. 


6 - عبدالقاهر الجرجاني 

للتمييز بين السرقة والأخذ والاستمداد والاستعانة. يعيد عبدالقاهر الجرجاني الأفكار نفسها التي رددها 
سابقوه, وخاصة في كتابه «أسرار البلاغة», بحيث لن نلاحظ في حديثه عن الموضوع غير اختلاف في العرض, 
فهو مثل القاضي الجرجاني في «الوساطة»», يرجع اتفاق الشاعرين في الغرض إلى وجهين: 

أ- وجه العموم: كوصف الممدوح بالشجاعة والسخاء والبهاء. 
ب - وجه الدلالة على الغرض: كتشبيهه بالأسد في الشجاعة والبحر في السخاء والشمس في الحسن... إل(171, 

فأما الوجه الأول فإن الاشتراك فيه مما لا يدخل في سرقة ولا أخذ. 

وأما الوجه الثاني الذي هو وجه الدلالة على الغرض فينقسم إلى قسمين: 

1 - قسم في حكم الغرائز مركوز في النفس؛ فحكمه حكم العموم, مثل «التشبيه بالأسد في الشجاعة 
وبالبحر في السخاء وبالبدر في النور والبهاء» وبالصبح في الظهور والجلاء... وكذلك قياس الواحد في خصلة من 
الخصال على المذكور بذلك والمشهور به والمشار إليه»72؟. وهي الصور الجاهزة. 

2 - قسم لا ينتهي فيه المتكلم إلى المراد إلا بنظر وتدبر واجتهاد فهو الذي «يجوز أن يُذُعى فيه 
الاختصاص والسبق... وأن يُجِعَلَ فيه سلف وخلف ومفيد ومستفيد»073. 

كما يمكن الحديث عن قسم ثالث؛ كأنه مركب من القسمين معا؛ فما هو مشترك عامي قد يدخله النقش 
وتلحقه الصنعة؛ فيصبح هو أيضا من قبيل الخاصء كقول بعض العرب [الوافر]: 

سَلَبْنَ ظبآة ذي نَقَرٍ طُلآها ونُجَلَ الأعْيّنِ البقَرَ الصوارا(0174), 

«فقد أوهم أن ثم سرقة, وأن العيون منقولة إليها من الظباء. وإن كنت تعلم إذا نظرت أنه يريد أن 
يقول إن عيونها كعيون الظباء... فإذا حققتَ النظر فالخصوص الذي تراهء والحالة التي تراها تنفي الاشتراك 
وتأباه. إنما هما من أجل أنهم جعلوا التشبيه مدلولا عليه بأمر آخر ليس من قبيل الظاهر المعروفء. بل 
هو في حد لحن القول والتعمية اللذين يُتعمد فيهما إلى إخفاء المقصود حتى يصير المعلوم اضطرارا يُعرف 
امتحانا واختبارا»(175), 

وهنا يُشرف عبدالقاهر الجرجاني على فكرة التصوير التي مرت بنا مع ابن رشيقء وسيتناولها بطريقة أخرى 


214 


السرقة الشعرية 


اك 





وبدقة أكبر في دلائله؛ فهو يعتبر أن الناحية الفنية في المثال السابق» هي التي تفعل فعلها في المتلقي؛ تماما كما 
تُعجب وتخلب وتروق و«تؤنق» التصاوير في النقش والنحت؛ بل قد تصل بأصحابها إلى حد الفتنة بها والإعظام 
لهاء كما هو الشأن لدى عبدة الأصنام, و«كذلك حُكم الشعر فيما يصنعه من الصور ويشكله من البدع»©17). 
وإذا كان عبدالقاهرء في «الأسرار», قد انتهى إلى فكرة التأثير في المتلقي» عبر مناقشته للتصويرء فإنه» في 
«الدلائل», يناقش فكرة التصوير ذاتهاء ولكنه لا يصل إلى أثرها في المتلقي. بل يدرسها في إطار النسق اللفظي» 
أو المعاني النحوية والنظمء مما يتلاءم مع غرض الكتاب وهو الإعجاز القرآنيء ذلك أنه. وفي إطار موضوعناء 
شغلء منذ بداية حديثه عن الاحتذاء بالرد على «مزاعم» المعتزلة؛ فقد زعم القاضي عبدالجبار المعتزلي أن 
مجرد قراءة شعر فصيح على النسق اللفظي الذي وضعه المبتدئ هو إتيان بمثل ما أقى به واحتذاء له(1”7), 
بينما يعتبر عبدالقاهر «الاحتذاء» أن ينتج المحتذي الأسلوب والنسق اللفظي أنفسهما اللذين يتميز بهما 
المحتذّى في غرض معين «فَيُشَبّه من يقطع من أديمه نعلا على مثال نعل قد قطعها صاحبهاء فيقال: قد 
احتذى على مثاله» 779 كقول الفرزدق [الطويل]: 
أترجو ربَيْعَ أن تجية صغارّها بخير وقد أعيا رُبَيَْا كبارُها 
فاحتذاه الْبَعِيكُ بقوله [الطويل]: 
أترجو كليبٌ أن يَجِيء حَديثُها بخير وقذ أعيًا كُلَْبا قدمُها 2179 
وهذا ما كان يسميه ابن رشيق «الموازنة», وضرّب له مثالا قول كُتَير [المتقارب]: 
تقول مرضنا فما عُدتنآً 2 «كيف يَعودٌ مريضٌ مريضا!190. 
وازن في العَجّز قول نابغة بني تغلب [لمتقارب]: 
تخِلنا لبخلكِ قد تعلمين «وكيف يعيبُ بَخيل بَخيلا19. 
إلا أن الاختلاف هنا حول المفهوم من مصطلح «الاحتذاء» مرتبط بمسألة إعجاز القرآن؛ أيكون التحدي 
وقع منه إلى أن يؤق بمثله على جهة الابتداءء وأن الإعجاز واقع في الألفاظ بمجرد ضم بعضها إلى بعض على 
دعوى المعتزلة, أم أن التحدي فيه واقع على جهة الاحتذاء. وأن إعجازه كامن في معاني النحو كما يقول بذلك 
عبدالقاهر 2؟!؛ قال القاضي عبدالجبار: «فيجب في القرآن أن يكون التحدي واقعا بهم على المعتاد. فيكون 
ما يورده المتحدى (بالفتح) في حكم المبتدأء ويكون مشاركا للمتحدي في أن يكون ما يورده مبتدئاء وخارجا 
عن أن يكون محتذيا لأن الاحتذاء أو الحكاية لا مُعبّر لهما في هذا الباب»537'. بمعنى أن المتحدّى ينبغي 
أن يكون قادرا على النسج على غير مثال سابقء ويأقٍ مع ذلك بمثل الترتيب والنسق الذي في ألفاظه! وهذا 
محالء لأن الأغراض والمعاني هي المتحكمة في نسق الألفاظء وإذا افترضنا أن المتحدّى قال كلامه ابتداء؛ فمن 
أين له نسق كنسق القرآن» وأغراضٌهء لا بد. غير أغراضه!؟ اللهم إلا إذا زعم أن النسق إنما يقع في الألفاظ دون 
ا معاني: «حتى إنك لو قلت: (نبك قفا حبيب ذكرى من... ) لم تكن قد أعدمته النسق والنظم وإنما أعدمته 
الوزن فقط»54!). وهذا أيضا محال. 
والذي جعل المعتزلة يركبون هذا المركب الصعب - في نظر عبدالقاهر- هو عدم اعترافهم بالاحتذاء» 


215 


السرقة الشعرية 





لأنهم لا يفهمون منه غير إعادة قول الشيء نفسه الذي قاله المبتدئ؛ فالمحتذي عندهم مجرد معيد للقول. 
وهم «لا يجعلون الشاعر محتذيا إلا بما يجعلونه به آخذا ومسترقا... وإذا عمد عامد إلى بيت شعر فوضع 
مكان كل لفظة لفظا في معناه كمثل أن يقول في قوله [البسيط]: 
دع المَكارمَ لآ تَرْحَلُ لبُعْيَبِهاً وقَعُدْ فإنكَ أنتَ الطأَعِمُ الكآسي !1953 
ذَرٍ المآثر لآ تَذْهَبْ لمَطْلَّبها واجلشس فإنك أنت الآكل اللابسش 

لم يجعلوا ذلك «احتذاء» وم يؤهلوا صاحبه لأن يسموه «محتذيا», ولكن يسمون هذا الصنيع «سلخا», 
ويرذلونه ويسخفون المتعاطي له»9*!. وشرطهم فيمن يروم استلحاق معنى من سبقه عن طريق الأخذ 
والسرقة أن يكسوه لفظا من عنده. 

وهنا يعترض عبدالقاهر على هذا الفصل بين المعنى واللفظء ويستغرب كيف أن أحدا من هؤلاء الذين 
يعطون كل هذه المزية للفظ لا يكلف نفسه عناء السؤال: «من أين يكون هاهنا معنى عار من لفظ يدل 
عليه»77*'» فيحتاج إلى من يأتيه بكسوة اللفظ من عنده؟! ومع التسليم لهم بذلك, على سبيل الجدلء يتساءل 
عن الأساس الذي يستند إليه هؤلاء في قولهم إن من كسا معنى مأخوذا فهو أحق به. مع العلم أن الآخذ م 
يغير في صورة المعنى شيئاء وبقي - وفق دعواهم - على أصله الذي أنتجه به صاحبه. وفي تجاوز لهذا «الفهم» 
الساذج لمشكل السرقة والأخذء يقرر عبدالقاهر: «أنه لا يُتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين 
مثل صورته في الآخر البتة»(8!). ويظهر ذلك جليا في اختلاف النظم والتأليف أو توخي معاني النحو. أما قصد 
بيت من الأبيات. ووضع مكان كل لفظة ما يرادفها احتذاءً له. دون المس بنظامه. فمما لا يعتد به «ولا يدخل 
في قبيل ما يفاضّل فيه بين عبارتينء بل لا يصح أن يُجعل ذلك عبارةٌ ثانية ولا أن يُجعل الذي يتعاطاه بمحلّ مَن 
يُوصَف بأنه أَخَدَ معنى»1*9). كما لا يجوز تهويل الأمرء على طريقة من يُحاجُّهم الجرجاني, فيتّهَمَ المحتذي 
بالسلخ, وهو الذي ما رام سوى الاحتذاء والنسج على مثال يعتيره قدوة, فيتبعه حذو النعل بالنعل190), 

أما ما يعتد به فمما تغير نظمه وانتقل المعنى فيه من صورة إلى صورة7!”*, كما فعل أبو نواس بقول 
النابغة [الطويل]: 

إذَا مَا غَا بِالجَيّشٍ حَلْقَ قَوقَهُ عَصَائبٌ طَيْرٍ تهتدي بعصّائب 
جوانحَ قَذ أيقَنَ أن فَرِيقَهُ إذا ما التَقَى الصَّفَانٍ أوَلُ غَائب92!/, 
حين قال [المديد]: 
تتأيّى الطب غَدْوته ١‏ “ثقَةٌ بالشّبْع من جَرَرواة019 

ذلك أن في صورة النابغة معنيين: 

«أحدهما أصل؛ وهو علم الطير بأن الممدوح إذا غزا عدوا كان الظفر لهء وكان هو الغالب. 

- والآخر فرع؛ وهو طمع الطير في أن تتسع عليها المطاعم من لحوم القتلى. 

وقد عمد النابغة إلى «الأصل» الذي هو علم الطير بأن الممدوح يكون الغالبء فذكره صريحاء وكشف 
عن وجهه. واعتمد في «الفرع» الذي هو طمعها في لحوم القتلى, وأنها لذلك تحلق فوقه. على دلالة الفحوى 


216 


السرقة الشعرية 





وعكس أبو نواس القصة. فذكر «الفرع» الذي هو طمعها في لحوم القتلى صريحا... وعول في «الأصل» الذي 
هو علمها أن الظفر يكون للممدوح. على الفحوى»4”؟). وهكذا يُدخل عبدالقاهر قضية السرقة ضمن 
مفهوم «النظم» بحيث لا تهمهء عند الحديث عن المبتدئ والآخذء إلا من هذه الناحية, وقد مكنته هذه 
النظرية من إدراك دقائق الاختلافات في النظم ودلالاتها بين كل شعرين متفقين تجمعهما علاقة «السرق». 
وهذا من أسمى الغايات التي تسعى إليها دراسة التناص اليوم. 


7 - ابن الأثير 

يدرس ابن الأثير السرقات باعتبارها أمرا عاديا إذ «لا يستغني الآخِر عن الاستعارة من الأول»2!1959, وعلى 
الآخذ فقط أن يطيل معالجة «ا لأخوذ» لإدخاله في سياقه الجديد وهو ضامن له قدرا كافيا من التورية والاختفاء. 
أما المعاني التي تستحق الأخذ أو السرقة فهي المعاني المخصوصة المبتدعة لا ما كان فيه الشعراء مشتركين. وتتم 
هذه السرقة ولو بأخذ لفظة واحدة9©”!». وإن كان الوقوف عليها صعبا لا يتم إلا بحفظ الأشعار الكثيرة» لا بأن 
يُكتفى لاستكشافها على «تصفح الأشعار تصفحا... فإنه لا يظفر منها إلا بالحواشي والأطراف»1977). 

وذكر ابن الأثير خمسة أوجه للسرقة: ثلاثة ذكرها بالاصطلاح عليهاء واكتفى في الوجهين الباقيين بمجرد التعريف: 

- الوجه الأول: النّسخء وهو «أخذ اللفظ والمعنى برمته من غير زيادة عليه. مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب»1980), 
وهو على ضربين: ضرب يسمى وقوع الحافر على الحافرل””؟. وضرب يوْخذ فيه المعنى وأكثر اللفظ 2000 , 

ومثال النسخ من الضرب الأول قول امرئ القيس [الطويل]: 

وقوقًا بها صَحبي عَلَيّ مَطِيّهُمْ يقولون لا تَهْلِكْ أسّى وتَجَملِ!201. 
وقول طرفة [الطويل]: 
وقوفًا بها صَحْبِي عَلَيّ مَطَيّهُمنر يقولون لا تَهْلِكْ أسّى وتَجَلْداة20,, 

- الوجه الثاني: السلخ: وهو:«أخذ بعض ال معنى: مأخوذا ذلك من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم 
المسلوخ»0027. ويتفرع إلى اثني عشر ضربا ليس مذكورا منها غير أحد عشرء وهي: 

1 - أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه. وهو من أدق السرقات. 

2 - أن يؤخذ المعنى مجردا من اللفظء وذلك صعب جدا. 

3 - أخذ المعنى ويسير من اللفظء. وهو من أقبح السرقات. 

4 - عكس اللمعنى الأخوذ «وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حد السرقة». 

5 - أن يؤخذ بعض المعنى. 

6 - أن يزاد على المعنى المأخوذ. 

7 - يكسى المعنى اللأخوذ بعبارة أحسن من الأوللى. 

8 - «أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزاء وذلك من أحسن السرقات». 

9 - أن يعمم المعنى الخاص أو يخصص المعتى العام. 


217 


السرقة الشعرية 





0 - «زيادة البيان مع المساواة في المعنى». 
1 - «اتحاد الطريق واختلاف اللقصد» !204 
ومثاله من الضرب الرابع من السلخ قول أب الشيص [الكامل]: 


أجِدٌ اللَلامَةَ في هَواكِ لذيدَّةٌ شَعَنًا بذكركِ فَلْيَنْمْني الؤ003, 
أخذه المتنبي وعكسه إلى [الكامل]: 
أأحِبّهُ وأحب فيه ملآمةٌ إن المَلامَةَ فيه من أغدائه(09©. 


الوجه الثالث: المسخ «وهو قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة, ويضاده قلب الصورة القبيحة إلى 
صورة حسنة, وهذا لا يسمى سرقة, وإنما هو إصلاح وتهذيب»97©. فالأول كقول أبى تمام [الطويل]: 


فتى لا يَرى أن القريصة مَقْتَلّ ولكنْ يَرى أن العُيُوبَ مَقاتلٌ (205, 
وقول أبي الطيب المتنبي [الطويل]: 
يَرى أن مَا مَابَانَ نك لضارب بأَقْمَلَ ما بَانَ منكَ لعائب209, 


فهو وإن لم يشوه المعنى فقد شوه الصورة. ومثاله في ذلك كمن أودع الوشيّ شملا وأعطى الورد جُعَلاه 
وهذا من أرذل السرقات»2100, 
والثاني قول أبي الطيب [الكامل]: 
لَوْ كآنّ ما تُعطيهمٌ من قَبْلٍ أنْ تُعْطِيهمٌ لَمْ يعرفوا التأميلا(!!2. 
وقول ابن ثُباتة السعدي [البسيط]: 
لَمْ يُبْقِ جودّكَ لي شيئا أَؤَمُلَهُ تَرَكْتَنِي أَضْحَبُ الدنيا بلآ مَل 212 
- الوجهان الرابع والخامس؛ قال عنهما: «وهاهنا قسمان آخران... فأحدهما أخذ المعنى مع الزيادة عليه. 
والآخر عكس المعنى إلى ضده. وهذان القسمان ليسا بنسخ ولا سلخ ولا مسخ»2170. وم يمثل لهما بشيء. 
ويوهم عمل ابن الأثير هذا بالاستقصاء والدقة. والإتيان على كل قواعد السرقة. والمفروض. في الواقع, 
أن يكون الأمر كذلك مادام من المتأخرين الذين أتيح لهم الاطلاع على كل أو جل ما تقدم من كتابة في 
الموضوع. ومصدر الإيهام أنه يتخذ لذلك سبيل الأحكام الجازمة: أو الجارفة كما يصفها د. إحسان عباس لكي 
يكسب ثقة القارئ2!4, ويضمن تخليه عن التحري والملاحظة, من مثل قوله في هذا المجال: «وأما السلخ 
فإنه ينقسم إلى اثني عشر ضرباء وهذا التقسيم أوجبته القسمة, وإذا تأملته علمت أنه لم يبق شيء خارج 
(215, وقوله: «وكل قسم من هذه الأقسام يتنوع ويتفرع, وتخرج به القسمة إلى مسالك دقيقة»©21. 
ولابن الأثي في مثل هذاء ولع خاص بالتقسيم والإحصاء للإيهام بالعلمية أو «للظهور بمظهر من يعرف 
المنطق والحساب» 2177 والثقافة المعاصرة. ولو تأملنا هذا التقسيم الذي وضعه ابن الأثير مما وجدنا له مبررا 
غير ما يمليه عليه طبعه وذوقه الخاص» بل إننا نستطيع أن نضع يدناء بسهولة, على الخلل في التقسيم, 
مما يدل على أنه تقسيم فيه تسرع وارتجال؛ فإذا نحن تجاوزنا عن تقسيمه الوجه الثاني (السلخ) إلى اثني 
عشر ضرباء ثم لم يذكر من هذه الأضرب غير أحد عش (212, لاحظنا أن ما زعمه من زيادة وجهين يقول إنه 


216 


السرقة الشعرية 





استدركهما على ما فاته في كتاب كان قد ألفه في الموضوع2179, هو مجرد تكرار لا موجب له. لما سبق أن ذكره 
في الضربين الرابع والسادس من الوجه الثاني الذي هو السلخ. فالذي زاده الكاتب كما مر هو: 

1 - أخذ المعنى مع الزيادة فيه. 

2 - عكس ال معنى إلى ضده. 

وبهما تكتمل الأوجه الخمسة. وإن كان. ومن دون تبريرء حرمهما الاصطلاح الذي استأثرت به الأَوّلُ 
وحدها. أما الضربان الرابع والسادس من الوجه الثاني (السلخ) فهما كما أشرنا إليهما سابقا: 

1 - أن يؤخذ المعنى فيعكس. 

2 - أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه. 

وهذان بغير زيادة ولا نقص, فلا مجال للحديث عن وجهين جديدين يذكرهما الكاتب بالتعريف نفسه. 
ولا يمثل لهما بشيء كما هي عادته. 

هذاء بالإضافة إلى أن هذه المصطلحات منفرة من الموضوع. فكلها تدل على تشويه الأصل نسخا وسلخا 
ومسخاء مما يجعل طرحها للتداول معرضا لكثير من المصاعبء كما يستبعد الاتفاق مع الكاتب على كل 
ما قاله في تعريفهاء خاصة في مدى تطابق هذه التعريفات مع ما يورده من أمثلة اعتمد فيها على ذوقه 
وانطباعه العام كما اعتمد ذلك في أحكامه. ورسخ في ذهن القارئ الفصل بين اللفظ والمعنى؛ وقد مر بنا 
كيف حارب عبدالقاهر هذه الفكرة. 

ومن دون أن نطيل في نقد أفكار الكاتب ومنهجه. فإن الظاهر أن دراسة السرقاتء بشكل علمي دقيق 
كما مر بنا مع النقاد والبلاغيين السابقينء قد سجلت لدى ابن الأثير تراجعا ملحوظا لمم نسجل مثله لدى النقاد 
والبلاغيين المستعرضة آراؤهم إلا عند ابن وكيع. 


8 - حازم القرطاجني 
يرى حازم القرطاجني أن اقتباس المعاني واستثارتها يتأق عبر طريقين: 

1 - طريق قوة الشاعرية أو الخيالية التي تميز بين ما تشابه أو تباين من العناصر التي يشكل بها الشاعر 
معانيه. 

2 - طريق ثان يكون زائدا على الخيالء وهو ما يستعين فيه الشاعر بالمقول أو المكتوب من قبلء وفق تعبير رولان 
بارت. حيث يلجأ «إلى كلام جرى في نظم أو نثر أو تاريخ أو حديث أو مثل. فيبحث الخاطر فيما يستند 
إليه من ذلك على الظفر بما يسوغ له معه إيرادُ ذلك الكلام أو بعضه»0”. وفي هذه الطريق يتحدث. 
كما هو بينء عن مفهوم التناص مستخدما مصطلح «الاقتباس» و«الاستناد إلى كلام الغير». ويشترط على من 
يستعين بكلام غيره أن يورده: «بنوع من التصرف والتغيير أو التضمين فيحيل على ذلك أو يضمنه أو يدمج 
الإشارة إليه أو يورد معناه في عبارة أخرى على جهة قلب أو نقل إلى مكان أحق به من المكان الذي هو فيه 
أو ليزيد فيه فائدة فيتممه أو يتمم به أو يحسن العبارة خاصة: أو يصيّر المنثور منظوما أو المنظوم منثورا 


219 


السرقة الشعرية 





خاصة. فأما من لا يقصد في ذلك إلا الارتفاق با معنى خاصة. من غير تأثير من هذه التأثيرات. فإنه البي 

الطبع في هذه الصناعة, الحقيق بالإقلاع عنها وإراحة خاطره مما لا يجدي عليه غير المذمة والتعب» !221 

غير أن هذه الإجراءات وغيرها في التعامل مع النص المستدعى أو «النص الغائب» قد تؤدي إلى الغموض, 
وهي الظاهرة التي خص بها حازم موضوع التضمين (أو التناص)؛ في مبحث خاص تطرق فيه إلى أهم الأوضاع 
التناصية التي قد يستغلق بها المعنى على المتلقيء وكان هذا الموضوع محل عناية ابن طباطبا الذي أشار إلى 
آثاره السلبية على جمالية التلقي» وضرب لذلك مثلا مفيدا كما مر. غير أن حازما توخى في دراسته تقسيما 
منهجيا يتناول فيه كل قسم بنوع من الاستقصاء لجميع الحالات التي من الممكن أن تشكل حجابا يحول بين 
المتلقي وما يستشرفه من معنى؛ فقسم وجوه الإغماض في المعاني إلى ثلاثة أقسام: 

1 - قسم يرجع فيه الإغماض إلى المعاني أنفسها؛ وعدد فيه كثيرا من الحالات, منها أن يضمن الشاعر شعره 
«معنى علمياء أو خبرا تاريخياء أو إشارة: أو مثلاء أو شعراء أو كلاما سالفا بالجملة». أو يكون ظاهر 
التضمين مما يصرف التخمين إلى احتمالات بعيدة:, أو أن تكون بعض العناصر الذاتية للمعنى المضمن 
مما يشترك معه فيه كثير من المعاني ولا توجد مجتمعة إلا فيه(22©. 

2 - قسم يرجع في الإغماض إلى الألفاظ والعبارات المدلول بها على المعنى7777, منها أن يكون اللفظ غريبا 
حوشياء أو مشتركا لا يعلم القارئ دلالته. أو قد يحمله من الدلالة غير ما يحتمل في ذلك املوضوع(224. 

3 - قسم يرجع فيه الإغماض إلى المعاني والألفاظ معاء وم يذكر فيه الكاتب مثالا عن حالة ماء واكتفى بإجمال 
القول على الحالات جميعها بقوله: «فكل معنى غامض وعبارة مستغلقة. فغموضه واستغلاق عبارته 
راجعان إلى بعض هذه الوجوه المعنوية أو العبارية أو إليهما معاء أو إلى ما ناسبهما وجرى مجراهما مما 
لعلنا مم نذكره من وجوه الإغماض الراجعة إلى معنى أو عبارة»(225. وطالب من أحسٌ بوقوع شيء من 
ذلك فيما يكتبه أن يجتهد في تخليصه من الإبهام بقرائن إن كان قصده التوضيح., وإلا فإن «المعاني منها 
ما يُقصد أن تكون في غاية من البيانء ومنها ما يقصد أن تكون في غاية من الإغماضء ومنها ما يقصد أن 
يقع فيه بعض غموض»29. وبعد أن يقدم الكاتب مقترحات لإزالة الغموض في المعنى واللفظء وبعد 
أن يوضح ويمثل للقسمين الأول والثاني بما يراه مناسبا!”2. ينتقل إلى: 

1 - موضوع السرقة أو المعاني القديمة والمخترعة. 

2 - والمعاني التي تصلح أو لا تصلح للشعر. 

1 - ففي موضوع السرقة أو ما يسميه المعاني القديمة المتداولة والجديدة المخترعة: يظهر أنه م يزد على 
أن ردد كلام القدماء. وقسم المعاني في هذا الإطار إلى شائعة مشتركة لا يسمى من تعاطاها سارقا؛ كتشبيه 
الشجاع بالأسد والكريم بالبحر...(229, و«معان قليلة» وفق تعبيره. يشترط على آخذها الزيادة فيها والإضافة 
إليها أو نقلها إلى موضع آخر أو قلبها أو تحسينهاء ثم معان نادرة, وهي التي تعرف بامعاني العقم يختص بها 
شاعر واحد ولا يستطيع أحد أن يأخذها إلا بشرط التغييرات السابقة, فإن أخذها كما هي عد سارقا!029, 

2 - أما ا معاني التي تصلح أو لا تصلح للشعر فيقسمها الكاتب إلى أربعة أقسام: 


220 


السرقة الشعرية 
٠٠ -‏ :000 :71740:711 قت ع سس سس اس سه سس سس سس ا ا 7سا 

أ- معاني وعبارات أهل المهن» واستعماتها في الشعر«أشد قبحا من استعمال الألفاظ الساقطة المبتذلة»(230. 

ب - معان خارجة عن هذا المجال ولا يحتاج فهمها إلى مقدمات «فمنزلتها من العاني منزلة الألفاظ 
المستعملة المفهومة». وهي التي ينبغي الإكثار منها(31©, 

ج - معان لا يعرفها إلا الأدباء مرتبطة بما اشتّهر من القصص والتواريخ والأخبار «فمنزلتها من المعاني 
منزلة استعمال الألفاظ التي ارتفعت عما يفهمه العامة»!232, 

د - معان متعلقة بالعلوم والصنائع لا يعرفها إلا الخاصة القليلة من الأدباء «فمنزلتها من المعاني منزلة 
استعمال اللفظ الحُوشي»(233). 

وبعد ذكر هذه الأقسامء يُعنى حازم بالقسمين الثالث والرابع» موضحا وممثلا ومبرزا موقفه. وعنايته 
بهما ترجع إلى كونهما المحتاجين إلى مقدمات توضحهماء أما القسم الأولء والثاني على الخصوصء فمعانيه 
«جمهورية» يشترك فيها العام والخاص 2329 وأما القسم الثالث الذي هو الإشارة إلى الأقاصيص والأخبار فمما 
يحسن في الشعر. ويسميه الكاتب «الإحالة» «لأن الشاعر يحيل بالمعهود على المأثور». ويشترط الاعتماد فيها 
على المشهور مراعاة للمتلقي. ويصف تأثيرها في النفس بأنه عجيب. سواء في نفورها أو ميلها من القصة أو 
الأخبار المحال عليها؛ «فتتحرك النفوس بما قد ارتسم فيها من صفة القصة الأولى إلى اعتقاد القصة الأخرى 
على مثل تلك الصفة. هذا إذا كانت الإحالة على سبيل المحاكاة»250. والقسم الرابع يسرد فيه الكاتب بعض 
الأمثلة من الشعر للدلالة على أن معاني العلوم والصناعات مما يستشكل أمره في الشعر ولا يحسن تعاطيه. 
وينبغي في نظره أن تستقل كل صناعة بمعجمهاء وألا يكون هنالك خلط بين الفنون 36 

فحازم القرطاجني يتحدث عن مفهوم التناص المتمثل في السرقة وغيرها من الوجوه. ويشترط فيه. 
كما يلح بعض النقاد اليوم, عدم «اجترار» المأخوذ من الغيرء وإن كانت التغييرات التي يجريها المبدع 
على النصوص المستدعاة مما يؤدي إلى غموض النص. وهي ظاهرة عني بها الكاتب عناية خاصة. وربط 
فعاليتها بمراعاة شرط التواصل. وإذا كان موقف الكاتب «المعادي» من بعض الألفاظ وا معاني باعتباره إياها 
غير شعرية؛ كعبارات ومعاني أهل المهن والعلوم والصناعات, يعكس فهما «قاصرا» لوظيفة وطبيعة اللغة 
الشعرية إلى حد ماء فإن ترغيبه في «الإحالة» والسرقة, ووصفه لشروط فعاليتهاء وفهمه لفعلها في المتلقي» 
ما يجعله في طليعة النقاد القدماء العارفين بأسرار اللغة الشعرية. 

ونقف في استعراض آراء القدماء حول مفهوم التناص عند حازم القرطاجني تجنبا للإطالة» من ناحية, 
ولعدم وجود نظرات جديدة. بعده. جديرة بإضافتها إلى آرائه وآراء غيره ممن سبقوه, من ناحية أخرى. 

فما كتب بعد هذه الفترة (القرن السابع الهجري) لا يعدو التلخيص والتعريف ال موجز لكل مصطلح من 
مصطلحات هذا المفهوم. كما عرفها القدماء. فقد انتهوا من اعتبار هذا المفهوم - خاصة السرقة - إشكالاء 
فراحوا يصوغون لمصطلحاته التعريفات والقواعد «النهائية»» باعتبارها أوجها بلاغية متفقا عليها؛ ويكفي 
الرجوع - على سبيل المثال لا الحصر - إلى «العلامة الطيبي» و«التفتازاني» و«القلقشندي» و«العباسي» 
و«المرصفي»237) على التوالي للوقوف على هذا الأمر. 


221 





السرقة الشعرية 


اقتب” ول . * 


الهوامش 


222 





قراضة الذهب, ابن رشيق, 107. 
8 زوع أوعومتمنلةط 
اللسانء (سرق). 


| الكليات, الكفوي. 514. 


التعريفات. الجرجانيء 156 و157. 

كشاف اصطلاحات الفنونء التهانوي. 657. 

اللسان. (سرق). 

مصطلحات النقد العري» 287, ونصوص المصطلح النقديء د. الشاهد البوشيخي» 375. 
ا مرجع نفسه. 

السرقات الأدبية, د. بدوي طبانة, 39. 


.174 شرح ديوان طرفة؛‎ ١ 


ديوان حسان, 1: 430. 

معاهد التنصيص, 4: 7 و8. 

قال الأخطل: «نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة». مصطلحات النقد العربي. 289 نصوص المصطلح النقدي, 396. 
وربما كان الاستعمال الاسمي دالا على ثبات المفهوم بما مر من الزمن. 


' مصطلحات النقد العربيء 290 و291. 
| النقد المنهجي عند العربء. د. محمد مندور, 357 و358. 
| رأينا أنه من بين ما حرص عليه منظرو مفهوم «التناص» هو ألا نكتفي برد النصوص الغائبة التي نكتشفها إلى أصلها. 


نقد الشعر عند العربء د. أمجد الطرابلسي, 207. 
ديوان عنترة, 186. 
ديوان كعبء 123. 


!] تاريخ آداب العرب. مصطفى صادق الرافعيء 1: 271 وما بعدها. 


مصادر الشعر الجاهليء د. ناصر الدين الأسد. 222. 

في الأدب الجاهلي» 267. 

الرجع نفسه. 

الأغاني. 91:8. 

الموازنة, الآمدي, 59:1. 

الفرزدق, كتاب النقائض لأبي عبيدة معمر بن المثنى 200 و201, الشرح: 1) النوابغ: الذبياني والجعدي والشيباني. 
أبو يزيد: المخبل» ذو القروح: امرؤ القيسء جرول: الحطيئة. 3) أخو بني قيس: طرفة. 4) والأعشيان: أعشى قيس 
وأعشى باهلة. 6) ابنا أبي سُلمى: زهير بن أبي سلمى وابنه كعب - ابن الفريعة: حسان بن ثابت. 7) الجعفري: لبيدء 
بشر: ابن أبي خازم. 8) آل أوس: أوس بن حَجَّر. 9) الحارثي: النجاشي. الشرح عن النقائض. 


السرقة الشعرية 


ماي لوبو وحم صعم يو ب وو يوج سس و و 0 


كثير من كتب النقد القديم تعكس نوع الثقافة التي ينبغي للشاعر الإلمام بها. وهي ثقافة موسوعية تتصل با معرفة 
الشاملة, بصناعة الشعر وروايته وتاريخه. كما تتعلق بالمعرفة الدقيقة بالأنساب والأيام والخيل والفلك والتقاليد... 
إلخ. وهذا ما يمثله على أكمل وجه كتاب العمدة لابن رشيق. 

الشعر العربي المعاصر بالمغرب الشرقي, 260 - 264. 

4 بع 5 زلقسقدة5 عصنا عنامم وعطءمعطعم , غعلنامتغصةة 
تعني الباحثة بهذا المصطلح ما ذكرته قبل من أن نصوص الحداثة (أو الطليعة) تتشكل عبر تلاقي وامتصاصء وفي 
الوقت نفسه. عبر هدم وتحويل النصوص الأخرى التي تدخل إلى فضاء التناصء فهي تلاق وتحويل في آن واحد - 
المرجع نفسه. 196. 
امرجع نفسه. 
ينظر المقارنة التي عقدها د. محمد مصطفى هدارة في الفصل الرابع من كتابه «مشكلة السرقات في النقد العربي» 
بين النقاد العرب والأوروبيين. 245 وما بعدها. 
نقد الشعر عند العرب» 205. 
طبقات فحول الشعراء. 56 - والديوان» 74. وفيه «على شَحَبْ». وهي الرواية المشهورة. كما أشار محقق الطبقات. 
أما رواية «إلى شعث» فهي كما يقول في الصفحة نفسها «رواية غريبة ولكنها شريفة محكمة... ». 
المرجع نفسه. 57. 

ا مرجع نفسه.ء وديوان النابغة «صنعة ابن السكيت»». 222. 
المرجع نفسه. وشعراء النصرانية بعد الإسلامء لويس شيخوء 35. وفيه «المستنفر». وقبله بيت آخر يروى كذلك 
للنابغة, كما ورد في «ابن السكيت» 222 وهوالبسيط: 
فلن أصالحهم مادمثٌ ذا فرس واشتد قبضا على السيلانٍِ إبهامي 
طبقات فحول الشعراء 58. 
المرجح نفسه. 
ا مرجع نفسه. 59. والأغانيء 5: 14. 
«يُضرّب للرجل يحتمل المشقة رجاء الراحة». ويروى أن أول من قاله خالد بن الوليد.ء مجمع الأمثالء الميداني» 2: 
38 
طبقات فحول الشعراء, 59. 
مصطلحات النقد العربي. 291. ومشكلة السرقات. 23. 
طبقات فحول الشعراء. 733, واستعمل مصطح الإغارة فعلا في الحديث عن قُرَاد بن حَنَشُ قال: «كان قُرادُ بن 
حتّش من شعراء غطفانء وكان قليل الشعر جيدّهء وكانت الشعراء تغير على شعره فتأخذه فتَدّعيه». وينظر: 
مشكلة السرقات, 92. 
عيار الشعرء 123. 
ال مرجع نفسه. 72 و73. 
المرجع نفسه. 126. 
المرجع نفسه. 127. 
المرجع نفسه. 126. 


223 


224 


السرقة الشعرية 


ا مرجع نفسه. 131. والديوانء 492. 
المرجع نفسه. 133. 
ديوان أبي تمام. 69:1. وفيه: «نضجت أعمارهم... 4 
المرجع نفسه. 66. وفي كتاب «أطراس, 9 بوعؤ5ءومضئلة2» قال جيرار جنيت بعد أن أورد كلمة شعرية ل «بوالو 
نهعلنه8»: «هذه الصخور المتحركة المتيقظة ستبدو من دون شك ضربا من العبث للذي يجهل أساطير «أورفي 
م0 وأمفيان «منطمصق». وهي الفكرة نفسها التي عبر عنها ابن طباطبا! 
المرجع نفسه. 202. 
المرجع نفسه. 199 و200. 
ا مرجع نفسه. 323. 
14 نأك.مه ,عتناوناعمم عقدعمةا دك صمنات1ه1286 
القاضي الجرجانيء الوساطة, 183 - 215. 
ا مرجع نفسه؛ 183. 
المرجع نفسه. 183 - 185. 
ال مرجع نفسه. 190 وشرح ديوان المتنبي» 316:3 وفيه: «واستعار... ». 
مرجع نفسه. 
المرجع نفسه. 195. ديوان النابغة, 95. 
المرجع نفسه. والأغاني 22: 91. وشعر ربيعة بن مقروم, ضمن: شعراء إسلاميون, 267. وفيه: «في رأس مُشرفة 
الأرى متبتل». ا 
المرجع نفسه. 201. والديوان 170. 
المرجع نفسه. وديوان الأفوه الأودي. ضمن: الطرائف الأدبية, 11. 
المرجع نفسه. 
المرجع نفسه. 204. والكامل للمبرد. 68. وفيه «كلما غاب», وانظر هامش المحقق عن نسبة الأبيات للقيط بن 
زرارة. 
المرجع نفسه. والديوان. 122 وفيه (وإن.../ ... فينا... ). 
امرجع نفسه. 
ال مرجع نفسه. 205. الديوان» 108. 
المرجع نفسه. الديوان, 40. 
المرجع نفسه. 206. الديوان. 1: 129 في مدح سيف الدولة. 
المرجع نفسه. وديوان أبي الشيص؛ 102. 
المرجع نفسه. 208. 
الموازنة. 114 - 122. ط. أحمد صقر 1: 123 - 133» ويعرض الآمدي في هذا الباب لتجاوزات ابن أبي طاهر في عدم 
تفريقه بين ما هو سرقة وما ليس بسرقة. 
المرجع نفسه. 312 - 339. ط. أحمد صقر 1: 345 - 370, خص الآمدي هنا أيضا بابا للرد على بشر بن يحي وهو 
بشر بن تميم في ط. محمد محيي الدين عبدالحميد متبعا الطريقة نفسها التي اعترض بها على أحمد بن أبي طاهر. 


السرقة الشعرية 


:سس > ووو صصح ري يس ومص دروي م و وو و و1111 


مشكلة السرقات. 174 - 178. وفيه قال الباحث د. محمد مصطفى هدارة: «ولا يعترف مهلهل بوجود سرقة حسنة, 
كما لا يعترف بوجود معان مشتركة... أو أن هناك ألفاظا مباحة لا تقع فيها السرقة», المرجع نقسه. 175. 
الوساطة, 209. 

المرجع نفسه. 214. 

المنصف, 7. 

المرجع نفسه. 

منشورة في البديع (لأسامة بن منقذ), 370 - 398 (ط. القاهرة 264 - 283). 

المرجع نفسه. 370. وشرح ديوان المتنبي: 64:4. وفي هامشه إحالات أخرى على غير أرسطو. 
ا مرجع نفسه. 9. 

ال مرجع نفسه. وشرح ديوان طرفة, 47. 

المرجع نفسه. وديوان عبدالله بن الرُبَعْرَىء 41» من كلمة له في يوم أحد. 

امرجع نفسه. 

المرجع نفسه. 27. 

المرجع نفسه. 31 وديوان أبي نواس: 434. آخر بيت في قصيدة مديح. 

المرجع نفسه. وديوان ابن الرومي» 2: 515. 

ال مرجع نفسه. 7 الهامش رقم1. 

العمدة, 1039. 

المرجع نفسه. 1037. 

ا مرجع نفسه. 1037 - 1039. 

المرجع نفسه. 1039. 

المصطلحات 14 - 17, وردت من دون تعريف في العمدة. 

المصطلحان 18 و19 م يذكرهما إلا في أثناء التمثيل لهما. 


المرجع نفسه. 1058. 

المرجع نفسه. 1039 و1040, 1042. 

المرجع نفسه. 1042, والبيت بديوان جريرء 814. وذكر «الاجتلاب» في قصيدة أخرى 651. وقال محمد بن حبيب: 
هو انتحال الأشعار. 


والذي في طبقات فحول الشعراء. 58 أن يونس بن حبيب هو صاحب هذا المعنىء قال ابن سلام: «وسألت يونس 
عن البيت فقال: هو للنابغة أظن الزبرقان استزاده في شعره كالمثل حين جاء موضعه لا مجتلبا له». 

مصطلحات النقد العربيء 292 - 295. 

امرجع نفسه 295. 

العمدة, 1041. والبيتان في معلقة عمرو بن كلثوم, ديوانه 65 و66 برواية «صَبَنْتَ» بمعنى صرفتء وينظر في قصة 
البيتين: من اسمه عمرو من الشعراء. ابن الجراح. 49 - 72. 

المرجع نفسه. 1043.: وفيه «بعينيك» مثنى (عين)؛. والصحيح «بعينك» كما في الديوان 386, وهما هناك بتركيب 
مخالف. 


225 


السرقة الشعرية 


226 


كتب ابن رشيق «قراضة الذهب» بعد «العمدة», كما يشير إلى ذلك بطريقة غير مباشرة في قراضة الذهب, 55. 
قراضة الذهبء 85. 

المرجع نفسه. 13. ودِيُنْدَبُ شجؤه». كذا ضبط الفعل مبنيا للمجهول والصحيح بناؤه للمعلوم: يَندُب شجوّه, كما 
يقال «بى فلان شجوَةٌ»: ينظرء التاج (شجا). 

المرجع نفسه. 13 و14. وفي المختار من شعر بشار ا منسوب للخالدين» 317. 

المرجع نفسه. 14 - 43. 

ال مرجع نفسه. 43 - 48. 

المرجع نفسه. 49 - 54. 

المرجع نفسه. 54 - 120. 

هو معنى عام قد يأتي باللفظ وغير اللفظء كما يقول ابن رشيق - قراضة الذهب. 15. 

ا مرجع نقسه. 14. 

المرجع نفسه. 15. وصدر بيت امرئ القيس هو: «أحارٍ ترى برقا أريك وَمِيضَهٌ». الديوان, 24. 
المرجع نفسه. 16. والأغاني, 19: 182. 

المرجع نفسه. وديوان المعاني» أبو هلال العسكريء 1: 359. 

المرجع نفسه 17. ووفيات الأعيان ابن خلكان, 5: 122. 

المرجع نفسه؛ 20. 

المرجع نفسه. 19. 

كان د. أمجد الطرابلسي - رحمه الله تعالى - من الأوائل الذين نبهوا بشكل جلي إلى اهتمام النقاد العرب بالناحية 
الشكلية في الشعر. ينظر: نقد الشعر عند العرب» 131. 

يوحي بذلك أيضا تنويهه به في مقدمة العمدة, كما سبقت الإشارة. 

قراضة الذهبء. 21 - 24. 

المرجع نفسه. 24 - 28. 

المرجع نفسه. 29 - 30. 

المرجع نفسه, 31 - 32 - 34 - 36. 

المرجع نفسه. 33. 

المرجع نفسه. 36 و37. 

المرجع نفسه. 40 و41. 

المرجع نفسه. 42. 

المرجع نفسه. 24 - 30 - 41. 

ا مرجع نفسه. 21 و222, 32. 

المرجع نفسه. 22 - 25 29,31 34. 

ديوان امرئ القيس, 68. 

ديوان حسان بن ثابت. 1: 40. وينظر الشرح في ديوانه 2: 30. 


السرقة الشعرية 





يقصد مفسري القرآن الكريم للآيات التي وردت فيها هذه الكناية» ينظر: الصافات. 48. ص52. الرحمنء 56. ولابن 
منقذ مقولات بهذا الشأن في باب التقفية, البديع 398. 

قراضة الذهب. 34 و35. 

نفسه, 44. وفي معجم الشعراءء المزرباني» 488 هو هردان العليمي: كما أشار محقق القراضة. قلت, والبيتان ضمن 
سبعة أخرىء مع بعض الاختلاف» لعبدالجبار بن يزيد بن الربعة الكلبي» في الطبريء تاريخ الأمم والملوك (أحداث 
55ه) 3: 685. 

نفسه. وشرح ديوان المتنبي, 4: 386 منها: يقصد الشجرء الدنانير: استعارها لما يتخلل الأغصان من أشعة الشمس. 
عيار الشعر. 126. والوساطة, 205, 206. 

قراضة الذهبء 49. وديوان امرئ القيسء 12. وفيه «لَفْتَكَ لمَين» أي سهمين, واللؤام من السهام أجودُها «يقول: 
نرد عليهم الطعن ونعيده كما ترد سهمين على صاحب نبل يرمي بسهمين ثم يعادان عليه». وسلكى: طعنة 
مستقيمة. والمخلوجة: عن يمنة ويسرة. الشرح عن الديوان. 

المرجع نفسه. وديوان امرئ القيس, 19. 

المرجع نفسه. 49 و50. 

المرجع نفسه. 50. وفيه: «المكافئ الذي يذبح شاتين إحداهما مقابلة الأخرى للعقيقة», والبيت في اللسان (هبل). 
ا مرجع نفسه. وشرح ديوان المتنبي» 4: 314 في مدح سيف الدولة. 


المرجع نفسه. 
المرجع نفسه. 51. والذخيرة لابن بسامء 1: 93. وفيها (إذا شرّق... غربت...). من قصيدة في مدح خيران العامري 
صاحب المرية. 


ال مرجع نفسه. 51 و52. 

المرجع نفسه. 24. وديوان امرئ القيسء 38. 

المرجع نفسه. 25. وديوان بشار بن برد. 1: 318. ورغبة بشار في النسج على منوال بيت امرئ القيس مشهورة. 
ينظر: الأغاني 3: 190, 

المرجع نفسه. 54 و55. 

المرجع نفسه. 107 وينظر: 54. 

المرجع نفسه. 81. وديوان الشريف الرضيء 1: 149 من قصيدة في رثاء خاله. 

ا مرجع نفسه. 

المرجع نفسه. 80. وديوان ابن هاني (دار صادر). 161. وفي ديوانه (دار الغرب الإسلامي). 149 (... بالنضر... ) من 
النضارة, بالضاد ا ملعجمة. 

المرجع نفسه. وديوان البحتري. 3: 1748. 

المرجع نفسه. 81. وديوان النابغة, 44. 

ا مرجع نفسه. 83. 

المرجع نفسه. 88. 

المرجع نفسه. 100. 

المرجع نفسه. 86. وينظر القصة التي أوردها في المصدر نفسه. 88 دعما لقوله في هذا الباب عما وقع للثعالبي نقلا 
عن يتيمة الدهر. والقصة في يتيمة الدهرء 3: 460. 


227 


228 


السرقة الشعرية 


نفس نفسه 59, 63 69, 72, 79, 81 - 85 87 و88, 95, 106. 
ال مرجع نفسه. 97. وديوان أبي تمام, 1: 59. من القصيدة المشهورة في مدح المعتصم وفتح عمورية. 
يمكن المقارنة مثلا - في مجال التطبيق - بين ابن رشيق وكل من محمد بنيس وعبدالله راجع في رسالتيهما. 
أسرار البلاغة. 313. 
ا مرجع نفسه. 314. 
المرجع نفسه. 314 و315. 
المرجع نفسه. 315. 
المرجع نفسه. 316 و317. 
المرجع نفسه. 317. 
دلائل الإعجاز,. 467. 
المرجح نفسه. 469. 
ا مرجع نفسه. وقصة بيتي الفرزدق والبعيث في النقائض لأبي عبيدة, 124 و125. 
في ديوان كثير, 449. 
تقول مرضنا فما عُدتّنا ‏ فقلتٌ لها لا أطيقٌ النهوضا 
كلانا مريضان في بلدة وكيف يعودٌ مريض مريضا 
العمدة, 1051. والبيت مع اثنين آخرين له في «المؤتلف والمختلف». 193. 
دلائل الإعجاز, 473 - 394. 
المغني: 16: 222», نقلا عن هامش محقق دلائل الإعجاز 473. 
دلائل الإعجاز, 468. 
البيت للحطيئة من قصيدة له يمدح فيها «بغيضا» ويهجو الزبرقان بن بدرء وقد شكاه يسببها إلى عمر بن الخطاب 
رضي الله عنه في القصة المعروفة. ديوان الحطيثة. 108. 
دلائل الإعجاز, 471. 
ال مرجع نفسه. 483. 
ال مرجع نفسه. 487. 
المرجع نقسه. 
لسان العرب. (حذا). 
يقول عبدالقاهر: «واعلم أن قولنا الصورة إنما هو تمثيل وقياس ما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا... ». دلائل 
الإعجازء 508 وينظر ما بعدها. 
المرجع نفسه. 501. وديوان النابغة, 42 و43. وفيه «إذا ما غزوا» و«إذا ما التقى الجمعان». 
المرجع نفسه. 501 و502. وديوان أبو نواس؛ 431. وفيه: «تتأيى» بالموحدة وهو تصحيف. 
المرجع نفسه, 502 و503. 
المثل السائرء 2: 342. 
المرجع نفسه. 2: 345. 
المرجع نفسه؛ 2: 346. يذكر ابن الأثير بعد هذا قصة وقعت له مع أدباء دمشق تؤكد رأيه هذا. 


السرقة الشعرية 


امرجع نفسه. 2: 345. 
المرجع نفسه. 2: 350. 

المرجع نفسه. 2: 352. 

المرجع نفسه. 2: 350. وديوان امرئ القيس, 9. 

المرجع نفسه. 2: 351. وديوان طرفة, 23. 

امرجع نفسه. 2: 345. 

ا مرجع نفسه. 2: 353 - 389. 

المرجع نفسه. 2: 360. وديوان أبي الشيصء 102. وطبقات الشعراء لابن المعتن 74. 

ا مرجع نفسه. وشرح ديوان المتنبي» 1: 129. 

ا مرجع نفسه. 2: 389 - 391. 

المرجع نفسه. 2: 389. وديوان أبي تمام, 3: 126. في مدح محمد بن عبدالملك الزيات» وفيه: «المقاتل» ب «ال» 
التعريف. 

المرجع نفسه. وديوان المتنبي؛1: 285. 

المرجع نفسه. 2: 390. والشّمُلُ: ج شمال ككتاب: شيء كمخلاة يغطى به ضرع الشاة إذا ثقلء القاموس المحيط 
(شمل). 

المرجع نفسه. وديوان المتنبي» 3: 361. في بدر بن عمار. والضمير في «تعطيهم» يعني الناس. 

المرجع نفسه. وديوان ابن ثباتة. 411. ويتيمة الدهرء 2: 458. 

المرجع نفسه. 2: 345. 

ينظر: تاريخ النقد الأدبي عند العربء د. إحسان عباسء 603. وفيه كثير من الأمثلة على ذلك. 

المثل السائر, 2: 353. 

المرجع نفسه. 2: 346. 

تاريخ النقد الأدبي عند العرب. 600. 

المثل السائر (ط. الحوف... ). 4: 4. وم يذكر محققو «المثل السائر» أن في نسخهم سقطا ما عند نهاية الضرب 
الحادي عشرء 2: 389, أو عند نهاية جميع الأضرب 2: 391, (و ط الحوفيء 3: 290). وفي صبح الأعشى. كذلك» 
أحد عشر ضربا فقطء وعند بياض بالأصل في الضرب التاسع (2: 339). قال محقق صبح الأعشثى في الهامش رقم 4: 
«اقتصر في «الضوء» على أحد عشر نوعا وجعل العاشر تاسعا... إلخ. وكذلك عدّها صاحب امثل السائر». 

المرجع نفسه؛ 2: 345. 

منهاج البلغاء وسراج الأدباء. حازم القرطاجني» 38 و39. 

ا مرجع نفسه., 39. 

المرجع نفسه. 172 و173, 177 - 184. 

المرجع نفسه. 172. 

المرجع نفسه. 173 184 - 187. 

المرجع نفسه. 174. 

المرجع نفسه. 177. 


229 


السرقة الشعرية 


اموس و ب عو ا ا 77ل270101991كز 3 :7 1.٠... ٠.1٠‏ 


230 


ال مرجع نفسه. 177 - 187. 

المرجع نفسه. 192. 

المرجع نفسه. 193. 

المرجع نفسه. 189. 

المرجع نفسه. 189. 

ا مرجع نفسه. 

المرجع نقسه. 

المرجع نفسه. 190 - 192. 

المرجع نفسه. 190. 

ا مرجع نفسه. 

ينظر في ذلك: 

- التبيان في البيان» الحسين بن محمد بن عبدالله الطيبي (ت 743ه) ص256 وما بعدها. 
- المطول. سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت 792ه). وهو شرح على «تلخيص اللمفتاح» فرغ منه سنة 


8ه ذكره في كشف الظنونء 1: 385. ولخص محتواه في الموضوع محمد أعلى بن علي التهانوي في معجمه: 
كشاف اصطلاحات الفنونء 2: 679 - 682. 


- صبح الأعشى, أحمد بن علي القلقشندي (ت 821ه). 2: 315 - 342. 
- معاهد التنصيص على شواهد التلخيصء عبدالرحيم بن أحمد العباسي (ت 963ه), 4: 4 - 224. 
- الوسيلة الأدبية. حسين المرصفي (ت 1307ه). في مواضع مختلفة, 2: 108 وما بعدها. 


السرقة الشعرية 





المصادر والمراجج 
- أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني.ء تحقيق: ه ريترء ط2. مكتبة المثنى ببغداد؛ 
9 1979. 


- الأغاني؛ أبو الفرج الأصفهانيء تحقيق: لجنة من الأدباءء ط6. الدار التونسية للنشر. 
تونس/ دار الثقافة, بيروت؛ 1983. 

- البديع في البديع, أسامة بن منقذء تحقيق: عبد أ. علي مهناء ط1ء دار الكتب العلمية, 
بيروت؛ 1407/ 1987. 

- تاريخ آداب العرب. مصطفى صادق الرافعي؛ ط4» دار الكتاب العربيء بيروت؛ 1394/ 
74 

- تاريخ الأمم والملوك [تاريخ الطبري]» أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. ط3 دار 
الكتب العلمية: بيروت. لبنان؛ 1411/ 1991 

- تاريخ النقد الأدبي عند العرب. د. إحسان عباس؛ ط5,. دار الثقافة» بيروت؛ 1406/ 


6. 
- التعريفات.علي بن محمد بن علي الجرجانيء ط2, دار الكتاب العربيء بيروت؛ 1413/ 
2 


- دلائل الإعجاز, عبدالقاهر الجرجانيء قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر. ط2: نشر 
مكتبة الخانجيء القاهرة؛ 1410/ 1989. 

- ديوان ابن الرومي» تحقيق: د. حسين نصارء (لا ط)ء دار الكتب المصرية؛ 1973. 

- ديوان ابن ثباتة, نشر محمد القلقيلي. (لا ط). دار إحياء التراث العربيء بيروت؛ (لات). 

- ديوان ابن هانيء (لا ط). دار صادرء (لا ت). 

- ديوان ابن هانيء تحقيق: محمد اليعلاوي. ط1ء دار الغرب الإسلامي» بيروت؛ 1995. 

- ديوان أبي الشيص الخزاعي وأخبارهء صنعة: عبدالله الجُبُوري, ط1» المكتب الإسلامي. 
بيروثت/ دمشق؛ 1404/ 1984. 

- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزيء تحقيق: محمد عبده عزام, ط5. دار المعارف» 
القاهرة. 1987. 

- ديوان أبي نواسء تحقيق: أحمد عبدالمجيد الغزالي. (لا ط). دار الكتاب العربيء بيروت؟ 
4 1984. 

- ديوان الأفوه الأوديء ضمن الطرائف الأدبيةء تصحيح وتخريج: عبدالعزيز ال ميمني 
الراجكوقء (لا ط) دار الكتب العلمية, بيروت [تاريخ المقدمة بالقاهرة؛ 1937]. 


231 


السرقة الشعرية 





- ديوان البحتريء تحقيق وشرح: حسن كامل الصيرفيء ط3, دار المعارفء مصرء (لا ت). 

- ديوان الحطيئة من رواية ابن حبيب [شرح ابن السكيت]ء دار صادر؛ بيروت 1401/ 
1. 

- ديوان الشريف الرضيء (لا ط). دار صادر, (لا ت). 

- ديوان المعاني» أبو هلال العسكري. (لا ط)» دار الجيلء بيروت, (لا ت). 

- ديوان النابغة الذبياني صنعة ابن السكيت, تحقيق: د. شكري فيصلء (لا ط)؛ دار 
الفكرء دمشق, 1388/ 1968. 

- ديوان النابغة الذبياني» تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم» ط2» دار المعارفء القاهرة, 
185 

- ديوان امرئ القيسء تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط5. دار المعارفء القاهرة, 
0 . 

- ديوان بشار بن برد. نشر محمد الطاهر بن عاشور, (لا ط). مطبعة لجنة التأليف 
والترجمة والنشرء القاهرة. 1369/ 1950. 

- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيبء تحقيق: د. نعمان أمين محمد طه. ط3»: دار 
ا معارف, القاهرة. 1986. 

- ديوان حسان بن ثابت,. تحقيق: د. وليد عرفات. (لا ط). دار صادرء بيروت. 1974. 

- ديوان عمرو بن كلثوم, جمع وتحقيق: د. إميل بديع يعقوب. ط1, دار الكتاب العربي» 
بيروت. 1411/ 1991. 

- ديوان عنترة,. تحقيق ودراسة: محمد سعيد مولويء ط2, المكتب الإسلاميء بيروت. 
3 1983. 

- ديوان كثير عزة. جمع وشرح: د. إحسان عباس. (لا ط). دار الثقافة. بيروت. 1391/ 
1. 

- ديوان كعب بن زهير. صنعة أبي سعيد الحسن السكري. تقديم وشرح: د. حنا نصر 
الْحتيء ط1ء دار الكتاب العربي» بيروت, 1414/ 1994. 

- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, أبو الحسن علي بن بسامء تحقيق: د. إحسان عباس, 
(لا ط)ء دار الثقافة, بيروت 1399/ 1979. 

- شرح ديوان المتنبي» وضعه عبدالرحمن البرقوقي, (لا ط)» دار الكتاب العريء بيروت» 
7 1986. 

- شرح ديوان طرفة بن العبد. شرح الأعلم الشنتمريء تحقيق وشرح: د. رحاب خضر 


232 


السرقة الشعرية 





عكاوي. ط1 دار الفكر العربيء بيروت, 1993. 

- الشعر العربي المعاصر بالمغرب الشرقي 1967 - 1985 محمد علي الرباوي» رسالة نال 
بها صاحبها دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بفاس سنة 1987 تحت إشراف 
د. إبراهيم السولامي [مرقونة]. 

- شعر ربيعة بن مقروم» ضمن: شعراء إسلاميون. د. نوري حمودي القيسي. ط2, عام 
الكتبء بيروت» 1405/ 1984. 

- شعراء النصرانية بعد الإسلام» الأب لويس شيخوء ط3, دار المشرقء بيروت (لا ت). 

- شعرعبدالله بن الزْبَعْرَىء تحقيق: يحيى الجُبوري. ط22 مؤسسة الرسالة, بيروت»: 1401/ 
1 

- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء أحمد بن علي القلقشنديء, شرح وتعليق: محمد حسين 
شمس الدينء. ط1 دار الكتب العلمية, بيروت. 1407/ 1987. 

- طبقات الشعراءء ابن المعتزء تحقيق: عبدالستار أحمد فراج. ط4؛ دار المعارف, القاهرة, 
81. 

- طبقات فحول الشعراء. محمد بن سلام الجمحيء قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر. 
(لا ط)ء مطبعة المدني, القاهرة (لا ت). 

- العمدة في محاسن الشعر وآدابهء ابن رشيق القيروانيء تحقيق: د. محمد قرقزان. ط1, 
دار المعرفة. بيروت. 1408/ 1988. 

- عيار الشعرء أبو الحسن بن طباطبا العلويء تحقيق: د. عبدالعزيز بن ناصر المانع, (لا 
ط) مكتبة الخانجيء القاهرة [تاريخ المقدمة: 1405/ 1985. 

- في الأدب الجاهلي. طه حسينء (لا ط) دار المعارفء القاهرة. 1969. 

- القاموس المحيطء مجد الدين الفيروز آباديء تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة 
الرسالة. ط2 مؤسسة الرسالة. بيروت. 1407/ 1987. 

- قراضة الذهب في نقد أشعار العربء ابن رشيقء تحقيق: الشاذلي بويحيى. (لا ط). 

- الكامل» أبو العباس المبرد. تحقيق: محمد أحمد الدالي» ط1 مؤسسة الرسالة» بيروت» 
6 1986. 

- كتاب النقائض نقائض جرير والفرزدق» أبو عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق: بيفن 
صداء2 تإع[طدوة تإومطنهة مطبعة بريل .8111.1 ليدن 1905 :110[1:11ظنا. 

- كشاف اصطلاحات الفنونء التهانوي. (لا ط) دار صادرء بيروتء (لا ت). 

- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنونء حاجي خليفة. إشراف هيئة البحوث 


233 


السرقة الشعرية 





والدراسات في دار الفكر, (لا ط) دار الفكر للطباعة والنشرء بيروت. 1414/ 1994. 

- الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية» أبو البقاء الكفوي. تحقيق: د. عدنان 
درويش ومحمد المصريء ط1 مؤسسة الرسالة. بيروت, 1412/ 1992. 

- لسان العربء ابن منظورء (لا ط) دار صادرء بيروتء (لا ت). 

- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعرء ابن الأثير (ضياء الدين). تحقيق: د. أحمد 
الحوفي ود. بدوي طبانة, (لا ط) دار نهضة مصر للطبع والنشرء الفجالة - القاهرة, 
(لات). 

- مجمع الأمثال, الميدانيء تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط2 دار الجيل: بيروت» 
7 1987. 

- ا مختار من شعر بشار للدّجِيبِيٌ البَرقي [المنسوب للخالدين] [238]. تحقيق 
محمد بدر الدين العلويء (لا ط)ء دار المدينة للطباعة والنشرء بيروت ل ت)”. 

- مشكلة السرقات في النقد العربي .. دراسة تحليلية مقارنة, د. محمد مصطفى هدارة, 
طة: المكتب الإسلاميء بيروت/ دمشقء 1401/ 1981. 

- مصادر الشعر الجاهاي وقيمتها التاريخية, د. ناصر الدين الأسد. طة, دار المعارف» 
القاهرة. 1978. 

- مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين (قضايا وماذج)» د 
الشاهد البوشيخي, ط1ء منشورات القلم. مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاءء. 
3 1993. 

- معاهد التنصيص على شواهد التلخيصء الشيخ عبدالرحيم بن أحمد العبامي. تحقيق: 
محمد محيي الدين عبدالحميد. (لا ط). عام الكتبء. بيروت» 1367/ 1947. 

- معجم الشعراءء ا مزربانيء تصحيح فريتس كرنكوء ط2, دار الكتب العلمية» بيروت» 
2 1982. 

- من اسمه عمرو من الشعراءء ابن الجراح, تحقيق: د. عبدالعزيز بن ناصر المانع: مكتبة 
الخانجيء القاهرة. 1412/ 1991. 

- المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي ومشكل شعره. ابن وكيع التنيسيء (لا ط) 
دار قتيبة [دمشق]. (لا ت)», [تاريخ مقدمة التحقيق 1981]. 


* ينظر تنبيه محمد الطاهر بن عاشور إلى ذلك في مقدمته للجزء الرابع من ديوان بشار. ص: 2. وقد عقد د. أحمد يزن 
في رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا قصلا عن الكتاب لاحظ فيه الملاحظة نفسهاء وذكر أن اسم الكتاب الحقيقي هو: الرائق 
بأزهار الحدائق. النقد الأدبي في القيروان في العهد الصنهاجي, 271 و272. (لا ط)» مكتبة المعارف. الرباط 1985. قلت: وعلى 
أن في المختار نفسه ما يدل على ذلك, ينظر فيه.ء ص8. 


234 


السرقة الشعرية 





- منهاج البلغاء وسراج الأدباء. حازم القرطاجني, تحقيق: الحبيب بن الخوجة. ط3: دار 
الغرب الإسلامي» بيروت: 1986. 

- الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتريء أبو القاسم الحسن بن بشر الآمديء تحقيق: السيد 
أحمد صقرء ط4. دار المعارف. القاهرة, 1992. 

- نصوص المصطلح النقديء د. الشاهد البوشيخيء, ط1ء منشورات القلم. مطبعة النجاح 
الجديدة. الدار البيضاء. 1414/ 1993. [1] - السرقات الأدبية د. بدوي طبانة, 39. 

- نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة» د. أمجد الطرابلسي. ترجمة 
د. إدريس بلمليح. ط1ء دار توبقال للنشرء الدار البيضاء. 1993. [1] - ديوان امرئ 
القيس» 114. 

- النقد المنهجي عند العرب» د. محمد مندور, (لا ط)» دار نهضة مصر للطبع والنشرء 
الفجالة - القاهرة. (لا ت). 

- الوساطة بين المتنبي وخصومه. القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجانيء تحقيق وشرح: 
محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاويء (لا ط). دار القلم» بيروت» (لا ت). 

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» ابن خلكان. تحقيق: د. إحسان عباسء (لا ط). دار 
الثقافة. بيروت, (لا ت). 

- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصرء أبو منصور الثعالبي. شرح وتحقيق: د. مفيد 
محمد قميحة [لنسخة الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد 1366/ 1947]. ط2: 
دار الكتب العلمية, بيروت, 1403/ 1983. 


مراجع أجنبية 
.9 أنناء5 ناك 105 نل8 © ,ع5زلمدحت56 عصنا عنامم تع طءععطءع1 زغعلاملغمة5 - 
بنأك.مه ,عناوغغمم 1328386 نلك صه10ن1أه1860 - 
ل © رمع مع 0عدعغ0) ,جوع 20مع56 211 عكن11))6532 2[ زقعاوء وصتصتلةط - 
.2 اننع نال 


235 


إشكالية التدغل الإنساي لحماية حقوق الإنسان العدذ: 169 (يوليو - سبتمبر 2016) 


للمخححنت امور 11721 ع 








إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإفنسان 
أ. جبران صالح على حرمل* 


جوهر هذه الإشكالية يدور حول مدى مشروعية التدخل الدولي 
لأغراض إنسانية من أجل حماية حقوق الإنسان من عدمهاء أو ما يطلق 
عليه, اختصاراءء «التدخل الإنساني». والذي شاع استخدامه في الفترة 
الأخيرة منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الغشرين تحديداء وهذه 
الفكرة ظاهرة قديمة وجديدة في آنِ واحد”", والتطور هنا هو في 
اختلاف طرقه©. 

ولسنا في هذا المقام بصدد التأصيل لفكرة التدخل الإنساني» وتطوره, 
فكريا وعملياء بل نكتفي بالإشارة إلى أن هذه الفكرةء وهذا الخيار 
(التدخل)» يرجع كما يرى معظم الباحثين إلى دولة المدينة في عهد اليونان» 
حيث كانت كل من إسبرطة وأثينا كدول/ مدن - قطبية آنذاك تستقطب 
بقية دول المدينة. وتتدخل في شؤونهاء كما مارست الإمبراطورية الرومانية 
التدخل من خلال هيمنتها على حافتي البحر الأبيض المتوسطء فتدخلت 
عدة مرات في شؤون نوميدياء واستعملت روما في تدخلاتها عدة وسائل, 
كالقوة العسكرية والتحريض على الثورات» وتدبير محاولات الاغتيال00. 
كما أن هذه الفكرة قد وجدت لها صدى فكريا عند قدامى الفلاسفة 
والمفكرينء مثل جروسيوس وأوغسطين وغيرهما. وبعض النظريات 
التقليدية التي تفسرها مثل نظرية الحرب العادلة صمعط) مه أكتال. 





ث* باحث وناشط حقوقيء جامعة قناة السويس. كلية التجارة. قسم العلوم السياسية, جمهورية مصر 
العربية. 








إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





كما يكون من اللفيد التذكير بأن «الحديث عن التدخل الإنساني في العلاقات الدولية المعاصرة. خصوصا 
بعد الحرب العالمية الأولىء قد ارتبط بالأساس بما عرف بمبدأ حماية الأقليات»9, والذي تزامن مع بروز فكرة 
القوميات في أوروبا خلال القرن التاسع عشرء الأمر الذي بعث الدول الأوروبية على التدخل لحمايتها وإشهار 
هذا المبدأ مع تفاقم الظلم والاضطهاد لهذه الأقليات. ثم توسع لاحقا ليشمل المواطنين والمقيمين في دولة 
معينة. إذ مم يعد يقتصر على رعايا الدولة بل تعداها إلى المقيمين. 

وباختصار فإن الظاهرة ذات جذور راسخة في تاريخ العلاقات الدوليةء وقد جرى بعث الحياة فيه بنهاية 
الحرب الباردة. عن طريق السوابق التي تمت منذ نهاية الحرب الباردة07. والتي أبرزته مرة أخرى في شكل 
جديد. وهو ما يعبر عنه البعض بالنظرية الجديدة للتدخل الإنساني!؟», وفي ضوء هذه التحولات. وظهور قوة 
أحادية القطبية. شكل هذا المفهوم والظاهرة محورا ومجالا حادا للنقاش. وم تحمل القدر والمستوى أنفسهما 
في عصر الحرب الباردة. وتشكل قضايا فعلية بسبب الشلل الذي أصاب وظيفة مجلس الأمن الدولي في ظل 
الثنائية القطبية7). لكنء ورغم كثرة استخدامها وقدم هذا اللفظء غير أنه لا يوجد اتفاق بين دارسي العلاقات 
الدولية والقانون الدولي والمهتمين والمتخصصين حول تحديد المقصود منه. 

وعليه فإن مفهوم التدخل الإنسانيء أو التدخل لأغراض إنسانية» يُعد من أكثر القضايا إثارة للجدل في 
العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردةء حيث يثير جدلا كبيراء سواء من الناحية النظرية بين فقهاء 
القانون الدوليء لما يطرحه من إشكاليات فقهيةء أو من الناحية الواقعية» لما أثارته تطبيقاته من تفاسيرء أو 
من حيث مساسه بقواعد ومفاهيم اكتسبت مشروعية وثباتا واستقرارا قانونيا في القانون والتنظيم الدوليين» 
ترسخت منذ قرونء واعتبرت أيضا ذات طبيعة آمرة في القانون الدولي المعاصر والتي لا يجوز انتهاكهاء وفي 
مقدمة تلك القواعد والمفاهيم احترام السيادة الوطنية للدولء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية» وعدم 
استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع عن النفس. 

وعليه تمكن قراءة إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان من أكثر من ناحية. وعلى أكثر من 
مستوى ويُعد: 

- الإشكاليات ذات الصلة با مفهوم. ونطاقه. ومضمونه. 

- الإشكاليات ذات الصلة بمواقف الفقه الدولي حياله. 

- الإشكاليات ذات الصلة بمبدأ السيادة الوطنية. 

- الإشكاليات المتعلقة بالمواقف الدولية حياله. 

وسنختصرها في ثلاث مشكلات, حيث إن الفقه الدولي له رأي وموقف في هذه المشكلات (التعريف. 
ومشروعية التدخلء ومبدأ السيادة). 


* بمعنى كان المقصود منه في الماضي, وحتى وقت قريبء توفير الحماية لرعايا الدولة, وم يكن مقصودا منه أبدا حماية مواطني الدولة أو الدول نفسها 
التي تنتهك فيها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 


2386 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


اولا - إشكالية التعريف بالمفهوم 

يدور هذا المشكل حول مفهوم التدخل الإنساني. ونطاقه. ومضمونه. فمنذ التطور الواسع في 
حقوق الإنسان. خلال عقد التسعينيات من القرن الماضيء والذي تزامن مع جملة من التحولات العالمية 
وإرساء ما عرف بالنظام العالمي الجديد الذي غدا الاهتمام بحقوق الإنسان واحدة من أهم سماته. 
وبات المجتمع الدولي - في حدود معينة - طرفا فيما يتعلق بهذه المسألة. وأصبح يقف إزاءها على 
قدم المساواة مع الدول التي تنتهك فيها هذه الحقوقء, خلافا لما كانت عليه مسألة حقوق الإنسان في 
ا ماضيء حيث كانت تندرج فقط ضمن السلطان الداخلي. وأدى هذا التحول إلى وجود فرص للتدخل 
مع انهيار الاتحاد السوفييتي. وتفكك الكتلة الشرقية. وسقوط نماذج الدول متعددة القوميات, 
ونشوب صراعات بين هذه القوميات, كل هذه السمات البارزة في العلاقات الدولية غير المتكافئة, 
والتي برزت مع النظام الدولي الجديد. أدت بدورها إلى فتح المجال لعدد من التدخلات الدولية التي 
جاءت بمبررات إنسانية. واتخذت طابعا جماعياء سواء وقع ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة, أو منظمة 
إقليمية, أو تم من قبل تحالف مؤقت يضم عددا من الدول» وتتزعمه دولة كبرى. ومن أمثلة هذا 
التدخلء في هذه الفترة. التدخل في شمال العراق في العام 1991م وفي الصومال في العام 1992م: وفي 
هايتي عام 1993م, وفي رواندا عام 1994م, وفي إقليم كوسوفو عام 1999م, وفي إقليم تيمور الشرقية 
9م وبالتزامن مع هذه التدخلات التي تمت خلال هذه الفترة استّعملت مصطلحات لوصف هذه 
العمليات من قبيل «الحرب الإنسانية», و«القصف الإنساني», و«التدخل لأغراض إنسانية» و«التدخل 
لمصلحة البشرية» و«التدخل الدولي الإنساني» و«التدخل الدولي لاعتبارات إنسانية» و«التدخل لحماية 
الإنسانية» و«المداخلة باسم الإنسانية» و«التدخل دفاعا عن الإنسانية» و«التدخل دفاعا عن الجنس 
البشري». علاوة على ذلك فقد اعتبره بعض الفقه من قبيل الحق فسماه «حق التدخل الإنساني». 
وزاد آخرون فاعتبروه واجبا والتزاما لا يجب تجاهله, وأطلقوا عليه «واجب التدخل الإنساني»©, 
كما ذهب البعض إلى التفريق بين التدخل الإنساني والتدخل من أجل الإنسانية, والبعض الآخر ميز 
بين الحق الواجب والمساعدات الإنسانية, ومنهم من غير المفهوم باصطلاح الديبلوماسية الإنسانية أو 
الديبلوماسية الوقائية0©. كما أن هناك توجها ظهر أخيرا باستبدال مفهوم «التدخل الإنساني» باسم 
«مسؤولية الحماية» (كما سنوضحه في السطور القادمة). علاوة على ذلك فإن البعض ينكر وجود ثيء 
اسمه «تدخل إنساني» لحماية الناس من الحرب9). وآخر يعتبره «تسويقا أكاديميا للسياسة التدخلية 
الأمريكية»7!!, خاصة في ظل ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين. ويصفه روجيه جارودي بأنه 
«المصطلح البديل للاستعمارء كما أن النظام العالمي الجديد هو تسمية بديلة للهيمنة الشاملة على 
العالم كما يحلم به القادة الأمريكيون»2!2. وتصفه الدول الآسيوية ب «الاستعمار الثقافي أو الاستعمار 
الجديد»23! (كما سنوضحه في السطور القادمة). كما يصفه البعض ب «التدخل الأخلاقي». ويطلق 
عليه آخر «الاحتلال لأغراض إنسانية»14), 


239 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


000 





كما أن الفقه الدولي اختلف في تحديد مفهوم التدخل عموماء والإنساني خصوصا.ء وانقسم إلى تيارين: 
الأول يتبنى ويدافع عن مفهوم «ضيق» للتدخل الإنسانيء باقتصار تنفيذه على العمل العسكري واستخدام 
القوة العسكرية. والثاني يتبنى ويدافع عن مفهوم «واسع» للتدخل الإنسانيء حيث يرى أن التدخلء كما يمكن 
أن يتم عن طريق استخدام القوة العسكرية, يمكن كذلك أن يتم بوسائل أخرىء مثل الضغوط السياسية 
والاقتصادية والديبلوماسية... وغيرهاء فالأول انطلق من المعنى «الاصطلاحي» الفني الضيق للمفهوم. والثاني 
ينطلق من المعنى «اللغوي» الواسع للفهوم التدخل(05. 

ووفق البعض فإن التفسير «الضيق» لحق التدخل الإنساني كان يتلاءم مع المرحلة التقليدية التي كان 
مباحا فيها استعمال القوة في العلاقات الدولية. والتفسير «الواسع» يتلاءم مع العلاقات الدولية المتطورة في 
العالم المعاصر © !). هذا وذهب البعض إلى التمييز اصطلاحا بين نوعين من التعريفات للتدخلء تتراوح بين 
التعريف القانونيء والسياسي, الأول ينقسم إلى تعريف قانوني جامد. وتعريف قانوني مرن177). 

علاوة على هذا الجدل فإن مظاهره وأشكاله ومسمياته اختلفت من حالة إلى أخرىء فهي تارة 
تدخل عبر الانفراد بالتسوية (كما في حالة البوسنة). و«التدخل دون تفويض» من مجلس الأمنء. كما 
في حالة كوسوفو وأفغانستان والعراقء كما أن هناك «التدخل ضد التدخل». مثلما حدث في أعقاب 
غزو العراق للكويت عام 1990م: إلى جانب أن هناك مسمى «الإحجام عن التدخل». كما تم في حالة 
الشيشان”'). كما أن البعض يستعمل مفهوم «الأمن الإنساني» بحجة القيام بالتدخل الإنساني19. 
ونجد كذلك أن هناك بعض اللمفاهيم التي طرحها الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس 
بطرس غالي. عندما وضع «خطة السلام» في العام 1992م, وهي29: الديبلوماسية الوقائية. وصنع 
السلم. وحفظ السلمء وبناء السلم. وكلها موضوعات مطروحة للنقاش, وم يُبَتَ تحديد مفهومها 
وحدود تطبيقها. وبالإضافة إلى ما تقدم من جدلء يمكن تحديد ثلاثة اتجاهات تسود الفقه والأدبيات 
ذات الصلةء تتنازع تعريف مفهوم التدخل الإنساني: 

الاتجاه الأول: ينكر الفكرة ويرى أن مصطلح «التدخل الإنساني» مصطلح يشبه عبارة «التعذيب 
الرقيق»» أو «التعذيب الجميل». وهو تناقض اصطلاحيء فليس هناك «تعذيب جميل». ولا شيء اسمه 
«تدخل إنساني» لحماية الناس من الحربء ويتساءل: ماذا لا يوجد تدخل إنساني لحماية الناس من الجوع, 
أليس كلاهما يقتل؟!!!2. فهذا الاتجاه يرفض الفكرة. ولا يناقش إطلاقا مشروعيتها من عدمهاء بل إن أنصار 
هذا الاتجاه «شددوا على وجوب التمسك بعدم جواز استخدام القوة ضد دولة أخرىء أيا كانت المبررات» 
فيما عدا حالة الدفاع الشرعي عن النفس»2©, 

الاتجاه الثاني: يربط بين تعريف التدخل الإنساني وبين مبرراته ولزوميته في حالات معينة. وفي ظل توافر 
شروط معينة, عندما تتعرض حقوق الإنسان للانتهاكات الصريحة والجسيمة. كما في حالات التطهير العرقي 
وإبادة الجنس البشري أو القتل الجماعي والمذابحء ويرى أن التدخل الإنساني هو استجابة طبيعية و«رد فعل 
ملازم للانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان»!3©. 

210 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 
٠ ٠:‏ :نل عت للست ساد 

الاتجاه الثالث: يرتقي بمفهوم التدخل الإنساني إلى مرتبة الحق» ويقر بشرعيته في حالات انتهاك 
حقوق الإنسانء حتى لو مم يصل الانتهاك إلى درجة كبيرة ومن دون شروط مقيدة لهذا الحق. وعرف 
أصحابه التدخل الإنساني بأنه: «المساعدة باستخدام القوة. بهدف توفير الحماية لمواطني دولة ما إزاء 
المعاملة التعسفية والمتجاوزة للحدء والتي لم تراع هذه الدولة أن سيادتها تفترض أن تقوم على أسس من 
العدالة والحكمة»(4©, 

علاوة على ما تقدم, فإن هذا التناقض في المفاهيم انعكس واضحا في وثيقتين أساسيتين يقوم عليهما 
المجتمع الدولي في صوره الحالية, هما(5©: 

1- ميثاق الأمم المتحدة الذي يُحرِّم استخدام القوة ضد الدولة. إلا في حالة الدفاع عن النفس. 

2- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن الحفاظ على حقوق الأفراد من جور الدولة المستبدة. 

كما أن هناك بعض القرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة أبطلت مبدأ التدخلء سواء كان مسلحا 
(عسكريا). أو بأي شكل من أشكال التدخلء على سبيل المثال إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة 
بالعلاقات الودية والتعاون بين الدولء وهو القرار الرقم (2625) الدورة ال (25) سنة 1970م, حيث أكد 
أنه «ليس لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخلء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولأي سبب كان» 
في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأي دولة أخرى. وبالتالي فإن التدخل المسلح وكل أشكال التدخلء أو 
محاولات التهديد الأخرى. تستهدف شخصية الدولة أو عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية تمثل 
انتهاكا للقانون الدولي» 06. 

إجمالاء نستطع القول إن المفهوم أثار - ولايزال - العديد من الإشكاليات والتساؤلات التي برزت 
في تعدد وصف المصطلح باستخدام العديد من التعبيرات للدلالة على الفكرة. مما أبرز جدلا وتضاربا 
في إعطاء مفهوم واحد للظاهرة. حيث يدور هذا الجدل حول مفهوم التدخل عموماء ومفهوم التدخل 
الإنساني تحديداء وذلك لعدم وضوح فكرته وملابساته كفكرة قانونية على صعيد القانون الدولي. هذا 
ومن ناحية ثانية. وباستقراء مجموع ما كتب عن هذا ال مصطلح.ء يظهر للعيان وجود عدد وافر من 
التعريفات لهذا ال مصطلح, والتي غالبا ما تكون مختلفة. فبعض هذه التعريفات ذو طابع وصفي» 
يقتصر على وصف هذا التدخلء كما يتجسد في الممارسة الدولية» في حين أن تعاريف أخرى تعد ذات 
طابع معياريء بمعنى أنها تعد مقياسا يُحتكم إليه لتحديد شرعية هذا التدخل من عدمها”©. أضف 
إلى هذا فإن ما يثير الغموضء حول هذا المفهوم. هو عدم التحديد الدقيق من قبل الفقه الدولي 
لأشكاله ومضمونه. فهذا مما يزيد في غموضه وصعوبة تعريفه. وقد أشار إلى ذلك السياسي الفرنسي 
«تاليبران», عندما سألته سيدة عن معنى «عدم التدخل». فكانت إجابته220: «سيدق: إن عدم التدخل 
كلمة ديبلوماسية وغامضة. وتعنى نفس ما تعنيه كلمة التدخل». والكلمتان أو ال مبدآن (مبدأ التدخل 
ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول) متعارضان. وهذه الحيرة دفعت جانبا من الفقه 
(29) 


إلى تفادي تعريفه. قائلا: «نحن نتعرف عليه حينما نراه»” “. كما دفعت آخرين إلى تبني مفهوم 


241 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





«المسؤولية الدولية للحماية». كما توضحه السطور القادمة. بدلا من مفهوم «التدخل الإنساني». ومع 
هذا التوجه فإننا نرى أن تغير المفهوم لا يعني تغير المنهجء فقد تتغير الأسماء والأشكال لكن الأسلوب 
والنهج واحدء فالتدخل مازال هو التدخل. 


ثانيا - التدخل الإنساني وإشكالية السيادة والمشروعية 

وهذه القضية والإشكالية ذات الصلة بمبدأ السيادة”*© الوطنية نابعة من تبعات هذا التدخل 
ومساسه بالسيادة الوطنية للدولة المعنية» والتي أقرتها وأكدتها معاهدة وستفاليا سنة 1648ه(0©, 
وبالتالي فإن هذه الإشكالية”**» تتمحور حول مدى مشروعية التدخل الإنساني من منظور مبدأ 
السيادة الوطنية.» خصوصا أن كلمة السيادة تعد مرادفا لكلمة الاستقلال. كما أن مبدأ عدم 
التدخل في الشؤون الداخلية للدولء واحترام سيادة الدولة. هما أمران ومبدآن من المبادئ الأساسية 
والحاكمة للتنظيم الدولي والتي أشس عليها العام في فترة ما بعد الحرب العالية الثانية. ومن 
دون الخوض طويلاء كما أنه ليس مقامنا - هنا - تفصيل التطور الحاصل لطفهوم السيادة الوطنية 
ومضمونها ونطاقهاء فإنه يمكن رصد اتجاهات ثلاثة حيال جدل مشروعية التدخل الإنساني وعلاقته 
بمفهوم ومبدأ السيادة الوطنيةء تتراوح بين الإنكار والرفض للتدخلء والمؤيد للشروعيته. وبينهما 
الاتجاه الوسط. 

الاتجاه الأول: هو الاتجاه الرافض لفكرة التدخل الإنساني أو التدخل الدولي لأغراض إنسانية,» بدعوى 
أنه يمس بالسلامة والاستقلال الإقليميين للدولة. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الأصل في التدخل أنه عمل غير 
شرعيء لأن فيه اعتداء على دولة أو جهة معينة, على أساس مساسه بسيادتها واستقلالهاء والتزام الدول 
باحترام حقوق بعضها يفرض عليها واجب عدم التدخل. إحداها في شؤون الأخرى. حيث ينطلق هذا الاتجاه 
في رفضه فكرة التدخل من قاعدة ومبدأ أن السيادة هي مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي العام وأن 
الأصل في العلاقات الدولية هو «عدم التدخل»». والذي نص عليه في عموم الموائيق المنشئة للمنظمات 
الدولية. بدءا من عهد عصبة الأمم (امادة العاشرة)'***» ومرورا بميثناق الأمم المتحدة 
* عادة ما ينسب «مبدأ السيادة» إلى المفكر القانوني الفرتسي «جان بودان» «نكه8 ههع[, وهو أول كاتب غربي يؤلف نظرية متناسقة عن السيادة, 
وقد عرفها في مؤلفه المعنون ب «ستة كتب عن الجمهورية» الذي نشره عام 1576م بأنها «سلطة عليا على المواطنين والرعايا». فهي «السلطة العليا 
التي لا تعلوها سلطة». ورأى أنها «دائمة, ولا تتجزأ. ومطلقة». ويشير الاتجاه العام لكثير من الكثّاب إلى أن للسيادة خمس خصائصء هي: «مطلقة», 
و«شاملة». و«لا يمكن التنازل عنها». و«دائمة». ودلا تتجزأ», للاطلاع حول مفهوم السيادة يمكن الرجوع إلى: جمال منصرء التدخل العسكري الإنساني في 
ظل الأحادية القطبية .. دراسة في المفهوم والظاهرة. مرجع سبق ذكره. ص133 - 138. وماجد نعمة, د. محمد عمارةء وآخرون» د. عبدالوهاب الكيالي 
(المؤلف الرئيسي رئيس التحرير). موسوعة السياسة: الجزء الثالث» حرف السين, بيروت» المؤسسة العربية للدراسات والنشر, د. ط؛ د. ت. ص356 - 360. 
* * بمعنى آخر الإشكالية تنبع في التوقيق بين مبدأ عدم التدخل بناء على سيادة أو استقلال الدول. وبين مبدأ التدخل من أجل ضرورة احترام وحماية 
حقوق الإنسان ومنع الانتهاكات التي تحدث للمواطنين على يد حكوماتهم. 
* * د أشارت المادة العاشرة إلى أن أعضاء العصبة يتعهدون باحترام سلامة أقاليم جميع أعضائها واستقلالها السيامي القائم, وا محافظة عليه ضد أي عدوان خارجي. وفي 


حالة وقوع عدوان من هذا النوع, أو في حالة وقوع تهديد أو حدوث خطر في العدوان يشير المجلس بالوسائل التي يجري بها تنفيذ هذا الالتزام. يُنظر: طلال محمد نور عطار, 
بين عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحددة, مجلة الديبلوماسي السعودي. المملكة العربية السعودية, وزارة الخارجية: معهد الدراسات الديبلوماسية, العدد 14.1991م, ص97. 


242 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


]ل عم مج تممه وو 





(المادة 2/ 0)7*. وانتهاء بالمواثيق الإقليمية كميثاق جامعة الدول العربية (المادة الثانية)7 '2» وأن السماح 
بشرعية التدخل يعني مخالفة ونقضا لهذا المبدأء كما أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتطرق نهائيا إلى ذكر عبارة 
أو اصطلاح (التدخل الإنساني). ومن ثم فإن غياب هذا اللمصطلح من مفردات الميثاق. كما يرى أتصار هذا 
الاتجاه, لهو خير دليل على عدم أحقية الدول في التدخل في شؤون الدول الأخرىء على أساس إنسانيء وإنه 
لو أراد واضعو اميثاقء فعلاء اعتبار التدخل الإنساني استثناءً من مبدأ عدم جواز استخدام القوة, لأشاروا إلى 
ذلك صراحة في الميثاق نفسه. ويضيف هذا الاتجاه أن العبارات المستخدمة في ميثاق الأمم المتحدة الذي 
يعد دستور العلاقات الدولية. قد اختيرت كلماته وعباراته بكل دقة وعناية, فعند الاطلاع على نصوصه التي 
تشير إلى حقوق الإنسانء سواء في الديباجة أو المواد الأخرىء مثل المادتين (55 و56) وغيرهماء هي كلمة 
«دعم» أو «تعزيز» بدلا من كلمة «حماية». وهذا وفق أنصار هذا الاتجاه يؤكد رغبة مؤسسي الأمم المتحدة 
في عدم تعليق آمال وطموحات كبيرة على الدور الذي يمكن أن تؤديه الأمم المتحدة في هذا الخصوص!61©. 

وتأسيسا على ما سبق فإن هذا الطرح يعني أن العلاقة بين التدخل والسيادة - وفق هذا الاتجاه - هي 
علاقة عكسية, فكلما ازدادت الدعوة إلى إضفاء الشرعية على التدخل فإن هذا يعني زيادة الانتهاك لسيادة 
الدول والتدخل في شؤونها2). وعليه «فإن التأكيد على احترام مبدأ السيادة الوطنية يجب أن يقدم على ما 
عداه كشرط ضروري للمحافظة على الأمن والاستقرار على مستوى العلاقات الدولية في مجملها»7©. حيث إن 
مبدأ السيادة بمنزلة العمود الفقري الذي تقوم وتستند عليه العلاقات الدولية» والذي يمنح الدولة سيادة على 
أراضيها ومواردهاء بما فيها شعبها. وبالتالي فإن حجة هذه الاتجاه الإنكاري بمشروعية التدخل الدولي الإنساني 
لحماية حقوق الإنسان ينطلق من الحجة الدولية القانونية التي مفادها «السياسة الدولية هي في جوهرها 
سياسة الدول ذات السيادة, وإن العلاقات الدولية هي أساسا علاقات بين دول ذات سيادة»39, والسيادة 
الوطنية أمر ناظم وحاكم للعلاقات الدولية(©. وبالتالي فإن حقوق الدولة القومية أعلى من حقوق الإنسان». 

ومن أنصار هذا الاتجاه علي صادق أبو هيف. ومحمد سامي عبدالحميدء وبراونلي» كريستيان. وولف 
بفندروف. ودي فاتيل... وغيرهم©0. كما يقترب هذا الاتجاه من أصحاب المدرسة الواقعية في العلاقات 
الدولية» والذين يرون أنه لا ينبغي إدراج حقوق الإنسان في السياسة الخارجية للدول؛ لأن السياسة الخارجية 
هي تعبير عن المصالح القومية باستخدام لغة القوة, وأن السياسة الدولية عبارة عن نضال بين دول تسعى 
إلى تعظيم قوتها في بيئة من الفوضىء وبالتالي يجب على الدول وهي تواجه بعضها - كعدو محتمل 
أو حقيقي - أن يتركز اهتمامها على تعظيم قوتها على كل ما عداه من أهدافء سواء ارتبط بتحقيق 


* تنص المادة (2/ 7) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يُسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم 
السلطان الداخلي لدولة ماء وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق» على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق 
تدابير القمع الواردة في الفصل السابع» يُنظر: ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأسامي لمحكمة العدل الدولية» نيويورك: الأمم المتحدة. ص6. 

* * والتي جاء فيها: «الغرض من الجامعة هو توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيهاء وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة 
لاستقلالها وسيادتهاء والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها», يُنظر: ميثاق جامعة الدول العربية, الجامعة العربية, الأمانة العامة لجامعة 
الدول العربيةء إدارة الشؤون القانونية. ص2. 


223 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 

[111111111010101017171717111111711ذخذخ 0 
أهداف العدالة أو حقوق الإنسان, فالأخلاق مناسبة ومهمة في العلاقات بين الأفراد. لكنها لا تناسب علاقات 
الدول77". وبتعبير هانس مورجانثو الذي تقترن نظريات القوة باسمه أكثر من أي مفكر واقعي آخرء فإن 
«السياسة الدولية هي صراع على القوة». ومثلها السياسية الداخلية, وفي ذلك يقول مارتن وايت غطع181. 
أحد أقطاب هذا الاتجاهء إن أهم ما بميز التاريخ الحديث عن التاريخ الوسيط هو تفوق فكرة القوة 6عموم 
على فكرة الحق ع1 وعندما نصف العلاقات الدولية بأنها ليست أكثر من صراعات قوة فإننا لا نبالخ 880 

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه المؤيد لمشروعية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان. حيث يقر بمشروعية 
التدخل الإنسانيء ولا يرى فيه تدخلا محظورا - بإطلاق - في الشؤون الداخلية للدولة المعنية. ويخلص هذا 
الاتجاه إلى أن مفهوم السيادة قد تراجع نتيجة التحولات التي طرأت على النظام الدولي المعاصر من صيغته 
المطلقة إلى صيغة نسبية, وأصبح هذا المفهوم وسيلة وليس غاية. يعمل على تحقيق الخير العام الداخلي 
والدوليء باعتبار الإنسان الهدف الأسمى له. وم تعد السيادة مبررا لانتهاك حقوق الإنسان؛ فالتطورات 
الدولية انعكست على مفهوم السيادة: الأمر الذي أحدث تحولا في تفسيره من الناحية الجامدة إلى الناحية 
المرنة. وهو ما أثر في جدلية العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي للصلحة الأخير9©. كما 
أن هذه التطورات الحديثة أدت إلى تحول المجتمع الدولي من مجموع دول إلى مجتمع دولي بالمعنى 
الدقيق, وبالتالي تدويل السيادة. حيث «لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية 
المعاصرةء20. وإعطاؤها مفهوما جديداء وهو «أن ممارسة الدولة لسيادتها يجب ألا تخل بمفهوم السلم 
والأمن الدوليين», أي ربطها بالسلم والأمن الدوليين!!4. 

وعليه فإن أنصار هذا الاتجاه لا يجدون «مانعا لديهم لإمكان قيام المجتمع الدولي - أو حتى بعض الدول 
الأخرى - بالتدخل قسرا في شؤون دولة ما إذا اقتضت ضرورات حماية حقوق الإنسان ذلك»2". ويؤكد هذا 
الاتجاه أن «السيادة المطلقة أصبحت جزء! من الماضيء وم تعد هناك سيادة كاملة»(7. ووفق طرح الأمين العام 
السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي2): «أن زمن السيادة المطلقة الخالصة قد مضىء وكان أقرب إلى 
النظرية منه إلى الواقع» ومهمة قادة الدول اليوم هي فهم هذا الأمر وإيجاد توازن بين احتياجات الحكم الداخلي 
الجيد ومتطلبات عام يزداد تكافلا», ونجد أن البعض ذهب بالقول20): «إن مصلحة السلم العالمي لا تكمن في 
مجرد تقييد السيادة الوطنية للدولء بل في الغائها تماماء فثمن السيادة في اعتقاده هو الحرب». أضف إلى ذلك أن 
حقوق الإنسان. بحكم طبيعتها - وفق هذا الاتجاه - تلغي التمييز التقليدي بين النظام الداخلي والنظام الدولي» 
إذ إنها تنشئ نظاما قانونيا جديدا ليس للعالم سابق عهد به. وهو أمر ينظر إليه ليس من زاوية السيادة الوطنية 
المطلقة, أو من منظور التدخل السياسي الذي يشكل عدوانا على هذه السيادة, بل من منظور آخر أكثر إيجابية, 
وهو أن حماية حقوق الإنسان تتطلب قدرا عاليا من التعاون والتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية6). 

ومن ثم «فقد أصبح من الثابت أن موضوع حقوق الإنسان لم يعد متروكا للاختصاص الداخلي للدول» كما 
كانت الحال فيما مضىء فقد ظهر جسد متكامل من القانون الدولي يسمى القانون الدولي لحقوق الإنسان,» 
والذي يتضمن قواعد آمرة ملزمة للدول, كما أنه يتضمن نظاما للإشراف الدولي على تطبيق قواعده»477. 


244 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


ا 





ولذا فإن انتقال حقوق الإنسان من المجال السيادي إلى المجال الدولي «وتدويل حقوق الإنسان 
من خلال النص عليها في المواثيق والاتفاقيات الدولية ألزم الدول بضرورة توفير الحماية لهذه الحقوق. 
وعدم انتهاكهاء وأعطى الشرعية للتدخل الإنساني باعتياره وسيلة بمارسها المجتمع الدولي لحماية حقوق 
الإنسان من الانتهاكات التي قد تقوم بها الدولء حيث لم يعد من حق هذه الأخيرة أن ترفض التدخل 
في شؤونها الداخلية إذا كان الهدف منه حماية حقوق الإنسان. بحجة أن هذه المسألة تدخل في صميم 
اختصاصها الداخليء. وذلك لأنها أصبحت من المواضيع الأساسية في القانون الدولي والتي ينشغل بها 
المجتمع الدولي»20*. أضف إلى ذلك فقد مثل نشأة الأمم المتحدة في العام 1945م نقطة تحول رئيسية 
في تاريخ الاهتمام الدولي بحقوق الإنسانء ويعتبر ميثاقها الوثيقة العالمية الأساسية ودستور العلاقات 
الدولية. والذي تضمن مبدأ احترام حقوق الإنسانء وتنظيم هذه القضية. حيث جعل مسألة حماية 
حقوق الإنسان هدفا من أهداف الأمم المتحدة. ومقصدا من مقاصدهاء حيث نص في الفقرة الثالثة 
من الادة الأولى من الميثاق التي تحدد أن من أهداف ومقاصد الأمم المتحدة» تحقيق التعاون الدولي 
على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية, وعلى تعزيز احترام 
حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاء والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز. بسبب الجنس أو 
اللغة أو الدينء ولا تفريق بين الرجال والنساء»9”». وأشار في ديباجته - يصورة صريحة وواضحة - إلى 
ضرورة وأهمية احترام ودعم وتعزيز حقوق الإنسانء وكذلك في نص الادتين (55 و56) من الميثاق. حيث 
تنص اللادة(55) على أنه9©: «رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة 
ودية بين الأمم مؤسّسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب, وبأن يكون لكل 
منها تقرير مصيرهاء تعمل الأمم المتحدة على: 
أ- تحقيق مستوى أعلى للمعيشة: وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد, والنهوض بعوامل التطور 

والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. 
ب - تيسير الحلول للمشكلات الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بهاء وتعزيز التعاون 

الدولي في أمور الثقافة والتعليم. 
ج - أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو 

الدين. ولا تفريق بين الرجال والنساءء ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا». 

كما أوجبت المادة (56) من الميثاق على الدول الالتزام بالتعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق هدفها 
ومقصدها في هذه المسألة» والمتمثل في حماية حقوق الإنسان. حيث نصت على أن «يتعهد جميع الأعضاء 
بأن يقومواء منفردين أو مشتركينء بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص 
عليها في المادة (510»)55. 

ومن ثمء كما يقول «فرد روس»: «إن أحكام ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسانء خاصة 
المادتين 55 و5: تعبر عن اختصاص الأمم المتحدة في جميع المسائل التي تتعلق بدعم التطور الاقتصادي 


225 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


احفر بر 01 





والاجتماعي والثقافي والصحي لجميع الشعوبء وبالتالي فحقوق الإنسان من اختصاص القانون الدوليء ولا 
تدخل ضمن المجال ال محفوظ للدول»62, ومثله يؤكد كل من 25ةتطداء2 أعقطء311 ولدعداهلء11 دعءر 34 
«أن هاتين المادتين تطرحان أساسا قانونيا للتدخل الدولي الإنساني أحادي الجانبء ويدعيان أن خلاف ذلك 
هو تدمير انتحاري للأهداف المحددة التي أنشئت الأمم المتحدة من أجلها»””). علاوة على ذلك فقد رأى 
ميثاق الأمم المتحدة أن أي تهديد للسلم والأمن الدوليينء من جانب دولة ماء يشكل استثناء على مبدأ عدم 
التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاءء وأكدت المادة(51) منه أن لمجلس الأمن «الحق في أن يتخذء في 
أي وقتء ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين, أو إعادتهما إلى نصابهما»52, 
خاصة وقد استطاعت قرارات مجلس الأمن الربط بين انتهاك حقوق الإنسان في دولة ما وبين تهديد السلم 
والأمن الدوليين. وكما أكدت ذلك الفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة. والتي ربطت بين 
احترام حقوق الإنسان وحفظ السلم والأمن الدوليين. وضرورة العمل على حمايتهماء ولو اقتضى الأمر القيام 
بعمليات تدخل من أجل ذلك حيث نصت على أن من مقاصد الأمم المتحدة «حفظ السلم والأمن الدوليين» 
وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها. وتقمع 
أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم... »69, 

أضف إلى ذلك فإن من الأدوات والأسس القانونية المبررة للتدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان. 
والتي يستند إليها هذا الاتجاه, تتمثل في اتفاقيات جنيف الأربع لحماية ضحايا الحروب للعام 1949م, 
وبروتوكوليها الإضافيين للعام 1977م: وقد تضمنت هذه الاتفاقيات العديد من النصوص التي وصلت إلى 
حوالي (600) مادة. تتناول حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحربء والتي نستنتج من خلال هذه 
النصوص «أن اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين الملحقين تقرر وتضمن حق الأفراد خلال النزاعات 
المسلحة (الدولية والداخلية) في التغذية والرعاية الصحية والمسكن والملبسء وهي الحقوق التي إن م يتم 
توفيرها من طرف الدول التي يتواجد فوقها الأفراد المعنيون أو في حالة توفيرها ولكن بصورة غير كافية أو 
غير لائقة, فإنه يجب على أفراد المجتمع الدولي أن يتحركوا من أجل تحقيق تلك الحقوق. وذلك بتقديمهم 
الخدمات الإنسانية اللازمة. وهو ما يبرر حق التدخل لأسباب إنسانية من خلال المساعدة الإنسانية»66. 
وبالتا فمن حق الصليب الأحمر أن يبادر إلى التصرف في حالة النزاع المسلح الدولي أو الداخليء أو أي 
مواقف تتطلب إغاثة إنسانية. 

وإضافة إلى ما تقدم, فإن القول بمشروعية التدخل الدولي لأغراض إنسانية يمكن تبريره - أيضا - بالإحالة 
إلى أحكام قضاء محكمة العدل الدولية ومنها على سبيل المثال - هنا - لا الحصر التالي 670 

فتواها الصادرة في العام 1971م: بشأن النتائج القانونية المترتبة على استمرار وجود حكومة جنوب 
أفريقيا غير المشروع في ناميبيا حيث خلصت المحكمة إلى القول بأن ميثاق الأمم المتحدة يفرض على الدول 
الأعضاء التزامات قانونية فيما يتعلق بالأمور ذات الصلة بحقوق الإنسان. ومن ثم يكون إخلال العضو 
المتمثل في عدم الوفاء بهذه الالتزامات سندا يخول الأمم المتحدة, من خلال أجهزتها المختصة, سلطة التدخل 


246 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسا 


نَ 





بالشكل المناسب. وأشارت المحكمة أيضا في حكمها الصادر في 27 يونيو من العام 1986م. في قضية النزاع 
بين نيكاراجوا والولايات المتحدة الأمريكيةء إلى أنه حتى بافتراض عدم وجود التزام باحترام حقوق الإنسان, 
إلا أن ذلك لا يعني الحق في انتهاك هذه الحقوقء. بل على العكس يعني حمايتها باتباع الإجراءات المتعارف 
عليها في العمل الدولي في مثل هذه الأحوال. كما أن محاكمات نورمبرج, وهي من أشهر المحاكمات في 
التاريخ المعاصرء والتي تتعلق بممحاكمة مجرمي الحرب في الحرب العالية الثانية. أكدت أنه «لا تملك أي 
حكومة - بعد الآن - حقا غير قابل للمنازعة فيما يتعلق بمعاملة رعاياها؛ فهذه الحكومة يمكن أن تحاكم أمام 
محكمة عدل دولية: كما أن المسؤولين فيها - وفي كل دولة - يمكن أن يدانوا كمجرمي حربء إذا ما اقترفوا 
ما يستوجب ذلك من خرق لقوانين الدول: أو إذا ما فرضوا قواعد تنتهك القوانين الإنسانية, أو إذا اعتدوا 
على حقوق الأفراد والجماعات: أو إذا ما قاموا بشن حرب عدوانية»/2”. وقد أعيد التأكيد على هذا الأمر 
بوضوح, وعلى نطاق أوسع., في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي تم التوقيع عليه في مؤتمر 
روما الديبلوماسي في 17 يوليو عام 1998م. 

ومما سبق يتضح أن هذا التيار والاتجاه له مبرراته التي يستند إليها في موقفه للتدخل الإنساني باعتباره 
عملا مشروعاء وإن التطورات الدولية الحاصلة تقتضي هذا النهج» فقد أصبح القانون الدولي المعاصر لا يهتم 
فقط بتنظيم العلاقات بين الدولء وإنما يهتم أساسا بحماية الكائن البشري وضمان احترام حقوقه. كما أنه لا 
يضع حدا فاصلا بين المبدأ الخاص بسيادة الدولة, والاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان؛ فميثاق الأمم المتحدة 
يضع هذين المبدأين (التدخل وعدم التدخل) اللذين يظهران كأنهما متناقضان, جنبا إلى جنبء فمن ناحية 
يحظر الميثاق التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ومن ناحية أخرى يُلزْم الدول بالتعاون لحماية 
حقوق الإنسان وتعزيزها والعمل على تطويرها69©. 

علاوة على ذلك فإنه. ومنذ نشأة الأمم, فقد تأكد هذا النهج من خلال العديد من التدخلات, والتي تم 
الاستناد في تبريرها إلى أسباب إنسانية, وذلك بغض النظر عن مدى مصداقيته, ومن أمثلة هذه التدخلات!60,: 

(1) الكونغو في العام 1960م شاركت فيها الأمم المتحدة بعملية [0811[1 . (2) قبرص في العام 1964م, 
وشاركت فيها الأمم المتحدة.(3) روديسيا في العام 1966م. (4) حرب فيتنام نفسها استُخدم فيها التبرير الإنساني. 
(5) التدخل الهندي في شرق باكستان في العام 1971م, والذي أدى إلى تكوين بنجلاديش. (6) التدخل الفرنسي 
في وسط أفريقيا في العام 1979م. (7) التدخل التنزاني في أوغندا للإطاحة بالرئيس عيدي أمين في العام 1979م. 
(8) التدخل الأمريكي في نيكاراجوا في العام 1979م. (9) التدخل الأمريكي في جرينادا في العام 1983م. (10) 
التدخل الأمريكي في بنما في ديسمبر 1989م. (11) التدخل الدولي في العراق 1991م. (12) التدخل الدولي في 
الصومال فيما عرف بعملية إعادة الأمل في العام 1992م. (13) التدخل الدولي في كمبوديا وعملية 112/14 في 
العام 1992م. (14) التدخل في هايتي في العام 1993م. (15) التدخل الدولي في إقليم كوسوفا في العام 2061999 . 


* كثير من المصادر تشير إلى أن التدخل الدولي في إقليم كوسوفا في العام 1998م, والحقيقة في العام 1999م, حيث تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) 
أمام الرفض الصربي وشن حملته العسكرية بتاريخ 24 مارس 1999م. 


217 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


ووم ات 





وباختصار فإن حجة هذا الاتجاه المؤكّد على الحق في التدخل هو تأمين حقوق الإنسان وحمايتها. 
وهو حق للمجتمع الدولي الذي يجب أن تكون له سلطة تعليق السيادة الوطنية متى تم استغلالها 
لأغراض إجرامية!61). 

ويتزعم هذا الاتجاه رواد النزعة الإنسانية في القانون الدولي» فهم يجيزون أي عمل جماعي حتى خارج 
مظلة الأمم المتحدة, لوقف أعمال الاضطهاد الوحشية التي تنتهك حقوق الإنسان في أي مكان2©. 

الاتجاه الثالث: وهذا الاتجاه يتوسط الاتجاهين السابقين (المؤيد والرافض). ويميل إلى التوفيق بينهماء 
حيث يؤكد أن الدولة الوطنية هي صاحبة الحق المطلق في السيادة والتكامل الإقليمي. ومن ثم لا يجوز 
انتهاك حدودهاء إلا إن هناك استثناء من هذا الموقف - الأصل - يتمثل في بلوغ الدولة المعنية في انتهاك 
الحقوق الأساسية للإنسان إلى حد لا يمكن معه عدها تمثل شعبها؛ نظرا إلى ما تحدثه سياستها من هزة لضمير 
الإنسانية. كما يشترط أنصار هذا الاتجاه أن يقتصر التدخل في هذه الحالة على العمل الجماعيء. ويستند - 
كذلك - إلى مصادقة شرعية من هيئة فوق قومية (الأمم المتحدة)7). فهذا الاتجاه «بقدر ما يؤكد أن نمة 
استحالة للمصالحة بين المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية والواقع المعاصر للعلاقات الدولية. يذهب - في 
الوقت ذاته - إلى ضرورة البحث عن مفهوم جديد للسيادة يتناسب ويتناغم مع جملة التحولات والتغيرات 
الحاصلة في جملة المفاهيم والمبادئ والأسس التقليدية التي كانت سائدة في منظومة العلاقات الدولية. 
وينتهج نهجا توفيقيا حيال مشروعية التدخل الدولي الإنساني لحماية حقوق الإنسانء فهو يقر بمشروعية 
«مشروطة». والتي تختلف من حالة إلى أخرى»7©. 

وبالتالي فإن السيادة - وفق هذا الاتجاه - لم تعد سلطة مطلقة تسمح للدولة بالقيام بكل ما مْ يمنعه 
صراحة القانون الدولي فقطء بل مشروطة معايير إنسانية واسعة. تعطي لفكرة السيادة مفهوم «السيادة 
امسؤولة» 653 كما تعطي التدخل الإنساني مفهوم «مسؤولية الحماية» («عمع1معم عل عغنلتطهوصهم5ع8 1.2) 
ويشار إليه اختصارا ب (6©9)825). ومن هذه التصورات الجديدة التي قدمت لمفهوم السيادة, لاسيما بعد 
أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م: ما قامت به الحكومة الكندية, ممثلة في وزير خارجيتها «لويد 
أكسورثي» بإط)ءهدة 4عتإو1.آ. بتشكيل لجنة دولية للتدخل وسيادة الدولء تكونت من شخصيات دولية 
من مختلف أنحاء العالم. ومن مناصب ومهن متعددة0. عُرفت باسم (0)10155”, وفي تقرير هذه اللجنة 
الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 2001م, بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة, أكد ثلاثة مبادئ جديدة في فقه 
التدخل الإنساني: 

الأول - استخدام مفهوم «المسؤولية الدولية للحماية» بدلا من مفهوم «التدخل الإنساني»» لما يثيره 
الأخير من مخاوف السيطرة والهيمنةء مقارنة بالمفهوم الأول المتضمن للمعاني المسؤولية والمساندة الدولية. 

* منهم رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقون» ومسؤولون من الأمم المتحدة, وجترالات» وباحثون. وصحافيون. 


** وهي اختصار لجملة «اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدولة»: لصة «متامءمعم1 ه0 ممعتسصرمن لمممنممعنمآ عطك" 
لاضعاءنء؟350 عأهاد 


248 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





الثاني - وضع «مسؤولية الحماية» على المستوى الوطني في يد الدولة الوطنية» وعلى المستوى الدولي 
تحت سلطة مجلس الأمن. 

الثالث - التركيز على أن عملية التدخل لأغراض «الحماية الإنسانية». يجب أن تتم بجدية وكفاءة 
وفاعلية» وبناء على سلطة مسؤولة مسؤولية مباشرة7. 

وفي هذا الإطار - أيضا - قدم عمهء2 .11 5أعصدء, برفقة مجموعة من الباحثين. تصورا جديدا للفهوم 
السيادة مفاده: «الدولة لكي تتمتع بامتيازات السيادة يجب عليها الحفاظ على الأمن الوطنيء والعمل 
على رفاهية المواطنين وسلامتهم. وفي حالة عجزها عن تأدية مسؤولياتها الأمنية فعليها الترحيب بالمساعدة 
الخارجية باختلاف أشكالهاء بمعنى آخر يمكن للمجموعة الدولية تعليق سيادة الدولة إذا ما أخفقت في أداء 
أدوارها تجاه مواطنيها»(. كما أن الدكتور بطرس بطرس غالي. الأمين العام السابق للأمم المتحدة» يعبر عن 
هذه الرؤية والمنحى ويؤكد أن الواقع الدولي الراهن بات يتطلب إعادة التفكير في مسألة السيادة. ليس من 
أجل إضعاف جوهرها الذي لم تعد له أهمية حاسمة في الأمن والتعاون الدوليينء بل بقصد الإقرار بأنها يمكن 
أن تتخذ أكثر من شكلء وأن تؤدي أكثر من وظيفة. ومثل هذه الرؤية العصرية الجديدة يمكن أن تساعد في 
حل المشكلات, سواء داخل الدول أو فيما بينها(9©, 

بجملة مختصرة, هذا الاتجاه ينادي بضرورة مراجعة المفاهيم التقليدية في القانون الدوليء وإعادة 
صياغتها لتتناسب مع السلوك والنظام الدولي الحاليء ويتبنى رؤية جديدة في التفكير حول جوهر السيادة من 
السيطرة إلى المسؤولية. وبشكل عام خلص بعض الباحثين إلى أن مفهوم سيادة الدولة تنطوي على مسؤولية 
مزدوجة ذات وجهين (خارجي وداخلي)» على الصعيد الخارجي79: يجب أن تحترم الدولة سيادة الدول 
الأخرى. وعلى الصعيد الداخلي: يجب أن تحترم كرامة كل الناس الموجودين على أراضيها وحقوقهم الأساسية. 
وعليه فإن هذه الرؤية والاتجاه لا يعترفان بالسيادة كحق مطلقء إنما هي مسؤولية:» وبالتالي تغدو سيادة 
الدولة وحصانتها مربوطتين بسيادة المواطن الفرد داخلها وحصانته. وهذا يتوافق مع مقولة إن حقوق 
الإنسان ليس لها حدود. ويؤكد التسليم والإقرار بوجود حقوق دولية للإنسانء والتي هي وفق البعض تعني 
«أن مجالا أساسيا للاختصاص الداخلي للدولة قد أصبح محلا للتدخل الدوليء عن طريق التنظيم: أيا كانت 
آلياتهء وعن طريق الحماية. أيا كانت صيغتهاء وهو ما لا تقبله الدولة بسهولة»17. كما أن هذه الاتجاه. 
وما يطرحه أنصارهء يقترب من المنظور الجديد للعلاقات الدولية, متمثلا في إدخال القيم الإنسانية عليهاء 
أي «أنسنة» العلاقات الدولية, والذي عرف بالاتجاه الإنساني في العلاقات الدولية. مع بداية القرن الواحد 
والعشرينء كما عُرف بمنظور ما بعد العلاقات الدولية, أو المابعدية في العلاقات الدولية, والذي قدم العديد 
من النظرياتء من بينها نظرية حقوق الإنسان 156027 كاطونظ صدددن]] التي تهتم ب «الإنسان» كوحدة 
وقيمة أساسية في التحليلء وب «حقوقه» باعتبارها محركا للسياسات العالمية2". 

إجمالاء يمكن القول فيما يتصل بالتدخل الإنساني ومبدأ السيادة وحقوق الإنسان بشكل عامء بأن 
الاتجاهات الثلاثة السابقة السير في اتجاه معين بإطلاق له محاذيره الخطرة. ففتح المجال أمام التدخل يجعل 


229 


إشكالية التدخل الإنساني تحماية حقوق الإنسان 


ا 201 





قضية حقوق الإنسان لعبة في يد القوى المهيمنة. ويدخل القضية في دوامة التسييسء وتغدو القوة هي 
الحق وليس العكس كذلككء ولذا يبعد التدخل كآلية مهمة لحماية حقوق الإنسان عن مضمونه الحقيقي. 
ويجعله آلية ومطية لتدخل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية للدول الصغرى. وكذلك استّخدم مبدأ السيادة 
والتقوقع وتذرع نظم الحكم والدول به قد يكون في بعض الأحيان على غير وجه حق ككلمة حق أريد بها 
باطل تتستر وراءها الأنظمة الشمولية في إهدارها حقوق الإنسان هروبا من التدخل الخارجي لفضح هذه 
الانتهاكات والمحاسبة عليهاء فإنها تصبح حينئذ سيادة يدينها التاريخ؛ ومادام الأمر كذلك فإنه يصبح في 
مصلحة أعضاء المجتمع الدولي جميعا أن يتم تحديد العمل الدولي وتوجيهه في هذا المسارء كما يجب على 
الدول أن تقنع بأن الرقابة التي يمارسها المجتمع الدولي تنبع أساسا من احترامه لسيادتها ولصلاحياتها(72”. 
وعليه فإن الدراسة ترى - فوق ما سبق وباختصار - أن الدولة أفضل ضامن لحقوق الإنسانء وعليها 
تقع المسؤولية الأولى عن حماية الأفراد. وبالتالي فإن الأفراد والشعوب ليسوا في حاجة إلى «حماية دولية» 
لحقوق الإنسان إذا ما كانت الدولة قائمة بالفعل على أساس احترام كرامة مواطنيهاء جماعات وأفرادا. كما 
أن «سيادة الدولة», في هذه الحالة, لا خوف عليهاء فهي مصونة بصيانة حقوق شعوبها. ولكن حينما يحدث 
العكس وتتحول «الدولة» إلى إهدار حقوق مواطنيها بدلا من حمايتهاء لمم يعد ممكنا لأي دولة التمسك ب 
«مبدأ السيادة» لممارسة بشاعتها وإهدارها الحقوق والحرياتء كما لم يعد ممكنا لأي دولة - كذلك - إخفاء 
هذه البشاعة عن الرأي العام العالمي, في ظل ثورة المعلومات والاتصالات, وتحول العام في ظلها اليوم إلى ما 
يشبه القرية الكونية العالمية. ففي مثل هذه الظروف يتعين على المجتمع الدوليء خصوصا المنظمات الدولية, 
الإقليمية منها والعامية» أن تأخذ بزمام الأمور نيابة عن الدولة التي تخفق في القيام بمسؤولياتها”. 


ثالثا - إشكالية التدخل الإنساني والمواقف الدولية حياله 

لم تختلف الآراء - وفق البعض - حول موضوع من موضوعات القانون الدوليء مثلما اختلفت حول 
«التدخل الإنساني»777. فكلمتا «التدخل» و«الإنساني» اللتان يشتمل عليهما المصطلح ليستا فقط محل عدم 
اتفاق بين الباحثين» بل كذلك بين الدول9”, والتي تتباين مواقفها حول فكرة التدخل الإنساني» وعكست 
هذه القضية والفكرة طوال الحرب الباردة مواقف تصادمية بين الكتل الدولية» ومازالت تمثل نقطة ساخنة, 
ومحور جدل حاد داخل المجتمع الدولي المعاصر. حيث انقسمت المواقف الدولية, ومازالت. حول فكرة 
التدخل الإنسانيء وتوزعت على النحو التالي: 
أولا- موقف الكتلة الغربية 

تذهب الدول الغربية إلى أنه لا يوجد أي فواصل بين الحماية الدولية لحقوق الإنسان وإعمالها على 
الصعيد الداخليء وفي منظورها أن الحماية الدولية وحدها تكون قادرة على كفالة حقوق القواعد الدولية 
لحقوق الإنسان داخل الدول الأعضاء. ومن هنا يكون من السائغ أن دولة ماء أو عددا من الدولء تأخذ 
مبادرة تنبيه دول أخرى إلى واجب حماية حقوق الإنسان. ومن ذلك علاقات حسن الجوار, أو العلاقات 


250 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





الودية بوجه عام7). فالدول الغربية الكبرى كانت - ومازالت بدرجات متفاوتة - تؤيد فكرة التدخل 
الإنساني في مواقفها وسلوكها التصويتيء بل «إن فرنسا( كانت قد تقدمت بمقترح حين صياغة ميثاق الأمم 
المتحدة في العام 1945م يجيز للأمم المتحدة التدخل في حالة وقوع انتهاك خطير لحقوق الإنسان يهدد 
السلام. كما جاء السلوك التصويتي للدول الغربية حيال فكرة التدخل الإنساني متسقا مع ذلك. ويكفي أن 
نشير هنا إلى الإعلان الرقم (36/ 103) الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9 ديسمبر 1981م, 
الخاص بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول. حيث اعتمد هذا الإعلان بأكثرية 120 دولة, ضد 
2 دولةء وامتناع 6 دول عن التصويت, وقد صوتت ضد الإعلان الدول الغربية» إضافة إلى إسرائيل واليابان 
وفنزويلاء بينما امتنعت عن التصويت من الدول الغربية فنلندا واليونان» إضافة إلى تركيا»2). هذاء وتجدد 
الموقف الغربي حول حقوق الإنسان ومسألة التدخل الإنساني مُنذ نشأة النظام العالمي الجديدء وما ترتب 
عليه من تغيرات «خاصة في أعمال مجلس الأمن الذي اعتبر أن حالات التدخل الإنساني تهدف إلى نصرة 
وحماية حقوق الإنسان, فمع غياب الاتحاد السوفييتي صدرت عدة قرارات خطيرة من مجلس الأمن تبرر 
التدخل الإنساني في هذه النزاعات7”'. بل إنها أعطت نفسها الحق في التدخل المصحوب باستخدام القوة 
لتحقيق الحماية الإنسانية»””. وربط مجلس الأمن قضية حقوق الإنسان بالسلم والأمن الدوليين ومن 
هذه القرارات قراره الذي يدين أعمال القمع التي يتعرض لها السكان المدنيون في أجزاء كبيرة من العراق» 
وهو القرار الرقم (688) بتاريخ 5 أبريل 1991م, فهذا القرار إلى جانب كونه يمثل خطوة متقدمة في توسيع 
سلطات مجلس الأمن ف «إنه أول عملية تدخل دولي إنساني بعد نهاية الحرب الباردةء مورس تجاه دولة 
عربية محورية في النظام الإقليمي العربي»290, وكذلك فإنه «ينص لأول مرة, بصراحة لا غموض فيهاء على 
ربط انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة مع تهديد السلم والأمن الدوليين» ومن ناحية ثانية لم يدع فقط إلى 
تجاوز مبدأ عدم التدخلء بل يؤكد الحق في التدخل. وذهب البعض إلى حد رفع شعار واجب التدخل»(81©. 
وقد استندت على هذا القرار الذي عرف بقرار حقوق الإنسان2؟) كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة 
الأمريكية لتبرير العلمية العسكرية التي قامت بها في شمال العراق» والتي أطلق عليها اسم عملية «توفير 


* ومع ذلك نشير - هنا - إلى أن فرنسا قد «أنكرت على امتداد الفترة من 1955م - 1962م وهي الفترة التي دامتها حرب الاستقلال الجزائري. على 
الأمم المتحدة أهليتها للتدخل في القضية الجزائرية. وعندما أدرجت مسألة الجزائر في جدول أعمال الجمعية العامة للعام 1955م بأكثرية 28 صوتاء ضد27 
صوتاء وامتناع خمس دول عن التصوبت: قاطعت فرنسا الجلسات, وأعلنت بلسان رئيسها جي موليه أن الجزائر مسألة فرنسية صرفة؛ لا يمكن فيها لفرنسا 
أن تقبل بتدخل أي دولة أخرىء حتى ولو كانت مدفوعة بنيات ودية». وكذا نشير إلى أنه «وعند صياغة العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية, 
والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م, أثارت بعض الدول العديد من التحفظات بشأن إنشاء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة 
لمراقبة تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, واعتبرت العديد من الدول أن عمل هذه اللجنة يعد تدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. 
ومع ذلك فقد انتصرت حجة الذين يعتبرون أن تدخل الأمم المتحدة لطراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الدول الموقعة على الاتفاقية لا يعتبر تدخلا في 
الشأن الداخلي للدولة؛ لأن حقوق الإنسان تخرج عن هذا الشأن الداخلي فور توقيع الدولة على الاتفاقيات الدولية المعنية». يُنظر: محسن عوض, حقوق 
الإنسان بين العالطية والخصوصية وبين حق التدخل وحقوق السيادة, في: محسن عوض (محرر)ء حقوق الإنسان والإعلام. مرجع سيق ذكره. ص89 و90. 

** نشير هناء كما أوردت بعض الدراسات. إلى أن العام - وفق بعض الإحصائيات - شهد «خلال الفترة من 1989م إلى 1992م نحو 82 صراعا 
مسلحاء كان بينها 79 صراعا مسلحا داخلياء مما ترتب عليه آثار إنسانية خطيرة في صورة تزايد عدد اللاجثين والمشردين والجرحى». يُنظر: مسعد 
عبدالرحمن زيدان قاسمء تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدوليء رسالة دكتوراه في الحقوقء القاهرة. جامعة القاهرة كلية 
الحقوقء قسم القانون الدولي العام, 2001م, ص262. 


251 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


01 





الراحة» :0510© 201106 من أجل حماية الأكراد؟). وفي الوقت الحاضر تعد الكتلة الغربيةء خاصة 
المنظور الليبرالي منها. من أبرز المدافعين عن حق وشرعية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسانء لذا نجد 
أن أهم المرتكزات الأساسية التي ينطلقون منها في تصورهم للعلاقات الدولية وطبيعة التفاعلات فيها هي 
حقوق الإنسان والديموقراطية, وكذلك الدور المركزي للأخلاق في صياغة السياسة العالمية9؟). وهذا هو ما 
يسمى «نظرية السلام الديموقراطي»» وتعد كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) من أهم 
المروجين لهذه النظرية وجوهرها «أن الدول ذات النظام الديمموقراطي تعيش في علاقات سلمية دولية, أو 
بعبارة أخرى الدموقراطيات لا تحارب بعضها»7”'). هذا وقد أفصحت عن هذا الموقف الإستراتيجية الجديدة 
لحلف الأطلنطيء حيت أقر «رؤساء وقادة الدول ال 19 بالحلف. بقمة واشنطن 1999م, تصورا إستراتيجيا 
جديداء يعطي الحلف حق التدخل العسكري في أي مكان في العام لمواجهة أي موقفء مادام الأعضاء قد 
اتفقوا على أنه تهديد لأمنهم»©*. كما أن الرئيس الأمريي جورج بوش (الابن) أطلق بعد أحداث الحادي 
عشر من سبتمبر 2001م إستراتيجية الحرب الوقائية. تشن الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في أي مكان 
في العالم ترى أنهاء وفق زعمهاء تهديد لأمنهاء وباستخدام كل الوسائل؛ بما فيها التدخل العسكريء وتغيير 
الأنظمة السياسية القائمة تحت مبرر «الحرب على الإرهاب». واستحداث قيم أخلاقية تصنف الدول على 
أساس الخير والشر «من ليس معنا فهو ضدنا», والتي في إطارها شن حربا وتدخلا في العراق وفي أفغانستان 
وفي أماكن أخرى77©. 
انيا- موقف الكتلة الشرقية 

وتتخذ موقفا مضادا للسابق» حيث جسد مواقفها وسلوكها التصويتي رفضا لفكرة التدخل الإنساني» 
وإن شهد الواقع تدخل الاتحاد السوفييتي أكثر من مرة في الشؤون الداخلية لدول حلف وارسوى بل إن 
الاتحاد السوفييتي يفضل استخدام تعبير عدم التعرض (ع©©0ع5ء126621 02) عن تعبير عدم التدخل (2ههل2 
«منخصء »4ه 1). في تحديد موقفه من فكرة التدخل الإنساني؟». وعليه فإن نظرة الدول الاشتراكية إلى 
القانون الدولي قامت على قاعدة أساسية قوامها المساواة بين الدول صاحبة السيادة. وعارضت هذه الدول 
الفكرة القائلة بتجاوز السيادة. وبتوسيع دور المنظمات الدولية. والتدخل في الشؤون الداخلية للدول» 
فطبقا لهذا النظرة ترى الدول الاشتراكية أن حماية حقوق الإنسان مسألة داخلية خاصة بكل دولة599, ولذا 
فقد كان وفد الاتحاد السوفييتي. خلال اجتماعات اللجان المختصة بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة, 
يؤكد دائما على الحريات التي تمنحها النظم الشيوعية لمواطنيها. وعلى أن دراسة الحالات الفردية الخاصة 
بانتهاكات حقوق الإنسان تعد اعتداء على شؤونه الداخلية. كما أن اتفاقية هلسينكي للأمن والتعاون في 
أوروبا الموقعة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, والشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي 
في العام 1975م إثر الانفراج في العلاقات بين الطرفين قامت على مبدأين أساسيين أولهما(2”: عدم التدخل 
العسكري أو غير العسكري في الشؤون الداخلية أو الخارجية للأطراف المعنية. وثانيهما: حماية حقوق 
الإنسانء بما في ذلك حرية الرأي والفكر والعقيدة. 


252 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





هذاء وعندما ارتفع النقد ما تقوم به السلطات السوفييتية من منع اليهود من الهجرة» ومحاكمة أعضاء 
حركة حقوق الإنسانء وتقييد التعاون الثقافي مع الغرب. كان رد الفعل السوفييتي هو التأكيد على عدم 
شرعية التدخل في شؤونه الداخلية, وأنه لا يجوز لأي حكومة أجنبية أن تضع ممارسات حقوق الإنسان في 
الاتحاد السوفييتي أو أوروبا الشرقية تحت الاختبار. وإلى جانب الاتحاد السوفييتي (سابقا) فإن الصين - مثلا 
- ترفض التدخل الإنساني رفضا قطعيا(!”. وقد عكست بعض الأحداث مواقفها من فكرة التدخل الإنساني 
كأحداث ميدان السماوي في العام 1989م9, والذي ترتب عليه حدوث أزمة ديبلوماسية مع بعض الدول 
الأجنبية» وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية, والتي أصدر الرئيس جورج بوش (الأب) بيانا استهجن 
قرار الحكومة الصينية باستخدام القوة ضد الطلبة الذين كانوا يقدمون - وفق البيان - عرضا سلميا 
ينادي بالديموقراطية. وفي المقابل اعتبرت الصين هذا السلوك من الولايات المتحدة الأمريكية تدخلا سافرا 
في شؤونها الداخلية, وخرقا لسيادتهاء واتهمتها بانتهاك القواعد الأساسية للعلاقات الديبلوماسية. وبالتدخل 
لإثارة وتحريض الشعب الصيني. وشنت هجوما حادا على قيام السفارة الأمريكية بإيواء المنشق الصيني 
«فانج لزهاي». مما خلق أزمة سياسية بين البلدين2. وعلى الصعيد الخارجي فإن سلوكها التصويتي يوضح 
موقفها من هذه المسألة. فقد امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الرقم (7)688”') للعام 1991م 
الخاص بحق المدنيين في العراق والذي تُوّج بالتدخل الخارجي بالعراق» وجاء في كلمة مندوبها «أن المجلس 
لا يمكن أن يناقش هذه المسالة» لأنها تمس الشؤون الداخلية عملا بالفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق» وأن 
الأبعاد الإنسانية لهذه المسألة يمكن أن تعالج بالطرق المناسبة, وأنها تدعم جهود الأمين العام في ذلك»!603, 
كما عارضت التدخل في يوغسلافيا - إقليم كوسوفو - في العام 1999م2”, وامتنعت عن التصويت - وكذا 
روسيا وأطانيا - على قراري مجلس الأمن الرقمين 1970 و1973 لإعطاء الشرعية للتدخل في ليبيا لإسقاط نظام 
معمر القذافي في العام 2011م. 

كذا فإن موقف معظم دول جنوب شرق آسياء مثل ماليزياء وكوريا الجنوبية وسنغافورة, لا يختلف عن 
موقف الصينء حيث تصف التدخل الإنساني ب «الاستعمار الثقافي أو الاستعمار الجديد». وترفض التدخل في 
الشؤون الداخلية للدول عند التعامل الدولي مع قضايا حقوق الإنسان73. 

هذا وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي شهد الواقع, خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين: تدخلا 
عسكريا روسيا في شبة جزيرة القرم الأوكرانية يوم 27 فبراير 2014م. وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 


* تتمثل هذا الأحداث في قيام عدد كبير من الطلاب الصينيينء ف 24 أبريل في العام 9م بمقاطعة الدراسة والبدء ف إضراب عام يي كل 
الجامعات ردا على رفض الحكومة الصينية مطالبهم بإجراء حوار لتنفيذ الإصلاحات السياسية وإعطائهم مزيدا من الحربة» ووضع حد للامتيازات التي 
تتمتع بها الصفوة في النظام الشيوعي الحاكم. وامتدت المظاهرات. رغم حظر السلطات الصينية لها إلى مدن أخرى وسط وجنوب البلادء واجتاحت 
الصين أحداث عنف واسعة. واتخذ الرئيس الصيني في 2 يونيو1989م قراره باقتحام قوات الجيش الميدان. حيث تم إطلاق الرصاص على الطلاب 
وجموع المتظاهرينء وكانت المواجهة بالغة العنف بين الطرفينء وأحدئت إصابة ومصرع الآلاف» وتم تصفية جميع عناصر التمرد الطلابي. وإصدار 
أحكام بالسجن والإعدام لبعضهم, كما تمت حركة نزوح كبيرة للأجانب من العاصمة بكينء فضلا عن لجوه بعض المنشقين إلى السفارات الأجنبية طلبا 
للحماية والخروج من البلاد. 

** هذا القرار أصدره مجلس الأمن في 5 أبريل 1991م بأغلبية 10 أصوات. ضد ثلاثة, هي كوبا واليمن وزيهبابوي, مع امتناع دولتين عن 
التصويت. هما الصين والهند 


253 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


مم ار 111111 اث 





بأن التدخل في القرم جاء لحماية الرعايا الروس الذين يشكلون الأغلبية في تلك المقاطعة©7. حيث رأي 
الموقف الأول (الغرب. خصوصا أمريكا) أن التدخل العسكري هذا غير شرعي. وقد علق البعض على هذا 
قائلا””: «أمريكا تقول إن التدخل العسكري الروسي في القرم غير قانوني وغير شرعي... جميل؛ وماذا عن 
تدخلها في العراق وأفغانستان. هل كان تدخلها الدموي شرعيا؟! وهل دعمها اللامحدود للعدوان الإسرائيلي 
على الأمة العربية. واحتلال شعوبهاء ومطالبتها الشعب الفلسطيني الأعزل بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية 
عنصرية أخلاقي وقانوني أيضا؟!». 
الثا - موقف الدول النامية 

أما موقف الدول النامية, وفي مقدمها دول العام الثالث «فكان ومازال يرفض فكرة التدخل الإنساني من 
أجل حماية حقوق الإنسان» كونها تحمل في طياتها تهديدا خطيرا لسيادات الدول الصغرى من جانب الدول 
الكبرى, رافعة لواء التدخل الدولي الإنسانيء فالقول به يعني إطلاق يد الدول الكبرى التي قد تكون راغبة في 
التدخل لاعتبارات أخرى خفية. خلاف الاعتبارات الإنسانية المعلنة» وإضفاء المشروعية على أعمالها في هذا 
الصدد. كما أن القول بها يمثل انتكاسة خطيرة بدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية الذي يعد أبرز 
إنجازات القانون الدولي المعاصرء منذ النص عليه في ميثاق الأمم المتحدة 1945م»797. فمبدأ وفكرة التدخل 
الإنساني أو التدخل الدولي لأغراض إنسانية تتوجس منهما معظم الدول النامية, وقد أكد على ذلك بيان 
قمة مجموعة ال 77 في هافانا في أبريل 2000م عن رفضه الحق المزعوم في التدخل الإنساني الذي لا يجد 
له أي سند قانوني في ميثاق الأمم المتحدة 2 ”. كما سبق وعبر عن هذا الرفض كذلك الإعلان الوزاري لوزراء 
الخارجية لمجموعة ال 77 في اجتماعهم المنعقد في 24 سبتمبر عام 1999م في نيويورك. حيث أكد الإعلان 
وشدد على ضرورة التمييز بين المساعدة الإنسانية والنشاطات الأخرى للأمم المتحدة. ورفض ما يسمى حق 
التدخل الإنساني الذي ليس له أي قاعدة في ميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي. وتمثل وجهات النظر هذه 
مواقف 132 دولة. تشمل 23 دولة آسيوية, و51 دولة أفريقية» و22 دولة لاتينية, و13 دولة عربية(1090). على 
هذا النحو تعارض أكثر من نصف دول العام التدخل الإنساني. 
رابعا- موقف الفكر الإسلامي 

إضافة إلى المواقف الدولية - المتقدمة - فإن موقف الفكر الإسلامي من التدخل يلفت الانتباه. حيث 
يلاحظ أن هناك «إجماعا بين المفكرين الإسلاميينء على جوازء بل وأحيانا وجوب التدخل الخارجي في بعض 
الحالات؛ وأكثر هذه التدخلات من ناحية المبدأ يهدف إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان, المعير عنها بوقف 
المظالم وإقامة العدل»!!9)). وحيثما العدل كما يذهب الفقهاء المسلمون فثم شرع الله. وقد أقر الفقه 
الإسلامي نظرية الاستنقاذ كوسيلة لحماية المسلمين ا مضطهدين في دينهم, أو المأسورينء لرفع الظلم عنهم 
وتخليصهم. وهذه النظرية تقابل نظرية التدخل من أجل الإنسانية (نظرية التدخل الإنساني) في الفقه 
الخربي92!). ويذهب فقهاء المسلمين إلى أن الحدود السياسية الموجودة على الخرائط مصطنعة ولا جود 
حقيقيا لها. ومع هذا القبول والتأبيد لفكرة التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسانء ورفع الظلم وإقامة 


2234 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





العدل؛ هناك رفض من قبل معظم الإسلاميين لمبدأ التدخل الخارجي بالآليات والمؤسسات الموجودة في 
العصر الراهنء نظرا لانعدام المصداقية والعدالة في التعامل مع القضايا الإنسانية, فضلا إلى اتحيازها إلى الدول 
الكبرى. وهذا الرفض لا يفهم منه دعم الأنظمة المستبدة أو السكوت على انتهاكاته حقوق الإنسان1027), 

إضافة إلى المواقف الدولية والفكرية السابقة. فإن الجدل حول فكرة التدخل الإنساني - خاصة منذ بداية 
التسعينيات, بالتزامن مع نشأة النظام العالمي الجديد وانهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي» 
وسواء تم بشرعية دولية أو من دونها - مازال يشغل حيزا واسعا من مساحات البحث والنقاش وتضارب 
الأفكار في أوساط النخب السياسية والفكرية والثقافية في مختلف بقاع العام. وسيطر صراع بين الاتجاهات 
المختلفة. وعلى أكثر من مستوىء وأكثر من اتجاهء صراع بين الشمال والجنوب من جهة. وبين الحكومات 
والمنظمات غير الحكومية من جهة أخرى (بين الجانب الرسمي وغير الرسمي). 

فعلى المستوى الأول: اصطدمت خلال جلسات المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا خلال 
الفترة من 14 إلى 25 يونيو 1993م اقتراحات دول الشمال بإنشاء آليات للحماية الدولية لحقوق الإنسان 
وتعزيزها بتعيين مفوض سام لحقوق الإنسان7", ينوب عن الأمين العام للأمم المتحدة, ولديه سلطات 
تنفيذية واسعة تمكنه من التصرف بإمكانات الأمم المتحدة بصورة فورية. من دون الحاجة إلى الرجوع إلى 
لجان أو سلطات أعلى لاتخاذ القرار. وهذا يعني أن في إمكان المفوض السامي أن بمارس نشاطا قد يغضب 
بعض الدول فيما لو قدر أن هناك اختراقا لحقوق الإنسان. كما يتمكن - كذلك - من التدخل لحماية أعضاء 
المنظمات غير الحكومية الذين يعملون من أجل حماية حقوق الإنسان192). 

بينما ذهبت دول الجنوب إلى «أن إنشاء مفوضية سامية لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان يجب ألا يؤدي 
إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدولء ولذلك يجب أن تكون طريقة عملها محددة تحديدا دقيقا. ومسألة 
التدخل في الشؤون الداخلية للدول استخدمت من قبل دول الجنوب بوجهتي نظر. حيث مثلت الأولى 
الخوف من اتخاذ آليات المراقبة كقوة في يد الدول الكبرى للتدخل في شؤون الدول الصغرىء وبشكل انتقائي 
وبمعايير مزدوجة. أما وجهة النظر الثانية فجاءت من دول صغرى لا تريد أن تكون انتهاكات حقوق الإنسان 
خاضعة لأي مراقبة علياء ولذلك احتجت بمسألة سيادة الدول»997!). وتتساءل بعض الدول الآسيوية: هل 
يمكن بلثل هذا المفوض أن يتدخل لحماية شخص تنتهك حقوقه في الولايات المتحدة, أم أنه سوف يستخدم 
كذراع ضاربة ضد الدول غير المرغوب فيها؟99. 

على كل فقد اختلفت الآراء بين الشمال والجنوب حول قضية الرقابة وامتابعة المتصلة بمبادئ حقوق 
الإنسان» وتعيين مفوض سام لحقوق الإنسان يكون بمنزلة المنسق العام والرقيب العام على مدى التزام الدول 
باحترام حقوق الإنسان وتطبيقها ما تضمنته الصكوك الدولية في هذا الشأن!(107). 

* وهو ما أوصى به مؤتمر فيينا 1993م حيث دعا إلى أن تنشئ الجمعية العامة منصب مفوض سام لحقوق الإنسان, بعد ذلك أنشأت الجمعية 
العامة المنصب في 20 ديسمبر 1993م (القرار 141/ 48): وعين الأمين العام خوسيه أيالا لاسو ليكون أول مفوض سام. وقد تولى منصبه في 5 أبريل 1994م. 


يُنظر: الأمم المتحدة, المفوضية السامية لحقوق الإنسان, الذكرى السنوية العشرون لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان - امؤتمر العالمي لحقوق 
الإنسانء موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان. بالشبكة العامية للمعلومات: مرم6,6:11تناعطا,0,19-5-2015عمعععة , 28م ع عداو جب //نصقط. 


255 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


0 _ 





على المستوى الثاني: وهو الخلاف الدائر بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية (الجانب 
الرسمي وغير الرسمي) حيال فكرة التدخل الإنسانيء وقد جسد هذا الجدل والخلاف بشكل واضح 
دول الجنوبء ففي حين شدد الجانب الحكومي (الرسمي) في «إعلان بانكوك, الصادر عن الاجتماع 
الإقليمي الحكومي لآسياء والذي عُقد خلال الفترة من 29 مارس إلى 2 أبريل 1993م: على رفض 
فكرة التدخل الإنساني وعدم استغلالها في تقويض السلامة الإقليمية والسيادة الوطنية والاستقلال 
السياسي للدول. كانت المنظمات الآسيوية غير الحكومية قد أصدرت (إعلان بانكوك للمنظمات غير 
الحكومية), وأكدت أن هناك فهما ناشئا حول عالية حقوق الإنسان يشمل ثراء وحكمة الثقافات 
الآسيوية. وانطلاقا من أن حقوق الإنسان موضع اهتمام عالمي ولها قيمة عالية» فإن الدفاع عن 
حقوق الإنسان لا يمكن أن يعتبر تعديا على السيادة الوطنية»1990. مطالبة في توصياتها بتقوية 
قدرات الأمم المتحدة, وكذا تحسين عمل الأجهزة الرقابية وتطوير آلياتها. 

هذا وقد اتسقت الرؤية الحكومية العربية مع الرؤية الحكومية الآسيوية فيما يتعلق «بعدم 
التدخل في الشؤون الداخلية للدولء والمساس بسيادتها بحجة حماية حقوق الإنسان»». بينما في 
المقابل أكدت المنظمات العربية غير الحكومية في اجتماعها الذي عقد يومي 30 أكتوبر و1 نوفمبر 
2ه «أن المؤتمر العالمي مدخل لتعزيز وتطوير المكتسبات التي تحققت وعدم التراجع عنهاء 
بدعوى الخصوصية الثقافية والعرفية. أو المساس بالسيادة الوطنية. والدعوة إلى ضرورة خلق آلية 
مركزية عليا في ميدان حقوق الإنسان تضمن إعمال معايير واحدة لهذه الحقوقء. وعدم التعامل مع 
أوضاع حقوق الإنسان بانتقائية»109), 

والخلاصة أن إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان كانت - ومازالت - إشكالية قائمة, 
على الرغم من الجهود المختلفة التي بذلت - ومازالت - منذ القرن التاسع عشر على مستوى الفقه 
الدوليء والمؤتمرات الدولية» واجتهادات القضاء الدولي والوطنيء. فضلا عن الممارسات الدولية المتوترة 
التي اختبرت من خلالها قواعد هذا القانون» فإن مبدأ التدخل لم يكتمل صرحه بعد. وكثير من جوانبه 
لايزال في حاجة إلى مزيد من الدراسات والبحث9!!). حيث يعتبر من أكثر الموضوعات إثارة للجدل 
في فقه القانون الدولي العام, وكذلك في مواقف الدولء. كما أن وضع تعريف قانوني وسياسي للتدخل 
الدولي الإنساني ليس بالأمر اليسير. بسبب تباين آراء الفقهاء بشأنه - كما اتضح سابقا - حيث 
يكتنفه الغموض وعدم الدقة. ومما زاد من هذا الغموضء تضارب المواقف والآراء بشأن مشروعيته 
القانونية. فضلا عن ذلك تكييف موقف القانون الدولي العام إزاء مسألة مشروعية هذا التدخلء 
وينطلق كلا الاتجاهين (المؤيد والمعارض) من إطار مرجعي واحد هو ميثاق الأمم المتحدة!!!1). 

إضافة إلى ما يثيره التدخل الدولي الإنساني من إشكاليات قانونية تعد في مُجملها انحرافا عن 
القاعدة الأصلية والمتمثلة في عدم الجواز بالتدخلء هناك إشكالية سياسية تتمثل في استخدام هذا 
المبدأ وتطبيقه بمعايير مزدوجة عند التعامل مع قضايا حقوق الإنسانء والأمثلة على ذلك كثيرةء 


2256 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 








نشير إلى مثال واحد على هذه الازدواجية والانتقائية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان من وجود 
انتهاكات لحقوق قومية واحدة (وهي الكردية) في دولتين متجاورتين» إحداهما العراق» والأخرى هي 
تركياء فتم التدخل في العراق مواجهة انتهاكات حقوق الأكراد. ولم يحدث شيء نحو هذه الانتهاكات 
في تركيا. ومثال آخر تجاهل النظام الدولي انتهاكات حقوق الإنسان في دول معينة كإسرائيل مثلاء 
واتخذ إجراءات فعالة في دول أخرى كالصومال مثلا 112 فمعايير هذا التدخل مازالت تثير كثيرا من 
الجدل, وقد استند في مرحلة ما بعد الحرب الباردة على دعامتين أساسيتين: الأولى(2!113 هي التسييس 
الذي مورس من قبل الدول الكبرىء والأمثلة على ذلك كثيرة. والدعامة الثانية هي الانتقائية التي 
مورست من قبل الأمم المتحدة. فقد شهدت مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وفق بعض الدراسات» 
أكثر من خمسين حربا داخلية. حتى تاريخه40!!, وعند البعض شهد العالم نحو 82 صراعا مسلحا كان 
بينها 79 صراعا مسلحا داخلياء خلال الفترة من 1989م إلى 1992ه(2115, لم تتدخل الأمم المتحدة إلا 
في حالات معدودة منهاء والسبيب يعود في ذلك لهيمنة الدول الكبرى, وعلى رأسها الولايات المتحدة 
الأمريكية, على المنظمة الأممية, لتغدو أداة توظفها هذه الدول على النحو الذي يحقق مصالحها. 

وعليه فإن المبدأ مازال إشكالية قائمة تثار حولها العديد من التساؤلات والتي يمكن إيجازها 
في التالي: 

من له الحق في التدخلء هل الدول فرادى أو جماعات. أم هي المنظمات الدولية الإقليمية 
والعالمية, أم هي الأمم المتحدة بمفردها؟ وهل بمارس هذا الحق موافقة الدولة ال معنية» أم يتجاوز 
سيادتها استناد! إلى الاعتبارات الإنسانية نفسها تحت الفصل السابع من الميثاق (الإجراءات القمعية)؟ 
وهل يعد هذا التدخل استثناء مقبولا من قاعدة عدم جواز التهديد باستخدام القوة. وعدم التدخل 
في الشؤون الداخلية للدول؟ 

وهل تنسحب ممارسة هذا الحق إلى أطراف دولية معنية لقدرتها على القيام بالتدخلء فتلجأ 
إلى مبادرات منفردة تحت مظلة الأمم المتحدة. من دون أن يعكس ذلك إجماعا دوليا حقيقا؟ وما 
الضمانات التي تكفل القدر ا مطلوب من الحيدة السياسية في مثل هذا التدخل الإنساني؟ وإلى أي مدى 
تتيح هذه الوسيلة التي تمارس باسم الجماعة الدولية بعدد محدود من الدول ذات الثقل التدخل في 
الشؤون الداخلية للدول الضعيفة انطلاقا من سياسات وتحقيقا لأهداف تتعدى النواحي الإنسانية؟ 
وما طبيعة الصعوبات العملية بالنسبة إلى صلاحيات وسلطة توجيه قوات الأمم ايلتحدة؟2016. 

كما أن الجدل مازال يدور حول جملة إشكاليات فرعية تتعلق بقياس فعل التدخل ونطاقه, 
ومجالاته. وحدوده: ووسائله وأساليبه. مرد ذلك في الحقيقة إلى إشكالية مؤداها: متى يكون التدخل 
إنسانياء ومتى لا يكون كذلك؟ بعبارة أخرى متى يكون مشروعا ومتى يكون غير ذلك؟ وما هو النطاق 
الذي ينبغي أن يتم داخله هذا التدخل ولا يتجاوزه» وما المجالات التي يتحرك في نطاقها التدخل 
الإنساني؟70''". ومن ناحيه أخرىء ما الذي يعد انتهاكا لحق بعينه من حقوق الإنسان؟ وما الذي 


2157 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 





لا يعتبر انتهاكا لذلك الحق نفسه؟ وما الكيفية التي ينبغي بها مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان؟ 
وهل تكون الآليات واحدة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية. أم 
آليات مختلفة ينبغي إيجادها لمواجهة الانتهاكات المختلفة؟ ثم هل توجد درجات معينة لانتهاكات 
حقوق الإنسان تستدعي قبول التدخل الدولي؟ أم أن مبدأ التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان 
ينبغي أن يقتصر على حالات محدودة دون غيرها؟(018, 

كل هذه الأسئلة وغيرها الكثيرء والتي لا يممكن في الواقع إيجاد إجابة واحدة لها.ء جعل من 
قضية التدخل الإنساني واحدة من القضايا الأكثر تعقيدا في العلاقات الدولية المعاصرة. ومن الصعب 
الوصول إلى إجابات متكاملة بشأنها. ومن ناحية ثانية أصبح «الإسراف والإبهام في استخدام عبارة 
إنساني يؤدي إلى مفارقات عجيبة: إنسانية دولية» إنسانية حربية» غارة إنسانية... إلخ. إذن كل ما 
يطلق عليه إنساني هو بالضرورة صدر عن طيبة متناهية. حتى أصبح ال «الإنساني» وسيلة ملتوية 
للعمليات السياسية - الديبلوماسية - الحربية.ء وهو ما جعل الكاتب الفرنسي روني برومان يعبر عن 
ذلك في مقال له نشر في صحيفة الليبراسيون بعنوان «إنساني أو التسمية الحديثة للنذالة». وكانت 
النتيجة من كل ذلك أن أصبح سوء استخدام تلك الصفة (إنساني) في الصالح والطالح يؤدي حتما إلى 
انعدام تام للمعنى - أو بالأحرى إلى معنى مضاد - في حين كان يجب عليه أن يخلق معنى»1197). 

لكن وبعيدا عن كل هذا الجدل فإن الممارسات الفعلية على المستوى التطبيقي تظهر بوضوح 
قيام الدول الكبرى» وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية - بشرعية دولية أو من دونها - بالتدخل 
في الشؤون الداخلية لكثير من الدول انطلاقا من سياسات متباينة. وتحقيقا لأهداف ومصالح سياسية 
واقتصادية تتعدى النواحي الإنسانية؛ فتاريخ السياسة الخارجية الأمريكية في دعم الأنظمة القمعية 
والسكوت عنها وإثارتها قضايا حقوق الإنسان بالنسبة إلى الدول التي تناهض سياستها معروف. ولها 
سجلها الطويل منذ عدة عقود وحتى الآن. فهي مواقف وقرارات تحكمها المصالح وليس اطبادئ, 
وهذا هو شأن الدول الكبرى دائما وعلى مر التاريخ(0120, 


258 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 
معو وس م وبي 1157291 


الهوامش 


د. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق؛ القاهرة. مكتبة الشروق الدولية, ط 2 1426ه/ 2005م, ص253. 
عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م, رسالة ماجستير 
في العلوم السياسية, القاهرة: جامعة القاهرة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, 1417ه/ 1997م ص30. 

جمال منصر, التدخل العسكري الإنساني في ظل الأحادية القطبية .. دراسة في المفهوم والظاهرة. رسالة دكتوراه في العلوم السياسية, الجزائر: 
جامعة الحاج لخضر باتنةء كلية الحقوق والعلوم السياسية, قسم العلوم السياسية, 1431ه/ 1432ه - 2010م/ 2011م: ص87. 

د. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق» مرجع سبق ذكره. ص253. 

,45 م ,(1993 تإقاة ندملدم]) , عاطونة؟ متكم ," ادع سيد رمممتسنامميم بعومة #عماومة ممقلممعمه متلمهه5 * , لقدب عل علق مه تمقد0 «رتطماة 
يُنظر: عبير بسيوتي عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م. مرجع 
سبق ذكره. صب. 

.71043 ,12 .آولا,(8[11)2001 #لمعنهوممدع1 لدوعآ 2 عه 0م716 2 عتغط1 كآ :ممنامع مع امآ ممائة؛تممسسة] ,لامملنة؟ ممعم 
يُراجع: أحمد عبدالجليل خليل, التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا). رسالة ماجستير 
في العلوم السياسية, الأردن» عمان. جامعة الشرق الأوسط كلية الآداب والعلوم؛ قسم العلوم السياسية, 2014م, ص39 و40. وفرج محمد 
نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م): رسالة ماجستير في العلوم السياسية, القاهرة. جامعة الدول 
العربية, معهد البحوث والدراسات العربيةء قسم الدراسات السياسية. 2003م. ص55. 

يُراجع: رافعي ربيع» التدخل الدولي الإنساني المسلح, رسالة ماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية: الجزائر: جامعة د. الطاهر مولاي 
سعيدة, كلية الحقوق والعلوم السياسية, قسم الحقوق. 20011م - 2012م؛ ص26. 

يُراجع: السفير الدكتور إبراهيم سلامة, العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وموقف مصر منه, في: محسن عوض (محرر). 
حقوق الإنسان والإعلام, القاهرة, وزارة الخارجيةء مشروع دعم القدرات في مجال حقوق الإنسان بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإمماني 
«0تزتآ. ط4,2006. ص57. 

وهو ما يؤكده الناشط السياسي وأستاذ لسانيات الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكيء وأستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن وصاحب كتاب 
الاستشراق المشهور المُنظر والأديب الفلسطيني إدوارد سعيد. يُنظر: د. محمد سالمان طايع, حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية 
بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به؛ في: مجموعة مؤلفين» الإعلان العالمي لحقوق الإنسانء حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق .. قراءة 
جديدة. تنسيق علمي وإشراف: نادية محمود مصطفىء محمد شوقي عبدالعال, الجزء الثانيء القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية 
والاجتماعية. ط1ء 1431ه/ 2011م). ص882. 

يُنظر: روجيه جارودي. أمريكا طليعة الانحطاط. تقديم: كامل زهيري. تعريب: عمرو زهيري» القاهرة: دار الشثروق» ط1. 1420ه/ 1999م, 
ص112. 

د. ماجدة علي صالح؛ الرؤية الآسيوية لحقوق الإنسان. في: مجموعة مؤلفين. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, حقوق الإنسان بين النظرية 
والتطبيق .. قراءة جديدة, تنسيق علمي وإشراف: نادية محمود مصطفى, محمد شوقي عبدالعال, الجزء الأول» القاهرة. عين للدراسات 
والبحوث الإنسانية والاجتماعية. ط1. 1431ه/ 2011م). ص283. 

الوصف الأول ل «.د816. والثاني ل فادندء4م86. ورد في: عبير بسيوني عرفة رضوان, التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة 
التدخل في العراق» مارس 1991م - سبتمير1996م: مرجع سبق ذكره. ص37. 

للمزيد حول المفهوم »«الضيق» و«الواسع» للتدخل الإنساني والآراء المتعددة حول كل مفهوم يمكن الرجوع إلى: مفتاح محمد مفتاح سيف 
النصر, التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل المنظمات الدولية لحماية حقوق 
الإنسان في دارفورء رسالة ماجستير في القانون. القاهرة. جامعة الدول العربية, معهد البحوث والدراسات العربية» قسم الدراسات القانونية, 
1 ه/ 2010م). ص16 - 23. وخالد حساني. بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنساني. مجلة المستقبل العربي. بيروت مركز 
دراسات الوحدة العربية, العدد 425, يوليو 2014م. ص42 - 45. وعبير بسيوني عرفة رضوان, التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة 
التدخل في العراق» مارس 1991م - سبتمبر1996م, مرجع سبق ذكره. ص2 - 10. 

يُراجع: أحمد وافيء الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومبدأ السيادة. رسالة دكتوراه في القانون الدولي والعلاقات الدولية. الجزائره 
جامعة الجزائر الرقم 1 كلية الحقوق قسم القانون الدولي والعلاقات الدولية. 2010م/ 2011م, ص190. 


259 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


101 ٠ ٠ 3: <7 77: اح تتح‎ 


17 


19 


21 


8 


4-8 


يمكن النظر في هذا التقسيم» وتعريف كل نوع من هذه الأنواع بالرجوع إلى: د. محمد سالمان طايع؛ حقوق الإنسان في السياسة الخارجية 
الأمريكية بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به. في: مجموعة مؤلفين, الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» حقوق الإنسان بين النظرية 
والتطبيق .. قراءة جديدة: الجزء الثانيء مرجع سبق ذكره. ص871 و872. 
للنظر في هذه المظاهر والحالات من التدخل يمكن الرجوع إلى: د. عماد جاد. التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والأبعاد السياسية, 
القاهرة. مطبوعات مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأغرام. 2000م. ص53 - 130. 
يُنظر: كينسي هاماساي, نظرية الأمن الإنساني في القانون الدولي المعاصرء مع إشارة خاصة إلى دور اليابان» رسالة دكتوراه في الحقوق» القاهرة, 
جامعة القاهرة. كلية الحقوق قسم القانون الدولي, 1429ه/ 2008م. ص229. 
يُنظر تقرير الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي الصادر عام 1992م المعروف باسم «خطة للسلام», والمكون من 
ثلاثين صفحة, وهو تحت عنوان: برنامج للسلم .. الديبلوماسية الوقائية وصنع السلم وحفظ السلم» الأمم المتحدة؛ الجمعية العامة الوثائق» 
الدورة السابعة والأربعون. الوثيقة الرقم 277/ 47/ 1992 /6 /17 .ام. ص2: ص7 - 21,: وقد قام الأمين العام بتعريف هذه المفاهيم في هذا 
التقرير «خطة السلام», وفي الصفحات المذكورة أعلاه, وتقرير الأمين العام هذا جاء عملا بالبيان الذي اعتمده اجتماع مجلس الأمن يوم 31 
يناير 1992م. 
السفير الدكتور إبراهيم سلامة, العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وموقف مصر منه؛ في: محسن عوض (محرر)ء حقوق 
الإنسان والإعلام» مرجع سبق ذكره. ص57. 
يُنظر: موسى سليمان موسى, التدخل الدولي الإنساني ومشروعية التدخل السوري في لبنان, رسالة ماجستير في القانون, الدنمارك, الأكاديمية 
العربية في الدنمارك, كلية القانون والعلوم السياسية, قسم القانون الدوليء 2007م, ص43 ود. نجوى إبراهيم, دور الأمم المتحدة في تطوبر 
آليات حماية حقوق الإنسانء مجلة السياسة الدولية, القاهرة, مؤسسة الأهرام. العدد 167, يناير 2007م: ص49» ود. أحمد الرشيدي. حقوق 
الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق, مرجع سبق ذكره. ص256, وعبير بسيوني عرفة رضوان» التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية 
.. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996عم, مرجع سبق ذكره. ص40. 
يُنظر: مومى سليمان موسىء التدخل الدولي الإنساني ومشروعية التدخل السوري في لبنان» المرجع نفسه, ص44, ود. نجوى إبراهيم» دور 
الأمم المتحدة في تطوير آليات حماية حقوق الإنسان, المرجع نفسه. ص49, ود. أحمد الرشيدي. حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية 
والتطبيق؛ المرجع نفسه. ص256, عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق» مارس 
1م - سبتمبر1996م, المرجع نفسه. ص 43. 
يُنظر: موسى سليمان مومى: التدخل الدولي الإنساني ومشروعية التدخل السوري في لبنان. المرجع نفسه. ص43, ود. نجوى إبراهيم» دور 
الأمم المتحدة في تطوير آليات حماية حقوق الإنسان, المرجع نفسه. ص49 ود. أحمد الرشيدي, حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية 
والتطبيق, ا مرجع نفسه. ص255 و256» عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق» مارس 
1م - سبتمبر1996م,؛ المرجع نفسه؛. ص37 - 40. 
مفتاح محمد مقفتاح سيف النصرء التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل 
المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في دارفور. مرجع سبق ذكرهء ص102. 
القرار 2625 (الدورة 25). إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم لمتحدة /3:5ة لذ 
2017 2625, الأمم المتحدة, الجمعية العامة, الوثائق الرسمية للجمعية العامة ص317, وكذا متوافر على موقع المنظمة على الشبكة العالمية 
للمعلومات, الأمم المتحدة, الجمعية العامة للأمم المتحدة, الوثائق» بوابة وثائق الأمم المتحدة, بحث عن طريق رموز الوثائق» رمز الوثيقة 
077 2625 /8385 /لف موقع الأمم المتحدة بالشبكة العالمية للمعلومات: 

1م32 :قرع صملاع طة,-162015-5 ,5ع عع , 8ه تسدا بايث / /تطاقط 
عماد الدين عطالله المحمد, التدخل الإنساني في ضوء مبادئ وأحكام القانون الدولي العام, رسالة دكتوراه في الحقوق, القاهرة, جامعة 
القاهرة, كلية الحقوق, قسم القانون الدولي العام, 1428ه/ 2007م: ص299. 
يُنظر هامش: مفتاح محمد مفتاح سيف النصرء التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية 
لتدخل المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في دارفور. مرجع سبق ذكره. ص15. 
تحديدا جيمس فاوست 2866 :عصتول, ورد في: عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في 
العراق» مارس 1991م - سبتمبر1996م, المرجع نفسه. ص43. 
هذه المعاهدة أقرت قيام الدولة ذات السيادة, كما أنها أنهت التدخل بحجة الاختلافات الدينية في أوروبا الغربية, يُراجع: كينسي هاماساي, 
نظرية الأمن الإنساني في القانون الدولي المعاصرء مع إشارة خاصة إلى دور اليابان. مرجع سبق ذكره. ص230. 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 
ا 0 لج ش جيجه يي 2522225 يت7تبت79ت7تا71ب7بت2727574يي 5 لض 
31 ' لزيد من التفاصيل والحجج التي يسوقها ويستند عليها هذا الاتجاه الرافض للتدخل الإنساني يمكن الرجوع إلى: د. مخلد إرخيص الطراونة, 
0 التدخل الإنساني العسكري لإحلال الأمريكية وأبعاده القفانونية والسياسية. مجلة الحقوقء الكويتء جامعة الكويت, مجلس النشر العلمي» 
ع ا العدد 4. السنة 33. ديسمبر 2009م. ص388 - 390. وأحمد عبدالجليل خليل. التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية 
2 | السياسية (كوسوفو أنموذجا). مرجع سبق ذكره. ص60 و61. وجمال منصرء التدخل العسكري الإنساني في ظل الأحادية القطبية .. دراسة في 
"٠ 2‏ المقهوم والظاهرة. مرجع سبق ذكره. ص153 - 155 ود. أحمد الرشيدي. حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق. مرجع سبق 
" ذكره, ص272 - 275. 
32 أحمد عبدالجليل خليل, التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا)» المرجع نفسه. ص61. 
و فرج محمد نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1943م - 2000م), مرجع سبق ذكره. ص56 
1 جاك دونلليء حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق» ترجمة: مبارك علي عثمان, مراجعة: أ. د. تممه نهذ زتجات, الاتغز انذكية 
2 2 | الأكاديمية, الطبعة العربية الأولى. 1998م, ص276. 
"فرج محمد نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م). المرجع السابق. ص56. 
ف يُنظر: أحمد عبدالجليل خليل, التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا)ء مرجع سابق, ص60 و61. 
237 جاك دونللي. حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق, مرجع سبق ذكره. ص274 
00 بهذه الرؤية فإن الدول تعنيها تحقيق مصالحها الوطنية. وهو ما يعني أن الدولة تتدخل في شؤون الدول الأخرى متى رأت في ذلك تحقيقا 
230" المصالحهاء وتحجم عن التدخل إذا مم تُحفّق مصالحهاء ومن ثم يصبح مبدأ عدم التدخل ليس له قيمة في العلاقات بين الدول العظمىء لمزيد 
من التفاصيل والتحليلات حول نظرية القوة أو النظرية الواقعية في العلاقات الدولية وتقبيمها يكمن الرجوع إلى: د. إسماعيل صبري مقلد. 
١‏ نظريات السياسة الدولية .. دراسة تحليلية مقارنة, الكويت, جامعة الكويت, ط1, 1403ه/ 1982م, ص17, ص49 - 102. 
٠‏ لمزيد من التفاصيل والحجج التي يسوقها ويستند عليها هذا الاتجاه المؤيد لمشروعية التدخل الإنساني كما نؤكد - هنا - أن فريقا من هذا 
' الاتجاه وضع بعض الضوابط لمشروعية التدخل. أي له شروطه وقيوده وحدوده وضوابطه. للنظر في هذه النقاط وغيرها يمكن الرجوع إلى: 
'! أحمد عبدالجليل خليل؛ التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا). المرجع نفسه. ص62 - 
66. جمال منصرء التدخل العسكري الإنساني في ظل الأحادية القطبية .. دراسة في المفهوم والظاهرة. مرجع سبق ذكره. ص150 - 153 
7 '' ود. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق» مرجع سبق ذكره. ص265 - 272. 
ٍ 4 من تصريح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في المشروع الذي طرحه على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال 54: ورد 
0 في: أحمد وافي, الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومبدأ السيادة. مرجع سبق ذكره. ص185. 
0 لمزيد من التفاصيل حول مسألة «ربط السيادة بمفهوم السلم والأمن الدوليين», يُراجع: أحمد وافي» الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان 
ا ١‏ ومبدأ السيادة. المرجع نفسه. ص179, وص 183 - 187. 
42 ' فرج محمد نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م). مرجع سبق ذكره. ص57. 
م عمر رحالء الدور السياسي للأمم المتحدة في ظل النظام العالمي الجديدء فلسطين, رام الله. مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديموقراطية 
(شمس). ط1ء 2007 ص51. 
)ا يُنظر تقرير الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي الصادر في العام 1992م, المعروف باسم «خطة للسلام». وهو تحت 
. 1 : عنوان: برنامج للسلم الديبلوماسية الوقائية وصنع السلم وحفظ السلمء مرجع سبق ذكره. ص6 ود. بطرس بطرس غالي» نحو دور أقوى للأمم 
7 2 ' المتحدةء مجلة السياسة الدولية» القاهرة. مؤسسة الأهرام. العدد111, يناير 1993م: ص11. 
2 ' راجح نظرية السيادة القومية في علاقتها بظاهرة الصراع والحرب, بالرجوع إلى: د. إسماعيل صبري مقلد. نظريات السياسة الدولية .. دراسة 
| تحليلية مقارنة. مرجع سبق ذكرهء ص241. 
د. بطرس بطرس غاليء حقوق الإنسان بين الأمريكية والتنمية, مجلة السياسة الدولية, القاهرة: مؤسسة الأهرام, العدد114, أكتوبر 1993م؛ ص145. 
ّ مروة حامد البدري محمدء التدخل الإنساني ومبدأ سيادة الدولة فيما بعد الحرب الباردة .. دراسة حالة للتدخل الدولي في البلقان 1992م - 
1999م, رسالة ماجستير في العلوم السياسية, (القاهرة. حلوان. جامعة حلوان, كلية التجارة وإدارة الأعمال, قسم العلوم السياسية, 1425ه/ 
0 5م) ص50. 
١‏ 0 ' موساوي آمال. أسس التدخل الإنساني في القانون الدوليء مجلة العلوم الإنسانية, دورية علمية محكمة. الجزائر. جامعة محمد خضير بسكرة. 
' كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. العدد الثالث والعشرونء نوفمير 2011م. ص126. 
ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية» مرجع سبق ذكره. ص5. 
ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأسامي لمحكمة العدل الدولية» المرجع نقسه. ص22. 
١ 191‏ ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية» المرجع نفسه. ص22. 

























261 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


2 0 82 85 


61 


62 


5 


5 


73 
74 
75 


262 


ورد في: أحمد وافي, الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومبدأ السيادة. مرجع سبق ذكره. ص100. 

ورد في: د. معمر فيصل خولي, الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنساني. القاهرة, دار العربي للنشر والتوزيع, ط1, 2011م ص36, 

ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المرجع السابقء ص20. 

ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأسامي لمحكمة العدل الدولية, المرجع نفسه. ص5. 

موساوي آمال, التدخل الدولي لأسباب إنسانية في القانون الدولي المعاصرء رسالة دكتوراه في القانون» الجزائر, جامعة الحاج لخضر باتنة, كلية 
الحقوق والعلوم السياسية, قسم الحقوقء تخصص قانون دولي وعلاقات دولية» 2011م/ 2012م. ص128 و129. 

يُنظر: عبير بسيوني عرفة رضوان, التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م؛ مرجع 
سبق ذكره. ص63 و64 ود. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق» مرجع سبق ذكره. ص269 و270. 

يُنظر: عبير بسيوني عرفة رضوان, التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م: المرجع 
نفسه. ص63, ود. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق؛ المرجع نفسه. ص270. 

خالد حسانيء بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنسانيء مرجع سبق ذكره. ص47. 

يُنظر: عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م, المرجع 
السابق, ص34, ود. أحمد الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق, المرجع السابقء ص260. 

د. باسيل يوسف باسيل. سيادة الدول في ضوه الحماية الدولية لحقوق الإنسان. سلسلة دراسات إستراتيجية. أبوظبي. مركز الإمارات 
للدراسات والبحوث الإستراتيجية, العدد 49, 2001م» ص108 و109. 

يُنظر: أحمد عبدالجليل خليلء التدخل العسكري الإنساني بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا). مرجع سبق ذكره. 
ص62) ود. محمد ساممان طايع» حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به, في: مجموعة مؤلفين. 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق .. قراءة جديدة, الجزه الثاني» مرجع سبق ذكره. ص863. 

للمزيد حول هذا الاتجاه ورأي الفقهاء والمهتمين حوله, والذي يمكن وصفه بالاتجاه التوفيقي التجديدي يمكن الرجوع إلى: أحمد عبدالجليل 
خليل. التدخل العسكري الإنسالي بين الشرعية القانونية والمشروعية السياسية (كوسوفو أنموذجا). المرجع نفسه. ص66 - 68, ود. أحمد 
الرشيديء حقوق الإنسان .. دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق. مرجع سبق ذكره. ص275 - 278. 

فرج محمد نصر لامةء حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م), مرجع سبق ذكره. ص57. 

يُنظر: مفتاح محمد مفتاح سيف النصرء التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل 
المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في دارفورء مرجع سبق ذكره. ص86. 

يُنظر: كحال سعيدةء حقوق الإنسان في ظل التدخل الأمريكي في العراق. رسالة ماجستير في العلوم السياسية, الجزائر. قسنطينة. جامعة 
الإخوة منتوريء كلية الحقوق» قسم العلوم السياسية؛ 2008م/ 2009م» ص51 وخالد حسانيء بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل 
الإنساني؛ مرجع سبق ذكره. ص42. 

يُراجع: كحال سعيدة. حقوق الإنسان في ظل التدخل الأمريكي في العراق, المرجع نفسه. ص52, ومفتاح محمد مفتاح سيف النصرء التدخل 
الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في 
دارفورء مرجع سبق ذكرهء ص102 و103, وخالد حسانيء بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنسانيء مرجع سبق ذكرهء ص42. 
كحال سعيدة. حقوق الإنسان في ظل التدخل الأمريكي في العراق» المرجع نفسه. ص52. 

د. بطرس بطرس غاليء نحو دور أقوى للأمم المتحدة» مجلة السياسة الدولية» مرجع سيق ذكره. ص11. 

د. معمر فيصل خوليء الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنساني. مرجع سبق ذكره. ص99. 

وائل محمود فخري غريب إبراهيم. مبدأ عدم التدخل في الحروب الأهلية, رسالة دكتوراه في الحقوق. المنوفية. جامعة المنوفية» كلية 
الحقوقء قسم القانون الدولي, 1433ه/ 2012م. ص17., وجمال منصرء التدخل العسكري الإنساني في ظل الأحادية القطبية .. دراسة في 
اللفهوم والظاهرةء مرجع سبق ذكره. ص145. 

للنظر في هذه النظريات والمتغيرات الجديدة في دراسة العلاقات الدولية يمكن الرجوع إلى: د. قدري محمود إسماعيلء الاتجاه الإنساني في 
دراسة العلاقات الدولية, مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية, الأسكندرية. جامعة الأسكندرية. كلية التجارة. العدد الثانيء المجلد السابع 
والثلاثون. سبتمبر 2000م. 

د. بطرس بطرس غالي, حقوق الإنسان بين الأمريكية والتنميةء مجلة السياسة الدولية» مرجع سبق ذكره. ص145. 

د. بطرس بطرس غالي. حقوق الإنسان بين الأمريكية والتنمية» مجلة السياسة الدولية, المرجع نفسه. ص145. 

أ. فؤاد خوالدية, التدخل الإنساني وتأثيره على السيادة الوطنية, في: مجموعة مؤلفين, أعمال الملتقى الوطني الثالث. مبدأ السيادة في ظل 
النظام الدولي الجديد. الجزائر. جامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية. كلية الحقوق» يومي 12 و13 مايو 2010م, ص8. 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


76 


77 


5 5 8 


51 


92 


382 5 


| يي بي سي مي 0 0000 ا 16د 


عبدالرحمن عبدالعال, مفهوم التدخل الإنساني وإشكالياته. مجلة الأهرام الرقمي» الشبكة العالمية للمعلومات: 

.1هة 61:58 ستاعطا,,20-5-2016, لعدمعععة ,963148:610-289-[مذرع5 7روقة.ق لعتائة /و.يرده.سدئطة لماتوتك / /:صاغط 
مفتاح محمد مفتاح سيف النصرء التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل 
المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في دارفور» مرجع سبق ذكره. ص98 و99. 
فرج محمد نصر لامة, حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م): مرجع سبق ذكره. ص58 و59. 
د. نجوى إبراهيمء دور الأمم المتحدة في تطوير آليات حماية حقوق الإنسان. مرجع سبق ذكره. ص51 
د. معمر فيصل خوليء الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنسانيء مرجع سبق ذكره. ص9. ص215. 
د. إسماعيل صبري مقلدء العلاقات السياسية الدولية النظرية والواقعء القاهرة, المكتبة الأكاديمية, ط1, 1432ه/ 2011م ص349: وعلياء 
أحمد فرغلي مصطفى, توظيف حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة (1990 - 2004م). رسالة 
دكتوراه في العلوم السياسية, أسيوط. جامعة أسيوط, كلية التجارة. قسم العلوم السياسية والإدارة العامة 1429ه/ 2008م, ص84. وخالد 
حسانيء بعض الإشكاليات النظرية ملفهوم التدخل الإنساني. مرجع سبق ذكره. ص51. 
علياء أحمد فرغلي مصطفىء توظيف حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة (1990م- 
4م) المرجع نفسه. ص162. 
علما بأن هذا القرار م يتضمن أي تفويض لهذه الدول من طرف مجلس الأمن باستخدام القوة في شمال العراق أو في جنوبه. للمزيد يمكن 
الرجوع إلى: خالد حساني» بعض الإشكاليات النظرية لمفهوم التدخل الإنسانيء المرجع نفسه. ص51 و52. 
د. محمد سالمان طايع. حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به, في: مجموعة مؤلفين: الإعلان 
العالمي لحقوق الإنسان. حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق .. قراءة جديدة» الجزء الثانيء مرجع سبق ذكره. ص880. 
لمزيد من التفاصيل حول هذه النظرية يُراجع: د. سيد أبو ضيف أحمد, إمبراطورية تتداعى .. مستقبل الهيمنة الأمريكية والنظام الدولي» 
القاهرة, دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير, د. ط. 2009م, ص66 - 71. 
د. سيد أبو ضيف أحمدء إمبراطورية تتداعى .. مستقبل الهيمنة الأمريكية والنظام الدولي؛ المرجع نفسه. ص85. 
د. عبير بسيوني عرفة على رضوان, السياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين, القاهرة, دار النهضة العربية, ط1. 2011م: ص37 - 43. 
فرج محمد نصر لامة, حقوق الإئسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م). مرجع سبق ذكره. 59. 
مفتاح محمد مفتاح سيف النصرء التدخل الأجنبي عبر المنظمات الدولية بين حقوق الإنسان وسيادة الدولة .. دراسة تطبيقية لتدخل 
ا منظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في دارفور» مرجع سبق ذكره. ص98. 
أماني محمود فهمي, حقوق الإنسان في علاقات الشرق والغربء مجلة السياسة الدولية؛ القاهرة مؤسسة الأهرام, العدد 96, أبريل 1989م ص82 و83. 
يُنظر: د. محمد سالمان طايع» حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به. في: مجموعة مؤلفين, 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسانء حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق .. قراءة جديدة, الجزء الثانيء مرجع سبق ذكره. ص883. ومحسن 
عوض» حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية وبين حق التدخل وحقوق السيادة؛ في: محسن عوض (محرر)ء حقوق الإنسان والإعلام» 
مرجع سبق ذكره, ص93. 
للمزيد حول أحداث الميدان السماوي 1989م والموقف الصيني» وكذا موقف الإدارة الأمريكية من هذه الأحداث يمكن الرجوع إلى: علياء 
أحمد فرغلي مصطفى. توظيف حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة (1990م - 2004 
م)؛ مرجع سبق ذكره, ص155 - 161. 
د. معمر فيصل خولي الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنسانيء مرجع سبق ذكره. ص221 و222. 
يُنظر: د. إسماعيل صبري مقلد. العلاقات السياسية الدولية .. النظرية والواقع. مرجع سبق ذكره. ص350. 
د. ماجدة علي صالح, الرؤية الآسيوية لحقوق الإنسانء في: مجموعة مؤلفين, الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, حقوق الإنسان بين النظرية 
والتطبيق .. قراءة جديدة. الجزه الأولء مرجع سبق ذكره. ص283, ص291. 
وفقا للإحصاء السكاني للعام 2001م: يشكل الروس 58 96 من إجمالي مليوني مقيم في القرم» في سيفاستبول التي تضم قاعدة أسطول البحر 
الأسود الروسيء مثل الروس 70 96 من سكان المدينة البالغ عددهم 340 ألف نسمة؛ في حين شكل الأوكرانيون 24 96, والتتريون القرميون 
2 96. يُنظر: أميرة الباجوريء التدخل الروسي في أوكرانيا .. أولى خطوات انضمام القرم لموسكو تبعات على اقتصاد البلاد. صحيفة صدى البلد. 
الأحد 1 مارس 2015م.: موقع الصحيفة بالشبكة العالمية للمعلومات: 

.1413745 لمرمع .فهلهط-. 1 صب / /تبوغط .سدمكة4:كرعصستاعطا,4,18-5-2015عموعععم 

عبدالباري عطوانء أمريكا تقول إن التدخل العسكري الرومي في القرم غير قانوني وغير شرعي .. جميل وماذا عن تدخلها في العراق 
وأفغانستان, صحيفة رأي اليوم (عربية مستقلة). موقع الصحيفة بالشبكة العالمية للمعلومات: 


223 


إشكالية التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان 


921: < 187:1: 


98 
99 


103 


105 


107 


108 
109 
110 


111 
112 
113 
114 


115 
116 


117 
118 
119 


120 


264 


01 م56:كبع تتتاعطا,-182015-5,لعقوعءعم ,77-58861 لصدمء. مده رلمنة .مي / لاغط 
فرج محمد نصر لامة, حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م), مرجع سبق ذكره. ص 59. 
يُنظر: د. محمد سالمان طايع» حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية بين المعلن والمسكوت عنه والمعمول به. في: مجموعة مؤلفين. 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق .. قراءة جديدة. الجزء الثانيء مرجع سبق ذكره. ص883. ومحسن 
عوضء حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية وبين حق التدخل وحقوق السيادة, في: محسن عوض (محرر)ء حقوق الإنسان والإعلام» 
مرجع سبق ذكره. ص93. 

.12 .م.2003 مكمععط اندوع انمتآ لم0 ,(ممنائنف8 عز5 )ردمة لمممتتممعثم1 عناطبظ ؤه وعاجعصهم يعتتدجرم8 ممآ 
يُنظر: عبير بسيوني عرفة رضوان. التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية .. حالة التدخل في العراق» مارس 1991م - سبتمير1996م, مرجع 
سبق ذكره. ص31. 
يُنظر: د. عبدالعظيم محمود حنفي, التدخل الإنساني في الإسلام. جريدة المطرقة, مصرية إلكترونية (جريدة شاملة ليست من المعارضة 
وليست مع الموافقة). موقع الجريدة على الشبكة العالمية للمعلومات: 

تدم 24 :كت تصناء طا,-12015-6,لعممعمعم ,1858 عق زم /مظم رمع وامطة /عأنقةأه لدرمع هو ستفصسلة مص / /تجقط 
لمزيد من التفاصيل حول مبدأ التدخل في الفكر الإسلامي يمكن الرجوع إلى: عبير بسيوني عرفة رضوانء التدخل الخارجي في الصراعات 
الداخلية .. حالة التدخل في العراق. مارس 1991م - سبتمبر1996م, مرجع سبق ذكره, ص31 - 33. 
د. منصور الجمريء المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان .. جلسات عاصفة واختلاف الآراء بين الشمال والجنوب. صحيفة الوسط البحرينية؛ يومية 
- سياسية - مستقلة؛ مملكة البحرينء شركة دار الوسط للنشر والتوزيع؛ موقع الصحيفة بالشبكة العالمية للمعلومات: 

صسه2:30 اك تصناء ط,-0,192015-5عكوعءعف , لصئط.1 /718749 لقدء: أذبعم /1 لددمع.وبو صتفع هله بصب / /نجلاط 
د. حسني أمين, المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان .. قراءة أولية في الوثائق الأساسية. في: حقوق الإنسان الثقافة العربية والنظام العالمي» 
تحرير مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية. دراسات مختارة. القاهرة؛ مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات 
القانونية. د. ط. 1993م ص267. 
د. منصور الجمريء المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان جلسات عاصفة واختلاف الآراء بين الشمال والجنوب. صحيفة الوسط البحرينية» يومية 
- سياسية - مستقلة, مملكة البحرين, شركة دار الوسط للنشر والتوزيع. موقع الصحيفة بالشبكة العالمية للمعلومات. 

م5 تستاعط؛,-560,192015-5قعععلة ,لحمئط. 1 /718749 نهعم /وباعم /1 مومع ,وب صتممد مله بحص / /تطقط 

د. محمد نعمان جلال. مصر العروبة والإسلام وحقوق الإنسانء القاهرة, الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ مكتبة الأسرة» سلسلة الأعمال 
الخاصة, د. ط, 1999م» ص26. 
فرج محمد نصر لامة, حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م). مرجع سبق ذكره. ص61. 
فرج محمد نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م). المرجع نفسه؛. ص61. 
أ. فؤاد خوالدية, التدخل الإنساني وتأثيره على السيادة الوطنية, في: مجموعة مؤلفين (أعمال الملتقى الوطني الثالث): مبدأ السيادة في ظل 
النظام الدولي الجديد, الجزائر. جامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية؛ كلية الحقوق. يومي 12 و13 مايو 2010م» ص8. 
د. معمر فيصل خوليء الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنسانيء مرجع سبق ذكره. ص11 - 33. 
د. معمر فيصل خولي؛ الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنسانيء المرجع نفسه. ص88 و89. 
د. معمر فيصل خولي, الأمم المتحدة والتدخل الدولي الإنساني. المرجع نفسه. ص277 و278. 
تاريخ نشر هذه الدراسة وطبعتها الأولى سنة 2011م: كما جاء في البيانات المدونة عليهاء وهي دراسة: د. معمر فيصل خولي» الأمم المتحدة 
والتدخل الدولي الإنسانيء المرجع نفسه. ص277. 
مسعد عبدالرحمن زيدان قاسم, تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدوليء مرجع سبق ذكره. ص262. 
يُنظر: محسن عوضء حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية وبين حق التدخل وحقوق السيادة, في: محسن عوض (محرر). حقوق الإنسان والإعلام» 
مرجع سبق ذكره. ص93, وفرج محمد نصر لامة. حقوق الإنسان في إطار جامعة الدول العربية (1945م - 2000م): مرجع سبق ذكره. ص63. 
أ. فؤاد خوالدية؛ التدخل الإنساني وتأثيره على السيادة الوطنية» في: مجموعة مؤلفين (أعمال الملتقى الوطني الثالث). مرجع سبق ذكره. ص8. 
منار الشوربجيء حقوق الإنسان: دعوة للخوض في التفاصيل, مجلة السياسة الدولية» القاهرة, مؤسسة الأهرام, العدد 117 يوليو 1994م ص74. 
يُنظر: عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي., المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان, رسالة ماجستير في العدالة الجنانية, الرياضء 
جامعة نايف للعلوم الأمنية, كلية الدراسات العليا قسم العدالة الجنائية, تخصص التشريع الجنائي الإسلامي, 1430ه/ 2009م. ص284 و285. 
د. إسماعيل صبري مقلد. العلاقات السياسية الدولية النظرية والواقع, مرجع سبق ذكره. ص354 و355. 


مدع رنتعنا” | عق بامذئلاج؛] “دوسا 


يم 6 3 معم2 
ل 0 /25268 0ع 0 20125268 كسك جر بجريم ركم 


ع بدع مم ون جيامه :جمس 0 880721 0 890721 ككس جيم عورد 
| ع ودددو جع نول :4و 0 189622]عع 0 00908622 “جب تتكس جور 0 يوي 


3650لا "121005 اجرج #177نناولا ")كل 


مح 000 0 8659 1/عع 0 988559 - 5600/61 


ان ان 0 /512652225 0 /002672225 تعر وخككمر يور 


0 ند ةرون هلول "دون :11ل 0 5006511 0 6672211 واكم وير 
0 : 0 /0926591 
(220500م | رع باو اناك[ "ددس 0 667491 0 /5169991/5 


نم2 م !08 28ج()0 9 وز [امتنان!] "دوس 0 /ج7 0628/6 0 007590862 بغدر 


ع ل ميم كا 
0 /5/5/ 022285211121 : 


دبا8 2 زم )داوع طعيعر نادر :ام 0 /آ1298 008 0 25612975 - 281229835 صم 6 وج 


]7م15 سبامه :ددس 0 0026752 0 966026752 - 85196572 - 66616752 


2ن :رارق دللمده :دمتن 


كيم 
إنايه رج دل ف مده وميم 0 /7ع556816 - 6108167 0 /10991665/2/6 عيوء يدح د حت 
002 2912150111113 011 7 


تانج إناناج “ع باننادم (ة 2/672 ننا'همتنا 


22111111 0 5/1911 0 /19/1//ع؟ - 89191996 


270ل إا5[!] دوع ج8لام (رل؟ رنبومريمن “حمسا ّ 5 ع له 
4 باستجد زو عتويم وسرود رم ومن | 99600 /99112121 -5121لاة 0 6661251 - 72/681551 اك سر وسور 


ناجم اكير نري 


إلا #اتكون رق 4 عبامه:دمثنا 0 /2892852ع 0 1/2 /02892852 عقرصم عرسم وعم 





صت كوم | عه - (فرمتن لكا؟كسور دوكر - يكسم تيبي لي ج60 معدم موجر 


قسيمة اشتراك في إصدارات 
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 


سلسلة عا 
|الثقافة العالية 7 م إبداعات عاللية جريدة القنون | المسرح العا 
البيان عام المعرفة الفكر 
د.ك | دولار | د.ك ث. | دولار | د.ك | دولار 


دولار | .دنك | دولار |؛ ديك | ذ.ك | دولا 


مؤسسات داخل الكويت 
أفراد داخل الكويت 


مؤسسات دول الخليج العربي 


أفراد دول الخليج العربي 
مؤسسات خارج الوظن العربي 
أفراد خارج الوطن العربي 
مؤسسات في الوطن العربي 
أفراد في الوطن العربي 





الرجاء ملء البيانات في حالة رغبتكم في: تسجيل اشتراك [ 22١‏ ]تجديد اشتراك[_ ] 


الاسم: 

العنوان: 

اسم المطبوعة: مدة الاشتراك: َ 
ال مبلغ المرسل: نقدا / شيك رقم: 


التوقيع: التاريخ: ‏ / / 20م 



































اا ارمع .لمعم :1 اع تداس لوطي لاف وافون ولاب - مشة حكونية ل 70002116 © 
تلالللنا0ا «المعم لدععم_ا لكا لامع. لدععم © لمععم_دوعرم